إشهار الذمة المالية.. عندما تخوض الصحافة معارك دونكيشوتية

الرابط المختصر

على مدى أسبوعين انهال "كورس" من الكتاب والصحفيين باتهامات للنواب بـ"استثناء أنفسهم من قانون إشهار الذمة المالية". واشتد هجوم الصحافة بعد اتهام النواب لصحف وكتاب بـ"الكذب" وتلقي "توجيهات حكومية تهدف إلى الإساءة للنواب"، بل ذهب بعضهم بعيدا للمطالبة بإخراج الصحفيين من مقر البرلمان.

وهرعت نقابة الصحفيين لإصدار بيان يعبر عن "أسفها لاتهامات وافتراءات بعض النواب"، واعتبرتها مسا بـ"الصحافة وحريتها ودورها في نشر الحقائق بمصداقية وموضوعية وحيادية ونزاهة".

وأعربت عن اعتزازها "باستقلالية الصحافة الأردنية وسياستها التحريرية وأدائها الموضوعي المتوازن".

هدأت العاصفة، وانشغل النواب بمناقشة مشروع قانون جديد، فيما انهمكت الصحافة بتغطية ما استجد من أحداث، لكن بقيت الحقيقة غائبة عن الجمهور. فهل فعلا استثنى النواب أنفسهم من القانون؟ وإن لم يفعلوا، ما دافع الصحافة لاتهامهم بذلك؟

بدأت الحكاية في الشهر الماضي عندما قدمت الحكومة مشروع قانون إشهار الذمة المالية إلى مجلس النواب لإقراره، وكان خلى من أي ذكر للنواب والأعيان وزوجات وأبناء المسؤولين. وكما جرت العادة، ناقشت اللجنة المختصة "القانونية" في مجلس النواب مشروع القانون وأوصت بتعديلات شملت إضافة النواب والأعيان وزوجات وأبناء المسؤولين، لتعرضه على كامل المجلس في الثاني من الشهر الجاري.

خلال الجلسة (2/1) دار النقاش حول اعتراض غالبية النواب على تقديم بيناتهم المالية للسلطة التنفيذية، وانقسم النواب بين اقتراح استحداث جهة مستقلة محددة وبين تقديمها لمجلس الأمة. انتهت الجلسة دون الاتفاق على آلية تقديم بينات النائب المالية، لكن بإجماع على تقديمها لجهة غير حكومية. في الجلسة التالية (5/1) تابع النواب نقاشهم الذي انتهى بإقرار قانون إشهار الذمة المالية، بما فيه توصيات اللجنة القانونية، مع تعديل تقديم النواب لبيناتهم المالية لدائرة في مجلس الأمة.

يوضح النائب محمد أبو فارس، عضو اللجنة القانونية، أنهم رأوا ضرورة إضافة النواب والأعيان إلى مشروع القانون. "لكن لا يجوز أن تكون السلطة التنفيذية هي التي تهيمن على هذا الأمر. فكان الاقتراح أن يكون النواب ممن يوضحون ذمتهم المالية في إقرار يكون موجودا عند مجلس الأمة. هذا وفق نظام يقره مجلسا النواب والأعيان".

ويؤكد أبو فارس أن أكثر من عشرين نائبا تحدثوا في هذا المعنى. "لكن ما كان يسمع لم يكن دقيقا نقله".

يبقى السؤال: كيف فسرت الصحافة موقف النواب بأنهم "استثنوا أنفسهم من قانون إشهار الذمة المالية"؟

يقول جهاد المنسي، مندوب صحيفة "الغد" في البرلمان أن ما تم في الجلسة واضح وبين. "الصحافة تحدثت عن استثناء النواب لأنفسهم وشطبهم لتوصية اللجنة القانونية التي تنص على إدراجهم ضمن القانون. الصحافة لا تأخذ بالنوايا، الصحافة تأخذ بالحقائق".

"النواب شطبوا أنفسهم وكانت الحجة الرئيسية أنهم لا يريدون وضع أرقابهم بين يدي السلطة التنفيذية. عمليا النواب لم يوافقوا على الإضافة. النواب أنهوا مناقشة الموضوع دون أن يضعوا آلية يتم فيها إشهار آلية، وبالتالي هم أخرجوا أنفسهم من القانون".

من يتابع التغطية الإعلامية للبرلمان يلحظ أنها مجرد نقل لوقائع جلسات النواب، التي قد تفتقد الدقة والموضوعية والحياد. ولم تعتد وسائل الإعلام المحلية على استطلاع أفكار وتوصيات اللجان المختصة حول مشاريع القوانين وتقديمها للشارع الأردني حتى قبل عرضها على كامل مجلس النواب، ليتمكن المواطن من فهم ومتابعة نقاش النواب لها.

لكن تفسير بعض النواب لكيفية تناول الصحافة للقضية ليست عدم الدقة والضعف المهني. المقصود، كما أشار أبو فارس ونواب آخرون، هو النيل من النواب. "يبدو أن هناك أكثر من جهة رسمية مولعة بالإساءة للنواب. المنفذ لهذا في الحقيقة كان بعض الإعلاميين وليس جميعهم".

ويتهم أبو فارس وسائل الإعلام بأنها مهيمن عليها من قبل الحكومة. "رأينا مقالات تنشر في الصحف اليومية والأسبوعية كلما حاسبنا رئيس الوزراء ورددنا عليه نجد بعض الكتاب يدافعون عن الحكومة أكثر من الحكومة نفسها".

"كتبت لـ"الدستور" ولغيرها مقالات أطالب فيها بإقالة هذه الحكومة، ولم ينشر من هذا المقال كلمة واحدة. يقول الصحفيون أن هناك ضغوط كثيرة علينا، وخاصة بالنسبة لك، لذلك أعذرنا إذا لم ننشر".

وفي ظل المعركة المستمرة بين الحكومة ومجلس النواب، لم تعكس الصحافة حقيقة ما جرى في مجلس النواب وموقف أعضائه من قانون إشهار الذمة المالية، وبدت التغطية الإعلامية غير موضوعية بتركيزها على فكرة "استثناء النواب أنفسهم من القانون"، وهي عبارة غير دقيقة ترددت بين أغلب من كتبوا حول الموضوع، سواء في التقارير الإخبارية أو التعليقات.

خاضت الصحافة معركة عن غير وجه حق مع النواب، وانقسم فيها الصحفيون إلى قسمين. الأول هبط عليه "وحي الحكومة"، والآخر، رغم أنه جاء في إطار مهمة الصحافة كسلطة رابعة تراقب السلطات الأخرى، إلا أنه وقع في مطب الاستعجال فخانته الدقة والموضوعية.

أما نقابة الصحفيين فقد أخذتها الحمية بسبب اتهامات بعض النواب للصحفيين بـ"الكذب"، وفزعت تدافع عن التغطية الإعلامية متجاهلة في الوقت ذاته تجني وعدم دقة وموضوعية تعليقات وتغطية أغلب الصحفيين للقضية.

وعلى هذه الحال، بدت الصحافة المحلية وكأنها انخرطت في معركة "دونكيشوتية" ضد مجلس النواب، وأقنعت نفسها بتحقيق "انتصار" أرغمت فيه النواب على إخضاع أنفسهم لقانون إشهار الذمة المالية.

يقول المنسي: "كان يجب أن يقدم النواب الشكر للصحافة، لا أن يهاجموها. الصحافة هي التي ساهمت في عودة النواب إلى مناقشة القانون من جديد وإدراج أنفسهم ضمنه".


أضف تعليقك