لا
يسعها إلا المجازفة بحياتها، فالمشي في الشارع أهون عليها من المشي على الرصيف
وذلك بمعاونة إحدى صديقاتها، لأن بسطة الخضار تعيق سيرها أو أن الدرج غير متساو وممتلئ
بالحفر ما يصعب عليها السير.

في
عملها بمقسم الهواتف في وزارة التنمية الاجتماعية، تمارس بثينة حياتها كما كل
الناس تبحث عن لقمة عيشها ولا يقف في طريقها سوى فقدانها البصر، والذي تحمله معها
منذ ولادتها "كفيفة".

ترى
الظلام في أعينها، لكن حياتها مليئة بصخب العمل والانشغال بمشاركة الأحبة
والأصدقاء في حياتهم.

ولأنها
واحدة من الذين لم يجلسوا في بيوتهم، ولا تنتظر أحدا كي يساعدها، فقد كان لبثينة
مكانا في سوق العمل تزاحم أقرانها، ولا تقل كفاءة عنهم.

التحدي
هو أن تقاوم السائد، والسائد هو النظرة إليك شفقة أو على أنك عاجز بالقيام بأبسط
الأعمال، أو أن تساعد نفسك على الحركة والقيام بأعمال دون مساعدة. "أنظروا يا
حرام لا يقوى على العمل أو تحريك يديه أو رجليه، لا يستطيع المسير لا يقوى على
النظر أو السمع أو الحديث والتعبير عن احتياجاته".

الكلام
الجميل يساهم في رفع معنويات المكفوفة عبير، لكنها بنفس الوقت تنتقد الكثيرين
الذين يواجهونها بسبب فقدانها بصرها "لا يريدون مكفوفة تعلم أولادهم، هكذا يقولون
لي دائما".

وتوشح
حديثها بقصيدة كتبتها في عقلها وتقول.." يا عذابا صرت أهوى لقياه، لا تفارق
أنت للداء دواء، كلما جنت ليالينا ذكرنا كيف بالأنس تروت بيداء، هذه الأزهار غنت
قائلات نشتكي ظلما ونحن الأبرياء من حروفي سطرت كل المآسي، ويقولون أني عمياء لا
وربي ما العمى قاهر ذالك من رب السماوات قضاء".

بثينة
وعبير، وغيرهن الكثير من ذوي الاحتياجات هن من الفئة الباحثة عن مكان في مجتمع لا
يزال غير قادر على التحرر من عقدة نظرة الشفقة أو تقبل من ينقصه البصر أو السمع
كأمر طبيعي.

"هم
لبنة في المجتمع، أرحموهم فقط بالنظرة".

دمج
ذوي الاحتياجات الخاصة مع الطلبة العاديين، لها إيجابيات وسلبيات "وإيجابيتها
أكثر، لأن من الضروري أن يعتاد الطالب أن يكون لديه في الصف اثنين أو واحد لديه
احتياجات خاصة، ومن الضروري أن يكون الطالب في مدرسة خاصة لتلقي التعليم على طريقة
البرل".

أمين
عام وزارة التنمية الاجتماعية حسين أبو اللوز، يتحدث عن دور الوزارة. "الوزارة
تقدم ما تستطيع لهذا القطاع سواء عن طريق أذرعها من الجمعيات الخيرية الحكومية
والخاصة. وتبقى درجة الرضا غير كاملة في غياب الإحصاءات حول القرار".

قانون
رعاية المعوقين الذي أصدره الأردن في عام 1993، يؤكد على حق المواطنين من ذوي
الاحتياجات الخاصة في المجتمع، وأسس المجلس الوطني لرعاية المعوقين. وواحدة من
بنود القانون هي تشغيل عدد من ذوي الاحتياجات الخاصة في الوزارات، ويعلق أبو اللوز
"كل وزير مسؤول عن تطبيق القانون في
نطاق وزارته، حيث أن 5% من تشغيلهم يكون في الشركات التي يزيد عدد موظفيها عن
خمسين موظفاً، لكن كل ذلك لم يًفعل للأسف".

عدم
تفعيل هذا القانون بسبب غياب نظام، ومن هنا يأتي قرار وزارة التنمية السياسية
بتشكيل 12 لجنة من مهامها إعادة النظر بالقانون، واقتراح مواده سواء كانت كقانون
أو أنظمة تصدر بموجبه، وينبغي الإشارة إلى أن الذي ينقصه حاجة هو لائق في عمله
وقادر على العمل والإنتاج.

كفيف،
أصم، أبكم، لديه شلل "لا يهم هكذا جاءوا إلى الدنيا يحاولون البحث عن الحياة،
وأن تكون في مجتمع غير قادر أن يتحرر من سلطة النظرة السلبية فهنا الكارثة".

ورغم
أن هنادي لا ينقصها شيء، إلا شقيقها يعاني من إعاقة حركية وشلل دماغي ويبلغ من
العمر 21 عاماً، تقول: "أشعر بالقهر عليه كثيراً، توجهنا إلى وزارة التنمية
الاجتماعية وقالوا لي أن إعاقتاه كثيرة ولا يمكن أن نساعده، حاولنا مرارا اللجوء
إلى الجهات الحكومية لكن لم تنفع". فيما يقول محمد أبو صفية والذي لديه 2 من
أولاده يعانيان من الشلل الدماغي، فليس لديه طلب سوى التفات المسؤولين والمؤسسات
لأحوال أولاده وعموم ذوي الاحتياجات الخاصة.

رنا
حدادين مديرة البناء الخاص لذوي الاحتياجات الخاصة في أمانة عمان الكبرى،
تقول نحن دائرة هندسية ونعنى بالتسهيلات
البيئية للكفيفين ولا أنكر أن الكثير من شوارع عمان غير مؤهلة، ولكن نعمل على
تأهيل بعضها ليتواءم مع الكفيفين. ونركز تحديدا على الشوارع التجارية مثل شارع شط
العرب والملك فيصل، وتقاطع الدوار فراس في جبل الحسين.

وتضيف
حدادين أن الدائرة تعمل على تأهيل الأبنية التجارية لتسهيلها على ذوي الاحتياجات
الخاصة." منذ بداية العام الحالي، ونحن نمشي بخط متوازي مع دائرة الأرصفة
والأعمال التكميلية بأي شارع، نعمل حاليا على تأهيل شوارع المدينة المنورة ويتضمن
إعادة تأهيل للأرصفة والجزر الوسطية، وينبغي أن نلفت بوجود عدد من ذوي الاحتياجات
الخاصة يعملون في أمانة عمان".