"أونروا"... تاريخ من الاستهداف الإسرائيلي والأميركي لتصفية المنظمة
دأب الاحتلال الإسرائيلي على شنّ حملات اتهامات عدّة ضد وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى "أونروا"، آخرها ادعاء مشاركة قرابة 12 موظفاً في الوكالة (وفق المتحدث باسم حكومة الاحتلال أيلون ليفي 13 موظفا) بعملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فضلاً عن زعم إسرائيل أن أكثر من 190 موظفاً من موظفي الوكالة الأممية، ينتمون إلى حركتي "حماس" أو "الجهاد الإسلامي".
أعدّ "الموساد" الإسرائيلي ملفاً يتضمن هذه المزاعم، ثم أرسله إلى الولايات المتحدة قبل نحو أسبوع، التي أعلنت على لسان المتحدث باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر عن "توقيفٍ مؤقتٍ لتخصيص تمويلٍ إضافي لأونروا"، قبل التحقق من مزاعم الاحتلال.
حذا عددٌ من دول العالم حذو الولايات المتحدة (المملكة المتحدة، ألمانيا، أستراليا، كندا، اليابان، إيطاليا، فنلندا، هولندا، فرنسا، السويد، النمسا، رومانيا، نيوزيلندا)، معلنين عن تعليقٍ مؤقتٍ لمساعداتهم للوكالة الأممية على خلفية مزاعم الاحتلال، وقبل انتهاء تحقيق الوكالة في مزاعم الاحتلال، أو تحقيق مكتب الأمم المتحدة لخدمات الرقابة الداخلية (أعلى سلطة تحقيق في منظومة الأمم المتّحدة).
كما سارعت وكالة "أونروا" في 26 يناير/كانون الثاني الماضي، إلى الإعلان على لسان مفوضها العام فيليب لازاريني عن فصل هؤلاء الموظفين بناء على مزاعم الاحتلال، وعن فتح تحقيق في الأمر.
وقال لازاريني: "من أجل حماية قدرة الوكالة على تقديم المساعدة الإنسانية، اتخذتُ قراراً بإنهاء عقود هؤلاء الموظفين فوراً، وفتح تحقيق من أجل التوصل إلى الحقيقة دون تأخير. أي موظف في أونروا متورط في أعمال إرهابية ستتم محاسبته، بما في ذلك من خلال الملاحقة الجنائية".
تعقيبا على ذلك، نددت منظّمات دولية عدة، منها الأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية، بتعليق عددٍ من دول العالم لمساعداتها المقدمة لـ"أونروا" على خلفية مزاعم الاحتلال، وأكدت أن الرد المناسب على تلك المزاعم الآن يتمثل في التحقيق فيها، ومن ثم في محاسبة من تتوفر ضدّه أدلة مقبولة وكافية قضائيا، في محاكماتٍ عادلة. كما أكدت أن قطع المساعدات استناداً إلى مزاعم الاحتلال بشأن 12 موظفاً من موظفي "أونروا" البالغ عددهم 30 ألف موظفٍ قد يرقى إلى مستوى العقاب الجماعي.
كما أفادت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية، أنياس كالامار، أن "المسارعة لتجميد الأموال المخصصة للمساعدات الإنسانية، استناداً إلى مزاعم لا تزال قيد التحقيق، مع رفض مجرد النظر في تعليق الدعم للجيش الإسرائيلي، ما هو إلا مثال صارخ على ازدواجية المعايير".
كذلك دانت معظم الهيئات والفصائل الفلسطينية تعليق بعض الدول مساعداتها لـ"أونروا"، كما دانت فصل "أونروا" لموظفيها الذين ادعى الاحتلال مشاركتهم في عملية "طوفان الأقصى"، قبل صدور نتائج التحقيق، إذ كان بإمكان الوكالة إيقافهم عن العمل حتى انتهاء التحقيقات، ومن ثم اتخاذ القرار المناسب على ضوئها.
يعد تواطؤ الولايات المتحدة مع مزاعم الاحتلال، والمسارعة إلى دعمه ومساندته ضد وكالة "أونروا" الأممية، استمراراً للنهج الأميركي المتماهي مع الاحتلال كلّياً، والذي تكرس منذ اليوم الأول لعملية "طوفان الأقصى"، عندما تبنّت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن مجمل ادعاءات الاحتلال التي اتهمت مقاتلي فصائل المقاومة الفلسطينية بقتل الرضع، وحرق جثث الأطفال، وبقر بطون الحوامل، واغتصاب النساء وسواها من الجرائم المدانة، وهي ادعاءاتٌ نفتها الوقائع لاحقا، عبر تحقيقاتٍ واستقصاءات مستقلة.
كما يعد التواطؤ الأميركي مع مزاعم الاحتلال تجاه وكالة "أونروا" امتداداً لسياقٍ تاريخيٍ طويلٍ، لم تأل فيه الولايات المتحدة جهداً لتقويض عمل "أونروا"، وإنهائها كلّياً، في اندماجٍ كاملٍ مع خطاب الاحتلال وأهدافه، التي يسعى أحدها إلى القضاء الكامل على وكالة "أونروا"، أو على الأقل تغيير دورها وطبيعتها بما يتماشى مع مخططات الاحتلال وأهدافه الأخرى.
تأسيس وكالة "أونروا"
أُسست وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (أونروا) بموجب القرار الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 302، في 8/12/1949، بغرض تقديم الإغاثة المباشرة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين.
استند قرار تأسيس الوكالة إلى التقرير الصادر عن بعثة الأمم المتحدة المكلفة بإجراء مسحٍ اقتصادي للشرق الأوسط، وإلى تقرير الأمين العام الخاص بمساعدة اللاجئين الفلسطينيين. عند تأسيس "أونروا"، ساد اعتقادٌ بأن ولايتها لن تطول كثيراً، بضع سنوات لا أكثر، لكن ونتيجة غياب حلٍ عادلٍ وشاملٍ للقضية الفلسطينية، وفي مقدمتها قضية اللاجئين الفلسطينيين، كان لا بد من تجديد ولاية "أونروا" عبر الجمعية العامة للأمم المتحدة.
كما أكد القرار الأممي رقم 302 في المادة (5) منه على أنه "من الضروري استمرار المساعدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين، بغية تلافي أحوال المجاعة والبؤس بينهم، ودعم السلام والاستقرار، مع عدم الإخلال بأحكام الفقرة 11 من قرار الجمعية العامة رقم 194 (الدورة 3) الصادر في 11 ديسمبر/كانون الأول 1948"، وهو ما يدلل على أنّ تأسيس وكالة "أونروا" ودورها لا يتعارض إطلاقا مع حق العودة والتعويض، اللذين عبّر عنهما القرار 194.
دور وكالة "أونروا"
باشرت "أونروا" مهامها تجاه اللاجئين الفلسطينيين في مايو/أيار 1950، إذ شملت عملية الوكالة في ذلك الوقت 750 ألف لاجئ فلسطيني فقط، ثم وعلى ضوء عدم حل قضية اللاجئين الفلسطينيين، ونتيجة زيادة أعداد اللاجئين بعد نكسة 1967، وتبعات امتناع الاحتلال عن تنفيذ القرارات الدولية المعنية بالشأن الفلسطيني، استمرت الحاجة إلى دور "أونروا" إلى يومنا هذا، إذ باتت تقدم خدماتها لنحو 6 ملايين لاجئ فلسطيني، مسجلين في سجلاتها في مختلف مناطق عملها التي تشمل الأردن ولبنان وسورية وغزّة والضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية المحتلة عام 1967.
لكن وفي ما يتعلق باللاجئين الفلسطينيين الذين بقوا في المناطق التي سيطر عليها الاحتلال الصهيوني عام 1948، يمكن ملاحظة أن "أونروا" قد قدمت لهم خدماتها منذ نشأتها حتى يوليو/تموز 1952. بعد ذلك تحمل الاحتلال مسؤولياته الخدمية تجاههم، ثم منحهم الجنسية الإسرائيلية. لكن ورغم منحهم الجنسية، لم يسمح الاحتلال لهم بالعودة إلى بيوتهم وأراضيهم الأصلية.
تشمل خدمات الوكالة التعليم والرعاية الصحية والإغاثة، والبنية التحتية وتحسين المخيمات والدعم المجتمعي، والإقراض الصغير والاستجابة الطارئة. كما تؤكد القرارات على امتداد عمل "أونروا" بعد عودة اللاجئين "تسهيل إعادة اللاجئين وتوطينهم وتأهيلهم اقتصادياً واجتماعياً، وتعويضهم"، وهي المهمة الأصلية، التي استمرت بعد إنشائها.
أسباب الاستهداف الصهيوني والأميركي
يعود إصرار الاحتلال الصهيوني وداعمه الأميركي على استهداف "أونروا"، والسعي إلى تقويضها كلياً، أو تغيير طبيعتها ودورها بالحد الأدنى إلى أسبابٍ عديدةٍ أهمها:
1- وكالة أممية: تأسست الوكالة بناء على قرارٍ أممي، كما تجدد الجمعية العامة للأمم المتحدة ولايتها دورياً، غالباً كلّ ثلاث سنوات، لذا فهي وكالة أممية تعيد تذكير دول العالم أجمع بالمأساة الفلسطينية، وبحجم الظلم المرتكب بحق شعب فلسطين، وبمسؤولية الاحتلال عنهما.
2- التنصل من تطبيق القرار 194: يسعى الاحتلال الصهيوني إلى التنصل من تطبيق القرارات الدولية المعنية بحقوق شعب فلسطين الأصلي، وفي مقدمتها القرار 194، الذي ينص صراحة على "وجوب السماح بالعودة في أقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم". إذ يساهم تقويض "أونروا" في تلاعب الاحتلال بتعريف اللاجئ الفلسطيني، استناداً إلى تعريف اللاجئ في ميثاق اللاجئين 1951، بدلا من اعتماد تعريف "أونروا" للاجئ الفلسطيني.
يريد الاحتلال تعريف اللاجئ الفلسطيني استناداً إلى تعريف اللاجئ في ميثاق اللاجئين 1951، بدلا من تعريف "أونروا"
وتعرّف وكالة "أونروا" اللاجئين الفلسطينيين بـ"هم أولئك الأشخاص الذين كانت فلسطين هي مكان إقامتهم الطبيعي خلال الفترة الواقعة بين يونيو/حزيران 1946 ومايو 1948، والذين فقدوا منازلهم ومورد رزقهم نتيجة حرب عام 1948... إن أبناء لاجئي فلسطين الأصليين والمتحدرين من أصلابهم مؤهلون أيضا للتسجيل لدى أونروا"، أي شمل تعريف "أونروا" للاجئ الفلسطيني أبناء اللاجئين والمتحدرين من أصلابهم.
كما لا يستثني تعريف الوكالة للاجئ الفلسطيني، اللاجئين الحاصلين على جنسيةٍ أخرى، ما يعني الحفاظ على حق العودة وفق القرار 194. يبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين وفق سجلات "أونروا" حتى ديسمبر 2020 نحو 6.4 ملايين لاجئ فلسطيني.
أما ميثاق اللاجئين 1951 فإنه يحرم اللاجئ من توريث وضعه القانوني وحقوقه لنسله، وفي مقدمتها حقهم في العودة والتعويض من بعده، كذلك تنتفي صفة اللجوء وفق هذا الميثاق في حال حصول اللاجئ على جنسية دولة أخرى، وأصبح يتمتع بحمايتها، وبالتالي يفقد حقه في العودة والتعويض في هذه الحالة.
تجدر الإشارة هنا إلى الفقرة د (1) من ميثاق 1951، التي تمنع أي تعارض بين تعريف "أونروا" للاجئين الفلسطينيين، وبين تعريف ميثاق 1951، إذ نصت الفقرة على "لا تشمل هذه الاتفاقية الأشخاص الذين يتمتعون حاليا بحماية أو مساعدة هيئات أو وكالات تابعة للأمم المتحدة غير مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين".
من هنا يسعى الاحتلال إلى حلّ "أونروا"، أي إنهاء دورها ووجودها، كي ينهي معها تعريف الوكالة للاجئ الفلسطيني، عبر استبداله بتعريف ميثاق 1951 المجحف بحقّ اللاجئين عموماً.
أخيراً، وعلى الرغم من سجلات "أونروا" ووثائقها، يرفض الاحتلال الإقرار بأرقام "أونروا" التي تحصي اللاجئين الفلسطينيين، إذ يدعي الاحتلال أن مجمل لاجئي فلسطين الأحياء اليوم لا يتجاوز عددهم الـ200 ألف لاجئٍ فلسطيني، وذلك استنادا إلى تعريف ميثاق 1951، الذي يحرم نسل اللاجئ من صفته القانونية، ومن حقّهم الإنساني والقانوني في العودة والتعويض.
3- الكيانية/الهوية الفلسطينية: تمثّل وكالة "أونروا" إطاراً مؤسسياً جامعاً لشريحةٍ واسعة من الفلسطينيين، إذ تقدم خدماتها لمجمل المخيمات داخل فلسطين وخارجها، الأمر الذي ساهم في حفظ الهوية الفلسطينية وتكريسها خصوصاً في مخيمات اللجوء داخل الدول المستضيفة، التي راهن الاحتلال وداعموه على تماهي اللاجئين فيها مع المجتمعات المضيفة، وخسارتهم لهويتهم الوطنية الجامعة.
يدعي الاحتلال أن مجمل لاجئي فلسطين الأحياء اليوم لا يتجاوز عددهم الـ200 ألف لاجئٍ فلسطيني
طبعا لا تمثّل الوكالة العامل الرئيسي لنجاح لاجئي الشتات الفلسطيني في الحفاظ على هويتهم الوطنية، وعلى بنيةٍ وطنية واجتماعية فلسطينية، إذ ينسب هذا الفضل إلى عوامل ذاتية وموضوعية أخرى.
لكن وعلى الرغم من ذلك، حَمّل الاحتلال الصهيوني "أونروا" مسؤولية نجاح الفلسطينيين، وخصوصاً لاجئي الشتات، في الحفاظ على هويتهم الوطنية، بل وربما تعزيزها رغم طول مدّة غيابهم عن وطنهم الأصلي فلسطين، نتيجة تهجيرهم قسراً منه منذ نكبة عام 1948 على يد قوات الاحتلال الصهيوني وعصاباته المجرمة.
4- حفظ الذاكرة الفلسطينية: ساهمت وكالة "أونروا" في حفظ الذاكرة الوطنية الفلسطينية، تحديداً ذاكرة النكبة وما تبعها من جرائم الاحتلال الصهيوني، ومن مأساة الفلسطينيين المستمرة حتى اليوم، وهو ما يعتبره الاحتلال تهديداً وجودياً له، لاعتبارها جامعاً وطنياً، يحرّض الفلسطينيين على استعادة حقوقهم المستلبة منذ النكبة.
5- التأكيد على الحقوق الفلسطينية: يساهم تكوين وكالة أونروا القانوني، ومنظومتها التعليمية، ودورها الاجتماعي في التأكيد على جملةٍ من الحقوق الفلسطينية المشروعة، من حق العودة، إلى حق تقرير المصير، مروراً بالحق في إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. الأمر الذي يجده الاحتلال تهديداً وجودياً له، كون الاحتلال في طبيعته الإحلالية والكولونيالية، قائما على تكريس إلغاء حقوق شعب فلسطين الأصلي.
تاريخٌ طويل في استهداف "أونروا"
أولاً: محطات صهيونية تستهدف وكالة "أونروا"
استند موقف الاحتلال الصهيوني منذ بداياته الأولى من قضية اللاجئين الفلسطينيين إلى مبدأين اثنين هما: عدم الإقرار بمسؤولية الاحتلال عن تهجير الفلسطينيين، ورفض عودتهم إلى مدنهم وقراهم التي هُجّروا منها منذ النكبة.
أرفقت حكومة الاحتلال في متن رسالتها الموجهة إلى هيئة التوافق الأممية في 2 أغسطس/آب 1949 إحاطة وزير خارجيتها موشيه شاريت، التي قدّمها للكنيست، والتي تنص على أنه "يجب حل قضية اللاجئين العرب، ليس من خلال عودتهم إلى إسرائيل، لكن من خلال توطينهم في دول أخرى".
يحمّل الاحتلال "أونروا" مسؤولية نجاح الفلسطينيين، وخصوصاً لاجئي الشتات، في الحفاظ على هويتهم الوطنية
في 17 أغسطس 2018؛ أعلن رئيس بلدية القدس المحتلة نير بركات عن عزمه إزالة مؤسسات "أونروا" من القدس الشرقية لأنها "منظمة سياسية" و"مدارسها تعلم الإرهاب" و"حق العودة غير قائم".
كما طالب رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو في 11 يونيو 2019 سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي، بتفكيك "أونروا"، وإنهاء دورها تجاه اللاجئين الفلسطينيين.
وقال ممثّل الاحتلال الصهيوني، داني دانون، لدى الأمم المتحدة في 31 أكتوبر 2019، وفق ما نقلت عنه صحيفة "إسرائيل اليوم": "سنستخدم كل الوسائل الممكنة حتّى يتم إنهاء عمل أونروا". واتهم دانون "أونروا" بأنها توظف أموال الدعم الدولي في تسويق الرواية الفلسطينية بهدف المسّ بإسرائيل ومكانتها الدولية. ثم أوضحت الصحيفة أن ممثلي الاحتلال والولايات المتحدة سيُطالبون بأن يتم تجديد تفويض المنظمة مرة كل عام وليس كل 3 سنوات، إلى جانب المطالبة بزيادة مستوى الشفافية، بحيث تلزم بتقديم تقارير تفصيلية حول طابع أنشطتها، وذلك في معرض اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، المعني بتجديد ولاية "أونروا".
ثانياً: وكالة "أونروا" والولايات المتحدة
مرّ الموقف الأميركي من وكالة "أونروا" بأربع محطاتٍ رئيسية، عكست كلٌّ منها الرؤية الأميركية لدور الوكالة في خدمة المخططات الأميركية والصهيونية. في الوقت ذاته، اتسمت المراحل الأربع برفضٍ أميركيٍ واضحٍ لتطبيق القرار الأممي رقم 194، وهو ما تكرسه مشاريع أميركية عديدة سعت وتسعى إلى فرض حلولٍ اقتصاديةٍ وسياسيةٍ أخرى.
المرحلة الأولى: توظيف الوكالة في توطين اللاجئين في دول اللجوء (1949- 1967)
مشروع جوردن كلاب 1949:
بدأت المحاولات الأميركية الساعية إلى تصفية القضية الفلسطينية، وقضية لاجئيها قبل تأسيس وكالة "أونروا"، إذ سعت أميركا إلى فرض رؤيةٍ اقتصاديةٍ لحل قضية اللاجئين الفلسطينيين، بدلاً من التعامل معها كقضيةٍ سياسيةٍ تضمن حقوقاً وطنية أصلية لشعب فلسطين.
ترأست الولايات المتّحدة "لجنة التوفيق الدولية الخاصة بفلسطين" في النصف الثاني من عام 1949، ثم عينت في أغسطس 1949 جوردن كلاب رئيساً للجنة المسح الاقتصادي. توصل كلاب إلى أن تطوير مشروع وادي الأردن؛ على غرار مشروع وادي تينيسي الأميركي، قد يسهل من عملية توطين معظم اللاجئين الفلسطينيين الموجودين في الضفة الغربية حينها، الأمر الذي سوف يقلل من فرص عودتهم إلى بلداتهم ومدنهم المحتلة عام 1948، إذ تضمن مشروع وادي الأردن تطوير مشاريع ضخمة قادرةٍ على استيعاب أعدادٍ كبيرة من اللاجئين.
اتسمت كل مراحل التعامل الأميركي مع "أونروا" برفضٍ واضحٍ لتطبيق القرار الأممي 194
أوصى كلاب في تقريره المقدم للجمعية العامة للأمم المتحدة في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 1949 بأن تتبنى "أونروا" مشاريع إنتاجية، وبرامج تأهيل حرفية ومهنية، تسعى إلى جعل اللاجئ الفلسطيني يعتمد على ذاته، بدلا من الاعتماد على المساعدات الدولية. تبنت الجمعية العامة مشروع كلاب في ديسمبر 1950، وأسّس صندوقٌ دوليٌ لدمج اللاجئين الفلسطينيين، ساهمت الولايات المتحدة بنحو 70 في المائة منه.
فشل مشروع كلاب بسبب نقص الأموال، وفق تقرير مفوض "أونروا" العام لعام 1951، وبذلك فشلت أولى المحاولات الأميركية في خلق بيئةٍ اقتصادية واجتماعية بديلةٍ للفلسطينيين في الدول المضيفة، تساهم في استبدال لحل القضية الفلسطينية اقتصاديا قائمٍ على فكرة التوطين في الدول المستضيفة، يتبعها إنهاء "أونروا" وتفكيكها، بالحل السياسي القائم على حقّ العودة.
مشروع ماك غي 1949
في 3 مارس/آذار 1949 قدمت وزارة الخارجية الأميركية مشروعها لحلّ قضية اللاجئين الفلسطينيين، المعروف بمشروع ماك غي. ارتكز المشروع على إعادة ربع اللاجئين الفلسطينيين إلى مناطقهم السابقة، مقابل توطين بقيتهم في الدول العربية (العراق وسورية) والضفة الغربية وقطاع غزة.
وبحسب المشروع، يشرف على عملية التوطين وكالة تنشأ لهذا الغرض، تديرها وتمولها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا. تعمل هذه الوكالة على تحقيق تنمية اقتصادية شاملة، عبر إقامة مشاريع اقتصادية تنموية ومعونات مالية وتقنية في الدول الراغبة في توطين اللاجئين. لكن فشل المشروع نتيجة رفضه من قبل الدول العربية لتعارضه مع القرار 194.
مشروع بلاند فورد 1951
عُيّن الأميركي جون بلاند فورد مفوضاً عاماً لـ"أونروا" في الفترة الممتدة بين 1951- 1953. في هذه المرحلة قدّم فورد مشروعه القائم على تأسيس برنامج شامل للتنمية ولتوطين اللاجئين الفلسطينيين، عبر نقلهم من مناطق ذات كثافة سكانية عالية صغيرة في المساحة، إلى مناطق تسمح ظروفها الطبيعية والديمغرافية بتطبيق برامج اقتصادية تنموية تستوعب اللاجئين الفلسطينيين ويندمجون فيها.
في هذا المشروع، سعى فورد إلى نقل قرابة مليون لاجئ فلسطيني من لبنان إلى مصر والعراق، حيث يقيمون في منازل جديدة بنيت خصيصاً لهم، ومن ثم يدمجون في الاقتصاد المحلي. لتحقيق ذلك، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار 393 في 2 ديسمبر 1950، القاضي بإنشاء صندوق دولي بقيمة 30 مليون دولار لإعادة دمج اللاجئين الفلسطينيين وتوطينهم.
عرض فورد المشروع على جامعة الدول العربية، حيث حظي المشروع بدعمٍ نسبيٍ منها، على اعتباره سينقذ الكثير من اللاجئين من أوضاعهم الراهنة. استناداً إلى الموقف العربي الداعم جزئياً، تبنّت الجمعية العامة للأمم المتحدة المشروع في دورتها السادسة.
فشل المشروع نتيجة تظاهرات اللاجئين الفلسطينيين الاحتجاجية في كلّ من الأردن ولبنان وقطاع غزة، إذ اعتبر اللاجئون الفلسطينيون أن مشروع فورد سيؤدي في النهاية إلى توطينهم وإلغاء حقّهم في العودة إلى وطنهم، الأمر الذي أدى إلى تراجع الدول العربية عن قبول المشروع ثم فشله وإلغائه.
مشروع الجزيرة السورية 1952
اقترح وفد سورية في لجنة التوفيق على أحد أعضاء الوفد الفرنسي في 9 مايو 1949، توطين ربع مليون لاجئ فلسطيني في منطقة الجزيرة شمال سورية، وعقد اتفاق سلام منفصل مع الاحتلال الصهيوني، مقابل منح سورية مساعداتٍ دولية.
على خلفية ذلك، عقدت مفاوضاتٌ بين وكالة "أونروا" والحكومتين الأميركية والسورية لنقاش العرض السوري وتطبيقه، لكن وتحت ضغط الداخل السوري، اضطر الرئيس السوري في حينها أديب الشيشكلي للتراجع وتغيير موقفه من توطين اللاجئين الفلسطينيين، ووقف المفاوضات مع وكالة "أونروا" والحكومة الأميركية بهذا الشأن.
مشروع الإنماء الموحد للمصادر المائية في غور الأردن 1953
اعتبر الرئيس الأميركي الأسبق دوايت أيزنهاور (1890- 1969) مشاريع الاستثمار المشتركة بين الدول العربية (خصوصاً الأردن) والاحتلال الصهيوني للموارد المائية، هي بوابة حلّ قضية اللاجئين الفلسطينيين، عبر توطينهم في الدول العربية، ودمجهم في المشاريع الاقتصادية الناشئة عن هذا الاستثمار.
كما تضمنت خطة أيزنهاور إعفاء الدول العربية من المساهمة في تكاليف هذه المشاريع وأعبائها المالية. لم يحظ مشروع أيزنهاور بموافقة الأطراف المعنية به، وتحديداً موافقة الدول العربية التي اعتبرته بديلاً مرفوضاً عن حقّ العودة.
مشروع دالاس 1955
عرض جون فوستر دالاس، وزير الخارجية الأميركي في الفترة الممتدة بين 1953- 1959، خطة مفصلة لحلّ قضية اللاجئين الفلسطينيين، عبر توطين الجزء الأكبر منهم في الدول العربية، وتسهيل هجرة جزءٍ آخر إلى دولٍ أخرى، وعودة أعدادٍ محدودةٍ منهم إلى قراهم ومدنهم التي هجّروا منها عام 1948، وتقديم تعويض مادي عن أملاك وأموال اللاجئين الفلسطينيين.
سعى دالاس عبر هذه الخطة إلى تجزئة القضية الفلسطينية إلى قضايا صغيرة عديدة، منها قضية المياه، وقضية اللاجئين، وقضية التنمية الإقليمية، على أن تتكفل الولايات المتحدة بتقديم دعمٍ مالي كبيرٍ لحلّ هذه القضايا، وفي مقدمتها قضية اللاجئين، منها تقديم قروض مالية كبيرة للاحتلال الصهيوني لمساعدته على تعويض اللاجئين مادياً، وبالتالي إنهاء قضيتهم.
رفض الاحتلال الصهيوني والدول العربية خطة دالاس، الأول لرفضه تقديم أي تنازلٍ بشأن قضية اللاجئين، مقابل استعداده لمناقشة موضوع الحدود. في حين رفضت الدول العربية الخطة لتخوفها من أن يؤدي تنفيذ خطة مشروع دالاس إلى سطوة الاحتلال الصهيوني ونفوذه عليهم.
مشروع داغ همرشولد 1959
طلبت الولايات المتحدة في عام 1958 من الأمين الأمم المتحدة العام في حينه داغ همرشولد، مراجعة عمليات "أونروا" وولايتها وتقديم الاقتراحات لاستبدالها بدلاً من تجديد ولايتها الدورية، بهدف نقل اللاجئ الفلسطيني من الاعتماد على المساعدات الدولية إلى الدعم الذاتي.
وفق همرشولد، فإن سبيل حلّ قضية اللاجئين الفلسطينيين سياسياً يمر عبر تهيئة تنمية المنطقة اقتصادياً، على اعتبارها بوابة لدمج اللاجئين في المنطقة، الذي بدوره قد يهيئ الظروف السياسية الملائمة لحلّ مشكلة اللاجئين الفلسطينيين سياسياً عبر توطينهم في دول المنطقة. رفض كلٌّ من اللاجئين الفلسطينيين وجامعة الدول العربية هذا المشروع، الأمر الذي أدى إلى فشله.
مشروع جونسون للسلام 1962
كلّف الرئيس الأميركي الأسبق جون كينيدي، رئيس مؤسسة كارنيغي للسلام في حينه جوزيف جونسون، بتقديم خطةٍ لحلّ قضية اللاجئين الفلسطينيين.
خلص جونسون إلى تصورٍ قائمٍ على منح كلّ رب أسرةٍ من أسر اللاجئين الفلسطينيين الحقّ في الاختيار بين العودة إلى موطنه القابع تحت الاحتلال الصهيوني، أو البقاء في المجتمع الذي يعيش فيه مع تلقيه تعويضاً مادياً عن قيمة ممتلكاته، مضافاً إليها الفوائد المستحقة عن الفترة الماضية، مع منح الاحتلال الحقّ في رفض عودة أي لاجئ فلسطينيٍ لدواعٍ أمنية يحددها الاحتلال ذاته. كما رأى جونسون تنفيذ المشروع على مراحل، وبإشرافٍ مباشرٍ من الأمم المتحدة، وبتمويلٍ مالي أميركي، وبمساهمةٍ مالية من الاحتلال الصهيوني والدول الغنية.
رفض الاحتلال الصهيوني والدول العربية مشروع جونسون، إذ اعتقد الاحتلال أنه يهدّد أمن كيانه القومي، لما يتضمنه من أبعادٍ سياسية وديمغرافية. في حين اعتبرت الدول العربية المشروع عائقاً محتملاً أمام التنمية، إن قبلت أعدادٌ كبيرةٌ من اللاجئين بالتعويضات، وبالتوطين في أماكن لجوئهم الحالية، إذ تعاني دول المنطقة التي تستضيف اللاجئين من محدودية مواردها، خصوصاً مصر والأردن.
المرحلة الثانية: مرحلة تراجع الاهتمام الأميركي (1967- 1992)
تراجع الاهتمام الأميركي بقضية اللاجئين الفلسطينيين بعد نكسة يونيو 1967، في مقابل اهتمامهم بإقامة كيانٍ سياسيٍ فلسطينيٍ، خصوصاً بعد توقيع مصر اتفاقية كامب ديفيد. في حين استمر الدعم المالي الأميركي لخدمات "أونروا" بهدف المساهمة في إدامة استقرار اللاجئين الفلسطينيين سياسياً. إذ تركزت مجمل المبادرات الأميركية على طبيعة الكيان الفلسطيني المحتمل، وسعت إلى حلّ قضية اللاجئين عبر عودتهم إلى هذا الكيان، أو توطينهم في دول لجوئهم مع دفع تعويضات لهم، أو عبر توطينهم في بلدٍ ثالثٍ، نذكر من تلك المبادرات الأميركية:
مبادئ جونسون للسلام في الشرق الأوسط 1967
أعلن الرئيس الأميركي ليندون جونسون (1963 – 1969) عن مبادئه لحلّ الصراع العربي الصهيوني، وفي مقدمته حلّ قضية اللاجئين الفلسطينيين عبر عودتهم إلى منازلهم، أو إيجاد أماكن أخرى للعيش والعمل فيها، إذ لم تتطرق هذه المبادئ إلى الدولة الفلسطينية، بل ركزت على حقّ الاحتلال في حفظ أمنه وبقائه واستمراره فقط.
وثيقة ساوندرز 1975
في 12 نوفمبر 1975 أعد نائب وزير الخارجية الأميركية حينها، هارولد ساوندرز، وثيقة سياسية بمثابة أساس تفاوضي لحلٍّ سلميٍ للصراع العربي الصهيوني.
اعتبرت الوثيقة أوّل إقرار أميركي بأن القضية الفلسطينية هي أساس الصراع العربي الصهيوني، ما يتطلب إيجاد حل عادل لها استناداً للقرار الدولي 242، بشرط اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بشرعية دولة الاحتلال، والتخلي عن الكفاح المسلح، في حين غاب طرح أيّ حلّ لقضية اللاجئين الفلسطينيين في الوثيقة.
مشروع كارتر للسلام في الشرق الأوسط 1977
عرض الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر رؤيته للسلام في الشرق الأوسط في معرض خطابٍ ألقاه في 16 مارس 1976. استندت رؤية كارتر للسلام على ثلاثة شروط، هي: انسحاب الاحتلال الصهيوني من الأراضي المحتلة عام 1967، وتعويض اللاجئين الفلسطينيين من دون عودتهم إلى مدنهم وقراهم التي هجروا منها عام 1948، وإقامة كيانٍ فلسطينيٍ ترتبط درجة استقلاله وحدوده الجغرافية باتفاق الأطراف المعنية.
مشروع ريغان للسلام 1982
لم يتضمن مشروع الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان (1981 -1989|) للسلام في الشرق الأوسط أي طرحٍ لحل قضية اللاجئين الفلسطينيين، فيما تضمن الإقرار بضرورة حل القضية الفلسطينية عبر إقامة حكم ذاتي فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة.
مبادرة بوش 1991
لم تقدم مبادرة الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الأب أي حلٍّ لقضية اللاجئين الفلسطينيين، في حين ركزت كسابقاتها على ضرورة الاعتراف بدولة الاحتلال، وحقها بالأمن والسلام والازدهار، مقابل الحاجة إلى سد الفجوة بين العرب والاحتلال، وبين الفلسطينيين والاحتلال عبر سلامٍ شاملٍ يعتمد (من دون الإشارة إلى ضرورة تطبيقهما) على قراري مجلس الأمن 242 و338.
مؤتمر مدريد 1991
سعت الاستراتيجية الأميركية في مؤتمر مدريد إلى أن تؤدي المفاوضات الفلسطينية الصهيونية إلى إقامة حكمٍ ذاتيٍ فلسطينيٍ في المرحلة الأولى، على أن تتبعها مرحلةٌ ثانية يحدد التفاوض فيها وضع الضفة الغربية وقطاع غزة النهائي. في حين لم ينتج عن المؤتمر أي طروحاتٍ لحلّ قضية اللاجئين الفلسطينيين، رغم تشكيل مجموعة عمل خاصّة باللاجئين برئاسة كندا، لكن لم تخلص المجموعة إلى أي نتائج تذكر، باستثناء إقرارها بأن مشكلة اللاجئين الفلسطينيين ذات طابع سياسي بالأساس.
المرحلة الثالثة: توظيف الوكالة بعد توقيع اتفاق أوسلو (1992- 2016)
أعلنت وكالة "أونروا" في 6 أكتوبر 1993 عن برنامجها "لتطبيق السلام"، بعد التشاور مع كبار المتبرعين واللجنة الاستشارية ومنظمة التحرير الفلسطينية. هدف البرنامج إلى تقديم الدعم الاقتصادي والاجتماعي للمرحلة الانتقالية من اتفاق إعلان المبادئ، من أجل تشجيع اللاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة والأردن على دعم مسار التسوية الفلسطينية الصهيونية.
رفعت الولايات المتحدة مساهمتها المالية المقدمة لبرنامج أونروا "تطبيق السلام" من نحو 600 ألف دولارٍ عام 1994 إلى أكثر من 9 ملايين دولار في عام 1995، ومن ثم إلى أكثر من 18 مليون دولار في عام 1997.
استهدفت الأموال الأميركية تنفيذ مشاريع بنية تحتية دائمة للاجئين الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية تحديداً، في سياق الدعم الأميركي لمسار التسوية السلمية الفلسطينية الصهيونية، ومساهمة منها في إيجاد حلولٍ بديلة لقضية اللاجئين الفلسطينيين، عبر توطينهم في أماكن وجودهم وخصوصاً في الضفة الغربية وقطاع غزة، وعبر السماح بعودةٍ محدودة فقط.
ثم أعلنت وكالة "أونروا" في 21 يناير 1995 عن وثيقة بعنوان "أونروا والفترة الانتقالية: منظور خمس سنوات لدور الوكالة ومتطلباتها المالية". تضمنت الوثيقة سعي الوكالة إلى إنهاء خدماتها المقدمة للاجئين الفلسطينيين منذ عام 1950 مستندة إلى أحد عاملين رئيسين: إما نتائج عملية السلام، أو عجز الوكالة المالي المستمر.
مفاوضات كامب ديفيد 2000
في مفاوضات كامب ديفيد عام 2000، تبنى الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون الموقف الصهيوني كاملاً، برفض تحميل الاحتلال المسؤولية الكاملة عن قضية اللاجئين الفلسطينيين، مقابل تحميلها للجيوش العربية التي شاركت في حرب الإنقاذ عام 1948.
فعلى الرغم من الاعتراف الأميركي بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين، لكنها اعتبرت عودتهم بأعدادٍ كبيرة أمراً غير وارد لعدم قدرة دولة الاحتلال على استيعابهم، لذا طالبت الولايات المتحدة الفلسطينيين بإبداء مرونةٍ سياسيةٍ (مفهوم المبعوث الأميركي لعملية السلام في الشرق الأوسط في حينه دينيس روس) لحلّ قضية اللاجئين الفلسطينيين من خلال العودة إلى أراضي الدولة الفلسطينية، والتوطين في البلدان التي يقيمون فيها، في حين يجب أن تكون العودة إلى دولة الاحتلال رمزية فقط، أي لا تتجاوز عشرات الآلاف وفق نظام جمع شمل العائلات والحالات الإنسانية فقط.
رؤية الدولتين 2002
عرض الرئيس الأسبق جورج بوش الابن رؤيته للسلام في الشرق الأوسط في 24 فبراير 2002، والتي استندت على إقامة دولتين متجاورتين فلسطينية وإسرائيلية، في حين أسقطت رؤية بوش القرار 194، وهو ما توضح في رسالة الضمانات التي أرسلها بوش الابن إلى رئيس وزراء الاحتلال الأسبق أرئيل شارون في 14 إبريل/نيسان 2004، والتي نصّت على أن الحلّ الواقعي والمنصف لقضية اللاجئين الفلسطينيين يتحقق من خلال إقامة الدولة الفلسطينية وتوطين اللاجئين الفلسطينيين فيها.
مبادئ كيري 2016
في ظلّ ولاية الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، أعلن وزير خارجيته جون كيري في 28 ديسمبر 2016 عن مبادئ المفاوضات النهائية بين حكومة الاحتلال ومنظمة التحرير الفلسطينية الرئيسية، متمثلة في قيام دولةٍ فلسطينيةٍ على حدود عام 1967، مع تبادلٍ متساوٍ للأراضي، وبما يضمن احتياجات الاحتلال الأمنية، والتوصل إلى اتفاق بشأن قضية اللاجئين الفلسطينيين عبر التعويض والتوطين، واعتبار القدس عاصمة لكل من الدولتين.
المرحلة الرابعة: السعي الحثيث والمباشر لإنهاء دور الوكالة ووجودها
ولاية دونالد ترامب
قررت الإدارة الأميركية خلال ولاية دونالد ترامب (2016 – 2020)، في بداية عام 2018، خفض الدعم المالي السنوي الذي تقدمه الولايات المتحدة لوكالة "أونروا" من 365 مليون دولار، إلى 125 مليون دولار سنوياً. كما أفادت الخارجية الأميركية، في 16 يناير 2018، بأن واشنطن ستعلق دعم "أونروا" البالغ 125 مليون دولار، في حال عدم إقدام الوكالة على إجراء الإصلاحات المطلوبة منها أميركيا.
كشفت مجلة "فورين بوليسي" في أغسطس 2018 عن رسائل إلكترونية مسربة، تتضمن رسائل من جاريد كوشنير، مستشار الرئيس الأميركي (وصهره) والمكلف بملف الشرق الأوسط، يضغط عبرها على مسؤولين آخرين في الإدارة، من أجل دفعهم للانخراط في جهدٍ جديٍ للتضييق على "أونروا".
كذلك كشفت المجلة عن رسالة لفيكتوريا كوتس، إحدى مستشاري جيسون غرينبلات (مبعوث ترامب للشرق الأوسط) البارزين، كانت قد وجهتها إلى فريق الأمن القومي بالبيت الأبيض، قالت فيها إنه "يجب أن تبلور أونروا خطة لتحل بها نفسها، وتصبح جزءاً من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بحلول عام 2019".
تبع ذلك إعلان إدارة ترامب في 24 أغسطس 2018 عن إيقاف كلّ التمويل والدعم الذي كانت تقدمه لـ"أونروا".
عارضت كلّ من الولايات المتحدة والاحتلال بخلاف موافقة 170 دولة على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة القاضي بتجديد ولاية "أونروا"، وذلك في الجلسة التي عقدت في 16 نوفمبر 2019.
أخيرا، في 28 يناير 2020، أعلن ترامب عن بنود "صفقة القرن"، التي استهدفت من بين ما استهدفته إلغاء حقّ العودة، وإنهاء عمل "أونروا"، إذ نصت الصفقة على: "لن يكون هناك أي حق في العودة أو استيعاب أي لاجئ فلسطيني في دولة إسرائيل"، كما نصت على أنه "عند توقيع اتفاقية السلام الإسرائيلية الفلسطينية، فإن وضع اللاجئ الفلسطيني سوف ينتهي من الوجود، وسيتم إنهاء أونروا".
ولاية جو بايدن
أعلن الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن في خضم حملته الانتخابية لانتخابات 2020، أنه سيعيد المساهمات المالية والاقتصادية الإنسانية التي كانت تقدمها بلاده لمؤسسات دعم الفلسطينيين، بما يتسق مع القوانين الأميركية لمساعدة اللاجئين، الأمر الذي فهم منه عزمه على إعادة تمويل وكالة "أونروا".
أعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في 7 إبريل 2021، أن الولايات المتحدة ستوفر لـ"أونروا" 150 مليون دولار للتوزيع الفوري. كما وعد في 25 مايو 2021، أثناء زيارته رام الله، بأن تقدم أميركا "ما يزيد قليلاً عن 32 مليون دولار لتلبية نداء أونروا الإنساني الطارئ".
وقع كلٌّ من وكالة وزارة الخارجية الأميركية ووكالة "أونروا" اتفاق "إطار العمل للتعاون 2021-2022"، في 16 يوليو 2021 بناء على شرطٍ أميركيٍ ربط دعم الوكالة بتوقيعها عليه. نصّ الإطار على مراقبة عمل مؤسسات "أونروا" كافّة، من خلال تقديمها تقارير مالية وأمنية ربع سنوية، فضلاً عن استثناء بعض اللاجئين من دعم الوكالة، هم المنتمون لفصائل المقاومة الفلسطينية، ومؤيدو المقاومة، إلى جانب حيادية موظفي "أونروا"، التي تعني وفق الرؤية الأميركية عدم دعم القضية الفلسطينية، ونبذ المقاومة. وأخيراً مراقبة المناهج الدراسية الفلسطينية، وحذف وشطب أي محتوى لا يتناسب مع وجهة نظر الاحتلال.
يذكر أن بنود الاتفاق الأخير وفق آراء الخبراء والمختصين بالقانون الدولي وبالقضية الفلسطينية وقضية اللاجئين الفلسطينيين، تتشابه مع الشروط التي كانت قد طلبتها إدارة ترامب.
استناداً إلى توقيع اتفاق "إطار العمل للتعاون 2021- 2022"، قدمت الولايات المتحدة 135.8 مليون دولار لصالح "أونروا".
صوتت الولايات المتحدة ضد قرار تمديد ولاية "أونروا" في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي عقد في 12 ديسمبر 2022، إذ كانت نتيجة التصويت موافقة 157 دولة على تمديد ولاية "أونروا"، مقابل معارضة خمس دول فقط، هي: الولايات المتحدة، الاحتلال الصهيوني، كندا، جزر مارشال، وميكرونيزيا.
حملات في الكونغرس الأميركي
شهد مجلس الكونغرس الأميركي منذ عام 2012 حملاتٍ منظمة وشبه دوريةٍ تستهدف وكالة أونروا، تتهم معظمها الوكالة بإدامة الصراع العربي الصهيوني، وتعتبرها عقبة أمام جهود السلام، وتنتقد قصور دور الوكالة في إعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين، واصفة هذا القصور بـ"ازدواجية المعايير"، وذلك في سياق حملةٍ شرسةٍ أميركية وصهيونيةٍ تسعى إلى تقويض "أونروا" وإنهائها، أو على الأقلّ تغيير طبيعتها ودورها.
كما تعكس هذه الحملات الأميركية انتقال السياسية الأميركية من تبني الأهداف الصهيونية الكاملة، إلى تبنّي لغتها السياسية والإعلامية كاملة، من دون أي تغيير. نذكر من أبرز معالم الحملة الدبلوماسية والسياسية الأميركية ما يلي:
- قانون المساعدات الخارجية لعام 1961 رقم (195- PL87)، تنص المادة (C-301) منه على: "لا يجوز تقديم أي مساهمات لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى، إلا بشرط أن تتخذ الوكالة كافة التدابير الممكنة لضمان عدم استخدام أي جزء من مساهمات الولايات المتحدة لتقديم المساعدة لأي لاجئ يتلقى تدريبا عسكريا باعتباره عضوا في ما يسمى جيش تحرير فلسطين أو أي منظمة أخرى تنخرط في حرب العصابات أو تشارك في أي عمل من أعمال الإرهاب.
- في عام 2003 طلب الكونغرس الأميركي من مكتب مساءلة الحكومة تقديم تقرير حول مدى امتثال وزارة الخارجية الأميركية للمادة (C-301) والآليات المتبعة.
تعتقد إدارة بايدن أن المرحلة الراهنة تتطلب إزالة الوكالة نهائياً على اعتبارها شاهداً أممياً على المأساة الفلسطينية
- طلبت وزارة الخارجية الأميركية، عبر سفارتها في عمّان، في 21/6/2005 من مكتب وكالة "أونروا" تقريراً مفصلاً حول إجراءاتها المتبعة لتجنب أي علاقة مالية وتعاقدية مع إرهابيين، فحص شركائها الحاليين والمحتملين بغرض التأكد من أنهم غير مدرجين ضمن قوائم الأمم المتحدة للعقوبات (قائمة لجنة 1267 المعنية بالأشخاص المرتبطين بتنظيم القاعدة وحركة طالبان)، وكذلك الأمر بشأن قوائم وزارة الخارجية الأميركية ضد أفراد وكيانات مرتبطة بالإرهاب.
ردت الوكالة بالقبول المبدئي، بانتظار موافقة مستشار الأمم المتحدة القانوني للنظر في قانونية مقارنة قائمة المستفيدين من خدمات الوكالة مع قائمة لجنة 1267. صدر الرأي القانوني في عام 2006 بـ:"ليس من المناسب لمؤسسة تابعة للأمم المتحدة أن تقوم بإنشاء نظام تدقيق وفحوصات أمنية، يتضمن لائحة كيانات إرهابية ممكنة قد تم إعدادها من قبل إحدى الدول الأعضاء". بناء عليه، رفضت الوكالة تنفيذ هذا الطلب.
- قدم عضو الكونغرس الأميركي الجمهوري مارك كيرك، برفقة 30 عضواً آخرين، مشروع قانونٍ جديدٍ في مايو 2012، تضمن المطالبة بإعادة تعريف اللاجئ الفلسطيني، على اعتباره مقتصراً على الجيل الأول من الذين طردوا من مدنهم وقراهم في نكبة 1948. إذ يشير مشروع القانون إلى أن عدد اللاجئين الفلسطينيين اليوم وفق هذا التعريف لا يتجاوز الـ30 ألفا، جميعهم شيوخ، وبالتالي هم من ينطبق عليهم حقّ العودة ويستحقون خدمات "أونروا". كما تضمن مشروع القانون طلباً بخفض الدعم الأميركي لميزانية "أونروا" بحجة "الحفاظ على أموال دافعي الضرائب".
- 2012: طالب السيناتور الجمهوري مارك كيرك الإدارة الأميركية بتحديد عدد اللاجئين الفلسطينيين، وتوضيح كيف ارتفع عددهم من 750 ألف لاجئ في 1950 إلى 5 ملايين، على الرغم من وفاة عددٍ كبير من جيل النكبة الأول.
- صادقت لجنة تخصيص الميزانيات في مجلس الشيوخ الأميركي، بالإجماع، على تعديل قانون ميزانية المساعدات الخارجية للعام 2013، بما يلزم الخارجية الأميركية تقديم تقرير عن عدد اللاجئين الفلسطينيين الذين هجّروا من ديارهم عام 1948، وفي أعقاب نكسة 1967، بقائمةٍ منفصلةٍ لا تتضمن نسلهم.
- 2015/10/26: وافق الكونغرس الأميركي على أهمّ ما ورد في مذكرة روس ليهنتن، رقم 3829. تضمنت المذكرة توجهات الكونغرس الأميركي تجاه "أونروا" في نهايتها، نقتبس منها: "يجب إزالة مواطني الدول المعترف بها من وصاية "أونروا". يجب تغيير تعريف "أونروا" للاجئ الفلسطيني، ليتماشى مع تعريف المفوضية العليا لشؤون اللاجئين. من أجل متابعة معاناة اللاجئين الفلسطينيين، ينبغي تحويل مسؤولية هؤلاء لتصبح من مسؤولية المفوضية العليا لشؤون اللاجئين".
- 2017: استهدفت بعض بنود "صفقة القرن" وكالة "أونروا" وحقوق اللاجئين الفلسطينيين مباشرة، كما في العبارة التالية "لا عودة للاجئين الفلسطينيين، مع طرح خيارات للتوطين، ووضع قيود على عودة اللاجئين إلى دولة فلسطين المرتقبة".
- إعلان السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة (نيكي هيلي) في 2 يناير 2018، أن إدارة ترامب "لا تنوي الاستمرار في دعم أونروا حتى يوافق الفلسطينيون على العودة إلى طاولة المفاوضات".
- في 30 يوليو 2018 اقترح السيناتور الأميركي داغ لامبوران مشروع قانون جديد يتعلق بالمساعدات الأميركية لـ"أونروا". ينص مشروع القانون على أن عدد اللاجئين الفلسطينيين الحقيقي لا يتعدى 40 ألف لاجئ فقط، بعد استثناء أعداد سلالاتهم، ويقترح ربط الدعم الأميركي بهذا العدد الجديد.
- اقترح مبعوث الولايات المتحدة للشرق الأوسط جيسون غرينبلات في عام 2019، خلال اجتماع مجلس الأمن الدولي، تفكيك وكالة "أونروا".
- حظر السيناتور الجمهوري جيم ريش مساعدة اقتصادية بقيمة 50 مليون دولار للفلسطينيين، مستخدماً قانون "تايلور فورس"، وذلك في يونيو 2021.
- قدم السيناتور ريش، رفقة عضو مجلس النواب الجمهوري تشيب روي، في فبراير 2023، مشروع قانون "المحاسبة والشفافية في أونروا". ينص المشروع على شرط دعم "أونروا" أميركياً بمصادقة وزير الخارجية الأميركي على إفادةٍ تنص على "عدم تعاطف أو مشاركة أي من مسؤولي المنظمة، أو موظفيها أو المتعاملين معها، بأعمالٍ معادية لإسرائيل. الأمر الذي يتضمن المساهمة المادية في ما يسميه الاحتلال أعمالاً إرهابية، مثل دعم حركة حماس وحزب الله، أو وصف الإسرائيليين بـ"المحتلين أو المستوطنين"، أو دعم حركة المقاطعة "بي دي أس"، أو تأييد عودة اللاجئين الفلسطينيين. كما يستهدف مشروع القانون تعديل تعريف اللاجئ الفلسطيني، بما يستثني منه الحاصلين منهم على جنسية دولةٍ أخرى، ونسل اللاجئين الأوائل.
يبدو من الواضح أن الموقفين الأميركي والإسرائيلي متوافقان كلياً بكلّ ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وتحديدا ما يتعلق بوكالة "أونروا"، رغم اختلافهما النسبي حول وسائل تحقيق أهدافهما، إذ عملت الولايات المتحدة في مراحل عديدة سابقة على توظيف الوكالة كأداة أممية تساهم في تكريس الأمر الواقع، أي سيطرة الاحتلال وتطهير أرض فلسطين عرقيا، عبر تكريس التهجير القسري للفلسطينيين، من خلال مشاريع التوطين اقتصادية الطابع.
ثم سعت الولايات المتحدة إلى توظيف الوكالة في خدمة الرؤية الأميركية لحلّ القضية الفلسطينية، عبر تهميش قضية اللاجئين، وتحديدا لاجئي الشتات الفلسطيني، من خلال مشاريع توطينهم في دول لجوئهم، أو دولةٍ ثالثة. أخيراً، يعكس السعي الأميركي الحثيث اليوم لتقويض الوكالة وإنهائها بأسرع وقتٍ ممكن، تقديراً أميركياً بأنها قد نجحت رفقة الاحتلال في تكريس الاحتلال كأمرٍ واقعٍ غير قابلٍ للمساس، لذا فهي تعتقد أن المرحلة الراهنة تتطلب إزالة الوكالة نهائياً على اعتبارها شاهداً أممياً على المأساة الفلسطينية.