أوضاع أطفال العمال المهاجرين

 

عمان -  لم تستطع عاملة المنزل رحيمة "اسم مستعار" تسجيل طفلتها التي تجاوزت حاليًا الثامنة من عمرها بسبب عدم قدرتها على توثيق عقد زواجها، لأن جواز سفرها حُجز من قبل صاحب عملها، إلى جانب عدم قدرة الطفلة الالتحاق بالمدرسة نتيجة عدم  امتلاكها أي أوراق ثبوتية، وفقًا لتمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان.

جاء ذلك في  تقرير تحليلي صدر عن "تمكين" حول "أوضاع أطفال العمال المهاجرين"، وجاء فيه أنها استقبلت (54) حالة لأطفال غير موثقين بالسجلات الرسمية،  وتمحورت الشكاوى حول عدم مقدرة الأهالي على تسجيل أطفالهم ذوي الأعمار المختلفة بسبب حجز وثائقهم، ما أدى إلى تراكم الغرامات على الأطفال، وتسبب بعدم قدرة الأهل على العودة إلى بلادهم مع أطفالهم، بما في ذلك طفل تم إلقاء القبض على عائلته وأبعادها وبقي في الشارع لمدة سنتين تقريبا دون مأوى أو مساعدة.

وبينت تمكين أن هؤلاء الأطفال يواجهون مشكلات عدة بسبب اعتبارهم أطفال مولودين خارج إطار الزواج  أو غير موثقين، لذلك هم محرومين  من أبسط حقوقهم ومنها التعليم والصحة وبرامج الحماية الاجتماعية، وتفاقمت هذه التحديات التي تواجهها هذه الفئة في ظل انتشار جائحة كورونا، حيث يعمل العديد من أهالي هؤلاء الأطفال في القطاع غير المنظم الذي يعاني العاملون فيه من تدني الأجور، ولا يحظون بالحماية التي توفرها التشريعات الوطنية، فيتعذّر على العمّال المهاجرين الوصول إلى الحماية الاجتماعية.

موقف الاتفاقيات الدولية والقانون الأردني

وفقًا للتقرير رغم أن الأردن لم تصادق على الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأسرهم لعام 1990 على حقوق العمال المهاجرين وأفراد أسرهم بما في ذلك الحق في الضمان الاجتماعي (المادة 27) والحصول على الخدمات، مثل الصحة (المادة 28) والتعليم (المادة 30)، إلا أن ذلك  لا يستثني العمال المهاجرين من الحقوق المفصلة في صكوك منظومة  حقوق الإنسان الأخرى، مثل التعليق العام رقم (20) للجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية حول عدم التمييز، الذي أوصى الدول باحترام التزام عدم التمييز الذي يعتبر فوري وشامل كما نصت عليه الفقرة (2) من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية،  ولأي سبب كان مثل "العرق، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي السياسي، أو الأصل القومي، أو الاجتماعي، أو غيرها من الأسباب"،  وفيما يتعلق بالجنسية، نص التعليق على "ألا تشكل الجنسية سبباً في الحرمان من التمتع بالحقوق المنصوص عليها في العهد، فمثلا لجميع الأطفال الموجودين داخل أي دولة، بمن فيهم الأطفال دون وثائق رسمية، الحق في الحصول على التعليم، وعلى الغذاء الكافي وعلى الرعاية الصحية المتوفرة، فالحقوق المنصوص عليها في العهد تطبق على الجميع بمن فيهم غير المواطنين، كاللاجئين، وطالبي اللجوء والأشخاص عديمي الجنسية، والعمال المهاجرين وضحايا الإتجار الدولي، بغض النظر عن المركز القانوني والوثائق القانونية."

وقالت تمكين أن الأردن دولة طرف بمجموعة اتفاقيات صادق عليها لحماية حقوق الطفل لا سيما حقه في الحياة وحقه في التعليم والصحة والتسجيل واكتسابه الجنسية، ومنها العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية واتفاقية حقوق الطفل.

وأشار التقرير إلى قانون حقوق الطفل رقم 17 لسنة 2022 الأردني، وأصبح ساري النفاذ بتاريخ 10/1/2023، الذي لم يميز بين الطفل الأردني وغير الأردني، وقد نصت المادة الرابعة من القانون على:

"للطفل الحق في التمتع بجميع الحقوق المقررة في هذا القانون وبما لا يتعارض مع النظام العام والقيم الدينية والاجتماعية وأي تشريعات أخرى ذات علاقة وبما يكفل تمكين الأسرة من المحافظة على كيانها الشرعي كأساس لمجتمع قوامه الدين والأخلاق وحب الوطن".

الفرق بين الطفل المولود خارج إطار الزواج  والطفل غير الموثق

بين التقرير أنه في مثل هذه الحالات  بداية يتم التأكد إن كان الطفل مولود خارج إطار الزواج  أو غير موثق لوجود فرق في تعامل المشرع الأردني مع كلا الحالتين فالطفل غير الموثق فهو الذي ينتج من علاقة شرعية وعقد زواج لكن لا يُسجل في الأحوال المدنية الأردنية لأي سبب كان، ويتمتع هذا الطفل بحقوق وصلاحيات أوسع من الطفل المولود خارج إطار الزواج  الذي نتج عن علاقة "غير شرعية "، الذي يعتبر مخالفة لأحكام القانون والشريعة الإسلامية، وقد تبين لتمكين أن جميع الحالات التي تعامل معها هي لأطفال مولودين خارج إطار الزواج، مما يعني أن هؤلاء الأطفال لا يمكن تسجيلهم ولا يمكن أن يسافر مع أحد والديه إلى بلدانهم، عكس الأطفال غير الموثقين الذين يتمتعون بهذه الحقوق لوجود إمكانية تسجيلهم سابقاً ودفع غرامة تأخير تسجيل الطفل.

 

عدم تسجيل الزواج وأثره على الأطفال

وجاء في التقرير أن تمكين حللت القضايا التي استلمتها لأطفال العمال المهاجرين وتبين أنهم مولدين خارج إطار الزواج  هم نتيجة لعدم تسجيل العمال المهاجرين لمعاملات زواجهم.

ووفقًا للتقرير هناك أسباب عدة تدفع العمال المهاجرين لعدم القيام بهذه الخطوة المهمة، منها حجز الوثائق الرسمية وجوازات السفر للعمال المهاجرين من قبل بعض أصحاب العمل، وخوف العمال عند انتهاء اقاماتهم من إجراء أي معاملة قانونية.

وبين التقرير أن عدم تسجيل هؤلاء الأطفال يتسبب في تحديات عدة منها ، إجراء عمليات الولادة خارج المستشفيات وفي المنازل ولدى القابلات غير القانونيات، وتراكم الغرامات على الأطفال بسبب عدم استصدار تصريح إقامة على الرغم من مخالفة ذلك لقانون الإقامة وشؤون الأجانب رقم 24 لسنة 1973 وتعديلاته، حيث نص على أن الأطفال الذين  تقل أعمارهم عن  16 عاما  لا يطلب منهم إذن إقامة، إلى جانب منع  تسجيل الطفل في المدارس الخاصة والحكومية في حال كان غير مسجل/موثق أو بسبب عدم امتلاك الأم او الأب إقامة، وحرمان الطفل من تلقي المطاعيم الصحية بسبب عدم تسجيله/توثيقه.

الحق في التعليم

قال التقرير أن التشريعات الأردنية تفتقر لنصوص قانونية تحمي حقوق الطفل لاسيما أطفال المهاجرين و غير الموثقين، بما في ذلك قانون التربية والتعليم الذي نصت المادة( 10\أ )  منه: "التعليم الأساسي تعليم إلزامي ومجاني في المدارس الحكومية"، وجاءت هذه المادة عامة، أي أنها لم تنحصر بالأردنيين فقط كالدستور مثلا، مما يعني إجازة تطبيقها على الأطفال المهاجرين وغير الموثقين بالأردن، إلا أن أطفال العمال المهاجرين لا يحصلون على هذا الحق بسبب عدم استطاعة أهلهم من تسجيل الطفل في المدرسة عند وصوله إلى سن التعليم وذلك بسبب عدم وجود وثائق رسمية بحوزة أهلهم.

وجاء في التقرير أن قانون حقوق الطفل رقم 17 لسنة 2022 تطرقت النسخة الأصلية منه لعدة مواضيع شائكة، منها المتعلق بالأطفال غير الموثقين، فقد نصّت المادة الثالثة منه على حق الطفل في التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا القانون دون أي نوع من أنواع التمييز، كما نصت المادة 12 على أن تصدر الشهادات أو الهوية الشخصية أو الرقم الوطني وفقا للتشريعات النافذة للأطفال المولودين خارج إطار الزواج على الأراضي الأردنية دون أية علامات خاصة، أما المادة الثالثة عشر فقد نصّت على أنه لكل طفل غير مؤمن الحق في الحصول على الخدمات الصحية الأولية المجانية وأنه يجب أن تتخذ وزارة الصحة كافة التدابير المناسبة لتمتع الطفل بأفضل مستوى من الصحة يمكن بلوغه، أما المادة 26 فقد نصّت على بالرغم مما ورد في أي تشريع آخر لكل طفل الحق في التعليم المجاني في المؤسسات التعليمية الحكومية حتى إتمام مرحلة التعليم الثانوي وبصفة إلزامية من مرحلة رياض الأطفال إلى إتمام مرحلة التعليم الأساسي، موضحًا أنه لم يتم ادراج  أي من هذه المواد في القانون الذي تم اقراره  و تم الاكتفاء بالمادة الرابعة منه  التي نصت على: "للطفل الحق في التمتع بجميع الحقوق المقررة في هذا القانون وبما لا يتعارض مع النظام العام والقيم الدينية والاجتماعية وأي تشريعات أخرى ذات علاقة وبما يكفل تمكين الأسرة من المحافظة على كيانها الشرعي كأساس لمجتمع قوامه الدين والأخلاق وحب الوطن".

الحق في الصحة

بين التقرير أن الدستور الأردني خلا من النص على حق المواطن بالصحة وخدمات الرعاية الصحية، رغم التعديلات المتلاحقة عليه، فعلى الرغم من منح دستور 1952 للأردنيين الحق في التعليم في المرحلة الأساسية والحق في العمل، إلا أنه لم يأتِ على ذكر الحقوق الإقتصادية والإجتماعية الأخرى، وأهمل تمامًا حق الأردني في الصحة والرعاية الصحية، لكنه الدولة بحماية العمّال بأن تضع له تشريعًا، وهو قانون العمل، يقوم على مبادئ متعددة منها تعويض العمّال في حالة المرض حيث حصل العاملون في كثير من المنشآت الكبيرة على تأمين صحي لهم ولعائلاتهم، الذي كان يفترض أن يتوسع ليشمل كل عمّال الأردن على شكل تأمين صحي وتأمين إعالة أثناء المرض مع إنشاء الضمان الإجتماعي.

وقال التقرير أن تعديل الدستور في العام 2011 أضاف بعض الحقوق الإقتصادية والإجتماعية، منها واجب الدولة في حماية الأمومة والطفولة والشيخوخة، وبناءً عليه جرى شمول الأطفال والمسنين بالتأمين الصحي المدني مجانًا بعد إضافة الفقرة 5 للمادة 6 من الدستور التي نصّت على: "يحمي القانون الأمومة والطفولة والشيخوخة ويرعى النشء وذوي الإعاقات ويحميهم من الإساءة والاستغلال"، وبين التقرير أن هذا التعديل لم يرق لطموحات الكثيرين حيث أنه اقتصر على الخدمات الصحية المقدمة من خلال التأمين الصحي المدني الذي يشمل الأردنيين فقط، أي أنه استثنى اللاجئين والمهاجرين من هذا الحق الأساسي، وأما بالنسبة للأطفال فقد نصّ تعديل عام 2011 على شمول الأطفال تحت سن الخامسة فقط.

كما أن هناك جانباً آخر مهم متعلق بالحق في الصحة وهو الحصول على المطاعيم للأطفال حسب التقرير الذي أشار أن العديد من أطفال العمال المهاجرين لم يحصلوا على هذا الحق على الرغم من توفير الحكومة الأردنية لبرنامج التطعيم الوطني بشكل مجاني لكافة المقيمين على أراضيها بغض النظر عن جنسياتهم، إلاّ أن البرنامج اشترط وجود وثائق الأطفال كواقعة ولادة أو دفتر عائلة على الأقل، وهو الغير متوفر للكثير من هؤلاء الأطفال للأسباب التي سلطنا الضوء سابقا عليها في الورقة، مما يمنعهم من الوصول الى هذا الحق.

وأوصت تمكين بالعمل على منح أطفال العمال المهاجرين حقوقهم الأساسية، المضمونة لهم من خلال الإتفاقيات والمعاهدات التي صادقت الأردن عليها، وتسهيل اجراءات تسجيل الأطفال للعمال المهاجرين وإعطاءهم أرقام شخصية.

إلى جانب السماح لأي طفل وصل الى سن التعليم التسجيل في المدرسة سواء أكان يحمل وثائق أم لا أو كان أبويه يملكان إقامة أو لا.، وأن يكون الحق في التعليم الإبتدائي حقا شاملاً، وذلك بغض النظر عن جنسية الأطفال أو الدين أو العرق، وعدم تغريم الأطفال بسبب عدم استصدار تصاريح إقامة لهم.

إضافة إلى ذلك أوصت تمكين بضمان وصول الأطفال الى خدمات صحية شاملة، بما في ذلك المطاعيم المختلفة، والمصادقة على الإتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وذويهم، التي تؤكد على حظر التمييز في الحقوق بناء على أمور متعلقة بالوضع القانوني في الأردن.

 

أضف تعليقك