أن تحب من غير دينك؟

أن تحب من غير دينك؟
الرابط المختصر

حاول زكريا مرارا أن يقنع أهله بما تمثله فتاة أحلامه التي يحبها كثيرا وهي كذلك، وهذا الحب كان كفيلا بإذابة العوائق جميعها إلا واحدة..فهما من ديانتين مختلفتين..فماذا يفعلان؟

حب فقير!!!

زكريا 44 عاما مسيحي اعتنق الإسلام قبل خمسة عشر عاما، بعد أن تزوج من فتاة مسلمة غير متدينة، وهو شرط قانوني واجتماعي لا يمكن أن يتم الزواج بدونه..ومع ذلك فعائلتها رفضته في البداية.."لدرجة لم أستطع فعل شيء، وقاموا بمنعها من الخروج من البيت لأيام متتالية، خوفا من أن ألتقي بها". ومحاولات الشد والجذب لم تنفع.. "وانتهى المطاف بي باعتناق الإسلام وإعلام المحيطين لي بأني مسلم، ولا أنكر أنهم زوجوني بها على مضض بعد تجاوزهم الآثار النفسية التي تركتها عموم عائلتها عليهم".



يقول: "أحبها كثيرا، ولا أتخيل يوما أن تتزوج أحدا غيري، وإذا كان الدين هو العائق فتغييره هو الحل..لأني أريدها وهي كذلك ولكنها لم تستطع أن تكون مسيحية لأن دينها الإسلامي سيعتبرها مرتدة وينطوي عليها عقوبات، بينما أنا فغيرت ديني لاقترن بها، وهذا ما حصل".



ولكن زكريا دفع الثمن من جهة أخرى،، "عائلتي قاطعتني وترفض الحديث معي..يقولون لي عن طريق ناس كيف له أن يتنازل عن دينيه لأجل حبه بفتاة من غير ملته".. ولكن المشكلة الأكبر لم تقف حد المقاطعة فقد تعرض زكريا لمحاولات اعتداء متكررة من قبل بعض أبناء عمومته ومحاولات تخويفه وزوجته..



وتتشابه أحوال زكريا مع شريف 51 عاما، الذي اعتنق الإسلام قبل عدة سنوات.."أولا لأجل الزواج بمن أحب اعتنقت الإسلام"."لم أكن مسيحيا في الأصل ولا مسلما الآن، أنا مسلم على الهوية، لا أؤمن بكل الأديان، وإشهاري الإسلام لم يدفعني لدخول الجامع يوما ولا أيضا كنيسة، وحياتي عادية".



أما حالة جورج، المسيحي الثلاثيني فقد اعتنق الإسلام "طوعا" ليتزوج من سيدة "ملتزمة دينيا" تعمل داعية متجولة في البيوت لإعطاء الدروس الدينية على السيدات في منازلهن، تعّرف عليها بالصدفة في بيت صديقه المسلم..حيث أمه كانت تأخذ دروسا عندها..وفي يوم صادفت زيارته وجود الداعية عند أمه..وبدأ التصنت لصوتها وهي تتحدث عن الإسلام..فعلق صوتها في اذنيه..وبعدها بدأ يسأل صديقه عن الدين الإسلامي وعبر له عن نيته بدخول الإسلام ولكن على أن يتحدث مع الداعية "العزباء" وكان هذا..وبفترة لم تزد عن شهر كان معلنا إسلامه ومقترنا بها.





في الأردن،إجمالا، لا تستطيع الفتاة أو الشاب من ديانات مختلفة الزواج دون عوائق، حيث لا يوجد في قانون الأحوال الشخصية مفهوم الزواج المدني، ولا يوجد شكل رسمي لتغيير الدين؟. بذلك، تتقلص فرص الزواج لكل من يحب آخرا من دين مختلف.



المجتمع والعشائرية أقوى من الحرية؟؟

على أن الكثير من الذين غيروا ديانتهم هربوا من بيوتهم خوفا من تعرضهم لمضايقات أو اعتداءات..وخاصة عندما يتعلق الأمر بالفتيات..والزواج المدني خارج إطار المحاكم الشرعية والكنائس "يحتاج إلى نهضة مجتمعية"..وفي الأردن يحتاج إلى معجزة كي يصبح الزواج مدنيا..هذا ما يتمناه شريف.



والعشائرية لها سطوة أكثر من الدين..برأيه "هم متزمتون ومتعصبون بالظاهر دينيا ولكنهم في صميمهم ليسوا للدوافع الدينية إنما عشائريين..وحينما ترتبط الأمور بمفهوم الشرف والعرض والمرأة يذهب دينهم وتأتي عشائريتهم..ولا أنكر لكوني رجلا لم يتعرض لي أحد، لكن لو كنت فتاة فسأتعرض عندها لمشاكل كبيرة".



والمقصود بالزواج المدني هو أن يوثق المتزوجون أولادهم لدى دائرة الأحوال المدنية.. وهو صعب التطبيق لأنه لا بد من تسجيل الأولاد والإرث، "وعلى الأقل أن يعترفوا بأولادي، لكن تطبيق ذلك صعب للغاية وفي الدول العربية الأكثر تحررا كلبنان فالقرار تم عرضه على مجلس الوزراء وتم رفضه، وصارت حالات زواج في لبنان إبان القانون المؤقت وتم إسقاطه في العام 2005، ومن يريد الزواج يذهب إلى قبرص، ولكن المشكلة لا يوجد اعتراف فيه لا بالكنسية أو بالمحاكم الشرعية".





وحديث شريف عن الأردن، يستدعيه حديث "عن دولة تساهم في تكريس العشائرية والإقليمية والطائفية..وهناك الكثير من الناس مصلحتهم في تضخيمها". والتالي لا يوجد خيار أمام من يحب من غير دينه سوى أن يكون إما بطلا وضحية في ذات الوقت.



ولكن العشيرة ليست مشكلة، برأي فيليب مدانات رئيس تحرير مجلة "المغطس" والتي تعنى بشؤون المسيحيين في الأردن وفلسطين.."وإذا ذكرنا شخص يريد أن يعتنق دينا غير دينه الإسلامي..أو يريد أن يكون لا ديني..هنا يتم الحكم عليه من قبل المحكمة الشرعية بالردة ويعتبر محجورا بذاته وقاصرا وملغية جميع عقوده بما فيها عقد الزواج..وبحاجة إلى وصي عليه والوصي هو الدولة..والعشيرة ليست مشكلة إنما قد تحميه في بعض الحالات..بينما المسيحي الذي يغير دينه فهناك حالات قليلة جدا تعرض لإيذاء أو قتل".



أما البروفيسور قيس صادق مدير مركز الدراسات المسكونية فيرى أن "العشائرية، هي الأقوى في المجتمع".. ولكن يجب أن "لا يعظم دورها لأن ملاحقتهم للفتاة التي غيرت دينها يكون في الغالب من منطلق مفاهيم الشرف والعار فقط وليس من منطلق ديني".



وعلى العكس، فالباحث الإسلامي حمدي مراد، ونائب مدير مركز التعايش الديني يرى أن العشائرية في جوانب عديدة منها مرتبطة بالدين، وحيث تلتقي مع الإسلام.."وإذا ما خيرت بين العشائرية والدول الأكثر تقدما وعصرنة في العالم، لاخترت العشائرية لأنها الأقرب إلى ديني وتاريخي وتراثي وأخلاقي..وأتمنى على العشائرية أن تزداد قرباً من الإسلام".



والمجتمع الأردني تحكمه العشائرية...وبذلك تتعرض الفتاة المسيحية التي تتزوج من مسلم لمقاطعة من قبل عائلتها، وإلى درجة أن أخواتها لا يتزوجن من ورائها، وهذا ينطبق على الشاب أيضاً..وفق الأب سالم مدانات والذي يعايش هذه الحالات عن قرب.



قد لا تكون الأديان بحد ذاتها هي العائق بين المحبين ولا هي مفرقهم، فالزواج من ديانة أخرى هو أمر مختلف عليه فقهيا، ولكن سطوة المجتمع وقسوة الأعراف والتقاليد والردة نحو الأصول هي الأقسى، "أعرف كثيرين أصبحوا مسيحيين مع الكنائس التبشيرية في الأردن، ولا يوجد على الورق أحدا يعترف بذلك، هم يخافون، وإن أثيرت مجرد إشاعات حولهم سينكرون ذلك..المجتمع سطوته أقسى من الدين"..وفق شريف.



وتفتقر المسلمة رنا 30 عاما، حريتها في التعبير عن معتقدها "أرفض في البداية تحديد دين للدولة، دستوريا الدولة تكفل لأتباع الأديان الأخرى الحق في ممارسة شعائرهم الدينية ، ولكن هذا ليس كافيا، بالنسبة لي لا أريد أن يكون هناك تحديد دين للدولة وأفضّل فصل الدين عن الدولة، وهذه أفكار لا أستطيع التعبير عنها في مجتمعي، أنا غير قادرة أن أعبر عن رأي".



وفي عالم الزملاء في العمل والمجاورين من الأصدقاء لرنا، "قد" تفصح لهم عن آرائها "وأفكر في أنهم لن يؤذوني أو يتعرضوا لي، ولكن قد أتعرض لهجوم أو إساءة تقييم ، للأسف هناك ربط دائما بين العلماني والانحلال الأخلاقي".



عزيز مساعدة، واحد من ثلاثة مسيحيين أعضاء في حزب جبهة العمل الإسلامي (الجناح السياسي للإخوان المسلمين) وقد أثيرت مؤخرا ضجة كبيرة عندما قرر حزب جبهة العمل الإسلامي ترشيحه للانتخابات البرلمانية المقبلة عن المقعد المسيحي في مدينة الكرك..وبعد ضغوطات تراجع عن قرار خوضه الانتخابات : "الحريات العامة في الأردن لا زالت خطا أحمر، ولا يمكن تجاوزها تحت أي ظرف من الظروف، وإذا كانت تمس مجموعة أو عشيرة أو طبقة تصبح خطا أحمر ولا يمكن تجاوزه أما في حرية الزواج والطلاق والمعاملات الشخصية فلا أحد يتدخل بها".



وما أثير حول انسحاب عزيز مساعدة للترشح باسم الجبهة في الانتخابات النيابية المقبلة، كان لسبب يشرحه.. "أنا مسيحي من الجنوب والجنوب كلهم من العشائر، ووضعهم مختلف عن العاصمة سواء أكان الواحد فينا مسيحيا أو مسلما سيان، والضجة التي أثيرت علّي، كونهم اعتقدوا أني غيرت ديني وصارت هناك أبعاد سياسية وأهلي تضرروا وتعرضت لضغوطات كبيرة، لكن بعد أن علموا أني لا زلت مسيحيا فالوضع تغير والأمور رجعت إلى نصابها ".

وباعتقاد المساعدة أن المسيحي الذي يعتنق الإسلام لا مشكلة عليه رغم ضغوطات العائلة، ولكنه "ولأنه شخصية عامة فهنا ثار الجميع".



تغيير الدين في الأردن ممكن!

يعتبر الإسلام بحسب الدستور الدين الرسمي للدولة، ويشكل المسلمون في الأردن أكثر من 80 % من السكان..فيما يبلغ عدد المسيحيين حوالي 230 ألف مواطن. وتبقى نسب أتباع الديانات والطوائف الأخرى مثل الشيع والدروز والبهائيين غير محددة.



المحامية الشرعية سميرة زيتون، عملت طوال سنوات على متابعة قضايا "تغيير الدين" ترى وفي قراءة غير رسمية "أن حالات تغيير الدين من المسيحية إلى الإسلام تصل من 2- 3 خلال السنة الواحدة..وهذه زيادة ألمسها عن السابق حيث كانت تسجل كل سنتين وثلاثة حالة أو حالتين".



وتعيد زيتون زيادة هذه النسبة إلى "انفتاح المجتمع والتي خلفّت فيه ضغوط العائلة..ولعل الحرية الشخصية للفرد تقدمت".





3451 مسيحي اعتنق الإسلام

دائرة قاضي القضاة، هي الجهة الوحيدة في الأردن التي يستطيع من يريد اعتناق الإسلام أن يثبت إسلامه من خلالها..وعدد الأفراد الذين اعتنقوا الإسلام خلال الأعوام 1997-2006 بلغ 3451 فردا من ذكور وإناث، والذين تقدموا في العام 2006 وسُجلت لهم حجج الإسلام بلغوا 488 وفي عام 2005 كان عددهم 454 فردا، وفي عام 2004 كان عددهم 396 فردا وفي عام 2003 كان عددهم 319 فردا..



ويعزو مدير دائرة قاضي القضاة، الشيخ عصام عربيات تلك الأرقام إلى "الاتصال العالمي والقنوات الفضائية التي ساهمت في توضيح صورة الإسلام".



فيما يرى الباحث الإسلامي حمدي مراد، أن حالات إعلان الإسلام في المملكة سنويا "نسبية" ففي عام قد يعتنق الإسلام اثنان وثلاثة وسنة أخرى واحد فقط، ومعنى ذلك لا يوجد سلم بياني متصاعد.



وأصدرت دائرة قاضي القضاة تعميما إلى كافة المحاكم الشرعية لأن تتأكد من أن إسلام المسيحي لا يكون لأهداف دنيوية، وأن لا تكون هناك قضية مسجلة في المحاكم الكنسية، وكي لا يتنصل من المحاكم الكنسية والهروب منها، ولا تستمر إجراءات إسلامه وفق عربيات إلا بعد التأكد والتثبت والتحقق وعن قناعة تامة والإطلاع والقناعة بالشريعة الإسلامية.



الأسباب دنيونية!!

هناك "البعض" يعتنق الإسلام لأهداف دنيوية..يقول حولها الشيخ عربيات "نحن كدائرة ومن خلال التعليمات الصادرة من سماحة قاضي القضاة وضعت تعليمات وشروط حازمة تتضمن حق جميع الأطراف حقه..ولا إكراه في الدين، فالشخص الذي يأتي للمحاكم الشرعية لإعلان إسلامه وتسجيل الحجة لا يجوز بعد إشهاره عن هذا الدين يعود إلى دينه فهو يعتبر مرتد..بذلك يتم التأكد أن خطوته نابعة عن قانعة تامة ولا هدف من ورائه لأسباب ما".



أما البروفيسور قيس صادق، يقول إن نسبة 3,2% من مسيحي الأردن قد يهربون من الالتزام الكنسي..كي لا يتحملوا النفقات بالتالي يذهبوا إلى الدين الإسلامي.



وفي ضوء تجربة المحامية سميرة.."فغالبية معتنقي الإسلام..سببه اقترانهم بالطرف الآخر من المسلمين، والدين الإسلامي لا يمنع الزواج بغير دين في حالة الرجل، لكنه العكس بالنسبة للمرأة، أما في حالة الزوجين المسيحيين والذي يعتنق أحدهما الدين الإسلامي فيكون في العادة لأجل الخلاص من المشاكل العالقة بينهما وبالتالي يلجأ أحدهما إلى تغيير دينه لينتهي من المشاكل العالقة بينهما في المحاكم الكنسية، ولأن قرار الكنيسة لا يتوافق مع أهوائهم فيغيرون دينهم للانتهاء من هذا الالتزام". لافتة إلى أن النساء هن الأكثر تغييرا لدينهن.



ويقول البروفيسور قيس صادق، إن أغلب الذين يغيرون دينهم إلى الإسلام.."يكون لأجل الهروب من الخلافات الزوجية والطلاق..أو امرأة تعلن إسلامها للهروب من زوجها"..



ويوافقه الرأي الباحث حمدي مراد ويقول إن 50% من الذي أسلموا كانوا لأجل الهروب من التزامهم مع أزواجهم الذين لا يستطيعون الطلاق منهم في حالة الخلافات.. و50% الباقية يكونوا إسلامهم عن قناعة ومحبة.



من المشاكل التي تواجهها المحاكم الكنسية كما يتحدث الأب سالم المدانات، وعضو المحكمة الكنيسة الأرثوذكسية "إلزام الزوج بالنفقة والتعويض لزوجته فيقوم بالإعلان عن إسلامه للهروب من النفقة، وفي حال عاد المسيحي عن إِسلامه وأراد العودة فلكونه كان مسيحيا فتكون الإجراءات مخففة عليه".



ويروي واحدة من القصص.."رجل مسيحي عاد من الإسلام، وقد توفي وعندما تم دفنه في المقبرة المسيحية قاموا إخواننا المسلمين بسحب جثته من المقبرة، مستهجنين كيف تم دفنه في مقبرة مسيحية بعد أن أعلن إسلامه..وكان جثة.. فكيف يمكننا الحديث عن الحرية".



إحدى السيدات رفعت دعوى التفريق ولم توافق الكنيسة، وصدر قرار بالانفصال لمدة سنة، وسعت للخلاص من ذلك بتغيير دينها..وبفترة قليلة أصبحت مسلمة..وإجراءات تغيير الدين بسيطة "توفر شاهدين ويعلن إسلامه بعد تفكير وعن قانعة، ولا تتجاوز المدة عن النصف ساعة، ويكون السؤال من المحاكم..هل هناك قناعة أم لا..وتعطى أو يعطى أسبوعا للتفكير..ولكن المحاكم لديها تخوف..من أن تكون هاربة من أهلها، وكي لا تحدث حساسيات مذهبية"..والحديث للمحامية زيتون.





حريات؟

يكفل البند الثامن عشر من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الحق لكل شخص في حرية اختيار الفكر والضمير والتوجه والحزب والدين الذي يراه مناسبا له..وهو ما وقعّت عليه دول العالم ومن بينها الأردن.



"والحريات الدينية مصونة في المواثيق الدولية والدستور الأردني..والدستور ينص أن للأردنيين حق إقامة الشعائر الدينية وإن كانت لا تخل بالآداب العامة".. لكن كل هذا لا يرتقي إلى مستوى الحرية الدينية..كما يقول فيليب مدانات.



ويرد الشيخ عربيات أن القانون العالمي لحقوق الإنسان يتفق والشريعة الإسلامية ولا يخالف الأنظمة في الدولة..أما إذا كان هناك بندا مخالفا للشريعة فيتم التحفظ عليه.. "حقوق الإنسان في البداية موضوعة من رب الناس..وإذا كان هناك اتفاقية معينة بين الدول ومخالفة..فيتم التحفظ عليها..ونحترم الاتفاقيات الدولية شرط أن لا يكون هناك مخالفة للشريعة الإسلامية".



فيما يعلق فيليب أن الأردن وقع على اتفاقية الدولية المتعلقة بحرية الأديان مؤخرا وهذا غير مفعّل.."أنا مع حرية المواطن الأردني في اختيار دينه وأن تحميه الحكومة ".



ويطالب فيليب بمحو بند الديانة كليا من الهوية الشخصية، وعلى أن يكون موجودا في شهادة الميلاد فقط.."ويجب أن نكون مع حرية اختيار الأديان لأنها متأصلة في الإنسان وغير مصبغة من حكومة أو من مجتمع".



وهذه مطالبة يرفضها الباحث الإسلامي حمدي مراد، "الدين هو هوية ولا يمكن انتزاعه من الشخص..هم يريدون مجتمعا أردنيا لا دينيا، والذين يدعون للزواج المدني وعدم الاعتماد على دين واحد ومحاربة الأديان يسعون فيه لتدمير الإسلام، وإذا كان من مسيحي يحب مسلمة فليسلم..وإذا كان من الحب ما قتل..نقول ومن الحب ما جعل المسيحي مسلما..وبغير الدين يصبح الإنسان حيوانا، لأن الدين هوية الإنسان".



ويعلم البروفيسور قيس صادق أن الذي يغير دينه في المجتمع الأردني يعتبر مرتدا وعندها "علينا العودة إلى المواثيق الدولية..فللإنسان حرية اعتناق المنهج الفكري والسياسي والديني الذي يراه مناسبا له..وفي الدول العربية الإسلامية تحفظت عليها في المنظومة الدولية لحقوق الإنسان...وأذكر ما كتبه الدكتور محمد سليم العوا..في كتابه (قتل المرتد، العقوبة التي حرمها الإسلام)...ويتحدث عن حرية المعتقد..منذ حروب الردة والجيش وكان يقتل".



حرية الإنسان في الاختيار

والكنيسة الأرثوذكسية "ترفض" قبول المسلم مسيحيا، "لأن القانون يمنع"، ولدى الأب سالم قصة يرويها: "لدي حالة لشاب يريد أن يتزوج من فتاة مسيحية عائلتها محافظة ويريد أن يعتنق المسيحية لأجل قبوله..هذا أمر مرفوض لدينا..وحتى لو سجلناه في الكنيسة فالأمر مرفوض، لأنه بالنهاية سيذهب إلى دائرة الأحوال المدنية، ودائرة الأحوال المدنية سترفض هذا الزواج، وستطلب تثبيت الزواج في المحكمة الشرعية".



ويقول الأب "نهايتهم ستكون في الخفية..أو يسافروا خارج البلد". متمنيا أن يأتي يوم ويختار الشاب أو الفتاة المعتقد بحرية.."وكثيرون من أبنائنا المسيحيين اعتنقوا الإسلام ولم نحاكمهم فليس لدينا حكم المرتد..ونذكر أن الكنيسة ترفض تغيير الدين..ولا يوجد عقاب ولكن لا يوجد حق الإرث..الكثير من الفتيات يعتنقن الإسلام لأجل الحب بشاب مسلم، بينما الشاب إما للحب أو للهروب من واقع معين، وإن أرادا أن يستمرا في زوجاهما فهناك تأثير كبير من المجتمع ومن الوسط المحيط بهما".



"تقارير المركز الوطني لحقوق الإنسان فهي تذكر كل شيء بما فيها الخردة العراقية إلا أن الموضوع الأهم وهو الحريات الدينية لا يتم ذكره على الإطلاق" -كما يرى رئيس تحرير المغطس فيليب مدانات- .."ويتم إغفاله وإخفاؤه عمدا..مع أن الكثير من المواطنين يأتون إلى المركز ويشكون من تجاوزات على حقوقهم فيما يختص باختيارهم لدين آخر". وبرأيه فالمركز الوطني يفضل عدم الخوض في هكذا قضايا..كون ما لها من حساسية كبيرة، هو ليس حملها..فيتم إخفائها وعدم إدراجها في تقريره السنوي.



بدوره، ينفى المركز الوطني لحقوق الإنسان تلقيه شكاوى متعلقة بحرية المعتقد بكثرة.. والناطق باسم المركز محمد الحلو يقول إن المركز لم يتلق منذ مطلع هذا العام سوى شكوى واحدة حول حرية المعتقد من شخص كان يعتنق الديانة المسيحية وقد أسلم وتزوج من مسلمة ثم عاد إلى الديانة المسيحية وهذا يعتبر مرتدا إلا أنه بقي على الدين الإسلامي".."ولم يتلق المركز أي حالة منذ تأسيسه".



كما نفى الحلو عدم نشر المركز تفاصيل حالات يتلقاها في تقريره السنوي، "وفي حالة تعرض المشتكي لإيذاء ما، فنقوم بمخاطبة تلك الجهات، ولا توجد صلاحيات للمركز لحماية أي مشتكي".



ويرى الحلو أن الحريات الدينية في الأردن مصانة.."على سبيل المثال، الطائفة البهائية موجودة في الأردن ويصل عدد أتباعها إلى 1000 شخص ومعروفين لدى الجهات المعنية ويمارسون طقوسهم الدينية بكل أريحية ولا يوجد مضايقات وهذا وفق أحدهم حيث جاءنا إلى المركز وتكلمنا معه وقال إنهم يمارسون طقوسهم بكامل الحرية".



وتعتبر رنا أن جمعيات حقوق الإنسان هي جزء من المجتمع، "وقد تقبل الجمعية شكوى تأتيها، وتتعلق بحريتي في المعتقد، وقد لا تفعل شيئا، وقد ترفضها إما لقناعة من داخل القائمين عليها بأن هذا حرام أو لخوفهم". والحل برأيها "تعديل الدستور والتحول إلى دولة علمانية أسوة بدول أخرى".



الناشط الحقوقي، سليمان صويص يرى أن الجمعيات الحقوقية في كل الدول لا تعمل بالمطلق، وهناك درجة تطور لكل مجتمع من المجتمعات، "والجمعيات الحقوقية في الولايات المتحدة وبريطانيا يطرحون الآن مسألة حقوق الشاذين جنسيا، وهل معنى ذلك أن نطرحها نحن في جمعياتنا الحقوقية، فنحن لا زلنا نحارب لأجل حرية التعبير عن الرأي".



ويشير صويص إلى أن الانتهاكات دائما من الحكومات ولكن قد تكون من الإنسان أيضا والتي تحول دون تطور حقوق الإنسان، "ونقول دائما المساواة بين الجنسين، ونصطدم مع الناس ويقولون أنك دخلت على خط الدين، فهل نحارب لأجلها أم نبحث عن عوامل تعيق من العمل لأجل المساواة بين الرجل والمرأة!".



وحول شكاوى تتعلق بحرية المعتقد؟ يقول صويص إنهم كانوا يتلقونها في الجمعية الأردنية لحقوق الإنسان والجمعيات الأخرى، "ولأقولها صراحة، لا يوجد لنا حل فيما يتعلق بهؤلاء، وكل ما نستطيعه هو أن ندعوهم إلى التمسك بموقفهم، وهذا ثمن سيدفعه الشخص، وسيواجهون الانتقادات وإشعارهم بأنهم ارتكبوا الإثم".



وأقل ما يجب أن تفعله هذه المنظمات هي "دعم هؤلاء الناس، وتقول انه لا يوجد في القوانين شيء يمنع ذلك، ومهمتنا ليست الحماية لأنها من مسؤوليات الأمن العام ولكن من واجب الجمعيات الدفاع عن حقهم".



"على الجمعيات الحقوقية، الاجتماع والحوار والاستماع إلى الرأي الآخر، وتنظيم حوار وطني اجتماعي لمعالجة هذه الحقوق، وفي ضوء نتائج الحوار تحدد الخطوة اللاحقة"..وفق الناشط صويص.



هل يوجد دور تبشيري لكنائس المملكة، ودعوة في الجوامع؟



شخصيا، يستبعد الشيخ حمدي مراد أن يكون اعتناق المسيحيين للإسلام وراءه حملات الدعوة الإسلامية: "ارتباط مسيحية من مسلم، لأجل الهروب من التزام الكنيسة لها، فالأخيرة ترفض تطليقها من زوجها، ولا تسمح لها بالانفكاك.. والسؤال هل دخلت الدين الإسلامي لأجل الانفكاك؟ أم للوصول إلى الحرية؟.. الإسلام فيه الطلاق والخلع".



ويرى فيليب مدانات "الديانتان الإسلام والمسيحية تبشيريتان..والطبيعي أن تسعيا إلى استقطاب ودعوة..ولا ننكره أبداً..وسأتحدث عن الطرف المسيحي..نعم يوجد كنائس تؤمن بالوصول إلى الآخرين وتبشيرهم، مع أني أرفض أن يكون هناك من يغير دينه إلا إذا كان من ذاته..فهذا حقه".



ونفى الأب سالم أن تكون هناك دعوة تبشيرية للدين المسيحي في الأردن "هي مرفوضة عندنا، ولكن على مستوى أشخاص قالت لي سيدة أن هناك سيدة بعمرها الستيني تلعبا معا الرياضة في ناد..يوميا تحثها على تغيير دينها إلى الإسلام".



ويتحدث الأب سالم عن حالات يواجهها شخصيا.."يأتيني أناس يريدون أن يتعمّدوا وأرفض، خوفا من المساءلة القانونية، وبعضهم يضطر إلى السفر للدول الغربية لاعتناق المسيحية ويبقون هناك ولا يأتون، ومعظم الذين يأتونا من الشباب الجامعي..بمعدل حالة إلى حالتين شهرياً يريدون اعتناق المسيحية..ونسأله لماذا تريد اعتناق المسيحية؟ هل تحب فتاة مسيحية؟ بعضهم يقولون أن لديهم قناعات شخصية بضرورة اعتناق هذا الدين"..



ويعلق مدير مركز الدراسات المسكونية قيس صادق: "المسيحي الملتزم لا يغير دينه وكذلك المسلم الملتزم لا يغير أيضا دينه، هناك أردنيين مسلمين، عاشوا في الخارج ولأن الجميع حولهم مسيحيين أصبحوا مسيحيين، وحياتهم طبيعية وأعرف عدد منهم شخصيا".



وتضيف المحامية الشرعية زيتون أن المسلم إذا غير دينه يعتبر مرتدا ويحاسب..بينما المسيحي تلاحقه عائلته وعشيرته.



وبذلك، فشريف غير متفائل من القوانين والأنظمة والشعب، إنما متفائل من الرغبة الفردية بين الناس "وأن يكونوا أقوى من هكذا ظروف".



أما رنا فلا تجد الحل بالهروب.. "أشعر أن تحقيق ذاتي، هو تعبيري عن قناعاتي وجزء منها علمانيتي، وأحاول أن أعبر عنها لا لأقنع الآخرين، ولا أبشر فيها وإنما من حقي التعبير عن ذاتي".

أضف تعليقك