أمنية على بابك.. تحققت ولكن!

الرابط المختصر

في البرنامج الدعائي "أمنية على بابك" الذي يعرضه التلفزيون الأردني يوميا في دورته البرامجية الخاصة بشهر رمضان، تقدم شركة الاتصال الخليوي في كل حلقة حاجة بسيطة لأسرة فقيرة، ويجني التلفزيون بعض الربح من الدعاية. لكن الثمن في كل مرة يكون باهظا: كرامة إنسانية وأخلاق مهنيةمن أجل ترويج منتج الشركة، خط الاتصال الخليوي، يعرض البرنامج معاناة أفراد أسرة فقيرة أمام مشاهدي التلفزيون. ولكي تنال الأسرة المختارة هدية الشركة يجب على أفرادها البكاء وعرض معاناتهم كاملة أمام كاميرا التلفزيون، ولو تطلب الأمر البوح بأسرارهم المؤلمة، لضمان أكبر تأثير ممكن على جمهور لن يقاوم تلك الرغبة بمشاهدة معاناة إنسانية والفضول للإطلاع على خصوصية الآخرين.

فكما تجنح بعض المحطات الفضائية الإخبارية إلى عرض جثث مدماة وجرحى يتلوون ألما وضحايا حروب وكوارث طبيعية يبكون من فقدوهم، تعرض محطات ترفيهية، ليلا ونهارا، برامج من نوع ما يسمى بـ"تلفزيون الواقع" حيث تنصب كاميرات التلفزيون في غرف منزل لترصد تفاصيل حياة يومية خاصة بمجموعة من الناس لا يربطها ببعض سوى العيش تحت رقابة كاميرات هذا البرنامج. والنتيجة جمهور كبير تستغل رغباته الدفينة بالإطلاع على مشاهد العنف والتلصص على خصوصيات الآخرين.

حلقة يوم الأحد الماضي (9 تشرين أول) من برنامج "أمنية على بابك" بدأت بحوار في مكتب بين مقدمة البرنامج ومن بدا وكأنه مدير أو صاحب الشركة المعلنة، قالت وكأنها انتهت للتو من مسح ميداني على الأسر الفقيرة في الأردن: "هاي أسرة عليها أجار بيت متراكم 600 دينار، وكهرباء 80 دينار، ودخلهم 70 دينار فقط". فأجاب الآخر بنبرة آلية: "هاي الأشياء محسوب حسابها في الهدية اللي واصلة لهاي الأسرة".

وجاء المشهد الثاني ومقدمة البرنامج في زيارة لمنزل "الأسرة الفقيرة"، وهاهي تتنقل بين أفرادها لسؤالهم عن احتياجاتهم التي لا يقدرون على تلبيتها، وكعادتها أبكتهم جميعا، رغم تأكيدها على أنها لم تأتي لإبكائهم، فقالت للأم بنبرة خلت من مشاعر: "مش جايين نضايقك، ولا أكيد جايين نشوف دموعك. دموعك كتير غاليين".

وحين وصلت إلى صغير الأسرة، الذي لم يتجاوز العاشرة من عمره، غمر وجهه في حضن أمه باكيا. لكنها، أي المقدمة، لم تتركه وشأنه وألحت في سؤاله والطلب منه بالنظر إليها (أو للكاميرا) رغم رفض الصبي المتواصل لطلبها ومحاولته المستمرة لإخفاء وجهه، على الأقل، في حضن أمه. لكن المقدمة تابعت تقول بنبرتها الثابتة: "إطلع علي، بس أحكيلك شغلة. ما بدي أضايقك.. إطلع علي، لا تزعل، لا تبكي.. أنا بسألك سؤال وإنت جاوب.. كلنا بنحتاج أشياء، مش عيب نكون محتاجين.. إحكيلي إيش بتحتاج.. إحكي، كلنا بنحتاج أشياء، إيش بتحتاج، إيش جاي على بالك..".

وانتهت الحلقة بمشهد تقديم مغلف بمبلغ نقدي للأسرة، وختمت المقدمة بالقول: "... كانوا ضيوف عندكم، هاي مبلغ نقدي، ممكن يكون هناك أشياء محتاجينها غفلنا عنها". وتلاها مشهد غاز محمول عليه علامة الشركة المعلنة أدخل إلى منزل الأسرة المحظوظة.

لم ينتهك برنامج "أمنية على بابك" الكرامة الإنسانية لأسر بأكملها فحسب، بل وانتهك الأخلاق المهنية للإعلام وخدع جمهوره، وذلك بخلطه الواضح بين ما هو إعلامي وإعلاني. فالبرنامج بمضمونه دعائي تماما ولا يهدف سوى لترويج منتج الشركة المعلنة، لكنه مقدم في هيئة برنامج إعلامي من نوع برامج التلفزيون التي تظهر عادة في كل شهر رمضان لتذكر المشاهدين بوجود فقراء في الأردن.

هذه الظاهرة لا تقتصر على التلفزيون، فقد سبقتها صحف محلية تخصص صفحات كاملة لما يسمى بـ"أخبار الشركات" التي تحرر وتنشر كخبر بدلا من نشرها في إطار وبإخراج خاص بالدعايات، فمحتواها ليس سوى دعاية للشركة المعنية.

أضف تعليقك