أمر الصلاة والعقوبات البديلة
نشرت وسائل الإعلام قبل بضعة أيام صدور قرار من أحد المحافظين بإيقاع عقوبة بحق شخص لديه سوابق قضائية كبيرة ( 94 قيدا ) وذلك بأن يقوم بالمواظبة على الصلاة في المسجد بديلا عن سجنه، وما أثاره هذا الموضوع من مناقشات وردود فعل بين مؤيدة ومخالفة له فإنني أحب أن أبدي رأيي في الأمر.
اولا: ينم هذا السلوك عن الإعتراف بأن السياسات التي تتخذها السلطات الأردنية لأصلاح الجناة والمخالفين للقانون تواجه فشلا ذريعا، فنسبة الأشخاص من مرتادي الجرائم و المكررين كبيرة، بل وهي في حالة إزدياد، الأمر الذي دفع بالمحافظ بالتفكير عن وسيلة أخرى لكي يصلح هذا الإنسان وكانت بأمره بالصلاة. وهذه فرصة كبيرة ومهمة للتفكير جديا من قبل المشرعين والحكومة بضرورة العمل على إيجاد حلول بديلة لكبح انتشار الجريمة غير النظرية السقيمة والوحيدة التي تنتهجها الحكومة وهي تغليظ العقوبة، والتي تعبر عن نوع من أسلوب بسط القوة كحل للجريمة، دونما التفكير بالأسباب التربوية والثقافية وعلم تغيير السلوك لبعض الجرائم والتي يمكن أن تحل بهذه الوسائل الإصلاحية.
فسجوننا قد أسميناها مراكز اصلاح بديلا عن السجون فيما أنها مكتظة بمن لم يتم إصلاحها، فهي سجون فعلا وليست مراكز إصلاح لأن نظرية المشرع والمنفذ بالأردن للحد من الجريمة هي بقمع الجناة بالقانون وليس الإصلاح. فانتشار الجريمة له أسباب تتعلق بالفقر والبطالة وضعف النظام التربوي وضعف ثقة المواطن بأداء الحكومة، وانتشار ثقافة العنف وعدم التقبل للآخر، إن تنفيذ العقوبة ضروري ومهم ولكن علينا إبتداء أن نبحث في تلك الأسباب ونعمل على حلها أيضا. وإلا لظل من يدخل السجن ويخرج منه سيعاود الكرة باتركاب الجريمة ودونما حل.
ثانيا: إن قيام المحافظ بالإجتهاد بفرض هكذا عقوبة تعيد بتذكيرنا بمشكلة قانون منع الجرائم، هذا القانون الذي أصبح يطبق بالأردن بطريقة واسعة جدا لا حدود لها، حيث أن نصوص القانون فيه من المفردات الفضفاضة ما يسمح بالحاكم الإداري بالتوسع كيفما شاء، ومع إشارتنا الى المشكلة الكبيرة في هذا القانون وهي بالتوقيف الإداري، حيث أنه وبالإشارة الى أنه لا تخلو لجنة من لجان الأمم المتحدة الخاصة بحقوق الإنسان أو مجلس حقوق الإنسان إلا وقدم توصيات عدة للأردن بضرورة إلغاء هذا القانون أو على الأقل عدم تطبيق التوقيف الإداري وحصره بالقضاء فقط. وحسنا فعلا المحافظ بأنه لم يأمر بسجن المدعو لأنه يبدو أنه قد أدرك ان التوقيف ليس حلا بعد هذا الكم من القيود عليه.
ولكن بذات الوقت فإن هذا الأمر يفرض تساؤلات حول إجراءات تنفيذ تلك العقوبة أي الصلاة، لأنه لا يوجد نظام أو تعليمات تتيح فرصة تقييم ومراقبة تنفيذ ذلك الشخص لتلك العقوبة أو ما هو مطلوب منه، ومن هو الشخص المخول بذلك ؟ هل هو إمام المسجد؟ في حين انه ليس مكلفا قانونيا بذلك، ويعيدنا الى النقطة السابقة وهي التوسع في تطبيق قانون منع الجرائم الذي يقوم به المحافظ في تكليف إمام المسجد بتلك المهمة.
ثالثا: هل الصلاة عقوبة بديلة ؟ وهل يمكن أن تكون عقوبة ابتداءا ؟ إن الصلاة هي حق للإنسان كشعيرة ضمن حرية المعتقد والإيمان، والمعتقد لا يمكن أن يكون إلا في إطار الحرية المطلقة، وإلا فإن جدوى تلك الشعيرة التعبدية تكون موضع شك، فلا يجوز قانونا أن يتم إلزام شخص ما بممارسة الشعائر الدينية تحت أي ذريعة كانت، فالإنسان حر في اختياره نحو ممارسة التدين.
لكن ولكي يكون لهذا الحديث من فائدة وبعيد عن أي موقف مسبق، أقول إن ما فعله المحافظ لهو فرصة للبحث جديا بسياسة الإصلاح الجنائي بكل ما تشمله من تشريعات وممارسات، وذلك بالإبتعاد من نظرية وإستراتيجية " تغليظ" العقوبات كوسيلة للحد من الجرائم الى نظرية الإصلاح من خلال "تخفيف" العقوبات على الجاني الذي حسن سلوكه الجرمي، وهو ما يتطلب بوضع تشريعات ومعايير دقيقة لقياس تحسن السلوك، ومن خلال تطوير برامج تأهيلية نفسية واجتماعية ومهنية داخل السجون، وأيضا فرض عقوبات بديلة عن بعض الجنح والمخالفات التي لا تشكل خطورة مجتمعية، لأن دخول السجن في واقع الحال يزيد من ممارسة الجريمة بسبب تعلمها من مرتادي الجرائم بالسجون، ناهيك عن المشاكل الاجتماعية الناجمة عن السجن وبالإضافة الى الوصمة المجتمعية، إن العقوبات البديلة ينبغي ان تتضمن وسائل لتعديل السلوك كالخدمة العامة أو الخضوع لدورات تأهيل اجتماعي ونفسي وغيره بديلة عن السجن.
كما ينبغي إعادة النظر بقانون منع الجرائم، ومنع التوقيف الإداري عموما، ومع تقديرنا لمبادرة المحافظ بالبحث عن " عقوبة" أو حل بديل عن السجن لتصويب سلوك الجاني إلا أنه ينبغي عدم اخضاع الناس للممارسة الدينية قسرا، وينبغي أن تبقى للدين حريته عند الإنسان.
إنها دعوة للجميع إلى مؤسسات المجتمع المدني والحكومة والمشرعين للبحث جديا في سبل الإصلاح الجنائي برمته.