أمانة خارج سهام الصحافة

الرابط المختصر

"الرياح تجري بما لا تشتهي السفن"، مقولة ترددت مؤخرا في
أروقة أمانة عمان الكبرى. فالرياح أتت على الأمانة وأطاحت بالأمين
"السابق" نضال الحديد الذي تربع على عرش الأمانة لثماني سنوات متتالية، لتكون
فترة ترأسه لها الأطول في تاريخها.

فمنذ أن تسلم الليبرالي الخمسيني عمر المعاني مهامه
كأمينا للعاصمة، والأقلام لم تشحذ أقلام المديح بعد كما اعتادت في عهد سابقه، وبالطبع
لم تقدم أي قراءة لمجريات الأحداث المتلاحقة التي عاشتها أمانة عمان في الآونة
الأخيرة، فهي كانت دوما خارج سهام الصحافة.

ذلك الأمين الجديد القادم من أروقة القطاع الخاص ومدير
لثماني شركات استثمارية، تلقى الدعم الملكي منذ توليه مهام الأمانة وذلك من خلال
رسالة وجهها له الملك عبد الله الثاني الذي أوصاه بخطط تطويرية لمدينة عمان،
اعتبرت تلك الرسالة "رسالة انضواء تحت راية الأمين الجديد موجهة إلى موظفي الأمانة
أو ما يسمى بعضهم بالحرس القديم للأمين السابق".



وللأمين السابق نضال الحديد قصص وحكايات كثيرة مع الإعلام..

"الحديد أفتتح معرضاً هنا وجسرا هناك وحضر ندوة هنا
أو جولة هناك"، تلك حال الصحافة في متابعاتها لأخبار الأمانة أو "أخبار
الأمين السابق الحديد". والذي قدم استقالته إلى رئاسة الوزراء قبل تقاعده
بساعات ليتم رفضها مؤقتاً ثم تم الموافقة لا على استقالته إنما على تقاعده، هي
تشير إلى أن "نضال الحديد لا مكانة له على مقاعد السياسة بعد ذلك".

يصف البعض سياسة الحديد الإعلامية بأنها اعتمدت على
"شراء ذمة الإعلام"، عن طريق إغداق المؤسسات الإعلامية بالإعلانات،
والصحفيين الهبات المالية والخدمات الشخصية، وبذلك أمن لثماني سنوات متتالية من أي
نقد، ولو بالتلميح، للأمين والأمانة. ومن تعدى خط التغطيات إلى النقد فهو محروم من
الهدايا والإكراميات والإعلانات لمؤسسته، بل ويتعرض لكل أشكال الهجوم والتجريح
وحتى محاولة الإبعاد من تغطية جلسات الأمانة العلنية.

حملة من "التقليم وتشذيب الأطراف" بدأ تطبيقها
رئيس الوزراء معروف البخيت على أمانة عمان وهي التي لم تستطع أي من الرئاسات
السابقة للحكومة التعدي عليها، فالبداية كانت مع قرار اعتبره مجلس الأمانة ومن
ورائهم الأمين السابق الحديد بـ"القرار الاستفزازي" والمتمثل باقتطاع
25% من مبالغ مخالفات السير العائدة للأمانة وتوزيعها إلى باقي بلديات المملكة،
ليتجاوز الحديد حدوده ويصرح غير مرة منتقداً البخيت الذي يلقى دعما من الملك عبد
الله الثاني.

حالة من الغضب اجتاحت مجلس الأمانة، "فهذا حق
العمانيين"، "عوائد الأمانة ملك الأمانة وليست لأحد"، وغيرها
الكثير من التصريحات التي ملأت قاعة المجلس وما زادها تأجيجا هو كلام نضال الحديد المنمق
بالحرص والخوف على مسيرة الأمانة، وهو الذي بات "الخصم العنيد" أمام
الحكومة، متهما إياها غير مرة بالتدخل بخصوصيات الأمانة "متناسيا بأن الأمانة
جزء لا يتجزأ من مؤسسات الدولة".

ومع توتر العلاقات بين الأمانة والحكومة و"بالتأكيد
بعيداً عن كنف الإعلام"، تعكرت الأجواء بين الأمين والرئيس البخيت، إذ خلفت
الأمطار التي تساقطت بكثافة أواخر آذار الماضي حرباً بين الأمانة والحكومة، بشكل
جعل من شركة ليما المتهم والمذنب إلى ضحية غير قادرة حتى الدفاع عن براءتها؛ فلم يوفر
الحديد فرصة لتوجيه سهام نقده اللاذعة للشركة، وذهب إلى أبعد من ذلك بعقد مؤتمر
صحفي مفاجئ كال فيه لـ"ليما" التهام بشكل مباشر عن مسؤوليتها عن خراب
شوارع عمان، والعيوب التي أظهرها الشتاء ما هي إلا تقصير من الشركة معتبرا أن الأمانة
هي "الخاسر الوحيد" من إهمال "ليما"، ولم يعلق أحد على ذلك في
الصحف، ولم يصدر أي تعليق من مسؤولين داخل الحكومة، وهو حال أشار إليه أكثر من مراقب
بأن الحكومة قصدت الصمت.

وتوالت أحداث متلاحقة لم يعهدها أحد من داخل الأمانة،
فالبداية كانت مع حملة تغييرات واستقالات واستيداعات طالت 28 شخصية رفيعة داخل
الأمانة، وعلى رأسهم وكيل الأمانة فلاح العموش "أحد رجالات الحديد
الأقوياء" وكذلك مناصب عليا أخرى. وهنا لم يكن للأمين شيء يضيفه غير تسريب
خبر استقالته إلى الصحافة من خلال تلميحه في جلسة الأمانة الأخيرة له بأنه سيستقيل.

ومع تطور الأحداث ورياح التغيير التي طالت وبدلت مناصب،
لم تكن واحدة من الصحف ووسائل الإعلام على دراية من ما يحدث داخل الأمانة. وفي
ليلة وضحاها صدر قرار هز الأمانة من داخلها في جلسة اعتيادية للحكومة:

"الأمين الحديد إلى التقاعد والمعاني أمينا
لعمان".

"إحالة إلى التقاعد" هو ما ارتأته الحكومة
للحديد، وبحسب مصادر فإنه قدم الاستقالة قبل إحالته إلى التقاعد بساعات معدودة، وهي
خطوة فسرت بأنها تهدف "لإخراج الحديد من الحياة السياسية بأكملها"، فهو
الذي يعتبره الكثيرون "مشاغب وإشكالي"، وهو برأي موظفين من الأمانة "صاحب
القبضة الحديدية" حتى أن بين مجلس الأمانة المنتخب والمعين لم يستطيع أحدا
التعليق أو تقديم ملاحظة عن مناطق تمثيلهم لها بهامش من الحرية، يتمتع الحديد بسطوة
لم يسبقه أحد عليها، وبشخصية يجدها من تعامل معه بأنه "شخص غاضب ويتعامل مع
من حوله كقائد قبيلة"، وما زاد من سطوته هو "همة" الصحف اليومية العاملة
على تكريس صورته "الرئاسية" كقائد أمانة؛ عبر متابعات مستمرة، شبه
يومية، لأخباره ناهيك عن صوره "سلم على فلان وكرم فلان". حتى أنها لا تكاد
تخلو يوميا من أخباره وصوره، ورغم هذا لم تنل أي من الصحف شرف لقاء خاص معه!

انقضى عهد الحديد وجاء عهد المعاني، ومع ذلك لم تتحدث
الصحافة ولو بمقالة واحدة عما حدث ويحدث في الأمانة، سوى بعض المقالات التي قدمت
تصورا "للدور المطلوب من الأمانة"، ومنها مقالة للكاتب إبراهيم الغرايبة
في صحيفة "الغد" متحدثا عن تخطيط العاصمة عمان والجدوى من تطبيق نظام يجعل
من كل حي وحدة خدماتية في العاصمة. كذلك تطرق الكاتب جميل النمري في ذات الصحيفة إلى
الثقة الملكية للمعاني الأمين الجديد ومسؤوليته الكبيرة في تولي دفة الأمانة.
وبذلك خرجت الأمانة لأول مرة من دائرة مادحي بلاط الحديد!

المعاني قادم من حضن القطاع الخاص، حيث لا ماض سياسي له ولا
معرفة إعلامية عنه، وما يكاد يذكر هو أن والدته "صبيحة المعاني" عين
سابق في مجلس الأعيان. ولا يمكن وصفه حتى الآن سوى بأن لديه مهمة إدارة دفة
الأمانة العالقة في عدة مشاريع كبيرة مثيرة للجدل، كنفق عبدون الذي أرهق ميزانيتها
وبخاصة بعد تأخر الانتهاء منه إلى أواخر شهر أيلول القادم، ومشروع مجمع رغدان الذي
تأخر أيضاً عن المدة المحددة له بحوالي سنة كاملة، وكل ذلك يزيده خروج الأمانة من
عام 2005 بعجز في ميزانيتها وصل إلى 30 مليون دينار من أصل الميزانية الذي وصل إلى
144 مليون دينار.

الأمين الجديد بدا في آخر جلسة لمجلس الأمانة "متحمساً"،
مطلعا على المديريات وحتى على أسماء أعضاء الأمانة إذ كان يذكر اسم كل عضو بالكامل
عند السماح له بمداخلة. وأول ما جلس على مقعده طلب السير الذاتية لمدراء الأقسام
داخل الأمانة، في محاولة منه للتعرف على حجم الخبرات والكفاءات التي يتمتع بها
العاملون في الأمانة، منتهيا بتحميله "إدارات سابقة" مسؤولية الأخطاء
التي حدثت في شوارع العاصمة عمان من جراء الأزمات المرورية المتكررة والخانقة
خصوصاً في فصل الصيف. فهل سيختلف الأمين الجديد كذلك في نهجه مع الإعلام، هل سيآثر
كسب ود الصحافة عبر "الشفافية"، وإن فعل هل سيستجيب الصحفيون المعتادون
على هبات الحديد إلى النهج الجديد. وأهم من ذلك هل سينجح في إدارة أكبر مؤسسة
خدمية في المملكة وأكبر جابي ضرائب وإرضاء المواطنين دافعي هذه الضرائب؟ لندع
الأيام تتحدث لنا عن ذلك.

أضف تعليقك