"أكيد": خلط الأخبار بالإعلانات المدفوعة: أبرز تجاوزات الإعلام في الانتخابات
خلص تقرير حول التجاوزات المهنية في تغطية وسائل الإعلام الأردنية للدعاية الانتخابية، أنّ المخالفة المهنية الأبرز والأكثر انتشارا في أداء الإعلام هي الخلط بين الإعلانات المدفوعة الأجر والمحتوى الإعلامي والإخباري، وبرزت هذه المخالفات في محطات التلفزيون الخاصة والمواقع الإخبارية الإلكترونية.
و أصدر التقرير مرصد مصداقية الإعلام الأردني "أكيد"، رصد خلاله أداء 20 وسيلة إعلامية خلال ثلاثة أسابيع منذ بدء الحملة الانتخابية.
وتوصل الرصد إلى توثيق نحو 624 مخالفة تتعلق بتجاوزات الخلط بين الأخبار وإعلانات الدعاية الانتخابية المدفوعة الأجر، خلال فترة الرصد التي امتدت ثلاثة أسابيع في الفترة ما بين 17 / 8 - 5 /9 وأخذ هذا الخلط أشكالا وأنماطا متعددة حسب طبيعة الوسيلة الإعلامية، وجاء أعلاها في المحطات التلفزيونية، حيث تم رصد 314 مادة في خمس محطات تلفزيونية، ثم في المواقع الإخبارية الإلكترونية بواقع 241 مادة شهدت خلطا واضحا بين المحتوى الإعلامي والمواد الإعلانية ضمن ثمانية مواقع إخبارية شملتها العيّنة المرصودة؛ فيما لم تشر المحطات التلفزيونية أو المواقع الإخبارية إلى أنّ هذه المواد هي إعلانات مدفوعة الأجر؛ حيث تبدو خطورة هذه الممارسة علاوة على أنها تتجاوز القيم والمبادئ المهنية والأخلاقية، في أنها تقود إلى تضليل الجمهور والتغرير به وتقديم مادة ترويجية مدفوعة الثمن على أنها مادة تحريرية خضعت لقواعد العمل المهني.
وأوضح تقرير "أكيد" أنّ الفصل بين الإعلانات والأخبار أساسا مهنيا وأخلاقيا لا يجوز تجاوزه في التغطية الإعلامية وتزداد أهميته في موسم الدعاية الانتخابية، حيث تزداد حساسية موقف وسائل الإعلام ويزداد التنافس بين القوى السياسي في الوصول إلى هذه الوسائل والتأثير عليها.
مواقع إخبارية: خلط واضح وتراجع في التغطية الإخبارية
وأشار تقرير "أكيد" إلى أنّه في الوقت الذي تراجع فيه اهتمام العديد من المواقع الإخبارية في التغطية الإخبارية المعتادة لصالح الإعلانات المدفوعة فإنّ العديد من هذه المواقع حاولت التمويه وعدم الفصل بين المحتوى الإعلامي التحريري وبين الإعلانات المدفوعة، حيث خصصت مواقع إلكترونية نوافذ خاصة بالانتخابات النيابية، جمعت في محتواها ما بين التقارير الإخبارية الصادرة عن جهات معنية بالانتخابات وفي مقدمتها الهيئة المستقلة للانتخاب وبين المواد الدعائية والترويج للمرشحين دون الإشارة إليها بأنّها إعلانات مدفوعة الأجر وقدمتها على شكل أخبار. ومن هذه النوافذ:مجلس الأمة، حراكات انتخابية، حراك انتخابي، برلمان قادم، انتخابات 2016، وفي موقع آخر انتخابات 2016، برلمان، الانتخابات النيابية 2016، والحراك الانتخابي، روجت لقوائم ومرشحين وأرفق بعضها بالصور والفيديوهات منها 94 مادة نشرت في الأسبوع الأول لبداية الحملة الانتخابية.
أمّا فيما يتعلق بمحتوى تلك الأخبار المنشورة، والتي رصدها "أكيد"، فقد تمحورت في معظمها حول إشهار القوائم وإعلان المرشحين انضمامهم إلى الانتخابات، بالإضافة إلى عملية الترويج لمرشحين وقوائم بذاتها من خلال الحديث عن نشاطات وبرامج أعضاء هذه القوائم، وافتتاح المقرات والتنبؤ بقوة ونجاح بعض القوائم.
وأوضح التقرير أنّ عمليات الخلط في المواقع الإخبارية اتخذت العديد من الأنماط التحريرية أبرزها:
1- إعادة صياغة المادة الإعلانية المؤيدة لمرشح أو لقائمة على هيئة مادة إخبارية من ناحيتي الشكل والمضمون بحيث تذهب بالجمهور إلى أنّ المحتوى المعروض محتوى إخباري وليس دعائي.
2- التمويه في مكان النشر من خلال نشر المادة الإعلانية المحررة إخباريا في مواقع داخلية من الموقع الإخباري عادة ما يكون مخصص للمواد الإخبارية، ما يجعل الجمهور يذهب إلى كون المعروض مادة إخبارية.
3- نشر مواقف وتصريحات للمرشحين في موضوعات تتناول الشؤون العامة، مثل البطالة والفقر أو إصلاح التعليم وغيرها أو في قضايا سياسية إقليمية، ونشر اقتباسات منسوبة للمرشح على شكل عناوين، وذلك ضمن المادة الإخبارية دون الإشارة إلى أنّ هذا المحتوى دعائي مدفوع الأجر.
4- نشر مواد إخبارية للمرشحين تشرح المواد الدعائية المنشورة على الموقع أحيانا على شكل إعلانات مدفوعة الثمن وبشكل واضح.
5- تقديم مواد تحليلية لسير العملية الانتخابية تتضمن تكهنات حول التنافس بين الكتل والمرشحين في بعض الدوائر، إلاّ أنّ هذه التحليلات التي تبدو للوهلة الأولى أنّها مادة تحريرية خضعت للقواعد المهنية تذهب إلى تقديم دعاية واضحة لقائمة أو مرشح ما.
وقال التقرير "ويبدو أنّ بعض المواقع الإخبارية اعتادت إبرام عقود تشمل المواد الدعائية والمحتوى الإخباري معا أي أنّ الموقع الذي يحصل على هذا العقد ملزم بأن يوفر تغطية إخبارية مميزة للمرشح وبالتالي تكون التغطية جزءا من العقد، وهو أمر مخالف للقواعد المهنية التي تفصل بين السياسة التحريرية وبين الإعلانات".
محطات تلفزيونية: حملات دعائية على شكل مواد إعلامية
وتناول التقرير هذه المخالفة المهنية على محطات التلفزيون، حيث ازداد حضور المحطات التلفزيونية في الخلط بين المواد الإعلامية والمواد الدعائية في هذه الانتخابات بما يتجاوز ما شهدته الحملة الانتخابية للمجلس السابع عشر 2013، حيث احتلّت محطات التلفزيون الموقع الأول في حجم التجاوزات المهنية في هذا المجال، وبلغ عدد المواد المرصودة ضمن عينة الرصد وعددها 5 محطات تنلفزيونية نحو 314 مادة خلال فترة ثلاثة أسابيع من بدء الحملة الدعائية، ويلاحظ مرصد "أكيد" خطورة هذا الخلط على خلفية ازدياد حجم متابعي التلفزيون وتأثيراته خلال الحملة الانتخابية، وتحديدا من القواعد الاجتماعية العريضة الأقل معرفة وتمييزا أحيانا بين الدعاية المدفوعة الأجر والمواد الإعلامية.
لقد لاحظ الرصد أنّ الدعاية الانتخابية في محطات تلفزيونية خاصة قد تجاوزت خمسة أضعاف المادة الإعلامية (الأخبار ومواد الرأي) معا، وعلى سبيل المثال بثّت إحدى المحطات نحو 21 ساعة حول الانتخابات خلال أسبوع واحد، منها أربعة ساعات مواد إعلامية إخبارية ومواد الرأي والبقية دعاية انتخابية جميعها دون الإشارة إلى أنّها إعلانات مدفوعة الأجر ومعظمها بثّت على شكل محتوى إخباري أو إعلامي عام.
إلى جانب استمرار ممارسات غير مهنية شهدتها بعض المحطات التلفزيونية سابقا، ومنها عدم الفصل بين الملكية والتحرير أي عدم استقلالية القرار التحريري للمحطة عن رأس المال، وتحديداً حينما يكون مالك المحطة أو أحد أقربائه مرشحا في الانتخابات، فإنّ الحملة الحالية شهدت تضليلاً غير مسبوق في عدم الفصل بين المواد الدعائية والمواد الإعلامية، ورصد "أكيد" العديد من الأشكال والأنماط التي ظهرت عليها هذه الممارسة ومنها:
1- بث برامج تلفزيونية للمرشحين لتقديم برامجهم وعرض شعارتهم على شكل برامج تلفزيونية إعلامية، علما بأنّ هذه البرامج الدعائية مدفوعة الأجر، ولم يسبق لهذه المحطات أن أشارت إلى أنّ هذا البرنامج مفتوح أمام كافة المرشحين أو أنّها مدفوعة أو غير مدفوعة، باستثناء التلفزيون الأردني الذي قدّم إعلانات دعائية للمرشحين غير مدفوعة الأجر، وتم الإعلان عن ذلك مرارا على الشاشة، وتم توزيع هذه المدة الزمنية بالتساوي على الراغبين في هذه الفرصة.
2- بث مواد دعائية مدفوعة الأجر على شكل أخبار عبر الشريط الإخباري الذي اعتاد المشاهد أن يرى عليه مواد إخبارية، دون إيراد أيّ إشارة على أنّها مواد دعائية مدفوعة الأجر.
3- نقل كامل لافتتاح مقرات انتخابية لبعض المرشحين والقوائم الانتخابية، ووصل إلى مدة قد تتجاوز ساعتين دون الإشارة إلى أنّ هذه المادة دعائية مدفوعة الأجر.
4- قامت بعض المحطات بإفراد شريط إخباري لأخبار قائمة انتخابية واحدة دون غيرها وعلى مدى أيام الحملة، على الرغم أنّ الشريط يحمل عنوانا عاما مثل "الأردن ينتخب".
5- قامت بعض المحطات التلفزيونية بتحويل بعض البرامج الحوارية أو الإخبارية العامة المعروفة سابقا لدى هذه المحطات إلى برامج لبث الدعاية الانتخابية المدفوعة دون الإشارة بوضوح إلى أنّ ما يبث مادة دعائية.
في المقابل كان الخلط بين الإعلانات المدفوعة الأجر والمواد الإعلامية في أداء الصحافة اليومية ومحطات الإذاعة المرصودة أقلّ بكثير، حيث سجّل الرصد47 حالة في الصحافة المطبوعة و22 حالة في الإذاعات المرصودة وعددها أربعة إذاعات، في حين أخذت بعض الصحف اليومية تبني حملات دعائية مدفوعة الأجر لبعض المرشحين والقوائم ما أوقعها أحيانا في ارتكاب مخالفات مهنية واضحة في نشر تقارير وأخبار حول بعض المرشحين تصبّ في حملاتهم الدعائية ما يجعل تصنيف تلك الأخبار والتقارير بأنّها دعاية نشرت على شكل أخبار مضللة.
وبحسب المادة 7 من قانون المطبوعات والنشر فإنّ آداب مهنة الصحافة وأخلاقياتها ملزِمة للصحفي، وتشمل الامتناع عن جلب الإعلانات أو الحصول عليها. ونصّت المادة 9 من ميثاق الشرف الصحافي:
"رسالة الصحافة تقتضي الدقة والموضوعية وإن ممارستها تستوجب التأكد من صحة المعلومات والأخبار قبل نشرها، ويراعي الصحافيون عدم نشر معلومات غير مؤكدة أو مضللة أو مشوهة أو تستهدف أغراضا دعائية بما في ذلك الصور والمقالات والتعليقات. كما يجب التمييز بوضوح بين الحقيقة والتعليق أو بين الرأي والخبر".
وأيضا نصت المادة 17 من الميثاق: "لا يجوز الخلط بين المادة الإعلانية والمادة التحريرية، ولا بد أن تتضح التفرقة بين الرأي والإعلان، فلا تندس على القارئ آراء وأفكار سياسية ودعائية في صورة مواد تحريرية". وفي البند 4 من نفس المادة: "يجب أن يتم النص صراحة على المادة الإعلانية (سواء التحريرية أو غيرها) بأنّها إعلان".











































