استقبلت وزيرة الاستخبارات الإسرائيلية جيلا جمليل رضا بهلوي نجل شاه إيران في القدس الشهر الماضي. وفي الجولة نشرت ياسمين بهلوي زوجة نجل الشاه صورة ضابطة في حرس الحدود الإسرائيلية مع تعليق "امرأة، حياة، حرية" الشعار الذي رفعته المعارضة الإيرانية في الأحتجاجات الأخيرة.
يتبين نوع من السخرية في تعليق ياسمين بهلوي، وهو استخدام شعار "حرية" من أجل مديح جندية محتلة.
تحت السطح توجد سخرية أعمق معروفة عند الذين يعرفون تاريخ المنطقة. فأصل شعار "امرأة، حياة، حرية" هو حزب العمال الكردستاني (البي كي كي) الذي "استشهد" مقاتلوه الأولون في صف المقاومة الفلسطينية في لبنان.
يسلط هذا التقرير الضوء على تاريخ الأجانب الذين قاتلوا في حرب لبنان، وتتناول المقالة المنشورة في مجلة "نيو لاينز" الأمريكية للصحفي "ماثيو بتي" وترجمتها عمان نت إلى العربية بتصرف، لأنه لا حاجة إلى شرح كل جانب التاريخ الفلسطيني واللبناني للجمهور العربي:
نص المقال بتصرف
على رغم من أن حزب العمال الكردستاني يلعب دورا كبيرا اليوم في تركيا، وسوريا، والعراق، وحتى إيران، فإنه بدأ قبل أربعة عقود كمجموعة صغيرة من اللاجئين الأكراد جنسيتهم تركية. واستقبلتهم الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين ووفرت لهم التدريب في "الكفاح التحرري القومي" والعمليات العسكرية والتنظيم السياسي.
كان عند الطرفين اتفاقية "اللاتدخل في شؤون الآخر"، وذلك أن الأكراد تدربوا في مخيمات كل الفصائل الفلسطينية بدون ميل إلى واحد منها وبدون مشاركة في عمليات ضد إسرائيل. الا أن الجيش الإسرائيلي هاجم مخيما فلسطينيا اسمه "شقيف أرنون" فيه أكراد خلال حرب لبنان 1982، الأمر الذي فرض المقاتلة على حزب العمال.
من العجيب أن ١٠ شهداء من أول شهداء حزب العمال قتلوا في "معركة شقيف أرنون" و١٥ أكراد من رواد حزب العمال سجنوا في سجون الإحتلال بعدها.
توضح نسختا مجلة الحزب الرسمية من عام ١٩٨٤ و٢٠١٧ مصيرهم في السجن وبعده. سيف الدين أوزين عاد إلى تركيا واشترك في أول عملية الحزب ضد الجيش التركي عام ١٩٨٤ وتوفى بعدها بعام. نظيف آكتاش هرب إلى أوروبا وأسس فرع الحزب في المهجر، وقتل على يد فصيل كردي أخرى في باريس. سيف الدين زوغورلو الذي كان قد أنشأ الحزب في بيت عائلته عاد إلى تركيا قتل في معركة عام ١٩٨٦.
النسخة من ١٩٨٤ تتضمن رسوما وشعرا كتبها بعض السجناء الأكراد في السجون. مقاتل كردي جنسيته إيراني اسم الحركي "سامي" وصف تعذيبه على يد جندي إسرائيلي صرخ "جئت من أجل قتل اليهود، أنت كذاب...كردستان، تركستان، بنجلادش، إيران، عرب، كلكم كارهي اليهود، سوف نقتلكم جميعا."
وشرح سامي في شعره الأسباب للتعاون بين الأكراد والفلسطينيين. كان العصر الذهبي لليسار العالمي واشتراكية ""العالم الثالث"، وكان فكرة المكافحة الموحدة على بال كل حركة "تحررية" من نيكاراجوا إلى ناميبيا. هكذا رأى سامي الحركة "الكردستانية"، فكتب أن كردستان "فيتنام جديدة، في قلوبنا". وكرس كتابته "إلى السجين الأعزل في ديار بكر (تركيا)، وإلى الورقة على الشجرة في فيتنام، وإلى ذي الروح في هيروشيما وناجازاكي، وإلى الطفل الأيتام في صبرا وشاتيلا."
يتضمن أيضا بيان من حزب العمال والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وجبهة النضال الشعبي الفلسطيني: "عاش التضامن الكفاحي بين الشعبين الفلسطيني والكردستاني" ضد "المخطط الإمبريالي الصهيوني في المنطقة."
هذه "اللهجة المشتركة" الماركسية سهلت التعاون بين الأطراف. في مقابلة مع الصحافية الأمريكية المتخصصة في القضية الكردية أليزا ماركوس، ذكر "الرفيق أبو ليلى" من الجبهة الديمقراطية أن رئيس حزب العمال عبد الله أوجلان ألقى خطبة لمدة ليلة كاملة عن "أهمية تدمير التحريفية" في لقائهما الأول. وذلك أعجب أبو ليلى الذي فهم منه صدق أوجلان وجدية قضيته.
يتجادل المؤرخون المتخصصون في القضية الكردية عن كيفية ترتيب اللقاءات بين حزب العمال والجبهة الديمقراطية. حسب تقرير المؤرخ حمدي أكايا الذي دخل أرشيف حزب العمال، أتصل حزب العمال بالجانب الفلسطيني عام ١٩٧٩ بمساعدة حزب كردي سوري صغير والاتحاد الوطني الكردستاني الذي ينتمي إليه الرئيس العراقي الحالي عبد اللطيف رشيد. وطبعا تم أي تواصل عبر الحدود التركية السورية تحت مراقبة المخابرات السورية التي شجعت التمردات الكردية ضد تركيا وقمعت الأكراد السوريين في الوقت ذاته.
أثار دور النظام السوري ضجة في صف حزب العمال، فقال مقاتل كردي متقعد للصحافية ماركوس إن "كنا نتناقش ما إذا يجب علينا أن نقع تحت سيطرة سوريا" التي "كانت ديكتاتورية، وأسوء من ذلك، استبداد." ولكن لم يكون لهم بديل بعد سبتمبر 1980 عندما قام الجيش التركي بانقلاب عسكري وحبس أكثر من نصف مليون معارض مئات منهم ماتوا في السجون وتحت التعذيب. بعد ذلك كان حزب العمال الذي شتت أعضائه بين سوريا ولبنان هو الحزب الكردي التركي الوحيد بعيداً عن قبضة النظام العسكري التركي.
في وقت الاجتياح الإسرائيلي كان مئات الأكراد يتدربون في المعسكرات الفلسطينية. ووضع واحد منها في قلعة شقيف أرنون التاريخية حوالي منطقة مرجعيون والنبطية. في أول يوم للاجتياح عانى الفلسطينيون والأكراد (متطوعون أجانب من جنسيات أخرى) من قصف شديد. بعد ذلك بيوم اقتحمت قوات مغاوير من لواء "جولاني" الإسرائيلي القلعة.
حسب مقالة نشرت عام ٢٠١٥ من قبل المؤرخ الفلسطيني وقائد "الكتيبة الطالبية" في حركة "فتح" معين طاهر، أستشهد بعض المقاتلين الفلسطينيين والعرب و"الاتراك" عندما بقوا في القلعة من أجل تغطية التراجع. فكتب طاهر:
"هؤلاء الذين بقوا من الأبطال الذين وجدوا في قلعة الشقيف الراسخة أبدا في وجدان شعبنا وتاريخه وتراثه، وهو تراث مقاومة لأن ينقطع عن هذه المنطقة من بلادنا، بحسب هنا أن أذكر أنه لدى حفر الخنادق في محيط القلعة تم العثور ألا رفات العشرات من شهداء الحروب الصليبية، وقد امعة هذه الرفات بعناية شديد، وعيد دفنها بمراسم عسكرية في المكان ذاته وسط مهابة وخشوع ورهبة وإيمان عميق بأن هذه البلاد أمانة يورثها جيل إلى جيل".
تراجع الآخرون نحو صيدا، ولكن وقع الأجانب التائهون في أيادِ المحتلين الذين حبسوهم في معتقل "أنصار" في أراضي لبنان المحتلة. لا حاجة لتوضيح ما حدث في سجون جنوب لبنان خلال الإحتلال الإسرائيلي. لحسن الحظ بالنسبة للأكراد، أتفقت إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية تبادل أسرى في نوفمبر ١٩٨٣. وفقا لشروط الاتفاقية، كان سيرسل ألف أسير إلى الجزائر منهم الأجانب في "أنصار" ولكن الأكراد قيدوا أنفسهم إلى كرسي المطار بسلاسل خلال "ترانزيت" في يونان وطلبوا اللجوء، حسب نسخة ٢٠١٧ من مجلة حزب العمال.
بقي حزب العمال في لبنان بعد الاجتياح وأسس معسكر مركزي في وادي البقاع تحت حماية الجيش السوري. ولكن في التسعينيات، عند تحسين العلاقات السورية التركية، طرد النظام السوري ضيوفه من البقاع. وقبضت المخابرات التركية على الزعيم أوجلان في كينيا بمساعدة المخابرات الأمريكية. بسبب الشائعات عن تورّط عملاء الإسرائيليين في اعتقال أوجلان، أحتجت الجالية الكردية أمام سفارات إسرائيلية في أوروبا، وقتل حراس القنصلية في برلين ثلاثة أكراد. وفي إحتفالات في نابلس بالذكرى لانشاء الجبهة الديمقراطية، مؤيِّدي الجبهة دهسوا علم تركيا ورفعوا صورة أوجلان.
بعد ذلك بسنين، أنشأ مخضرمو حزب العمال حزبا جديدا لمعارضة النظام السوري، وهو أصبح " قوات سوريا الديمقراطية" التي تسيطر على ثلث أراضي سوريا اليوم.
برغم من سقوط الماركسية، حزب العمال اتخذ بعض الممارسات التي تعلمها في المعسكرات الفلسطينية اليسارية، منها استقبال المتطوعين الأجانب، والتشديد على النظريات النسوية. بسبب حضور مقاتلين فرس وأكراد إيرانيين في صف حزب العمال وقوات سوريا الديمقراطية، وتعرضهم الأيديولوجية اليسارية، انتشر شعار "امرأة، حياة، حرية" من الحركة الكردية إلى الحراك الإيراني ضد الحجاب الإجباري.
طبعا تغيرت مواقف الفلسطينيين نحو الأكراد والعكس بالعكس مع التغيرات السياسية في المنطقة. كان ينظر إليه خلال استفتاء انفصال كردستان العراق 2017 عندما رفع بعض الشباب الأكراد علم إسرائيل، وينظر إليه اليوم في شوارع الضفة الغربية حيث يعرض بعض شباب رموز مضطهدي الشعب الكردي مثل صدام حسين ورجب طيب إردوغان.
على أن المقاتلين الفلسطينيين و الاكراد الذين قاتلوا جنبا الى جنب تعرضوا للموت مع بعض لم ينسو تاريخهم. كتب رئيس الجبهة الديمقراطية نايف حواتمة عام ٢٠١٠: "نحن وقفنا مبكرين مع حق تقرير المصير للشعب الكردي في أقاليم كردستان." وزارت مخضرمة الجبهة الشعبية ليلى خالد تركيا مرة تلو مرة من أجل دعم الأسرى الأكراد والأحزاب الكردية. ولا يزال حزب العمال يذكر "أبطال شقيف أرنون" في بياناته واحتفالاته ومنشوراته عن الشهداء القضية الكردية.
وعام 2009 نشر المؤرخ الفلسطيني مازن صافي رسالة أرسلها إليه "بولات جان من جبال كردستان" عن موضوع معركة شقيف أرنون:
"تحية من قلب كردستان إلى قلبنا الجريح فلسطين الحبيبة
و تحية من كل ناضل ثوري حقيقي كردستاني إلى كل ثوار فلسطين الشرفاء
أخي وأستاذي العزيز
لقد قرأت في عدة مواقع كتابتكم عن مقاومة قلعة الشقيف الخالدة
هذه المقاومة التي نفتخر بها نحنُ الكرد كما أنتم الفلسطينيين، حيث و بحسب كتابة الكاتب بالمصري أحمد زكريا فقد اختلط الدم الكردي بالعربي في قلعة شقيف
و الكل يدرك جيداً بأن بين الشهداء الذين قاوموا و تصدوا للصهاينة الغاشمين كان بينهم 12 مقاتلاً كردياً من ثوار حزب العمال الكردستاني.
و هذه حقيقة تاريخية أعترف بها اليهود وهنالك بيان مشترك صادر من الجبهة الوطنية لتحرير فلسطين و حزب العمال الكردستاني حول شهداء مقاومة قلعة شقيف ،و هنالك سجل و أسماء جميع الشهداء من الكرد و الفلسطينيين ضمن ألبوم الشهداء الذي أصدرته دار سرخبون سنة 1983 التابعة لحزب العمال الكردستاني .
و لكنني و مع الأسف أرى تغافلاً في المقالات والكتابات التي تتحدث عن الدور الكردي في معركة شقيف وإهمال ذكر هذه الحقيقة التي كان يجب أن تذكر كأمانة للتاريخ و رسالة للجيل الحالي حيث باتت المفاهيم العنصرية تنتشر كالسم الزعاف بين شعبنا العربي و الكردي جراء ألاعيب الصهاينة و الامبريالية و السلطات الرجعية في المنطقة
ليدرك الجميع بأن الدم الكردي و العربي كان و لا زال واحداً و زكياً و طهوراً في الدفاع عن كرامة و حرية كلى الشعبين الكردي و الفلسطيني من أيام البطل الخالد صلاح الدين الأيوبي(يوسف بن مروان بن شادي الرواندي الكردي) و كذلك العشرات من الرفاق العرب الذين استشهدوا في جبال كردستان ..
المهم يا أخي و يا رفيقي العوامل التي تربطنا أكثر بألف مرة من التي تفرقنا رغم أنف الطغاة و العملاء و العنصريين ، و النصر للقدس المحتلة".
أخوك بولات جان
من جبال كردستان
بالرغم من انتهاء عصر الماركسية ومعه حالم "الثورة العالمية" ما يزال مخضرموه يؤثرون على عالمنا اليوم.