أعطني إبداعا أعطيك 'المرتلون':قصة شقاء طفولة أبدعت وأصبحت الشيء المثير

الرابط المختصر

على أنغام تراتيل اوركسترا الأطفال في المدرسة الداخلية بفرنسا، أنت حقا ستكون مأخوذا ومنحازا للفيلم الفرنسي "المرتلون"، حيث يلتقي في الفيلم مهارة الصورة البصرية مع المؤثرات الموسيقية، والتسلسل الأحداث في قصة يسترجع فيها الأبطال ماضي الطفولة، المليء بالشقاوة والأحلام. تتغير حياة الطفل بيار مارونج عند مجيء أستاذ الموسيقى سان ماتيو العاطل عن العمل في مدرسة داخلية لتأهيل القاصرين في أحد مدن فرنسا، حيث يكتشف الأستاذ أن الصبي المشاغب مثله كمثل أصدقاءه الذين أصبغوا مدرستهم بصفات المشاغبة والإصلاح غير المجدي، على الطلبة لمن أراد أن يضع أبنه فيها، وبالتالي تتشكل صعوبة ومخاطرة الأستاذ في تعليمهم الموسيقى التي يحبها ويعشقها.



"المرتلون" يثبت مجددا أن السينما الفرنسية قادرة على الاستمرار والعطاء، وأن للسينما الأوروبية الحضور والطعم والميزة المختلفة في الإبداع والتّمكن والحرفية في آن واحد، في زمن أضحت فيه السينما الأمريكية التجارية هي المسيطرة والمكتسحة العالم، فليس غريبا أن يخرق مخرج الفيلم كريستوف باراتيه، قواعد صمت المكان ويستنطق الأطفال، ويصدح العمل بأصوات البراءة، وعلى حرفية تعاملهم مع الإنشاد الأوبيرالي، في مدرسة تضم في صفوفها طلابا أطفال أعمارهم تتفاوت بين 9 –14 عاما، يعيشون حياتهم الطفولية الصاخبة بالمشاغبة والرعونة والمقالب المؤذية التي ينفذونها مرارا على أساتذتهم ومدير المدرسة صاحب الولاية والديكتاتورية، في مشهدية لا تفرقه عن بعض الزعماء العرب.



فالإيقاعات الموسيقية الكلاسيكية، وأصوات الجوقة، منحت الفيلم الكثير؛ من عنصر الجذب، والإعجاب والرهبة أيضا، إضافة إلى استغلال تفاصيل المكان الطبيعية، داخل أروقة المدرسة و خارجها من طبيعة خضراء؛ حيث وظف المخرج باراتيه جمالية المكان، لملئ صوره بالجمالية الملفتة والقوة البصرية المؤثرة جدا.



قصة الفيلم تبدأ عند تلقي رجل اوركسترا فرنسي معروف يدعى بيار مارونج نبأ وفاة والدته، ويأتي بعد يوم رجل كي يعزيه فيكتشف أن هذا الرجل المسن، هو من كان يعاصره في المدرسة الداخلية لتأهيل القاصرين، وزامله في صفه وأسمه ببينو، حيث يستعرضا معا صورهما أيام المدرسة الداخلية، واستذكار أستاذ الموسيقى سان ماتيو، صاحب الاكتشاف الأول لإبداع بيار في الغناء الجوقي.



يبدأ الفيلم لحظة تذكر بيار وببينو دراستهما في المدرسة الداخلية عام 1949، حيث يأتي إلى المدرسة أستاذ جديد، ويرى أمامه حادثة اصطدام أستاذ هرم يدعى ماكسانس يدخل عند سلامه عليه في أحد الصفوف الدرس، بحاجز زجاجي وضع عن قصد لأجل إيذاءه، عندها يصاب ذلك الأستاذ بأذى فوق عينه، ويُّخرج مدير المدرسة صاحب السلطة والديكتاتورية على الطلبة، يخرجهم جميعهم إلى الساحة لأجل اعتراف من قام بهذه المقلب، ولا يلقى الصدى منهم، عندها يطلب من الأستاذ ماتيو باختيار أسم عشوائي من القائمة الأسماء التي بحوزت المدير، يفاجأ الأستاذ من هذه الطريقة، عندها يختار اسما لطالب صغير موهوب يدعى مونيفاس، لمعاقبته ولكي يبث الرهبة والخوف لدى الطلبة، حيث اعتادوا العقاب، بالحجز أياما، في غرفة معتمة مصحوبا بتنظيف زجاج المدرسة والأرض والحمامات، إلى حين الانتهاء فترة العقاب.



يواجه الأستاذ ماتيو صعوبات جما في تأهيل الطلبة، ومحاولاته المضنية في تدريبهم على الغناء المرتل، والمنسجم وفق نوطات، يعدها ليليا لأجلهم، ذلك الأستاذ الذي يُحدث صخبا في المدرسة، يلقى الصد من الطلاب و الأساتذة، كونه يلعب خاسرا على ترويض شقائهم وكسلهم.



ويمنعه في البدء المدير من جعل طلابه في جوقة من إعداده؛ لكنه – المدير- يرضخ من استمرار مطالبة ماتيو له بإقامة الجوقة، عندها يبدأ في التعرف على إمكانيات كل طالب، ويكتشف عندها أن ثمة أمل في ترويض شخصياتهم المختلفة وصعبة الطباع، وتحرير حناجرهم، وإطلاقها لتصدح في مداخل المدرسة ليلا نهارا.



مع استمرارية تدريب الأستاذ للطلاب والذي بدا الكثير منهم منسجما ومتجاوبا مع الأستاذ، يصده المدير ويمنعه من تدريبهم، ويبدأ تلقينهم الحصص سرا في غرفة نومهم. تمر الأيام ويصبح الطالب بيار مورنج المتميز، متصدرا الجوقة بانفراده بالغناء من جهة والطلاب من جهة أخرى، وكان مورنج يتسلل خلسة إلى الصف وغناء النوطات المكتوبة على لوح الدرس، لوحده إلى حين اكتشاف الأستاذ ماتيو ذلك وتيقنه على موهبة ذلك الطفل.



يتعرف الأستاذ ماتيو على أم بيار، التي كانت تتردد إلى المدرسة من فترة إلى أخرى، لرؤية طفلها، حيث يصدف قبل تأقلم الطلبة مع الأستاذ أن يعاقب بيار في فترة، وتأتيه أمه فيكذب الأستاذ ماتيو، ويقول لها إنه يعاني من ألم في أسنانه، لكنها تعود بعد تميزه بالغناء، وتفاجأ من قول الأستاذ أن بيار مبدع بالغناء، وتسعد بذلك الخبر وتحتضنه لدى رؤيته، ويظهر الأستاذ عاطفة من الحب لأم بيار، مع وضع مشهد وهما يجلسان في مقهى ويحمل لها الزهور، ويصد ويحزن لدى مصارحتها له بأنها تحب رجل ولا تريد أن يخبر بيار، ذلك على أساس أنه أصبح صديقها.



تدور أحداث القصة تقريبا داخل المدرسة، مع تسليط الضوء على تعدد أمزجة الطلبة، حيث يأتي المدرسة طالب في عمر المراهقة يدعى موندان مشاغب؛ يسكر ويدخن دون حسيب أو رقيب، يتعرض للطلبة، ويحاول الاعتداء على بيار ذات يوم، فيعاقب بالحجز لمدة 15 يوما، في الغرفة المعتمة.



ينال موندان من مدير المدرسة الذي أغدقه باللكمات، بسبب اتهامه له بسرقة أمواله – يكُتشف بعد ذلك أن طالب آخر قام بالسرقة وليس موندان-، إضافة إلى إحداث الشغب وقلة الأدب في صفوف الدراسة، حيث يقوم ذات يوم بحرق المدرسة انتقاما من المدير الذي كان حينها باجتماع خارج المدرسة، فيحترق 60 طالبا، باستثناء طلبة الجوقة الذين كانوا في جولة بين أحراش الطبيعة مع الأستاذ ماتيو.



تقيم المدرسة حفلا خاصا بالجوقة بعد شهرتهم على مستوى المدارس الداخلية في فرنسا، حيث أمّت الشخصيات العامة أليهم لحضور الحفل، ويظهر المدير معتزا بما تقدمه الجوقة، إلا أن عرّف المدير سيدة مجتمع مثنية على ما حققته المدرسة، مدعيا-المدير- بأنه صاحب فكرة الجوقة وأنه كلف الأستاذ ماتيو، بتدريبهم عليها كونه موسيقي.



ليس سهلا أن تتحدث عن فيلم؛ يتمتع بقوة المخرج كريستوف بارانيه سينمائيا ومهارة الممثلين الأطفال وإبداع الممثلين الكبار، فالصورة الانطباعية عن الفيلم، هو المزج بين مهارة وجمالية الصوت لدى جوقة الأطفال والصورة ولقطات الكاميرا للمدرسة وأجوائها الداخلية.



أعطني نصا جيدا أعطيك فنا وإبداعا، حيث أتقن الممثل جيرارد جونو في دور الأستاذ ماتيو، بادية صدقية المشاهد التي قام بها، وعلى تمكنه في إبراز كده وصبره على طباع الطلبة الصعبة، وصبره في تحمل حماقاتهم ومقالبهم التي نال منها الكثير، كذلك كان لمدير المدرسة الدور الهام، والأطفال الذين لعبوا أدوارهم بمهارة توازي الممثلين الكبار، تأتي المشاهد مترابطة وواقعية وغير خيالية أو حالمة على غرار بعض الأفلام الفرنسية، آتيا العمل ناجحا في النص والتمثيل والإخراج، شادا المشاهد على متابعته، حتى آخر مشهد منه؛ بل وجمال ما تحتويه من موسيقى وتراتيل الجوقة.



الفيلم لم يتجاوز الساعة والـ35 دقيقة، ويصنف ككوميدي، رغم أنه جمع بين الكوميديا والرومانسية، ومن تمثيل: جيرارد جونو، فرانسوا برلييان، كاد ميراد، جون-بول بونير، ماري بونيال، جاك بيران.

أضف تعليقك