أعباء مزدوجة: المرأة تدفع فاتورة النجاح

الرابط المختصر

ما زالت النساء في الأردن تعاني من مصاعب في  التوازن بين العمل والحياة الشخصية، اليوم، فمع تزايد احتياج المرأة للعمل في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها العالم، تبرز تحديات جديدة متعلقة بزيادة التفكير، ما بين التوفيق في متطلبات العمل والمسؤوليات الأسرية، نسلط في هذا التقرير على التحدي المزدوج الذي تواجهه المرأة، في ظل التوقعات المجتمعية بالزامها بالرعاية الأسرية والأعمال المنزلية، هل يمكن للنساء أن يتغلبن على هذه المشكلة؟ وكيف ستؤثر هذه التحديات على وصولها للمواقع القيادية في العمل؟


 

تواجه أسيل أم لثلاثة أطفال، صعوبة التوفيق  ما بين أسرتها، وعملها، الذي طالما حلمت أن تحصل عليه، وأن تكون جزءا من الطاقم الإداري في الشركة، تقول أسيل" بالبداية كنت مستمتعة بالتحديات الجديدة، رغم المسؤوليات المتزايدة، ولكن مع مرور أكثر من سنتين على العمل الجديد،  وقدوم مولودي الثالث، بدأت أشعر بأنني منقسمة، في عالمين مختلفين، عالم العمل، الذي يتطلب مني التفرغ التام والتركيز، واتخاذ القرارات الصعبة، وعالم الأسرة وحاجته لي، ورعايتي وحناني.

تضيف ، أنها كانت تحاول جاهدة أن تكون أمًا وزوجة مثالية، وفي نفس الوقت موظفة ناجحة،  ولكن الوقت كان كفيل لإدراكها أن هذا الأمر ليس بالسهولة التي رسمتها في خيالها، تقول" بدأت أشعر بالذنب كلما غبت عن منزلي لحضور اجتماع عمل مهم، أو العمل لساعات إضافية".

أما عن حياتها في العمل، فكان الشعور بالإرهاق والتعب يتفاقم،  تقول أسيل" كان لدي إصرار على أنني أستطيع التوازن ما بين العالمين، لكن كانت المسؤوليات تزداد يوما بعد يوم، وخصوصا بعد دخول أطفالي المدرسة، ودوري في متابعة وظائفهم المدرسية، بنفس الوقت خوفي من فوات لحظات مهمة في حياة طفلي الصغير، ما دفعني للتفكير مرة أخرى بمدى قدرتي على تحمل كافة هذه الضغوطات".


 

وعن المشاركة الاقتصادية للمراة في المنطقة العربية، تشير مستشارة التمكين الاقتصادي، في معهد تضامن النساء الأردني، الدكتورة منى مؤتمن، أنها  ما زالت بعيدة عن المتوسطات العالمية للمشاركة الاقتصادية العالمية للمرأة، موضحة أن المنطقة العربية فيها ارتفاع نسبة البطالة بين النساء، والتفاوت في فُرص العمل، وتركيز حضور المرأة في سوق العمل غير المنظم، مؤكدة أن هذا كله يدفع بارتفاع معدلات مغادرة النساء سوق العمل.

من جهة أخرى تلفت مؤتمن إلى أن  الفجوة الأكبر بين الجنسين في توزيع أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر، تؤدي في مُعظم الأحيان إلى استحالة جمع المرأة بين واجبات الرعاية ومواصلة حياتها المهنية، لأن هذه الفجوة هي الأعلى في الدول العربية، مبينة أن بعض  البيانات في الدول العربية،  تشير إلى أن المراة تمضي أكثر من  خمسة أضعاف الوقت، الذي يُمضيه الرجل في أعمال الرعاية؛ مما يسبب عبئا مزدوجا تتحمّله المرأة العاملة،.

تشير إلى أن هناك عبء إضافي على المرأة بسبب افتراضات مسبقة، مثل أنها لا تستطيع تولي المناصب القيادية بنجاح، أو أن التزاماتها الأسرية لا تُتيح لها الوقت للمُشاركة المهنية الفعّالة؛ تقول" أنه هذه الافتراضات قد تحرمها الحصول على وظائف جيّدة، أو التقدّم في مسارها الوظيفي، بالإضافة للترقّي في الوظائف القيادية".



 

تشير نتائج استطلاع أجرته بي دبليو سي (pwc) في الشرق الأوسط عام 2022، حول المرأة العاملة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا "النساء الشابات والطموحات الكبيرة"، إن حوالي (94%) من النساء اللواتي شملهن الاستطلاع أنهن يفضلن التوازن ما بين الحياة العملية، والشخصية، بالإضافة  لتفضيلهن الحصول على فرص التدريب والتطوير. 


 

ويظهر تحليل  الاستطلاع، أن ازدياد نسبة مُشاركة الإناث في القوى العاملة في منطقة الشرق الأوسط، وشمال إفريقيا لمواكبة معُدّل توظيف الذكور، قد يدفع بالناتج المحلي الإجمالي صعودًا بنسبة (57%) أو ما يعادل (2) تريليون دولار تقريبًا. 


 

ويتفق  المحلل الاقتصادي مازن ارشيد، مع مؤتمن بأن فجوة  تفاوت الأجور بين الجنسين،  يجعل النساء في بعض الأحيان يفكرن في التضحية بمسارهن المهني، مقابل استقرار أسري أكبر، مشيرا إلى أن هذه الفجوة تعيق النساء من اتخاذ قرارات جريئة في تطوير في العمل، والوصول إلى مناصب قيادية.


 

ويلفت إلى أن التحديات التي تواجه النساء ترتبط بعدم وجود سياسات مرنة في بيئات العمل، مثل إجازات الأمومة، أو العمل عن بُعد، أو برامج دعم الأمومة داخل الشركات، مشيرا أن توفر هذه السياسات من شأنها مساعدة النساء في الموازنة بين حياتهن المهنية والأسرية.


 

يضيف  أن التحدي المتعلق بوصول النساء إلى المراكز القيادية في العمل، يرتبط أيضا بشكل وثيق بالتمييز غير المباشر، أو ما يعرف بـ"السقف الزجاجي"، لافتا أنهن يواجهن صعوبة في الوصول إلى المناصب العليا، حتى في حال امتلاكهن الكفاءات والمؤهلات اللازمة، ويبين أنه بالرغم من أن هناك تقدماً واضحاً في تمثيل النساء في بعض القطاعات، إلا أن فجوة القيادة لا تزال كبيرة.

وعن النظرة المجتمعية  التقليدية، المتعلقة بأدوارهن في المجتمع، فُيتوقع منهن أن يكنّ أكثر ارتباطًا بالأدوار الأسرية،  يقول ارشيد" تساهم هذه النظرة من تقليل من  فرصهن للترقية داخل المؤسسات"، مضيفا أن النساء اللاتي يوازنّ بين العمل والحياة الأسرية يعتبرن أنهن أقل استعدادًا لتحمل مسؤوليات قيادية.

ويكشف تقرير الفجوة الأجور بين الجنسين السنوي (GPGR) الذي أعدته شركة Payscale عن الفرق في الأجور، التي يتقاضاها الرجال، والنساء، لعام 2024، أن الفجوة  في الأجور دون مراعاة التعليم، والخبرة، والوظيفة، والمعروفة "بالفجوة غير المتحكم بها، فإن النساء تكسف فيها 0.83 دولار، بينما يكسب الرجال دولارا للساعة،  مما يعني أن النساء تكسب أقل من الرجال ب17%. 

أما  عن "فجوة الأجور غير المتحكم بها "، وهي بعد مراعاة التعليم، والخبرة، والوظيفة، يكشف التقرير عن كيفية تحديد الثروة والسلطة على أساس الجنس، مبينة   أن الوظائف الأعلى أجراً لا تزال في متناول الرجال بشكل غير متناسب مقارنة بالنساء.


 

عادة ما تواجه النساء، صعوبات وتحديات كبيرة، في بيئة العمل، مما يصعب عليها التوازن ما بين حياتها المهنية، والأسرية، أو التسبب بخروجها من بيئة العمل، مقابل الحفاظ على أسرتها، فهل من الممكن أن نرى سياسات داعمة للمرأة في بيئة العمل، وتحسن من مشاركتها الاقتصادية، أم ستبكى مشاركة المرأة ضعيفة كما هو الحال عليه الآن؟.