أسعار الفائدة إلى أين؟
تتالت قرارات رفع أسعار الفائدة من قبل البنك المركزي الأردني خلال الأشهر القليلة الماضية، وكان آخرها الأسبوع الماضي، أسوة بغالبية السلطات النقدية في مختلف دول العالم، استجابة للقرارات المتتالية لـ”الاحتياطي الفدرالي الأميركي” برفع أسعار الفائدة.
ونحن نسلّم بأن رفع أسعار الفائدة محليا ضرورة للحفاظ على الاستقرار النقدي، وللحد من ظاهرة التحول إلى الاحتفاظ بالدولار على حساب الدينار “الدولرة”، وللحد من ارتفاع معدلات “التضخم” ذي المنشأ المستورد والمحلي، لما له من مخاطر كبيرة على المستويات المعيشية للسكان وإضعاف جهود التنمية.
إلى جانب ذلك، فإن ربط سعر صرف الدينار الأردني مقابل الدولار الأميركي بقرار إداري منذ أواسط تسعينيات القرن الماضي يفرض على السلطات النقدية الأردنية مراجعة أسعار الفائدة على الدينار الأردني تبعا للتغيرات التي يجريها الفدرالي الأميركي على أسعار الفائدة على الدولار.
رفع أسعار الفائدة في معظم الدول دفعت اقتصادات عديدة إلى مرحلة تراجع معدلات النمو الاقتصادي فيها، وتشير مختلف التوقعات الاقتصادية إلى أن الاقتصاد العالمي دخل مرحلة ركود بالرغم من استمرار تقدم الاقتصاد الأميركي حتى الآن.
وتشير مختلف التوقعات كذلك إلى استمرار بنك “الاحتياطي الفدرالي الأميركي” برفع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة لعدة مرات، للحد من ارتفاع معدلات التضخم، ما سينعكس سلبا على معدلات نمو مختلف الاقتصادات العالمية، بما فيها الاقتصاد الأردني.
رغم تفهمنا لضرورات استمرار رفع أسعار الفائدة هنا في الأردن، إلا أن علينا أن ندرك الآثار الكبيرة التي تترتب على هذا الرفع على الاقتصاد الوطني بمختلف مساراته، حيث الضغط على معدلات النمو الاقتصادي التي كنا نأمل تحقيقها بعد سنوات طويلة من التباطؤ حد الركود، إضافة الى الأعباء الاجتماعية على اقتصاديات الأسر، حيث إن غالبية الأسر الأردنية عليها قروض بنكية، وقد بدأت البنوك المحلية برفع أسعار الفائدة على هذه القروض.
وهذا سينعكس بالضرورة على استمرار ضعف قدرات الاقتصاد الوطني على توليد فرص عمل لائق جديدة، وبالتالي؛ فإن تحديا البطالة والفقر سيبقيان جاثمين على صدر اقتصادنا ومجتمعنا، وستستمر آثارهما الاجتماعية قائمة، لا بل يتوقع أن تزداد.
مصارحة الناس بهذه التحديات ضرورة، وتوسيع دائرة المشاركة في مراجعة السياسات الاقتصادية ضرورة قصوى.
وفي هذا السياق، نجد أن من الضروري أن تقوم الحكومة بمراجعة سياساتها الضريبية باتجاه تخفيف الضرائب غير المباشرة (الضريبة العامة على المبيعات والضرائب المقطوعة وغيرها)، لدفع عجلة النمو الاقتصادي إلى الأمام، وضبط الارتفاعات المتتالية للأسعار.
هذا الإصرار على استخدام ذات السياسات الاقتصادية من قبل الحكومة يعكس حالة إنكار لعمق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي نواجهها في الأردن وخطورتها، ويعكس كذلك عدم قناعة الحكومة بمخاطر استمرار الحال على ما هو عليه، فمن غير المعقول استمرار العمل بسياسات الأجور المنخفضة، في وقت ترتفع فيه معدلات التضخم بشكل متتال.
كذلك، مطلوب إعادة النظر جذريا بسياسات وبرامج التشغيل التي تعمل بموجبها الحكومة في الوقت الراهن، التي تقوم على ربط المشغلين الذين يبحثون عن عاملين، والباحثين عن عمل، المطلوب هو توليد المزيد من فرص العمل.
نمر بمرحلة اقتصادية واجتماعية صعبة، وهي تتطلب، إلى جانب سياسات اقتصادية مختلفة وجريئة، التركيز على الحمايات الاجتماعية التي تمنع انزلاق المزيد من المواطنين إلى دائرة الفقر، وعدم الاكتفاء بتوزيع المساعدات على الفقراء، لأن الأوضاع ربما تصل مرحلة لن تتمكن فيها الحكومة من تقديم هذه المساعدات.
*الغد