"أزمة الفتوى" فتيل يشعل الأزمة من جديد بين الحكومة و الاسلاميين
ردود متواصلة على فتوى حزب جبهة العمل الإسلامي أخذت أبعاداً سياسية بحسب ما أطلق عليها المحللون من مسميات "أزمة الفتوى"، و"حملة تشهير سياسي".
فالردود المتوالية بدأت من إصدار الحكومة بياناً ردت به على فتوى جبهة العمل الإسلامي، لينتقل الأمر إلى اللجنة الوطنية للمتقاعدين العسكريين والمؤسسة الاقتصادية والاجتماعية للمتقاعدين العسكريين والمحاربين القدماء، ومن ثم دائرة الإفتاء العام وآخرها مجلس النواب السادس عشر.
هذه البيانات التي أخذت تندد بفتوى جبهة العمل الإسلامي؛ انتقدت إصدار الحزب لهذه الفتوى؛ نظراً لإقحام الملفات السياسية بالقضايا الدينية، وهو ما أوضحه الكاتب السياسي فهد الخيطان في أنه لا يجوز اللجوء إلى الفتاوى في القضايا السياسية المطروحة؛ حيث يجدر بالقضايا السياسية أن تبقى في الميدان السياسي وأن لا تتعداه وتأخذ أبعاداً دينية.
بداية أزمة الفتوى بدأت بإصدار علماء الشريعة في حزب جبهة العمل الإسلامي فتوى بتحريم مشاركة القوات الأردنية في أفغانستان، الذي تبعه إدانة حكومية على لسان ناطقها أيمن الصفدي معتبرة بأن الفتوى تمثل إساءة للدور الذي تقوم به القوات المسلحة في مساعدة الشعب الأفغاني.
إلا أن العمل الإسلامي اعتبروا أن تنديد الحكومة بالفتوى ما هو إلا "افتعال لأزمة ليست في محلها"، وأن "توظيف الفتوى جاء للتحريض على الحزب".
تداعيات الفتوى التي أصدرها حزب جبهة العمل الإسلامي لم تتوقف بين الحكومة والحزب؛ بل أخذت أبعاداً سياسية لتنتقل الأزمة من الحكومة والحزب إلى جهات وفئات أخرى في المجتمع الأردني.
فبينما أكد حزب جبهة العمل الإسلامي على أن الفتوى جاءت بعد تقدم أحد المواطنين بالاستفسار عن الحكم الشرعي، وأن الحزب أحاله إلى دار مفتي عام الأردن، إلا أنه لم تتم الإجابة عنه، ما اقتضى إصدار حكم شرعي بخصوصه؛ سارعت دائرة الإفتاء العام بنفي أن يكون قد طلب منها إصدار فتوى بهذا الخصوص؛ وذلك في بيان أصدرته أكدت به على أنها الجهة الوحيدة المخولة في إصدار الفتاوى، مستنكرة الإساءة لدور القوات الأردنية في أفغانستان.
بدروها أصدرت كل من اللجنة الوطنية للمتقاعدين العسكريين والمؤسسة الاقتصادية والاجتماعية للمتقاعدين العسكريين والمحاربين القدماء، بيانين نددا به بالفتوى؛ معبرين عن استيائهم من ما تضمنته.
بل ولم يتوقف الأمر عند التنديد والاستنكار لما تضمنته الفتوى بل تعداه إلى التحذير من المساس بدور القوات المسلحة معتبرين إياه خط أحمر لا يجوز المساس به، بحسب بيان اللجنة الوطنية للمتقاعدين العسكرين.
مجلس النواب أيضاً لم يغب عن هذا المشهد؛ حيث سارع بدوره في إصدار بيانا تساءل به عن أهداف الحزب من إصدار هذه الفتوى، رابط إياها بالأزمة التي مر بها الحزب قبل الانتخابات؛ حيث اعتبر المجلس أن الفتوى هي محاولة غير موفقة لاسترداد شعبية الحزب من قبل الرأي العام، وأن هذه الفتوى كانت محاولة يائسة لزرع الفتنة وإثارة النعرات.
إلا أن رئيس الدائرة السياسية في حزب جبهة العمل الإسلامي زكي بن ارشيد في حديث لعمان نت؛ اعتبر رد مجلس النواب بأنه جاء بعد تلقيه الأوامر والتعليمات من جهات أخرى؛ إذ أن الفتوى صدرت قبل أسبوع عن رد المجلس عليها.
كما وأكد ارشيد على أنه كان من الأولى على مجلس النواب مراقبة الحكومة بدلا من مراقبة الأحزاب، وأضاف بأن أقل ما يطلب من المجلس أن لا يخاض به معارك ليست معاركه.
* أزمة مفتعلة أم سوء لإدراك التبعات !
إصدار الفتوى من قبل حزب جبهة العمل الإسلامي أمرٌ يرى فيه بعض المحللين بأنه لم يكن متوقع؛ حيث أوضح الكاتب فهد الخيطان بأن الحزب لم يكن يتوقع ردة الفعل الرسمية وإلا لم يصدرها.
إلا أن فئات أخرى من المجتمع الأردني رأت أن إصدار الفتوى من قبل الحزب هو أمر متعمد من قبل الحزب رابطة إياها باستحقاقات سياسية؛ بغية استرجاع دور وشعبية الحزب في المجتمع وذلك بعد مقاطعتها للانتخابات النيابية الذي يقرأ فيه المحللون خطأ فادح ارتكبه الإخوان.
بعض المحللين وفئات أخرى في المجتمع الأردني استنكروا محاولة توظيف الدين في المصالح السياسية؛ حيث نددوا بمحاولة الإخوان والحزب من استرجاع شعبيتهم باستغلال القضايا والملفات السياسية وإقحام الدين في تفسيرها.
مؤشرات عديدة يقرأ بها المحللون محاولة حزب جبهة العمل الإسلامي لاستغلال الدين في القضايا السياسية؛ حيث لم يكتفي الحزب في إصدار بيان حول الفتوى فقط؛ فقد شهد أسبوع الفتوى بيانات مكثفة من قبل الحزب.
حيث كثف العمل الإسلامي في الأسبوع ذاته من إصدار بياناته على جميع الأصعدة؛ فأصدر بياناً بعث به إلى وزير الداخلية سعد السرور أعرب به عن قلقه ازاء ما وصفه باستهداف الحزبيين على النقاط الحدودية البرية والجوية؛ حيث أشار به أمين عام الحزب حمزة منصور إلى ما يعانيه الحزبيين لدى المغادرة أو العودة من تضييق لافتاً إلى "التأخير والإعاقة، وكتابة التقارير، والسؤال عن العنوان بصورة تلفت النظر".
كما وأصدر الحزب في الأسبوع ذاته بياناً دعا فيه الحكومة إلى “إعادة التوازن” لعلاقة الأردن بالقوى الفلسطينية، و”الإسهام في ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي بما يحمي مصالح الأردن الاستراتيجية”؛ حيث طالب مسؤول الملف الفلسطيني بالحزب المهندس مراد العضايلة الحكومة الأردنية بأن تتسم بالتوازن في علاقاتها الخارجية مشيراً إلى علاقة الأردن مع حماس، مستنكراً فتح الأردن للعلاقات مع بعض القوى الفلسطينية وإغلاقها أمام حركة حماس.
هذه البيانات المكثفة التي تواصلت على مدار أسبوع كامل؛ يرى فيها بعض المحللين بأنها مؤشرات للحكومة في محاولة لإيصال رسالة تؤكد بها على أنها ما زالت قائمة وذي تأثير في المجتمع الأردني.
الحكومة بدورها أرادت أن ترد على هذه الرسائل المبطنة؛ وهو ما يرى فيه المحللون بأنها قامت بشن حملة مكثفة على الحزب بشأن الفتوى؛ فالكاتب فهد الخيطان يرى بأن الحملة على الفتوى تجاوزت حدود الموضوع وتحولت إلى حملة تشهير سياسي؛ معتبراً أن لغة هذه الردود ومضمونها لم يختلفا كثيراً عن منطق الفتوى.
مقاطعة الإخوان للانتخابات وما ترتب عليه من تبعات؛ توقيت قد يحاول الإخوان إثبات وجودهم وشعبيتهم باستخدام كافة الوسائل المتاحة أمامهم وهو ما أشار إليه بعض المحللين؛ حين أشار المختص في الشؤون الإسلامية مروان شحادة في أن الإخوان سيحاولون التركيز على الإعلام في الفترة القادمة من بيانات وتصريحات إعلامية.
إلا أن الحكومة قامت بدورها أيضاً في صد الرسائل المتتالية من قبل الإخوان بعد مقاطعتهم للانتخابات بحسب محللين؛ وهو ما يدلل على أن الردود المتتالية على فتوى جبهة العمل الإسلامي قد لا تتوقف عند هذا الحد؛ بل قد تتعداه إلى حدود أخرى قد تشعل فتيل الأزمة بين الحزب والحكومة من جديد لنشهد استرجاع مرحلة جديدة من التصعيد بين الطرفين، إلا أن الجديد في التصعيد هو إشراك جهات وفئات أخرى في الأزمة.