أزمة البورصات..المطلوب ثقافة اقتصادية

أزمة البورصات..المطلوب ثقافة اقتصادية
الرابط المختصر

ثقافة المواطنين الاقتصادية، لا تؤمنها البورصة أو البنوك الأردنية إنما تبقى التجارب الشخصية هي السبيل الوحيد للتوعية، في وقت تغيب المؤسسات المصرفية والإعلام عن توعية المتعامل الأردني مع المعاملات المالية.

 

اذ يسجل في الأردن محاولة خجولة "التوعية والتثقيف" في مجال التعامل المالي، حيث قامت مؤسسة فيزا العالمية في العام 2007 بالترويج عن حملة "عائلة فهمان"، المتمثلة بسلسلة من القصص الكرتونية هدفها نشر الوعي بين المواطنين بشكل دوري في الصحف اليومية، وتمكينهم من استيعاب مبادئ الثقافة المالية من خلال مواقف تحصل في حياة تلك العائلة الكرتونية.

وما كانت أحداث "شركات البورصة المنهارة" التي أعصفت بالمواطن الأردني بتاريخ الثامن من أيلول/سبتمبر الماضي، إلا نتيجة لعدم المعرفة المالية والمصرفية لدى المواطنين، "فهي لا تزيد عن 15% من أفراد المجتمع الأردني"، على ما يقوله المحلل الاقتصادي سلامة الدرعاوي.

ويزيد الدرعاوي أن ما يحدث بالبورصات العالمية "ليس عدم وعي بل جشع وجلب أرباح". غير أنه دافع عن الصحافة الاقتصادية، "المجتمع غير ناضج بعد في مسألة المال والأعمال".

في وقت تتزايد أعداد المنشآت المالية والمصرفية بالقطاعين العام والخاص، حيث بلغ عدد الشركات الأردنية المسجلة حتى شهر أيلول 2008 (439) شركة، فيما وصل عدد البنوك إلى 23 مصرفا، "إلا ان هناك تقصيرا كبيرا بمجال الثقافة المالية والمصرفية لمنشآت القطاع العام والقطاع الخاص والمواطن نفسه". على ما يقوله المتخصص بعلم الاجتماع موسى الشتيوي.

هذه الثقافة "ضعيفة" –وفق الشتيوي- "بل قد تكون معدومة" ويرجع ذلك إلى "لجوء المتعاملين لأشخاص ومصادر غير أصلية، وعدم توفر مقومات المعرفة الاقتصادية لديهم من لغة ودراية مالية".

وكانت هيئة الأوراق المالية، نوهت في إعلان لها بشهر نيسان الماضي بأن التعامل في الأوراق المالية المتداولة في الأسواق المالية العالمية لا يعتبر نشاطاً خاضعاً لرقابة هيئة الأوراق المالية وبالتالي لا يخضع لأحكام قانون الأوراق المالية الأردني رقم 76 لعام 2002، حيث ان نطاق قانون الأوراق المالية ورقابة الهيئة ينحصر بالأوراق المالية المتداولة في بورصة عمان.
الرغبة في الحصول على المال بسرعة وبلا جهد، ومع موجة ارتفاع الأسعار المستمرة، هي أسباب دفعت العديد من المواطنين إلى الاستثمار بشركات البورصة العالمية التي كانت ولفترة وجيزة تعطي عائدا خياليا يصل الى 25 في المئة من المال المودع.

يزن 24 عاما، اقترض مالا من أحد المصارف بقيمة عشرة آلاف دينار لأجل الاستثمار في البورصة العالمية، ووجد ضالته في إحدى الشركات التي تتعامل مع هذه البورصة في مدينة إربد، ولم يجن ربح ما استثمره من مال، بعد انهيار هذه الشركة، يقول: "أشعر بالحزن لعدم اطلاعي وقلة تجربتي فهذه المبالغ التي استثمرتها ذهبت بسبب جهلي". 

وما كان مساعدا لإقبال المواطنين على هذه الشركات، هو العلاقات الاجتماعية من أقارب وأصدقاء، ما يعنيه الثقة والأمان، حتى أن هذه الاستثمارات ضمت أشخاصا من كافة فئات المجتمع؛ من مثقفين ومسؤولين وسياسيين، قاموا برهن بيوتهم أو عقارتهم لأجل الاستثمار لديهم.   

موقع "إحسب دوت كوم" العالمي، كان تجربة موجهة لدول الشرق الأوسط، ويضم معلومات باللغة العربية والإنجليزية عن جميع مناحي التعامل مع النظام المصرفي والبطاقات، وذلك للتأكد من أن جميع الأشخاص في المنطقة يتمكنون من إجراء ومزاولة أمورهم المصرفية بأعلى درجات الحماية والمرونة والراحة.

هذه الوسائل تعزز الوعي العام بالأنظمة المصرفية والخدمات البنكية، وتعزز الوعي الاجتماعي بعناصر الادارة المالية، من أنواع الحسابات البنكية وكيفية الاستفادة منها حسب الحاجة، والبطاقات البنكية، بالإضافة إلى الحماية الشخصية من التعرض للغش والاحتيال في الحياة اليومية، وحتى عند استخدام شبكة الانترنت.
 
أين المسؤولية الاجتماعية؟
ويغيب دور وزارة المالية والبنك المركزي والبورصات وجمعيات حماية المستهلك والمستثمر توعية المجتمع لأساليب الاستثمار وكيفية الاختيار، فيما اقتصر دور أعضاء مجلس النواب لحظة انهيار الشركات المتعاملة مع البورصات العالمية بالإدانة والاستنكار، ولم تقدم في سياق الجلسات أية اقتراحات يمكن الأخذ بها.

جمعية حماية المستهلك، أصدرت بيانا صحفيا بتاريخ 12 تشرين أول/ أكتوبر دانت فيه "التقصير الحكومي" تجاه المواطنين حيث "لم تقدم واجبها الإرشادي والقانوني في توجيه الاستثمارات في إطارها السليم والصحيح وعدم ترك المستثمر المحلي في حيرة من أمره في إيداع أموالها في استثمارات مجدية".

واتهمت "حماية المستهلك" هيئة الأوراق المالية ودائرة مراقبة الشركات بالتقصير في مجال توجيه الحجم الهائل من الأموال المحلية في استثمارات وهمية وغير مجدية وتساءلت عن خطط وبرامج الهيئات الرقابية في التحوط من مثل هذه الممارسات الوهمية لشركات البورصة التي أكلت أكثر من 500 مليون من أموال الأردنيين.

انهيار الشركات المتعاملة، كان له أثره على المتعاملين القاطنين في مناطق الأرياف والبادية وكل ما هو خارج العاصمة، والتي كانت استثماراتهم تفوق ضعف ما سجل في العاصمة، وسجلت حوادث، كان فيها أحد من قدموا أموالهم "باع كل ما يملك لأجل الربح السريع" وهذا ما استدعى جمعية حماية المستهلك إلى البحث عن أسباب انتشار هذا النوع من الوساطة وعمل شركات البورصة العالمية في مناطق الأرياف والبادية "وأين كان دور الأجهزة المعنية من هذه المسألة".

إدراك المجتمعات لأهمية الثقافة المصرفية، أدى لإدراج برنامج التثقيف المالي في المناهج الدراسية للطلاب بالولايات المتحدة، فأصبح يتعامل بها أكثر من 2.5 مليون معلم، و37 مليون طالب وطالبة، و100 ألف مدرسة. فهل تقوم الحكومة الأردنية بمثل هذه الخطوة؟