أزدواجية الثقافة في الأردن ما بين رابطة سائدة واتحاد يحاول النهوض

الرابط المختصر

إذا كنت كاتبا، فعليك الانتساب الى مؤسسة ثقافية تعطيك حقك ككاتب وترعى شؤونك الأدبية وتحمل عنك كاهل الهم الإبداعي قليلاً، فبكل البلدان - عربية كانت أو غربية - هناك مؤسسة ثقافية تمثل اتحاداً يطوي كافة الكتاب والأدباء والمثقفين في كنفها، وفي الأردن الوضع يختلف!ففي الأردن هناك مؤسستين هما (رابطة الكتاب الأردنيين) و (اتحاد الكتاب والأدباء الأردنيين)، وككاتب أردني لابد لك عضوية لتثبت وجوديتك الإبداعية، لكن عليك الاختيار ما بين هذه أو تلك، وأنت إذاً وعلاقاتك.



تاريخ وجود هاتين المؤسستين ارتبط بالأحداث السياسية التي مرت بها الأردن على إثر القوانين العرفية التي سادت ما قبل التسعينات، فظهر بعدها ذلك الخلاف على الأفضلية والذي ما تزال تظهر معالمه جلية كلما تحدثنا عن المؤسستين.



مشكلة تاريخية..

الرابطة هي الأقدم تاريخياً، ولهذا ترى أن البقاء هو حق لها دون غيرها، ولأعضاء الرابطة جميعاً موقف متوحد على كونها الأقدر والأفضل وعلى أنها الممثل الأول للكتاب والمثقفين في الأردن، ولهذا يقول موسى برهومة رئيس القسم الثقافي في جردية الغد وعضو في الرابطة "الأزدواجية حاصلة بصورة أساسية من خلال إتحاد الكتاب ورابطة الكتاب الأردنيين، وهي التي نتجت في أواخر أيام الأحكام العرفية في الأردن، حيث كانت رابطة الكتاب الأردنيين تشكل الوطن المعنوي للمثقفين في الأردن والممثل الشرعي لهم، وكان لها موقف معارض للسياسات الحكومية مما أدى الى إغلاقها بقرار من الحاكم العسكري أواخر الثمانينات".



منذ بداية تاريخ إنشاء الاتحاد ما بعد الرابطة نُظر إليه على أنه متحدثاً باسم الحكومة، وأن أعضاءه لم يكونوا على ذلك المستوى الثقافي المطلوب، ويكمل برهومة حديثة قائلاً "في أثناء ذلك جرى خلق هيكل بديل لها هو اتحاد الكتاب، والذي ضم الكثير من الكتاب الذين رأى الكثيرون أنهم لا يتمتعون بالسوية الثقافية الإبداعية العادية، وعندما زالت الأحكام العرفية كان ينبغي أن يزول الاتحاد بزوالها، إلا أنه بقي وعادت رابطة الكتاب الى استئناف نشاطها".



ويرى محمد العبادي رئيس اتحاد الكتاب الأردنيين والمرشح الأول في انتخابات الاتحاد الحالية، قال أن تشكيل الاتحاد نتج عن الفراغ الذي بقي ما بعد إغلاق الرابطة ليشكل مجموعة من الأدباء اتحادا للكتاب، حيث قال "هذه الإشكالية قديمة منذ عام 1977، عندما حدثت إشكالية على الرابطة وأغلقت، وصار هناك فراغ في الساحة الثقافية الأردنية، فتنادى عدد من الأدباء وشكلوا اتحاد الكتاب والأدباء الأردنيين، وفي عام 1989 عادت الرابطة بعد الإنفتاح الديمقراطي الذي حصل في الاردن وكان الاتحاد قد أخذ وجوده".



إنفتاح أم وضع أعوج؟

لكن موسى برهومة وصف الاتحاد بالجسم الغريب، وحمل الحكومة ممثلة بوزارة الثقافة مسؤولية وجود هذا الجسم، وعليها تقع مسؤولية إنهاء هذه المؤسسة "المسؤولية تقع على الذين خلقوا هذا الجسم الغريب في الحياة الثقافية الأردنية وهي الحكومة، وهي التي شكلتها ووضعت لها هيئة إدارية وهيئة عامة وزودتهم بميزانيات، والحكومة ممثلة بوزارة الثقافة عليها تصحيح هذا الوضع الأعوج، الذي لا ينسجم والأعراف الديمقراطية في الأردن".



وعلى عكسه، رأى العبادي الأمر نتاجاً طبيعياً للإنفتاح الذي حققته الديموقراطية الجديدة في الأردن والتنوع الثقافي الذي يصب في مصلحة الوطن فيقول "نحن لسنا ضد وجود رابطة واتحاد لأن هذا نوع من التنوع الثقافي والتعددية الثقافية في الأردن، ووجودهما تنافسي أكثر مما هو عدائي ونحن جميعا نقوم بالنهوض بالمشهد الثقافي، ووجود المؤسستين موجود في أكثر من دولة في العالم، ونحن نعيش في مرحلة التنوع الثقافي، والمؤسستين تلتقيان تحت مظلة مصلحة الوطن".



لكن الإشكالية أن هناك وضعاً ثقافياً متردياً، وكذلك فالكتاب مثلهم مثل الجميع يحتاجون الى نقابة، لكن ذلك يبدو مستحيلاً طلما أن هناك مؤسستين تقومان بنفس الدور النقابي، والذي لسنا ندري إن كان حقيقياً أصلاً.



وفي هذا يقول برهومة "نتسائل لماذا هناك نقابة خاصة بالصيادلة ونقابة خاصة بالأطباء، وبالمقابل نجد لدينا مؤسستين نقابيتين للكتاب، وهذا الوضع الشائخ وضعته الحكومة".

والحل!! "على الحكومة أن تصلح الوضع من خلال إعادة الاعتبار للوضع الثقافي ممثلاً برابطة الكتاب، فيُحل الاتحاد ثم يتقدم أعضاءه بطلبات عضوية للرابطة وهناك لجان في الرابطة تقبل من تتوفر فيه المواصفات الثقافية والإبداعية لينخرط عضوا في رابطة الكتاب".



إزدواجية عضوية!!

وفي خضم هذا الوجود المزدوج للمؤسستين، تظهر مشكلة أخرى امام الكاتب وهي ازدواجية العضوية، أي أنه إذا كان الكاتب عضوا في الاتحاد مثلاً، فلا يحق له أن يكون عضواً في الرابطة، وكذلك العكس، ويقول برهومة "لا تجوز بحسب قوانين الهيئة الإدارية للرابطة أن تكون عضوا في الاتحاد والرابطة معاً"، ويضيف "وهناك أيضا نظرة بأن الاتحاد غير شرعي، والرابطة لا تعترف به".



وكل هذا يعود بالضرر على الكاتب نفسه، فهو لا يجد نفسه لا هنا ولا هناك، ويراه برهومة تفتتاً ثقافياً "أصبح هناك تفتتاً في التمثيل الثقافي، فمثلا اتحاد الكتاب العرب لا يعترف باتحاد الكتاب الأردنيين، ويرى أن الرابطة هي الممثل للكتاب الأردنيين، فهذا الاتحاد لا داعي له وفائض عن الحاجة الثقافية".



و..."الصين على عظمتها لديها اتحاد كتاب واحد فيه أكثر من ألف عضو، بينما نحن في الرابطة هناك 600 عضو زفي الاتحاد هناك 300 عضو، فهل يعقل أن في الأردن هناك ما يزيد على الألف كاتب ومبدع ومثقف، نصفهم فقط يمثلون الحالة الثقافية في الأردن، فهذا الوضع الشاذ من مسؤولية الحكومة، ويجب أن تحل الاتحاد وتصبح الرابطة هي الممثل الوحيد للمثقفين في الأردن".



والمسؤول.. أين؟؟

ويصر برهومة على الحالة شاذة، وعلاجها بيد الحكومة التي ليس عندها أولوية فيما يخص الوضع الثقافي "هذه الحالة تقود الى أمر أهم وهو أن الثقافة لا تشكل أولوية بالنسبة للحكومة، فإقصاء الثقافة هو الذي يتسيد أجندة الحكومة الأردنية، فلا هم لدى الحكومة لمعالجة الحالة الثقافية في الأردن، ولذلك يبقى الحال على ما هو عليه، هناك رابطة فاعلة في الأردن وهناك اتحاد هامشي لا يقدم أي إضافة نوعية للمنجز الثقافي في الأردن".



وضع الاتحاد لا يشكل هاجسا للرابطة، يتابع برهومة "والمتضرر الأساسي ان بعض الكتاب والمثقفين الجيدين داخل الاتحاد مظلومين لأنهم منخرطون داخل مؤسسة لا تحظى بالاعتراف الدولي، لذلك آن لهم أن يقوموا بالدور التصحيحي إذا لم تقم به الحكومة ويتقدموا بطلب عضوية وتذوب الأسماء الجيدة في الرابطة، وتنحل هذه الازدواجية".



لكن...

هذا القانون في الاتحاد جاء رداً على الرابطة، يؤكد العبادي "هذا النظام جاء كرد لقرار الرابطة بأن لا يكون الكاتب عضواً في هيئتين ثقافيتين وهذا لا يخلق أي خلاف ما بين المؤسستين، فالرابطة تكرم أعضاء من الاتحاد، ونحن نكرم اعضاء من الرابطة دائما، نحن نتكلم عن مثقفين وطن وعم كتاب وطن نعتز بهم، وهذا هو المنطق الذي يجب أن يسود إذا كنا معنيين بالثقافية الوطنية بشكل عام".



ويضيف العبادي" الاتحاد لديه رموز ثقافية كبيرة، والذين شكلوا الاتحاد نفسهم شكلوا الرابطة، والاتحاد يقوم بالكثير على الساحة الثقافية سواء في عقد الندوات أو في إصدار مجلة الكاتب الأردني، وفي الاتفاقيات المعقودة بينه وبين الاتحادات الدولية مثل الاتفاقية الثقافية مع اتحاد كتاب الصين، وخلال العام الماضي أقاموا أسبوع ثقافي في الأردن، كما قمنا في الاتحاد بإقامة اسبوع ثقافي في البحرين، ولدينا علاقات مع اتحاد كتاب مصر، ولدينا لجنة الأدباء الشباب وهذه تفتقر لها الرابطة".



وكذلك "المرحومين حسني فريز وروكس بن سالم العزيزي كانوا أعضاء اتحاد الكتاب، والأستاذ سليمان المشيني ألف 40 أغنية أردنية عضو في الاتحاد، وحيدر محمود شاعر الأردن الاول وهو مؤسس وعضو اتحاد الكتاب، وسليمان الموسى أيضاً وهؤلاء على سبيل المثل، ولدينا الكثير من الطاقات في الاتحاد، ونحن ندعي أننا نمثل ذاكرة الأردن ولدينا رموز ثقافية مميزة".



الاتحاد ليس ضد فكرة الاندماج، إلا أنه ينتظر أن تبادر الرابطة ربما، "لسنا ضد عملية الاندماج مع الرابطة، والاشكالية أنني موجود وأنت تأتي إلي، فهناك هيئتين عامتين لكل من الاتحاد والرابطة وهما صاحبتا الولاية في هذا الموضوع، والرئيس ليس هو صاحب القرار".



وزارة الثقافة رفضت الإدلاء لنا بأي معلومة، لأن الأمر "خلاف قديم له جذور" ووزارة الثقافة تفضل "البقاء خارج إطار هذه الدائرة"، وهو موقف إعتيادي ربما لا نرى فيه جديداً أو حتى شيئاً غريباً.



اتحاد كتاب أو رابطة لا فرق، فالجميع سيظل كما دائماً، يتبادلون الأدوار والمناصب، والمثقفون يهزون رؤوسهم موافقين، ومتحسرين بذات الوقت.

أضف تعليقك