أردنيون معتقلون في سوريا: التهم مجهولة السبب

الرابط المختصر

قررت والدة وفاء عبيدات الاستغناء عن صور ابنتها المنتشرة في شتى أرجاء البيت، وحصرها في غرفة واحدة، كانت لها ووضعها داخل علبة.

والدة وفاء لم تكتف بصور ابنتها فحسب إنما صور ابنها الأكبر هاني، منهية فصلا من فصول العذاب اليومي الذي تسببه صور ابنيها الذين اعتقلا منذ العام 1986 في سوريا واحدة من أطول القضايا الإنسانية.

الوالدة الستينية، الممتلئة بالأمراض وبالتعب ، وقررت الصمود طوال تلك السنوات، رافضة فكرة وفاتهما "فالقلب لا يكذب" تقول الأم المكلومة وفي عيونها صور وفاء 20 عاما التي تركت منزلها إلى دمشق في تلك السنة لتكمل سنة تخرجها من جامعة دمشق بتخصص "طب أسنان" وقبلها بأربعة شهور شقيقها هاني حينها كان عمره 23 عاما.        
 
منذ تاريخ السابع عشر من تشرين أول العام 1986 ولغاية الآن ووالدة وفاء وهاني لا تستطيع احتساب تلك السنوات "سنين مضت، وأنا أشعر أنها بالأمس اختفت وفاء وقبلها هاني".  
 
حاليا، ناهزا هاني ووفاء الأربعين من السنوات، هما بعيدين عن العالم، يقبعان بين الجدران، تتمنى والدتهما ان يعودا لها، وترفض فكرة أن يكونا قد توفيا وتتجاوز مطالبات الناس بإصدار شهادات وفاة.
 
بسام أبو عصبة، لا تختلف مدة سنوات اعتقاله عن سنوات اعتقال وفاء وهاني، فهو سبقهم بعام واحد فقط، لكنه لم يبن له أثر، وهو الذي ترك وراءه زوجته وابنته التي لم يزد عمرها عن السنتين، هي الآن متزوجة ولديها أطفال، أما والده الثمانيني فيرقد على مقعده يتذكر ابنه وحزنا على زوجته التي توفيت حسرة على ابنها المفقود.
 
"تعلم في لبنان، وكان شابا حماسيا مع فتح في 1984 ولم يكن ناشطا بقدر ما كان شابا يريد العمل بالأنشطة الشبابية، وكيف اختفى منذ تلك السنوات، ومنذ سنة 1985 وهو مختفي". يتذكره والده بحسرة أب على ابن كان الشعلة بين عائلته، فيما شقيقته رحاب لا تتذكر في بسام سوى صوته عبر الهاتف "كنت في الكويت ولا أتذكر سوى حماسته على الحياة لا نتذكره إلا عندما نرى ابنته في المتزوجة والمقيمة في لبنان".     
 
أما جمال محمود تيم، اعتقل عام 1986 داخل الأراضي السورية حيث كان يدرس تخصص الهندسة المدنية في جامعة دمشق، ومنذ ذلك التاريخ وهو لا يزال قابعا في السجون السورية، 23 عاما لم تنس والدته ابنها يوما، تقول: "هل مازال ابني على قيد الحياة؟ هل وافته المنية؟ هل يأكل وينام ويرتاح" تواصل أسئلتها وتضيف "لا أريد شيئا إلا أن اعرف إذا كان ابني على قيد الحياة أم لا، ويكفينا معاناة لو كان عند اليهود واعتقل مؤبد لكان قد خرج وحصلت على أخباره على الأقل".
 
أما خالد أبو صبيح، كان يدرس هندسة المعادن في تركيا، واعتقل عندما كان عمره آنذاك 22 عاما سنة 1986 من قبل المخابرات السورية وتنقل من سجن المخابرات إلى سجن المزه ومن ثم إلى سجن صدنايا.
 
يجدد أهالي المعتقلين الأردنيين في السجون السورية مطالبتهم من الحكومة الأردنية بضرورة التحرك للإفراج عن أبنائهم والذي مضى على بعضهم أكثر من 30 عاماً، في قضية تعتبر من أطوال القضايا عمراً بين الأردن وسوريا.
 
ويصل عدد الأردنيين في السجون السورية إلى 236 معتقلا بينهم 12 فتاة، وفق تقديرات اللجنة الوطنية للدفاع عن المعتقلين في السجون السورية، وعلى لسان رئيسها المحامي عبد الكريم الشريدة، الذي قال:" إن "غالبية المعتقلين في سورية مسجونين لأسباب سياسية مختلفة، لا مبرر لها، في الغالب".
 
ويعتبر الأهالي إن قضية المعتقلين في سوريا "غير متابعة"، "أهالي الأسرى يستهجنون استثناء قضية أبنائهم من كل اجتماعات اللجنة الأردنية السورية التي تعقد بين الحين والآخر"، على ما يقوله الشريدة، وكان آخر اجتماعات اللجنة  مطلع حزيران الماضي التي جمعت رئيسي الوزراء الأردني نادر الذهبي والسوري محمد ناجي عطري.
 
تلك اللجنة ناقشت قضية المعتقلين في سوريا قبل أربعة شهور وتلقت وعودا بالإفراج عن الأردنيين في سوريا، سبقها قمة (أردنية – سورية) عُقدت في الثامن عشر من تشرين الثاني الماضي جمعت الملك عبد الله الثاني والرئيس السوري بشار الأسد، وفيها اتفقا على مجموعة خطوات ستعمل اللجنة الأردنية السورية العليا على تنفيذ جدول زمني محدد للعديد من القضايا ومن بينها قضية المعتقلين.
 
في التاسع والعشرين من تشرين ثاني الماضي، أفرجت السلطات السورية عن 18 معتقلا جنائيا لكن لم يخرج أي من المعتقلين المصنفين بـ"السجناء السياسيين".
 
مدير الدائرة القنصلية في وزارة الخارجية، أحمد مبيضين، يقول: "لدينا قوائم بأسماء المعتقلين الأردنيين في سوريا، لكننا لا نستطيع الإعلان عنها، أو حتى عن عددهم، لأن ذلك قد يضر بالمفاوضات المستمرة على أعلى المستويات بين البلدين، ويعيق جهود الأردن لاستلامهم من السلطات السورية".
 
المنظمة العربية لحقوق الإنسان، أعلنت قبل عام في مؤتمر صحفي خصصته عن المعتقلين في سوريا عن واقع المعتقلين "والتجاهل الحكومي لملفهم" وفق ما رأته المنظمة، داعية الحكومة إلى ضرورة التحرك الرسمي والسعي مجددا للإفراج عنهم.
 
وتلقى الشريدة رسالة قبل يومين من قبل رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان السورية، يبلغه فيها، عن اعتقال السلطات السورية أربعة أردنيين على خلفية قضايا جنائية متفرقة، وعلى ما قاله الشريدة فإن "السلطات السورية سبق وطالبت من الجانب الأردني  بتسليهما سوريين إسلاميين موجودين في السجون الأردنية".
 
ويضيف الشريدة: "لو كان هناك متابعة حقيقة من قبل الحكومة فلماذا نفسر وجود سجناء منذ ثلاثين عاما ولغاية التاريخ الحالي، فلا مبرر أبدا من زيارة مسؤولين سوريين إلى الأردن ولا يتم إدراج قضية المعتقلين على جدول الأعمال".
 
وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال، ناصر جودة، قال في مؤتمر صحفي سابقا إن "ملف المعتقلين في سوريا سيعالج من خلال الإفراج الفوري عن عدد من المحكومين منهم وتشكيل لجنة من الجانبين لدراسة أوضاع بقية السجناء في البلدين تمهيداً لمعالجتها بشكل نهائي".
 
المحامي طالب السقاف، مدير مرصد الإنسان والبيئة، يوضح أنه لا يوجد اتفاقيات "إنما قواعد عرفية دولية واتفاقيات بين البلدان، لتسليم المجرمين وهي إما ثنائية أو جماعية وقواعد معاملة السجناء وهي غير ملزمة وتسمى قواعد الحد الأدنى  وكذلك توصيات مؤتمرات تكون بهذا الخصوص ولكنها ليست دولية".
 
وكان عبد الكريم شريدة بعث رسالة إلى رئيس مجلس النواب، يطالبه فيها بضرورة "تشكيل لجنة خاصة السجون والمعتقلات تتولى ضمن مسؤولياتها متابعة أوضاع المعتقلين الأردنيين في السجون العربية والأجنبية". لكن الأخير لم يستجب لتلك المطالبة.
 
الشريدة، أعلن عن سلسلة خطوات احتجاجية كانت اللجنة تعتزم تنفيذها منها إقامة خيمة احتجاجية أمام السفارة السورية في عمان، لكن وزارة الداخلية رفضت السماح لهم بإقامتها. كما اتصلت اللجنة مع مندوب الأردن في مجلس حقوق الإنسان العالمي لأجل طرح القضية على المستوى الدولي، لكن المندوب لم يستجب لهم..على ما يقوله رئيس اللجنة.
 
عبد الكريم الشريدة، يؤكد وفاة أربعة نزلاء أردنيين في سجن صدنايا بعد أحداث شغب أخيرة وقعت فيه، ومن بينهم المواطن الأردني جميل عبد الله أبو شحادة. 
 
غير معروفة سجون اعتقال الأردنيين في سوريا، أو أسمائهم داخل الزنازين، وتبدي أكثر من عائلة عن تشاؤمها من مستقبل أبنائها الذين دخلوا سوريا ولم يخرجوا منها. 
 
ويلفت إلى أن هناك نص بالدستور الأردني يؤطر العلاقة بين البلدان حول تسليم اللاجئين السياسيين.  
 
يعتبر سجن "صدنايا" من أكبر وأحدث السجون السورية، حيث شيدته الحكومة السورية عام 1987 ويقع في قرية صدنايا الجبلية الواقعة شمالي العاصمة السورية دمشق. أما سجن "المزة" هو سجن آخر، حيث كان مقاما على قمة إحدى الهضاب المطلة على مدينة دمشق وتم إغلاقه عام 2000. سجن "تدمر" هو سجن عسكري يقع بالقرب من مدينة تدمر افُتتح عام 1966، وهو في الأساس سجن مخصص للعسكريين وتشرف عليه الشرطة العسكرية. وهناك سجن سوري آخر، حيث يقع شمال دمشق بمدينة "إدلب".