أدب الطفل: سؤال الوعي والبحث عن مكانة بين أدب الكبار

الرابط المختصر

هل أدب الطفل في الأردن على مستوى من الوعي؟ وهل يتوافق ما يقدم على الساحة من كتابات للطفل، من مجلات أو قصص أو حتى أساليب تربية مع ما يحتاجه الطفل العربي والأردني تحديدا من معلومات قيمة مفيدة ومقنعة بذات الوقت؟ في السابق، كانت مجمل الكتابات الأدبية الخاصة بالطفل تجول في معظمها حول قضايا لا تتجاوز مداركه، مستخفة بقدراته العقلية، من خلال السطحية في الطرح، لكن هل تغيرت الأحوال الآن، أم مازالت تراوح مكانها.



طريقة العرض والأسلوب ليست مهمة، طالما أن هناك صورا وألوان تلفت انتباه الطفل، ومقابل ذلك الكتابة الجيدة تفرض نفسها وتجذب القارئ الطفل.



أدب الطفل عنوان عريض لا يمكن أن نحصره بقصة قصيرة أو أغنية أو خاطرة، فهو أدب يتجاوز أدب الكبار حلما وإبداعا، فليس من السهل أن تكتب للطفل، ويقال أنك إذا استطعت أن تجذب طفلا للقراءة كأنك امتلكت العالم.



أدب الطفل بين الرقمية.. وحداثة الكتابة



محمود الرجبي، كاتب متخصص بأدب الطفل، يرى أن هناك تطورا في طرق ووسائل كتابة أدب الأطفال، "لأن الطفل نفسه تغير وهناك احتياجات أخرى له، فنحن الآن نتكلم عن أطفال الديجيتال أو الأطفال الرقميين الذين يتعاملون مع الحاسوب والإنترنت. فأصبحت هناك أشياء كثيرة لا تلبي احتياجاتهم ولا التطورات العقلية والجسمانية لديهم".



ويضيف الرجبي "هناك تطورات إيجابية في أدب الطفل، لكن في المقابل إذا تحدثنا عن برامج الأطفال الكرتونية وغيرها كأحد الأشكال الموجهة للطفل هناك أشياء سلبية".



أدب الطفل الأردني، تطور في السنوات الثلاث الماضية، كما يقول الرجبي، "هناك تطور كبير في السنوات الثلاث السابقة، وصار هناك عدد كبير من الكتاب الذين توجهوا للكتابة في أدب الأطفال على عكس السابق وظهرت بعض الأسماء، وأصبح هناك بعض السلاسل التي تنشر وتوزع بشكل جيد في الأردن والوطن العربي".



ويذكر الكاتب الرجبي أن ثمة تجارب ناجحة لمجلات في الوطن العربي، ويقول "استطاعت أن تنتشر أكثر من ذي قبل، مثل مجلة ماجد والعربي الصغير. وهناك كّتابا زاد تخصصهم في أدب الأطفال فلم يعد أدب الطفل مختصرا على كبار السن الذين يتوجهون إلى أحفادهم بل أصبح هناك نوع من الاحترافية وهذا أدى إلى زيادة عدد الأطفال القراء. والدليل على ذلك أنه مع كل السلبيات التي تقال، هناك زيادة في مبيعات الكتب وهذا شيء ملموس في بعض معارض الكتب المحلية والدولية".



في الأردن، هناك آليات دعم لأدب الطفل، لكنها غير كافية، ويمكن أن يقال أنها تلبي رغبات بعض الكتاب، يؤكد الرجبي، "هناك أمانة عمان تدعم بعض الكتب ووزارة الثقافة أيضا أصدرت عددا من الكتب بمناسبة إعلان عمان عاصمة الثقافة العربية وما زالت تنشر الأعمال وهذا بحد ذاته إيجابي ويدل على أن هناك تطور".



ويتابع..."هناك بعض الكتاب استطاعوا أن ينشروا على حسابهم الشخصي وهم ليسوا بحاجة لدعم، بالمقابل تجد الكثير من الكتابات لم تنشر إلى الآن ولم تجد طريقها للكتب".



الكّتاب قلة والإصدارات تعد على الأصابع



وترى الكاتبة فاطمة البرماوي، أن "هناك تغييرا في أدب الطفل، فمن الناحية التقنية أصبحت هناك الأقراص المدمجة الخاصة بالأطفال، ومواقع الإنترنت"، ومع هذا، فهي تشير إلى تغيير الأسلوب والتفكير،"ونمطية تفكير الطفل تختلف عن السابق، نتيجة لطريقة التربية والمعلومات، كل هذه العوامل أثرت على نوعية الكتابة والأدب الموجه للطفل نفسه".



وتقول البرماوي والتي تعمل مديرة مؤسسة الطفل العربي، أنه منذ الخمس سنوات الأخيرة، تميزت الكتابة للأطفال وتقدمت، "صار الكاتب يفهم لغة الطفل ويتعايش معه، ففي السابق كانت الكتابات عبارة عن فن قصة تكتب وتنتهي، فكنا نتعامل مع الأطفال بأن تفكيرهم وإمكانياتهم بالإبداع محدودة جدا، فلم يكن ما يكتب يتوافق مع أعمارهم وتفكيرهم. الآن اختلف الوضع، فصرنا نستمع للأطفال ونتركهم يعبرون عما يريدون، فصار الكّتاب يتوجهون للأطفال وفقا لأعمارهم".



في الأردن، هناك جهات محددة تدعم إصدارات المتخصصة بالطفل، مثل وزارة الثقافة وأمانة عمان، وتقول البرماوي، "فهما الجهتين الأساسيتين اللتين تدعمان الأدب بشكل عام وأدب الطفل بشكل خاص، لكن المشكلة ليست في الدعم، بل في عدد كتاب المختصين بأدب الطفل، فعددهم محدود جدا وليس لدينا كتابا مختصين، كما أن الإصدارات السنوية تعد على أصابع اليد".



وتضيف.."الناس لا يدركون بعد أن هذا الأدب بحاجة لدعم حتى يتطوروا، فيقتصر الدعم على أمانة عمان ووزارة الثقافة، أما دور النشر فهي حينما تنشر الكتب لا تركز على نوعية الكتابة الموجهة، فالبعض يستخدم رسومات أبعد ما تكون عن الطفل لكنهم يعملون من ناحية تجارية، لهذا ليس هناك جهات توجه هذا الأدب، فليس هناك أحد يشجع هذا الأمر ويدرك أننا بحاجة له، ففي الأردن لدينا مليون طالب في المدارس وهم بحاجة لأن يقدم لهم أدب خاص بمداركهم وأفكارهم وأعمارهم".



وعن دور الكّتاب، تعلق البرماوي.."علينا حق، فنحن لا نتوسع في مجالنا، ولا نعلي صوتنا لنعلن عن أنفسنا، فالكاتب ينشر كتابه وينتهي عند هذا الحد، ويكتفي بالأعداد المحدودة التي تقرأ له. والكاتب يصل إلى مرحلة الخجل من طلب الدعم والتمويل لعمل كتاب أو موسوعة أو أي شيء خاص بأدب الطفل".



"ننتظر أن يأتي الدعم لنا، فالأصعب أن تتوجه المؤسسات الرسمية للكاتب لدعمه، فالتقصير منا نحن الكّتاب، ولا نسلط الضوء على هذا الأدب، في المقابل نجدهم بالغرب يهتموا بهذا الأدب ويعتنوا به لأنه يخرج أجيال".



الطفل وفي للمسرح

مسرحية "الأسد والتنين"، موجهة للأطفال، عرضت مؤخرا في المركز الثقافي الأردني، تتحدث المسرحية عن أوضاع الأمة عربية وهمومها، وتقول كاتبة النص الممثلة هيفاء الأغا، "نريد أن نوصل رسالة إلى الطفل؛ عبر توعيته وتثقيفه، ولأن المسرح معروف بأبو الفنون فإننا نقدم ما يدور بالساحة ومن ما حولهم من: اعتداءات، احتلالات، وديمقراطية قادمة من الغرب، نقدمها لهم عبر توعيتهم بالواقع".



وتلفت الأغا "رغم أن الفضائيات باتت تهيمن على مدارك الطفل، إلا أنه لا يزال يتابع المسرح، ومن خلاله نحاول أن نبعدهم عن هذه الأجواء، عبر طرحنا لمضامين جادة فيها المسؤولية، ونبعده عن الفضائيات وما تعرضه من أشياء سخيفة ومهلهلة".



هل يجد الطفل صعوبة بطرحكم؟



"أبدا، وهي ليست صعبة، ومن خلال عملنا في المسرح، نرى أن هناك جمهورا متعطشا للمسرح، والطفل يرغب بمتابعة العمل المسرحي، والذي يتناول في الغالب قضايا المجتمع، وتلاقي الترحيب والإقبال لديهم، حتى من الطفل الصغير الذي لا يتجاوز عمره ثلاث سنوات، فقد يعي بعض المفردات والباقي تصلهم المعلومة بشكل سريع".



رغم تفاؤل الفنانة هيفاء الأغا، بالجيل وإيمانها بقدراته، فإنها تجد أن دعم وزارة الثقافة والمؤسسات المشتغلة بأدب الأطفال غائبة، وتقول لـ"بـرائحـة القـهـوة"، "لا أريد الحديث عن هذا الموضوع، لأن وزارة الثقافة هي المعنية بالحراك، وما نلمسه هو غيابها"، وفي ذات الوقت تعلق، "لم أجد مسرحيات للأطفال، عربية كانت أم أردنية تعنى بالهم العربي كثيرا. نحن نحاول بشكل رمزي ومباشر أحياناً".



الكتابة للطفل ليست درسا يتعلمه



منحنى الكتابة للطفل تغير عن السابق وللأفضل، كما تعتقد الكاتبة تغريد النجار المختصة بأدب الأطفال، وتقول "تغيرت بشكل واضح، فمن حيث الشكل كانت كتب الأطفال مروية، فالأطفال كانوا في السابق يستمعون إلى القصص أكثر من قرأتها".



الكتاب المطبوع للأطفال حديث العهد في عالمنا العربي، تلفت النجار، "ومع الكمبيوتر زادت النوعية، ومن ناحية المواضيع فهناك فترة ظلت المواضيع مكررة، ولكن مؤخرا ثمة محاولات للتجديد لأجل جذب الأطفال، لأنها في السابق لم تكن تجذبهم".



ورغم أن كتاب الأطفال قلة، لكن فيهم الرث والسمين، وتعلق الكاتبة النجار "أدب الأطفال كأي أدب آخر، فيه الجيد وفيه محاولات مختلفة، لكن يدخل أدب الأطفال كّتابا غير مؤهلين، يخاطبون الأطفال من فوقية معينة وكأنهم يعطونهم دروسا وهذا خطأ، عالم الأطفال هو سهل ممتنع من خلال البحث عن ما يهمه، وعلى الكاتب أن يعي أن الكتابة للأطفال هي كتابة الشيء الجميل وليس كتابة درس يتعلموه".



وترى النجار أن "واقع نتاج الأطفال، في تقدم وخصوصا في الأردن، وهناك محاولات، لكن نحتاج إلى كتابات أكثر من الموجود"، واجدة أن الفئة العمرية بين 9-14 سنة، مهمشة تماما في مجمل الكتابات وليس في العالم العربي فحسب إنما في العالم أجمع.



وعن دعم الجهات الرسمية "قليل جدا"، لماذا لا تعير الجهات الثقافية أهمية كبرى، "هذا الأدب ليس هامشيا وله علاقة بثقافة الكبار أيضا"، قائلة تغريد النجار "يحتاج هذا الأدب لخطة قومية كي نعالجه".



الطفل لا يقنعه الجهد الشخصي



محمد الظاهر كاتب مختص بأدب الطفل، يقول أن هناك تغييرا كبيرا طرأ على هذا الأدب، "تغيرت الكتابة لأن هناك تغييرا كبيرا طرأ على الحياة، من وسائل الإعلام والطفل جزء من هذا العالم، ونحن بالذات في العالم العربي ليس لدينا بنية مؤسسية للطفل، حتى نستطيع أن نتعامل معه بشكل أكثر جدية".



"نحن نقوم على الفورات والجهد الشخصي وهذا لا يمكن أن يقنع الطفل على الإطلاق".



ويجد الظاهر أن المضمون هو الذي سيبقى، "هناك الكثير من الناس يأخذون الشكل كأولية في العمل لكن الصحيح أن المضمون هو الذي سيبقى ولكن هذا لا يقلل من قيمة الشكل، يجب أن يكون الشكل جميلا والمضمون أجمل، للأسف هناك الكثير من الكتب ذات الشكل الرائع والتي لا تحتوي على شيء، وهي بالواقع هراء ولا يمكن أن تفيد الطفل بشيء، بعكس ذلك هناك كّتبا جميلة جدا ونفر منها الطفل".



العمل الفردي غير مجدي على الإطلاق، ويضيف محمد الظاهر، "يجب أن يكون هناك عمل مؤسسي، ويجب أن يكون هناك تسلسلا في ثقافة الطفل، فهو الذي يتعرف على الكرة الأرضية من دائرة يرسمها حتى آخر ذرة في الأرض بشكل تدريجي ومنظم، هنا تصله المعرفة متسلسلة، نحن في العالم العربي نعتمد على الجهد الذاتي للأفراد الذين يكتبون للأطفال لذلك لا يمكن أن تكون هناك ثقافة فاعلة للأطفال كما أن هناك الكثير من المؤسسات قامت باسم الطفل وليس لها علاقة بالطفل. أعرف مؤسسة قامت لأجل الطفل وهي الآن مختصة بالسجاد والبسط".



الكاتب لا يستطيع أن يواجه حيتان الجهل الموجود بالمجتمع، يشير الظاهر، "هناك مؤسسات تقمع الكاتب، فالكاتب لا حول له ولا قوة، سوى أن يكتب وأن يواجه مجموعة من الجهلة الذين يجلسون على رأس هذه المؤسسات، والذين بإمكانهم أن يقمعوه وأن يستخدموا وسائل الإعلام للترويج لتفاهاتهم. الكاتب المختص بأدب الأطفال لا يتلقى أي دعم على الإطلاق".



وإضافة إلى ذلك، بات التلفزيون بديلاً عن القراءة والمطالعة، "فلا أرى فائدة ترجى من تعليم الأبناء المطالعة الحرة طالما لديهم مصادر أخرى للمعرفة غير الكتاب"، هكذا علق أحد الآباء حين سألناه لماذا لا تّعلم أبناءك الصغار القراءة. فهل حقاً لم يعد هناك متسعا للكتاب في عالم الطفل بعد التلفزيون والإنترنت.



بينما تقول والدة طفل أنها "بدأت بتعليم طفلتي وعمرها أقل من عام على الإمساك بالكتاب والتفرج على الصور، وما زلت أقرأ لها القصص بحيث أصبحت الآن قادرة على استيعابها وإعادة حكايتها شفهيا، ولاحظت أن ذلك أثر كثيرا على مستوى ذكائها للأفضل".



مثل هذه الحالة، لا نجدها عند أكثر العائلات العربية، ذلك أن "الحياة ومشاغلها" سرقت وقت الأم والأب وعن القراءة لأبنائهم وتحفيزهم عليها، بينما نجد الغرب يوفر للأطفال الكثير من الوقت والرعاية، ويجد الآباء ضرورة الاجتهاد في تعليم أبنائهم المطالعة الحرة غير الأكاديمية أي الخارجة عن نظام المدرسة وكتبها، وتوفير الأجواء المناسبة لهم للتركيز عليها.



القراءة لا تطعم خبزاً، مقولة يرددها من حولنا، ويركزون على قراءة الكتب المدرسية ومناهجها، ولا يعلقون كثيراً على إثراء أبناءهم بكتب للمطالعة والتثقيف. فتجد أحدهم يقول "دعنا نطعمهم الخبز أولا، فإذا امتلأت بطونهم سنفكر حينها بشراء الكتب لهم" فهل لهم الحق، أم أن الحق يقع على عاتق الحكومات، التي لا تعول على بث الوعي لهذه القضية، ولا تقدم التسهيلات "الكافية" سواء للكّتاب أو الأهالي لتوفير الكتب اللازمة لتثقيف الأطفال.



وزارة الثقافة هي المعني الأول برفد الأطفال بنتاج يحاكي همومهم ويخاطب عقلوهم، ولعل مجلة وسام خير دليل على ذلك لكنها ليست كافية وليست الأخيرة، وذات الأمر ينطبق على أمانة عمان الكبرى التي ترى في نفسها "راعي الثقافة في الأردن"، فهي تصدر مجلة "براعم عمان"، ولا تتجاوز المجلات الأخرى من حيث المحتوى والشكل، وهناك إسهامات بدعم أدب الطفل من خلال مجلة "حاتم" لجريدة الرأي، و"الشرطي الصغير" من الأمن العام، و"فكرة" و"جنة"، ومجموعة من مساهمات فردية في إصدار جرائد معنية بالطفل، ناهيك عن كتب تنشرها دور النشر من فترة إلى أخرى تختص بالطفل؛ لكن كل هذا لم يجذب الطفل بالشكل الذي تشهده أسواق الكتب في الدول الغربية.


أضف تعليقك