خلف مقود "جرافة" كبيرة يجلس طفل لم يكمل عامه الحادي عشر، يحاول نقل جبل من الرمال ، يصعد الجبال والمناطق الوعرة ليحصل في نهاية اليوم على مبلغ صغير بالكاد يطعم أمه وإخوته السبعة " كنت أطلع من 7 الصبح للمغرب ،بس أي غلطة بالسواقة بهاي المناطق كانت الجرافة ممكن تقلب وأروح فيها"
عبد الله (16) عاماُ يقطن في قرية نائية في محافظة الزرقاء، ترك التعليم وانخرط في سوق العمل في سن 10 سنوات حين وجد نفسه معيلاُ لأسرته عقب دخول والده السجن، وسفر أمه والبداية كانت في العمل لمدة عامين في رعي الحلال".
يقول عبد الله: "أبوي دخل السجن بقضية، أمي كانت مسافرة مصر وظليت انا واخواني ال7 بالبي`ت، ما عنا مصروف غير دخل بيجينا من صندوق التنمية الاجتماعية 193 دينار، بروح منهم 110 أجار بيت والباقي يتوزع بين كهرباء ومي ومصروف إلنا، فاضطريت اشتغل عشان أصرف عحالي واهلي".
القانون الأردني يحظر عمل الأطفال خصوصا في القطاعات الخطرة والمرهقة، وحول تطبيق القانون من قبل وزارة العمل يقول محمد الزيود الناطق الإعلامي في الوزارة: إن وزارة العمل تتأكد من تطبيق القانون بقيام المفتشين الذين يتمتعون بصفة الضابطة العدلية بزيارات تفتيشية مستمرة على مدار العام وإجراء حملات متخصصة للتأكد من التزام أصحاب العمل بتطبيق التعليمات الخاصة بعمل الأطفال تحديداُ المواد 73 الى 77 من قانون العمل، واتخاذ الإجراءات القانونية بحق المخالفين.
عمل عبدالله في أعمال البناء أيضا لكنها سببت له مشاكل صحية يقول عبد الله: "اشتغلت في الطوبار لمدة سنة كاملة، كنت انقل شوالات سمنت 50 كيلو و تراب وجبلة، وأطلع حامل على ظهري للطابق الثالث او الرابع على حفة وبين أتوازن من الوقعة، حتى صار معي رمد ربيعي من ورا هذا الشغل وتركته، حاليا بطلت اقدر أطلع في الشمس لأنه بصيروا عيوني يتحسسوا وحمر"
لم يكن اتفاق العمل بين عبدالله ورب العمل شاملاً للعلاج بالرغم من كل المخاطر التي واجهها "لآخر أيام الشغل مرضت، أحس كل جسمي متأثر من الحمل الثقيل بس كان الاتفاق يعطيني ع اليوم الي باجي في الشغل والي ما باجي في يخصم علي"
الخبير القانوني رئيس مركز بيت العمال للدراسات حمادة أبو نجمة يقول إنه لدينا نوعين من العاملين،النوع الأول مشترك في الضمان الاجتماعي بالتالي فكل الأمراض أو الإصابات المهنية يتم تعويضهم من صندوق خاص بالضمان الاجتماعي، مضيفا أن النوع الثاني هم العاملين غير المشمولين بالضمان الاجتماعي، فعليه فإن صاحب العمل هو من يدفع التعويضات سواء من كلفة المستشفى وكلفة التوقف عن العمل" أي يدفع أن يدفع ما نسبته 75% من راتبه خلال فترة التوقف عن العمل.
يشار إلى أن أعداد الأطفال العاملين قد تضاعفت من (33) ألف في عام 2007، إلى ما يقارب (76) ألف عام 2016 وفق المسح الذي أجري بالتعاون بين الحكومة الأردنية ومنظمة العمل الدولية.
يؤكد عبدالله أن وضع الأسرة المادي والاجتماعي دفعاه للنزول لسوق العمل بسن مبكر" شفت أهلي شوي وضعهم تعبان ووضعي في المدرسة مش تمام فقررت اطلع من المدرسة لسوق العمل حتى أساعد أهلي ماديا، وأطلع من جو المشاكل الي كان في مدرستي القديمة" يضيف" عمي كان يساعدنا بإيجار البيت يعطيني مصروفي الشخصي بس كنت أشتغل معه بالجرافات ونسلك حالنا مع الـ 83 دينار اللي بظل من باقي راتب صندوق المعونة"
منظمة العمل الدولية ومن خلال مكتبها في عمان قدمت برامج للحد من عمالة الأطفال التي أصبحت في "تزايد مستمر" بحسب مديرة برامج عمل الأطفال في المنظمة نهاية دبدوب، التي أشارت إلى أن الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها الأسر الأردنية وظروف العمل غير المستقرة للكبار، ساهمت في مشاركة الأطفال في سوق العمل لمساعدة أسرهم في تحمل أعباء المعيشة.
المنظمة بحسب دبدوب "نعمل على النشرات التوعوية التي تساعد على رفع وعي المجتمع على الجوانب السلبية لعمل الأطفال بالإضافة لادلة تدريبية على الجوانب السلبية لانخراط الطفل مبكرا في سوق العمل، مبينة إلى كل هذه الأعمال سواء من الإطار الوطني هذه النشرات لا يكفي للحد من عمالة الأطفال لأنها في تزايد مستمر".
مشيرة في الوقت نفسه إلى أن الظروف الاقتصادية التي تزداد سوءا وعمل أهالي الأطفال في القطاع غير المنظم والمياومة تساهم في زيادة الضغوطات على هذه الأسر و يضطرها من دفع أبنائها إلى العمل وهو لم يكمل المرحلة الأساسية من التعليم.
كان عبدالله يتأمل عودة أخيه رعد الأكبر الذي يدرس في الجامعة للعيش معهم وذلك ليخفف عنه أعباء المصاريف ومسؤولية الأسرة ولكن ما حدث كان عكس آماله" لما اجت الكورونا أخوي بطل الشغل وانا اضطريت اظل ساكت واشتغل"
يوضح رعد أن خروج أخيه من المدرسة ساهم في أن يكون لديه وقت فراغ كبير وهو ما دفعهم لإدخاله في سوق العمل" ما عنا دخل ثابت غير راتب المعونة، عشان هيك طلبنا من عبدالله يشتغل منه بصرف على العيله وما يضيع وقته بأشياء مش مفيده".
بدوره يوضح الخبير الاقتصادي مازن رشيد أن الأوضاع الاقتصادية السيئة تؤثر على زيادة انخراط الأطفال بسوق العمل ، مشيرا إلى أن ارتفاع نسبة الضرائب والجمارك والفوائد جميعها عوامل اقتصادية تزيد من فقر المواطن بالتالي تدفع الأسر ذات الدخل المتدني إلى الزج بأطفالهم لسوق العمل.
يتفق أبو نجمة مع رشيد بقوله "الحل يجب أن يكون اقتصادياً اجتماعيًا، فالأطفال يعملون بسبب ضعف القدرة الاقتصادية لدى الأسر"، موضحا أن تفعيل القانون مهم لكن الأهم هو الوقاية من الفقر أي الوقاية من عمل الأطفال.
وتبين دبدوب أن الخدمات التي تلزم حتى نستطيع سحب 20% من الأطفال ونعيد تأهيلهم ودمجهم مرة أخرى بسوق العمل هو بإعطائهم برنامج التدريب المهني الأساسي الذي يمكنهم من الحصول على فرصة عمل لائق مؤكدة أن هذا غير موجود حاليا وهذا يجب أن يكون من سلم أولويات أي دعم يقدم للأردن.
يشار إلى أن المجلس الوطني لشؤون الأسرة أطلق الإطار الوطني للحد من عمالة الأطفال ليكون بمثابة وثيقة مرجعية وطنية، تحدد أسس التعامل مع حالات عمل الأطفال و يحدد الأدوار والمسؤوليات الواجبة للوزارات المعنية من: العمل، التربية والتعليم والتنمية الاجتماعية، وذلك لتقديم الخدمات للأطفال العاملين وأسرهم بصورة متكاملة وتعمل على حماية الطفل من الانخراط في العمل، وتعيده إلى مكانه الطبيعي على مقاعد الدراسة.
فيما يتعلق بالبرامج التي يطرحها صندوق المعونة الوطنية لحماية الأسر الفقيرة، يوضح الناطق الإعلامي باسم الصندوق ناجح صوالحة أن الصندوق لديه 3 برامج رئيسية، البرنامج الأول هو الذي يقدم المعونات الشهرية وبستفيد منه 105 آلاف أسرة ويكلف 109 مليون دينار سنوياً، و الثاني الذي استحدثته الحكومة عام 2019 عدد المستفيدين منه لغاية الآن 260 ألف رب أسرة، ويضيف صوالحة أن البرنامج الثالث تم استحداثه في أزمة كورونا استفاد منه 260 ألف عامل مياومة بما يقدر بـ82 مليون دينار تم صرفها على 3 دفعات.
أحمد طفل آخر من بين الآف الأطفال الذين يضطرون للعمل لإعالة أسرهم فكان يعمل في محل قهوة من قبل " كنت بقدم النرجيلة لما الزبابين ويعطوني إكرامية صاحب المحل ما بيعطيني راتبي"
وجد أحمد ( 12 عاما) نفسه معيلا للأسرة بعد رحيل والده إلى سوريا عام 2011 وتركه لعائلته المكونة من الأم وأبنائها الاثنين لتعيش دون مصدر دخل" أنا بدرس وبشتغل بأيام العطل بطلع من 8 الصبح لل 9 مساء بطلع يومية من 3-4 دنانير"
تعذر اخذ المزيد من المعلومات من احمد لخوفه من فقدانه لعمله وبالتالي فقدان مصدر دخله الوحيد الذي يعيل عائلته
الأردن صادق على اتفاقية منظمة العمل الدولية 182 في عام 2000 تمهيدا للقضاء التام والكلي على أشكال عمل الأطفال وهي الأعمال التي يرجح أن تؤدي بفعل طبيعتها أو بفعل الظروف التي تزاول فيها إلى الإضرار بصحة الأطفال أو سلامتهم أو سلوكهم الأخلاقي.
حسب أبو نجمة فإن المادة 78 من قانون العمل الأردني تضمن السلامة والصحة المالية من خلال حمايات ووثائق يفترض على صاحب العمل توفيرها للعاملين سواء وسائل وقاية شخصية مثل كمامات من الاغبرة أغطية للرأس وكل الوسائل الشخصية الذاتية.
قانون العمل الأردني رقم 8 لسنة 1996 وتعديلاته
لم يكن باستطاعة عبدالله أن يثبت في عمل مدة طويلة فتنقل من عمل لآخر بأوقات متقاربة فعمل كحلاق، ميكانيكي، محلات المجمدات، وفي الجرافات وأخيرا تجارة الخضروات، يؤكد عبدالله أن عمره الصغير دفع أرباب العمل أن يدفعوا له راتب قليل مقابل عدد ساعات طويلة "لأني قاصر كان راتبي قليل، كنت أشتغل طول اليوم من ال9 الصبح لـ 9 مساء على 4 ليرات"
يصف عبدالله معاناته في محلات الدجاج والمجمدات " بالشتوية كنا نشيل جاج مجمد اقسم بالله لما كنت اروح ايدي يكونوا متخدرين، أو اذا غفلت لحظة بتقطيع الدجاج بقطع أصابعي"
تعددت الصعوبات العمل ما بين المخاطر المهنية التي تعرض لها عبدالله وما بين سلطة أصحاب العمل عليه يلفت عبدالله لما تعرض له بفترة الكورونا " أصحاب الشغل الشغل صاروا يتنمروا يتمسخروا علي عشان أروح وأبطل شغل ، بس اضطريت إنه أظل ساكت عشان أصرف على أهلي"
لا تقتصر هذه المخاطر والصعوبات على عبدالله لوحده فأحمد الذي عمل في بيع الفاين والعلكة في شوارع إربد قد واجهته العديد من المخاطر يقول احمد " أجو مجموعة من الزعران وطلعوني معهم بالسيارة فكروا معي مصاري، وصاروا يسألوني أسئلة بس شافوا انه ما معي مصاري نزلوني"
الشارع غير آمن بالنسبة لأحمد " بظل اتهاوش مع الولاد الي في الشارع تقريبا أعمارهم 16 سنة بحطوا موس قدامي يفتشوني بياخدوا مني مصاري إذا كان معي "
نصت المادة 73 من قانون العمل الأردني رقم 8 لسنة 1996 وتعديلاته
"مع مراعاة الأحكام المتعلقة بالتدريب المهني لا يجوز بأي حال تشغيل الحدث الذي لم يكمل السادسة عشرة من عمره بأي صورة من الصور".
وبحسب المادة 77 من نفس القانون "يعاقب صاحب العمل أو مدير المؤسسة في حالة ارتكابه أي مخالفة لأحكام هذا الفصل أو أي نظام أو قرار صادر بمقتضاه بغرامة لا تقل عن (300) دينار ثلاثمائة دينار ولا تزيد عن ( 500 ) خمسمائة دينار ، ولا يجوز للمحكمة تخفيض العقوبة عن حدها الأدنى أو الأخذ بالأسباب المخففة التقديرية "
منظمة اليونيسف المعنية بالعمل مع الأطفال ستقدم الدعم المالي من خلال شركاء لتحسين الفرص الاقتصادية لأسر الأطفال والدورات التدريبية لتحسين فرص كسب العيش. كما سيتم تحويل الأطفال إلى منظمات دولية شريكة لتلقي الخدمات بناءً على احتياجاتهم.
وتبين نهاية دبدوب أنه حتى يستطيع الطفل العامل أو المتسرب أن ينخرط بدائرة التعليم والمهارات وبناء القدرات بحاجة الكثير من المتابعة اليومية والاسبوعية حتى نضمن أنه لن يتسرب مرة أخرى، بالإضافة لانخراطه في برامج دعم نفسي واجتماعي .
وتلفت إلى أنهم استطاعوا بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم من خلال برنامج ثقافة المتسربين أن يسحبوا 400 طفل من سوق العمل واكمل ما يقارب 2 او 3 منهم دراستهم في الجامعات.
"طبقنا هذا البرنامج في شرق عمان تحت مظلة وزارة التربية والتعليم وهو اختصار تعليم 10 سنوات في سنتين وفي نهاية المرحلة يأخذ الطفل شهادة تمكنه من الحصول على تدريب مهني ليحصل على عمل بشكل لائق "موضحة "أن هذا البرنامج يتيح فرصة للأطفال أن يكملوا تعليمهم في المنزل ل4 سنوات"
يشار إلى أنه من بين 70.000 طفل من جميع الجنسيات المنخرطين في عمالة الأطفال في الأردن ما باقرب 45 ألف طفل منهم يعملون في أعمال خطرة ، وفقاً لأحدث الأرقام الصادرة عن منظمة العمل الدولية، وتشمل الأعمال الخطرة العمل مع الآلات أو الأدوات أو الأحمال الثقيلة الخطرة،العمل لساعات طويلة أو أثناء الليل،كذلك في البيئات قي الصحية مثل مكبات النفايات ومحطات إعادة التدوير.
حرم العمل في سن مبكر عبدالله من مشاركة أصحابه أوقات اللعب والمشاوير الخاصة" لما كانوا أصحابي يروحوا على عمان أو طشات ما أروح معهم، أول شي وضعي المادي ما كان يسمح لانهم كانوا يجيبوا اشياء معهم وانا بقدر، وثاني شي ما في وقت اروح واطلع" .
رغم كل الصعوبات التي يعاني منها الأطفال بدخولهم سوق العمل بهدف تأمين قوت يومهم، إلا أنهم لم يكفوا عن الحلم والتفكير في تحقيق طموحاتهم؛ أحمد يطمح بأن يمتلك دراجته الخاصة ويصبح شرطيا " أنا لو يصير معي مصاري بشتري بسكليت وبلعب، ونفسي أشتغل بالشرطة أو قوات الدرك" بينما يفكر عبدالله أن يكتفي ماديا ليكون ما يريد" طموحي في حال كان معي مصاري، إنه أكون مكتفي ماديا، وأحاول ارجع لدراستي، وما احتاج اشي من برا" و لكن يبدو أن هذه الأحلام كانت اكبر من الجهود التي تبذلها الحكومة والمؤسسات المعنية