بيت العمال: الفقر والبطالة يفاقمان أزمة عمل الأطفال
حذر بيت العمال من أن بقاء معدلات الفقر والبطالة مرتفعة بنسب غير مسبوقة واتساع حجم العمالة غير المنظمة سوف يدفع باتجاه تزايد قياسي لأعداد الأطفال العاملين، وأن عدد الأطفال العاملين ما زال مرشحا للإرتفاع، بعد التقديرات التي كان قد أطلقها العام الماضي وقدر فيها بأن عدد الأطفال العاملين قد ازداد خلال الجائحة بنسبة تزيد على 25% عما كان عليه في آخر مسح احصائي تم في عام 2016، وأن عدد الأطفال العاملين قد ارتفع إلى أكثر من 100 ألف طفل عامل بعد أن كان عام 2016 حوالي 76 ألفا، وبنى بيت العمال تقديراته هذه على غياب الحلول الفعالة لمشكلة البطالة التي وصل معدلها خلال عام 2021 إلى 24.1%، وتوقعات بقاء أكثر من 435 ألف متعطل عن العمل دون وظائف، ما يؤثر سلبا على قدرة ما يقرب من مليونين ونصف المليون مواطن يعيلونهم على توفير الدخل اللازم لتأمين الحد الأدنى لمتطلبات معيشتهم، الأمر الذي يدفع العديد من الأسر إلى الزجّ بأطفالها إلى سوق العمل.
جاء ذلك في تقرير أصدره بيت العمال بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة عمالة الأطفال الذي يصادف في الثاني عشر من حزيران/يونيو من كل عام، والذي أكد فيه على أن الحاجة أصبحت ماسة لتحديث البيانات الخاصة بعمل الأطفال لقياس مدى الأثر الذي سببته الجائحة والإرتفاعات المتتالية على معدلات البطالة، وبناء قاعدة بيانات شاملة لعمل الأطفال يتم تحديثها دوريا، مشيرا إلى أنه لا يتوفر حاليا سوى أرقام المسح الوطني لعمل الأطفال عام 2016، الذي كان يشير إلى أن عدد الأطفال العاملين في الفئة العمرية (5-17 سنة) كان يبلغ حوالي 76 ألف طفل، 80% منهم أردنيون، وأن أكثر من 45 ألف من الأطفال العاملين يعملون في أعمال تصنف بأنها خطرة وفق معايير العمل الدولية وقانون العمل.
وأشار التقرير إلى أن أبرز النشاطات الاقتصادية التي يعمل بها الأطفال تتمثل في "تجارة الجملة والتجزئة وإصلاح المركبات" وفي "الزراعة"، وفي "الصناعات التحويلية، والانشاءات، وأن القطاع الزراعي يستخدم بشكل أكبر الأطفال في الأعمار (5-11 عاما)، حيث يعمل 56% من الأطفال العاملين من هذه الفئة في هذا القطاع، بينما يتوجه الأطفال في الفئة العمرية (15-17 عاما) للعمل بنسب أكبر في الصناعات التحويلية والإنشاءات والبيع وإصلاح المركبات.
وبين التقرير أن متوسط أجور مجمل الأطفال العاملين يبلغ 171 دينار شهريا وما يقرب من خمسة دنانير يوميا، وأنهم يتعرضون لمخاطر متعددة على صحتهم وسلامتهم من أهمها الغبار والدخان، والضجيج، والحرارة العالية، والأدوات الخطرة، والمواد الكيماوية، إضافة إلى الإيذاء النفسي والبدني، والإهانات المتكررة والصراخ والإنتقادات، وأن ما يقرب من 47% من الأطفال العاملين هم في أعمار تقل عن 14 عاما، 28% منهم يعملون في أعمال خطرة، وأن فئة الأطفال في الأعمار (16 -17 عاما) وهي فئة مسموح لها بالعمل في أعمال لا تشكل خطرا على سلامتهم وصحتهم وأخلاقهم، يعمل معظمهم أكثر من ساعات العمل المسموح بها (أي أكثر من 36 ساعة أسبوعيا)، والكثير منهم يمارسون أعمالا خطرة.
وحول مدى احترام الأردن لمعايير العمل الدولية الخاصة بعمل الأطفال، أوضح التقرير بأن الأردن قد صادق على أهم الإتفاقيات الدولية في مجال مكافحة عمل الأطفال، ومنها اتفاقية حقوق الطفل التي أصدرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، واتفاقيتي العمل الدوليتين رقم (138) بشأن "الحد الأدنى لسن الاستخدام" ورقم (182) بشأن "حظر أسوأ أشكال عمل الأطفال"، ورغم أن قانون العمل الأردني جاء منسجما مع مبادئ هذه الإتفاقيات، فمنع تشغيل الحدث إذا لم يكمل السادسة عشر من عمره بأي صورة من الصور، ومنع تشغيله في الأعمال الخطرة أو المرهقة أو المضرة بالصحة قبل بلوغ الثامنة عشر من عمره، وعلى أن لا تزيد ساعات عمله عن ست ساعات، وأن لا يتم تشغيله ليلا وفي الأعياد والعطل الرسمية والأسبوعية، إلا أن هذه الأحكام لم تفلح في الحد من هذه المشكلة التي ما زالت تتفاقم سنويا، وما زالت حالات المخالفات التي يتم ضبطها والتي تبلغ سنويا ما يقرب من 500 حالة ضئيلة جدا مقارنة بعدد الأطفال العاملين، حيث لا تتجاوز نسبتها 0.5% (نصف بالمئة) من حجم عمالة الأطفال، في وقت افتقدت فيه السياسات والبرامج الخاصة بالحد من عمل الأطفال للتنسيق الفعال بين الجهات المعنية لتنفيذها.
واعتبر التقرير أن صدور "الإطار الوطني للحد من حالات الأطفال العاملين والمتسولين" وكذلك "دليل إجراءات التعامل مع حالات الأطفال العاملين والمتسولين" وإقرارهما من مجلس الوزراء خلال عام 2021 يمثل نقلة نوعية في التعامل مع حالات عمل الأطفال، ويشكل اختبارا لقدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها في التصدي لهذه الظاهرة، حيث اشتمل على مختلف أنواع الخدمات اللازمة للطفل العامل ولأسرته وللمجتمع من مختلف الجهات الرسمية والأهلية ذات العلاقة، في المجالات الإجتماعية والنفسية، والصحية، والإقتصادية، والتربوية والتعليمية، والقانونية والقضائية، وفي توفير الحماية والأمان، بعد أن كان الإطار الوطني السابق الصادر عام 2011 يقتصر على دور وزارات العمل والتنمية الإجتماعية والتربية والتعليم.
وأوصى التقرير بضرورة إعادة تشكيل الفريق الوطني لعمل الأطفال ووضع آلية عمل محكمة لمهامه وصلاحياته وفعاليتها وتضمن دورية اجتماعاته، وكذلك تحديث الإستراتيجية الوطنية للحد من عمل الأطفال واعتمادها من مجلس الوزراء بحيث تكون ملزمة لجميع الجهات ذات العلاقة، وأن تأخذ بعين الإعتبار كأولوية الحيلولة دون انخراط الأطفال في أسوأ أشكال عمل الأطفال؛ وتوفير المساعدة المباشرة لانتشال الأطفال من عمل الأطفال وإعادة تأهيلهم ودمجهم اجتماعيا؛ وضمان حصولهم على التعليم المجاني الأساسي، وأخذ الوضع الخاص بالفتيات العاملات بعين الاعتبار، وأن يكون بناء الاستراتيجية على فرضيات تشمل مبادئ انسانية أهمها أن الطفولة مرحلة من الحياة يجب أن تكرس للتثقيف والتعليم والتدريب وليس للعمل وأن عمل الأطفال يضر في غالب الأحيان بفرص الأطفال في أن يصبحوا شباباً قادرين على الإنتاج والعطاء وخدمة المجتمع، وأن عمل الأطفال ليس قدراً محتوماً بل يمكن الحد منه والقضاء عليه بتوفير الإرادة السياسية في مكافحته بحزم وعزيمة صادقة.
كما أوصى بيت العمال بأن يتم اتخاذ إجراءات عاجلة على مستوى السياسات الإجتماعية للمساهمة في التصدي لهذه المشكلة، وتطوير سياسات الحد من الفقر، وتحسين الظروف الإقتصادية لأسر الأطفال المعرضين للإنخراط في سوق العمل، وتطوير سياسات الحد من البطالة، وشمول عمال المياومة والعاملين لحسابهم الخاص بمظلة الضمان الإجتماعي، وتفعيل تطبيق نظام عمال الزراعة الذي ما زال غير مطبق منذ صدوره العام الماضي 2021، وربط الأسر المتضررة بشبكات الأمان الاجتماعي، وتطوير نظام متابعة لأسر الأطفال العاملين والمشردين لتقديم الدعم الاجتماعي والإرشادي لهم.