هل للرئيس عباس بدائل جادة؟

هل للرئيس عباس بدائل جادة؟

إن الاستراتيجيات الناجحة التي تؤدي إلى نتائج تتطلب أن يكون هناك بدائل لدى منفذها، والنضال الفلسطيني من أجل التحرير، تقليديا، قد حاول استخدام الوسائل السياسية والعسكرية كبدائل لبعضها البعض، وعندما كان الفلسطينيون يحاربون مستخدمين أساليب عنيفة، كانوا يتنازلون عن العمل السياسي لصالح العمل العسكري.

وتم التناوب بين هذين الخيارين تحت قيادة ياسر عرفات، على الرغم من أنهما قد اتخذا أشكالاً مختلفة، فكانت السياسة في بعض الأحيان تتم بالوكالة، سواء من قبل الدول العربية أو من قبل الفلسطينيين غير التابعين لمنظمة التحرير، كما الخيار العسكري كذلك متنوعاً أيضاً، فمن الهجمات عبر الحدود على الجنود الإسرائيليين إلى اغتيال مسؤولين إسرائيليين، وفي أوقات مختلفة، كانت تشن سلسلة من الهجمات ضد المدنيين، سواء من الأجانب أو الإسرائيليين مما أسفر عنه في كثير من الأحيان وصف الفلسطينيين بأنهم إرهابيون.

يمكن تصنيف الانتفاضة الأولى والثانية كبدائل عسكرية (على الرغم من أن الأولى كانت عسكرية أقل بكثير). وكذلك الهجمات الصاروخية من غزة التي بدأت بعد الانسحاب الإسرائيلي الأحادي الجانب، الذي سرعان ما تبعه حصار بري وجوي وبحري غير قانوني عطل حياة نحو مليون ونصف فلسطيني.

شملت الجهود السياسية محاولات لجعل الأمم المتحدة تحرك الأمور، مع نتيجة ضعيفة على شكل الالتزام بأية قرارات لمجلس الأمن الدولي ومؤتمرات السلام الدولية مثل مدريد وأنابوليس أو الاجتماعات الثنائية والثلاثية مثل أوسلو وواشنطن وواي ريفر وكامب ديفيد.

إن وفاة عرفات ووصول محمود عباس إلى الساحة السياسية قد وضعا حداً لعملية الاختيار بين الخط السياسي والعسكري الصعبة. وتحدث عباس علناً وسنّ سياسات ضد ما أسماه بعسكرة الانتفاضة؛ وانتقد ما أسماه بصواريخ الهواة التي تخرج من غزة وأحدث انضباطاً لقوات الأمن الفلسطينية الضعيفة التسليح.

أوضح عباس أنه وضع كل بيضه في السلة السياسية وعلق آماله على الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، أما داخلياً، فقد تخلى عباس عن السياسات اليومية لرئيس وزراء قادر وفعال استطاع ولو جزئيا إزالة وصمة الإرهاب عن الفلسطينيين، وصرف الوقت في بناء الدولة الفلسطينية المستقبلية على أرض الواقع بدلا من لعن الاحتلال الإسرائيلي.

بدت استراتيجية عباس لبعض الوقت ناجحة، وأيّد العالم القضية الفلسطينية واتجاهاتها وكان لدى أميركا رئيساً صاحب مبادرات أكثر من ذي قبله وزعيم حزب الليكود الإسرائيلي كان يدعم علناً حل الدولتين مع غالبية من الإسرائيليين وراءه. ولكن هذه الاستراتيجية بدت متعثرة، وفي الوقت الذي كان عباس يحتاج إلى بديل قوي وجاد لتشجيع الإسرائيليين على الاستمرار في طريق السلام اكتشف بأن لا بديل لديه.

صحيح أن عباس في المؤتمر السادس لفتح الذي عقد مؤخرا تكلم باقتناع عن الحاجة إلى استخدام الشعبية والنضال اللاعنفي كوسيلة لإجبار إسرائيل أن تكون صادقة في المحادثات. وقد قامت بعض الكوادر من حركة فتح وشاركت وحدها في مسيرات سلمية في بلعين والنبي صالح وغيرها من المواقع، لكنها لم تكن جزءا من السياسة اللاعنفية الجدية والمدروسة والطويلة الأمد. وقال بعض المشاركين في هذه المظاهرات الشعبية مازحين وبشكل غير علني كيف أن قادة فتح كانوا يأتون إلى هذه المظاهرات في سياراتهم الجيب والمرسيدس ويقضون بضع دقائق (ما يكفي من الوقت أمام الكاميرات لتوثيق وجودهم) ومن ثم يغادرون.

كان اعتقال عباس زكي، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، يوم أحد الشعانين عملية غير عادية ترك الإسرائيليين وقادة فتح مشوشين بشأن كيفية إنهاء هذه المشكلة، حتى تم إطلاق سراحه بعد عدة أيام واستقبل استقبال الأبطال في الخليل.

إن رفض إسرائيل الالتزام بتمديد وقف النشاط الاستيطاني، وعدم قدرة أميركا على جعلها تفعل ذلك، أرجعت عباس أخيراً إلى مشكلة وضع كل بيضه في السلة السياسية والأمريكية.

إن الزعيم الفلسطيني، بعد أن رأى الشعارات المكتوبة على الحائط، أعطي خدمة ظاهرية لحقيقة أن لديه أربعة بدائل (وربما خمسة ولكن سرية)، إلا أن هذه البدائل في الواقع ليست لديها أسنان، فلن يحل عباس السلطة الفلسطينية، كما لا يمكنه إعلان استقالته لأن رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني الذي ينتمي لحركة حماس سيكون هو المسؤول القانوني لمدة 60 يوما حتى تجرى الانتخابات.

إن الذهاب الى الأمم المتحدة مع احتمال استخدام الولايات المتحدة حق النقض يجعل هذا الطريق غير مجدٍ، ولن تكون استراتيجية رئيس الوزراء سلام فياض لبناء الدولة جاهزة حتى صيف عام 2011، والعمل على المطار الفلسطيني، الذي تم التخطيط له في مناطق (ج) تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة، لا يمكن أن يتم دون موافقة المحتل.

في الواقع، إن لدى عباس عددا قليلا جداً من الخيارات (هذا إن وجدت)، وهكذا فإنه على الرغم من الحديث عن البدائل، فإن أفضل خيار لديه هو أن يعيش في واشنطن وأن لا ير د على المكالمات الهاتفية حتى بعد الانتخابات النصفية.

في غضون ذلك، ليس هناك ضرر من مناقشة البدائل المحتملة التي لدى الفلسطينيين إذا ما زالت العملية الحالية بعد الانتخابات النصفية وبعد إيجاد حل لمشكلة المستوطنات.

أضف تعليقك