لا تتركوا الجراح تتقيّح!

لا تتركوا الجراح تتقيّح!

الأزمة في معان لم تنته، كما ظنّ سياسيون ومتابعون؛ هي في مرحلة ركود مؤقّت. لكن الجرح مفتوح، ومع مرور الوقت يتقيّح. وإذا انفجرت الأزمة مرة أخرى، لا قدر الله، فستكون عواقبها سيئة على الجميع؛ فمن الضروري المبادرة إلى بناء طاولة حوار صريحة وموضوعية، ومواجهة الانطباعات المتبادلة بين الطرفين؛ أي الدولة وأهل معان.

تلك هي الرسالة التي حملتها قيادات من مدينة معان إلى نقاشات الحلقة المغلقة في مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، بمشاركة وزراء وباحثين وسياسيين، يوم السبت الماضي.

الاستماع إلى أوجاع المعانيين وهواجسهم وتحليلهم للأزمة المفتوحة والممتدة منذ العام 1989، مهم جداً لإدراك حجم الفجوة بين الدولة والمحافظات، وضعف قنوات التواصل والاتصال السياسية والإعلامية والثقافية، وغياب الرؤية الاستراتيجية المتكاملة للتحدّي المهم والأساسي الذي بدأ يلوح في الأفق أمام الدولة؛ وهو حالة المحافظات الأردنية، ليس فقط على الصعيد الاقتصادي، بل حتى على الصعد الاجتماعية والسياسية والثقافية!

لاحظوا أنّنا انتقلنا من الحديث عن معان إلى المحافظات (الطفيلة، والكرك، والعقبة، وعجلون، وجرش والسلط، والمفرق). ولعل هذه هي النتيجة التي توافق عليها أغلب الحضور في ورشة مركز الدراسات؛ وتتمثّل في أنّنا لسنا أمام أزمة مفتوحة واحدة في معان، بل أمام أزمات ايضا في باقي المحافظات.

عندما تسمع من أهالي معان شكوى غياب الدولة ومؤسساتها، حتى أصبحت المدينة مسرحاً للمخدرات والتهريب وتجارة الأسلحة، والخارجين عن القانون والعصابات الصغيرة من سارقي السيارات، ولأبناء التيار السلفي الجهادي (القريب من خطّ "القاعدة") الذي أصبح يمتلك حضوراً ملحوظاً في الآونة الأخيرة، فستشعر أنّ الحديث ليس مقتصراً على هذه المدينة وحدها، فجزء من هذه المظاهر يمكن ملاحظته اليوم في السلط، وآخر في الطفيلة والرمثا، وفي الكرك والمفرق.. إلخ.

من الضروري أن تتجاوز مؤسسات الدولة العقلية المعلّبة والأجوبة الجاهزة الساذجة في معالجة مشكلات عجلون ومعان وغيرها من محافظات، إلى مناقشة ما يحدث من زاوية التحولات العميقة، والبحث عن أولويات الدولة في مواجهة هذه الفجوة التي تتراكم بمرور الوقت، مع عدم وجود حلول واستراتيجيات بديلة متكاملة.

الرؤية الرسمية اختصرت أزمة المحافظات خلال الفترة الماضية في الجانب التنموي والاقتصادي، وتمّ تأسيس صندوق تنمية المحافظات، ومناطق تنموية، والتفكير في مشروعات متعددة لتحريك عجلة الاقتصاد والتنمية هناك. وبالرغم من أنّ هذا الاختزال مخلّ تماماً بجوهر الأزمة، كما تؤكّد "الشخصيات المعانيَّة"؛ إلاّ أنّ الدولة أخفقت حتى في ترسيم استراتيجيات تطوير المحافظات تنموياً واقتصادياً، وبقي مردود هذه الاستراتيجيات هزيلاً؛ إذ لم تنبنِ على رؤية متكاملة لتطوير الإنسان نفسه وتأهيله، سياسياً وثقافياً واجتماعياً واقتصادياً، عبر أكاديميات متخصصة، في السياحة والخدمات والصناعة، مثلاً، تتوازى وتتزامن معها حملة إعلامية وتثقيفية محترفة، بل ذهبت الاهتمامات فقط نحو المشروعات الاقتصادية نفسها، وكأنّها ستنبت في الفراغ من دون حاضنة اجتماعية وثقافية مناسبة!

خلاصة الموضوع أن معان ليست فقط قضية أمنية، أو تنموية، أو سياسية، أو اجتماعية، بل هي تعبير دقيق عن أزمة الدولة وعلاقتها بالمجتمعات المحلية؛ والنجاح أو الفشل لن يكونا فقط هنا في هذه المدينة، بل سينعكسان على المحافظات والمدن الأخرى!

الغد

أضف تعليقك