على‎ ‎مذبح‎ ‎الحريات‎ ‎الإعلامية

على‎ ‎مذبح‎ ‎الحريات‎ ‎الإعلامية

شاركت ظهر أمس، كغيري من الزملاء المؤمنين بشعار "حرية إعلام سقفها السماء"، في الاعتصام أمام نقابة الصحفيين ضد مشروع تعديلات قانون المطبوعات والنشر عبر بوابة البرلمان المطواع، ولاسيما إلزام أصحاب المواقع الإلكترونية (الإخبارية) بالتسجيل والترخيص في دائرة المطبوعات والنشر، على غرار الصحف والمطبوعات الدورية.

المفاجأة كانت تغيب العديد من أصحاب "مواقع التدخل السريع" المدعومين من جهات مؤثرة لسب وشتم وتخوين كل من ينتقد السياسات الرسمية، أو يطرح أسئلة إشكالية.

وهكذا بانت ألوانهم ومرجعياتهم المهنية وأولوياتهم.بعد ساعة من الاعتصام تصاعد الدخان الأبيض من "داخونة" النقابة.

لوّح مجلس النقابة بتقديم استقالات جماعية في حال إصرار الحكومة على المضي قدما في تعديل قانون بائس أصلا بدون التشاور مع النقابة.

المجلس دخل في حالة انعقاد دائم، وتحدث عن إجراءات تصعيدية لاحقة، كما قرّر تشكيل لجنة من أعضائه وعدد من ناشري المواقع الإخبارية لبحث وسائل الرد وآليات العمل.

المجلس قرّر على ما يبدو "شرب حليب السباع"، والتصدي لمخطط تعتقد غالبية العاملين في مهنة المتاعب أنه حلقة ضمن سياسة منهجية لتقييد الحريات السياسية والإعلامية، وتفصيل "رأي عام" على مقاس الإصلاح المقبول لدى صناع القرار، في عصر التغيير العربي الغامض، تحت طائلة تهديد القانون والبلطجية، وحفنة مواقع امتهنت الشتم والتضليل.

بالطبع، لن ندخل في جدال عقيم حول ضرورة استقالة زميلنا وزير الإعلام سميح المعايطة تضامنا مع حرية الإعلام، فهذا أمر شخصي خاضع للحسابات وتقدير المواقف.

ولن ندخل في نقاش بيزنطي لتحميل مجلس النقابة ومئات الأعضاء في الهيئة العامة مسؤولية تراجع وضع الحريات الإعلامية والمهنية والأخلاقيات الصحفية بشكل عام في البلاد خلال السنوات الماضية.

ففي مفاصل حيوية، لم يناضل المجلس لحماية هذه المهنة المقدسة من محاولات إساءة للجسم الصحفي، جاءت من أبنائه وبناته، أو من خارج الوسط.

وفشل كل المؤمنين بإصلاح الإعلام ومهننته من أعضاء الهيئة العامة في خلق حراك قاعدي لثني المجلس عن بعض التصرفات والتصريحات والممارسات التي صنّفت أحيانا كثيرة في خانة معادية لحرية الإعلام ولأخلاقيات المهنة، أو لمنع التدخلات الخارجية المستمرة في شؤون أسرتنا الإعلامية، وإرغام غالبية رؤساء التحرير على تقديم الطاعة.

لم يوسع المجلس قاعدة عضوية النقابة وشروط الانضمام، ولم يفتح أبوابها أمام انضمام الصحفيين العاملين في المواقع الإخبارية المحترمة، وفي مؤسسات الراديو والتلفزيون الخاصة، وأيضا زملاء مهنيين في وكالات أنباء عالمية في الأردن.

ولم تقم النقابة بدورها المطلوب، وأقله توفير دورات تدريبية مستدامة لرفع مهنية العاملين في السلطة الرابعة، وزيادة وعيهم القانوني، وتعزيز التزامهم بأخلاقيات المهنة، ودق جرس الإنذار حيال مئات التجاوزات داخل الصحف الرسمية، من مجالس إداراتها ومحرريها المتنفذين.

لم يناضل المجلس لفك "الزواج الكاثوليكي" القائم بين المؤسسات الأمنية والإعلام، ولم يقف ضد استمرار سيطرة الحكومة، عبر مؤسسة الضمان الاجتماعي.

عودة إلى التعديلات الأخيرة التي تحاول الحكومة تمريرها عبر مجلس النواب؛ فالإيجابية الوحيدة فيها تكمن في قرار تسريع إجراءات التقاضي لحماية المجتمع من التصرفات غير المهنية، وحالات اغتيال الشخصية المستمرة، سواء عبر تعليقات القراء أو من حفنة إعلاميين غير مهنيين باعوا مبادئ الصنعة.

لكن لو كانت نوايا الحكومة صادقة، لما أصّرت على تجاهل طلب إنشاء مجلس شكاوى للنظر في أي شكوى ضد وسائل الإعلام، حال الديمقراطيات الغربية التي تحترم مبدأ فصل السلطات، ولما ضربت عرض الحائط بموجبات تعديل قانون حق الحصول على المعلومات للعام 2007، الركن الأساسي لضمان إعلام محترف قائم على توثيق المعلومة بعد التأكد من الحقائق.

اليوم، سبقنا اليمن بأشواط، وسن قانونا يسهل الحصول على المعلومات، فيما مسؤولونا ما يزالون في مرحلة إعطاء الوعود وتسمية لجان لإعادة النظر في بنود قانون ثبت فشله، بسبب مطاطية عباراته، وضعف إجراءات التقاضي ضد الجهة التي تحجب المعلومة.

في المقابل، ستفشل الحكومة فشلا ذريعا في إخضاع المواقع الإخبارية لإلزامية التسجيل، وفي إعطاء مدير عام دائرة المطبوعات والنشر صلاحية حجب أي موقع الكتروني عبر إجراءات إدارية.

فهناك صعوبات عارمة أمام تطبيق قرار حجب المواقع التي لا تلتزم بالتسجيل كمطبوعة صحفية، بخاصة تلك التي تعمل من الخارج عبر "سيرفرات" عالمية، أو تحمّل موادها على صفحات "الفيسبوك" وغيره من المواقع، أو التي يغرّدها الناس على "تويتر" وغيرها من وسائل الاتصال المفتوح.

اللهم إلا إذا اعتقدت الحكومة أن بإمكانها أن تسيطر على شركات تزويد المعلومات، ونظم الاتصال الدولي، وفك تقنيات التشفير المتقدم، وغيرها من الطرق التي ستجعل أمر التحكم بتمرير المعلومات شبه مستحيل.

أخيرا، أشكر الحكومة على توجهاتها الرشيدة في وضع الأردن على مستوى الدول المعادية للحريات العامة، والإعلاميين، والإنترنت، مثل الصين، والسعودية، وسورية.

وأشكرها أيضا لأنها ستفتح الباب مجددا أمام إحراج وطن تحاول سلطاته إرجاع سكّانه، وغالبيتهم من المتعلمين، إلى الماضي بدل دفعهم صوب المستقبل الذي يستحقونه.

الغد

أضف تعليقك