حانت لحظة الحقيقة

حانت لحظة الحقيقة

إن كان هناك في أي وقت مضى تصريح يعكس الموقف الحقيقي للمفاوضين الفلسطينيين والقادة العرب، فإنه ذلك الذي أدلى به رئيس وزراء قطر حمد بن جاسم آل ثاني، حيث يعكس التصريح الذي تم الإدلاء به بعد أن منحت اللجنة العربية للمتابعة الضوء الأخضر لمنظمة التحرير الفلسطينية لاستئناف المفاوضات غير المباشرة، نظرة تشاؤمية للسلام.

فقد أوضح رئيس الوزراء القطري وهو أيضاً وزير خارجية بلاده "أننا لا نثق بإسرائيل، ولكننا نجد مؤشرات إيجابية من جانب الوسيط الأميركي"، وليس من الصعب أن نفهم لماذا يشك العرب بإسرائيل، خصوصا في ظل الحكومة اليمينية الحالية برئاسة بنيامين نتنياهو وتحالفها الذي يرفض الموافقة على تجميد كليّ للاستيطان في المناطق المرشحة لأن تصبح الدولة الفلسطينية، وهو الذي يستفز الفلسطينيين مراراً وتكراراً في محاولاته على أعلى المستويات لتهويد القدس الشرقية، سواء من خلال مستوطنات يهودية جديدة أو من خلال تدمير المنازل الفلسطينية.

لم يقم الجيش الإسرائيلي بأي شيئ يذكر لردع أنشطة المستوطنين اليهود بما في ذلك حرق المساجد واقتلاع أشجار الزيتون، في حين أن هذا الجيش نفسه الذي يرئسه إيهود باراك الذي يُفترض أنه أقلهم راديكالية، مشغول بإصدار الأوامر العسكرية التي تنتهك وحدة دولة فلسطين المتوقعة في الضفة الغربية وقطاع غزة.

إن ثقة الفلسطينيين والعرب في إدارة أوباما هي نتيجة لعدة عوامل، فقد اختلفت مشاركة واشنطن المستمرة وغير المتزعزعة عن جميع الإدارات الأميركية السابقة بدءا من اليوم الأول لإدارة أوباما، ففيما حاول جورج بوش، حين وصل إلى سدة الرئاسة في عام 2000 أن يرفض كل شيء بدأه بيل كلينتون، بقيت إدارته بعيدة، قدر الإمكان، عن السعي لتحقيق السلام في الشرق الأوسط، ولكن بوش ووزيري خارجيته كولين باول وكوندوليزا رايس، عادا إلى السعي لتحقيق السلام، ولكن مع حق النقض الفيتو بيد مسؤول غير مؤكد في البيت الأبيض، اليوت ابرامز، ولم يكن مسموحا للجهود التي كانت تبذلها إدارة الرئيس جورج بوش أن تأتي بثمر.

وفي حين أن المحادثات "غير المباشرة" القادمة تعطي الوسطاء الأميركيين موقفاً فريداً للتحكيم وجسر المقترحات فإن المبعوث الأميركي الخاص بالشرق الأوسط جورج ميتشل قد وافق، منذ اليوم الأول، على الطلب الفلسطيني بأن يحضر المسؤولون الأميركيون أية مفاوضات مباشرة وذلك ليحكموا في من هو الجانب الذي يعرقل طريق السلام حقيقة، وهذا أمر جديد بالنسبة للمفاوضين الأميركيين.

وحتى وصول إدارة أوباما إلى سدة الحكم، اقتصرت سياسة الولايات المتحدة على مساعدة جميع الأطراف لإجراء المحادثات دون المشاركة فيها، ومن الواضح أنه مع وجود دولة إسرائيلية قوية عسكرياً وسياسياً ومالياً وطرف فلسطيني ضعيف فإن مثل هذا الأسلوب كان يفشل دائماً لعدم وجود حافز كبير لتقديم التنازلات من كلا الجانبين.

إن الفلسطينيين والعرب مستعدون أيضاً أن يعطوا العملية الحالية فرصة وذلك لأن لديهم، وللمرة الأولى، بعض نقاط قوية، فالمجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة متحد كلياً ومهتم حقاً في وضع حد للاحتلال الإسرائيلي والمساعدة على ولادة دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة.

 

إن تدخل واقتراح الجيش الأميركي على مستوى رفيع بأن هناك حاجة إستراتيجية لإقامة دولة فلسطينية يعزز التصريح بأن مثل هذه الدولة ضروري للمصلحة القومية للولايات المتحدة.

 

كما أن الوحدة العربية، هذه المرة، لافتة للنظر حقاً، فبينما قد تكون هناك بعض الخلافات الداخلية بين الدول العربية بشأن حماس وفتح فإن الدعم العربي للسياسات التي يتبعها رئيس منظمة التحرير الفلسطينية الحالية لم يسبق له مثيل.

 

والوضع الداخلي أيضاً يعطي قوة للمفاوضين الفلسطينيين، ولن تتم المحادثات من دون الدعم الشعبي ومن دون مقاومة واضحة للاحتلال، وقد عثرت القيادة الفلسطينية على صيغة للفوز من خلال تبني الاحتجاجات السلمية، ومثل هذه الاحتجاجات تساعد لإبقاء الموضوع حياً وتبين أن الاحتلال لديه معارضون مثابرون وناشطون، وفي الوقت ذاته، ومن خلال الإصرار على الأنشطة السلمية الشعبية غير المسلحة ضد الجنود وضد الجدار غير القانوني، فإن الفلسطينيين يثبتون كذبة الادعاء الإسرائيلي بأن هذا هو الإرهاب أو العنف العشوائي ضد المدنيين الإسرائيليين.

وبالإضافة إلى كل ما سبق، فإن ما يجعل الموقف التفاوضي الفلسطيني أقوى يمكن تعريفه بالاسم وهو سلام فياض، ورئيس الوزراء الفلسطيني هذا، الذي تدرّب في الغرب، ركز اهتمامه وفكره وكل نسيج في جسمه على هدف إقامة دولة فلسطينية، فبدلاً من لعن الاحتلال، وضع خطة مدتها عامين لبناء الدولة الفلسطينية وهو يعمل على تطبيقها، وقد جلبت جهوده الأمن وسيادة القانون في الضفة الغربية، وحاز على إعجاب الصديق والعدو على حد سواء، فصنّفته مجلة التايم بأنه من بين العشرة السياسيين الأكثر نفوذاً في العالم، مما جعل فياض يهدف إلى إعلان دولة فلسطينية بحكم الأمر الواقع بحلول آب عام 2011.

وبينما لم يذكر الأميركيون إذاما كانوا سيعترفون علناً بهذه الدولة الفلسطينية لكي لا يجعلوا المفاوضات عقيمة، فإن أوروبا ستفعل ذلك بغض النظر عن نتائج المحادثات بحلول ذلك الوقت، وقد بدأ العد العكسي لمهام الفلسطينيين والإسرائيليين خاصة وأنه قد تم تحديد وقت لبدء المحادثات غير المباشرة، ومع المشاركة الأميركية بصورة مباشرة في كل موقف تفاوضي يتم تقديمه فإن لحظة الحقيقة حول من هو الذي يعرقل السلام حقا قد حانت أخيراً.

أضف تعليقك