الربيع العربي: الطريق الى الديموقراطية العربية مليء بالتقلبات والمطبات

الربيع العربي: الطريق الى الديموقراطية العربية مليء بالتقلبات والمطبات

مخطئ من يعتقد أن الوسائل الاقتصادية والإصلاح المحدود كافية لاحتواء الجماهير. فالمطلوب معالجته هو مسألة الحكم، وسيادة القانون، والمشاركة الأوسع في آليّة صنع القرار.

فيما يتحوّل الربيع العربي صيفاً عربياً، تبرز مخاوف من حصول ارتكاسة في عدد كبير من بلدان المنطقة. فالتفاؤل الذي بثّه ميدان التحرير في مصر والذي استحوذ على انتباه العالم قبل أشهر قليلة، ينحسر ليحلّ مكانه اليأس في الوقت الذي تشنّ فيه الأمبراطوريات العربية هجوماً مضاداً على موجة التغيير الديموقراطي.

لكنّه أمر طبيعي. سوف نشهد فصولاً كثيرة – ربيعاً وصيفاً وخريفاً وشتاء. وسوف تقاس الصحوة العربية بالعقود، وليس بالأشهر أو السنوات.

ينبغي عدم توقّع حدوث التحوّل بسلاسة، فالطريق إلى الديموقراطية مليء بالمطبّات عادةً. حتى في تونس ومصر حيث غادر قادة البلاد تحت تأثير التظاهرات السلمية، لن يكون الوضع سهلاً.

لا تزال هناك حاجة إلى حدوث ثورات مصغَّرة داخل الأنظمة قبل أن يكون بالإمكان الحديث عن انتقال منظَّم إلى الديموقراطية في البلدَين.

نرى الآن أمبراطوريات تصارع من أجل البقاء في ليبيا واليمن وسوريا. فبعد التمتّع بالسلطة لوقت طويل، أدركت هذه الأنظمة أنه من شأن أي عملية إصلاح جدّية أن تقود إلى زوالها. لكن القائد الذي يبدأ بقتل شعبه يفقد شرعيّته كاملة. وغالب الظن أن الأنظمة التي سلكت هذا الطريق تسير في اتّجاه لا عودة عنه، وتبدو أيامها معدودة.

هذا وتبذل السعودية ودول أخرى في الخليج الفارسي جهداً للإبقاء على الاستاتيكو وترسيخه.

الفكرة هنا هي التعويل على الأمن أو الوسائل الاقتصادية لكبح التغيير الحقيقي. بيد أن الحكومات التي تتمتّع الآن بالشرعية – بما في ذلك السعودية، إنما أيضاً الأردن والمغرب – تخطئ إذا لم تستخدم الوقت المتاح لها من أجل إجراء إصلاح جدّي لا يقود إلى ظروف اقتصادية أفضل وحسب إنما أيضاً إلى تحسين الحكم وتقاسم السلطة. إنه السبيل الوحيد لاستباق الشارع وإدارة تغيير منظَّم.

على الرغم من كل الصعوبات، من الخطأ الاعتقاد بأن هذه اللحظة التاريخية ستموت. لقد تغيّر الكثير، وفات الأوان لإعادة الأمور إلى سابق عهدها. لم ينكسر حاجز الخوف وحسب، بل أيضاً، والأهم، الشعور بالعجز.

فالجمهور العربي الذي اعتاد أن يكون في الجانب المتلقّي للسياسات التي تضعها حكوماته أو قوى خارجية، يراوده إحساس جديد بالقدرة على إحداث تغيير. إنه تطوّر جديد في المنطقة، وقد وُجِد ليبقى.

وثمة شعور أيضاً بأنه يمكن تحقيق ذلك بطريقة سلمية. فالعنف الذي شهده العالم العربي طوال سنوات انبثق عن شعور بالإحباط، واعتقاد بأن العنف هو السبيل الوحيد لإحداث التغيير.

لكن يتبيّن الآن أن هذا الاعتقاد خاطئ أساساً.

والتمكين الذي يبرز، إلى جانب الإدراك بأن التغيير ممكن من طريق الوسائل السلمية، يشكّل مزيجاً قوياً من شأنه أن يحدث تغييراً جوهرياً في دينامية المنطقة بكاملها، وفي مستقبلها أيضاً.

لكن في حين نجح الشارع في إطلاق الثورة، لا يمكنه مأسسة التغيير. تحتاج البلدان إلى إدارة انتقال منظَّم. عليها أن تطرح عملية إصلاح جدّية بدلاً من إجراءات موقّتة الهدف منها تهدئة الشارع.

مخطئ من يعتقد أن الوسائل الاقتصادية وحدها أو الإصلاح المحدود كافية لاحتواء الجماهير. فالوسائل الاقتصادية لن تتمكّن من معالجة مسألة الحكم، وسيادة القانون، والمشاركة الأوسع في آليّة صنع القرار.

في نهاية الأمر، الإصلاح غير المدروس قصير النظر. إذا انفجر الشارع من جديد، فعلى الأرجح أن المحتجّين سيرفعون مطالب أقوى بكثير.

لا تزال أمام الأنظمة التي لم تلجأ إلى العنف فرصة لفعل الصواب. لكن كي تحافظ هذه الأنظمة على صدقيّتها في عيون الناس، يجب أن تباشر على الفور في عمليّة إصلاح تدريجية إنما حقيقية على أن تكون كاملة وجدّية وقابلة للقياس وشاملة.

صحيح أن التغيير لا يحصل بين ليلة وضحاها، لكن التدريجية استُخدِمت عذراً في الماضي للامتناع عن التحرّك. لم يعد الإصلاح الانتقائي يتمتّع بالصدقيّة. يجب الآن تطبيق عمليّة إصلاح مستدامة. ويجب أن تكون شاملة، لأن الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية تسير جنباً إلى جنب. فهذا يضمن عدم احتكار نخبة ضئيلة منافع التحديث الاقتصادي.

والإصلاح لا يكون جدّياً أيضاً إذا لم يُسفر عن تقاسم للسلطة بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية. من الضروري أن تكون هناك برلمانات وهيئات قضائية أكثر فاعلية من أجل تطبيق صحيح لنظام الضوابط والتوازنات.

بيد أن الخطاب الإصلاحي المعزول لم يعد يخدع أحداً. يجب أن تترافق كل الوعود مع مؤشّرات للحكم على الأداء ومخصّصات في الموازنة وجداول زمنية. ويجب أن يتمكّن الناس من أن يلمسوا حدوث تقدّم.

ولا بد من أن يشمل هذا التحوّل القوى السياسية كافة. لقد ولّت الأزمنة التي كانت الحكومات تضع فيها مسوّدات الإصلاح وتتوقّع من الناس أن يسيروا خلفها. فمن أجل أن يتمتّع الإصلاح بالصدقية، يجب أن يؤمن الناس بالعملية الإصلاحية. ولا يحصل ذلك إلا من خلال مشاركتهم في الموافقة على الخطط الإصلاحية التي ستقرّر مستقبلهم.

هل سيكون الأمر سهلاً؟ كلا. الإصلاح ليس مجانياً أبداً. تحتاج الديموقراطية إلى وقت لتترسّخ في مختلف أنحاء المنطقة. لكن هذا بالضبط ما كان يجدر بنا جميعاً أن نتوقّعه.

يستحيل أن تعود المنطقة إلى حقبة ما قبل الربيع العربي. فالصحوة ستسير قدماً في الفصول المقبلة.

النهار اللبنانية

أضف تعليقك