مشاغل الذهب تنشر الامراض المزمنة بين السكان في الخليل

الخليل – مضمون جديد - ثائر فقوسة

يجلس في بيته على مضض، يتفقد كل لحظة ان النوافذ والأبواب مغلقة بإحكام ، يرقب من خلف الستائر توقف انبعاث "الغاز الاصفر" الذي يتصاعد من مدخنة تقع بالقرب من منزله ، وتفوح منها رائحة كريهة تسبب الدوار ومسيله للدموع ، يستغل حلول الظلام للخروج من سجنه المغلق لعله يستنشق هواء نقيا ، الا انه يجد تلك الرائحة المميتة ما زالت تحوم في المكان >

فيعود مهرولا الى البيت بحثا عن الامان . هذا المشهد ليس منقول من القصص اوالحكايات بل هي حياة المواطن عبد القادر المطرية من مدينة الخليل و الذي يقيم على بعد ستة امتار من إحد مشاغل الذهب ،الذي كان السبب في إصابته بعدة امراض كالتهابات المزمنة في القصبة الهوائية وحساسية مفرطة وحكة في الجلد، إضافة إلى التقيؤ المستمر .

يفيد مطرية "لمضمون جديد "ان الأطباء الذين قاموا بفحصه أكدوا ان هذه الإمراض ناتجة عن تعرضه لغازات سامة ناتجة عن حامض "النيتريك " وبعض المواد الكيماوية مثل الرصاص، توجه مطرية الى أطباء بالأردن وإسرائيل وفلسطين والنتيجة كانت واحده وتثبت تعرضه لغازات سامة حيث يمتلك نحو 15 تقريرا طبيا يثبت صحة ما يقول .

يتابع انه توجه الى الجهات المعنية في وزارتي الصحة والبيئة من اجل وقف المشغل او نقله لكن دون جدوى ، تقدم بشكوى لشرطة ضد أصحاب المشغل و تم تحويل القضية الى المحكمة ومنذ اكثر من 10 سنوات لم تحل المشكلة .

ولم يصدر أي حكم رغم ان المحكمة قامت بإرسال خبير لفحص المشغل واثبت وجود اثأر لحامض النيتريك ، و لانهاء الملف طلب من مطرية عمل مصالحة مع صاحب المشغل ولم يطرح في المحكمة حتى فكرة النقل او الاغلاق ، وتسأل مطرية :هل تنتظر الجهات المختصة ... موته ام أصابت باقي إفراد أسرته بالمرض ليتم وضع حد لهذا الخطر ؟!

مخالف للقانون

ومن الجدير ذكره ان مدينة الخليل تعاني من ظاهرة انتشار مشاغل الذهب والتي يصل عددها الى اكثر من 45 مشغلا تقع في وسط الإحياء السكنية وداخل الشقق ، حيث تستخدم في تصنيع الذهب مواد كيماوية مثل "حامض النيتريك والكبريتيك والكلوريك " تنبعث منها غازات سامه ،يتم التخلص منها دون اهمية للمواطنين الذين يعيشون في تلك الاحياء او البيئة المحيطة بها ،و رغم ان قانون البيئة الفلسطيني يمنع قيام هذه المشاغل بالقرب من السكان بسبب الملوثات التي تنتج عنها وتصيب الانسان بالامراض ، الا ان هذه الظاهرة في تزايد مستمر ... ولم يعد هناك أي أهمية لعبارة "الإنسان اغلى ما نملك" امام الذهب .

المشكلة مستمرة

المهندس هاشم صلاح مدير صحة البيئة في الخليل يفيد "لمضمون جديد"بان هناك عشرات الشكاوي المقدمة من المواطنين المتضررين من مشاغل الذهب بالخليل ،وتابع ان الوزارة منذ تأسيسها لم تمنح أي تراخيص لهذه الورش لأنها تخالف القانون ،و وجودها بهذا الشكل العشوائي وسط السكان ودون توفير شروط السلامة العامة تودي الى انتشار الأمراض وتدمير البيئة نتيجة التخلص غير السليم من نفاياتها السامة في الغلاف الجوي والتخلص من النفايات السائلة المحدودة في شبكة المياه العادمة .

واعتبر صلاح ان في ظل عدم توفر مناطق صناعية مؤهلة لهذه المشاغل فان المشكلة ستستمر وسيبقى المواطن الخليلي يعاني من الغازات السامة ، معتبرا ان حماية السكان من هذا الضرر تقع بالدرجة الأولى على اصحاب المشاغل وذلك عبر تركيب وحدات معالجة "فلاتر" لامتصاص الغازات السامة ،اضافة الى التوقف عن التخلص من النفايات السائلة عبر شبكة الصرف الصحي .

خطره وسامة

المهندس يوسف علي المتخصص في الصناعات الكيماوية والذي قام باجراء دراسة حول هذه المشاغل يؤكد "لمضمون جديد "ان العاملين في هذه الصناعة يستخدمون حامض النيتريك : حيث يستخدم في عملية تذويب أسلاك النحاس المسحوب عليها الذهب وينتج عن هذه العملية أبخرة كثيفة بلون بني مصفر .

ويعتمد حجمها على كمية النحاس المراد تذويبه حيث يلزم تقريبا نصف كليوغرام من النحاس لكل كيلو غرام من الذهب المسحوب ويلزم لهذه العملية 2-4 لتر من حامض النيتريك وتستغرق العملية من بضع دقائق الى ساعة اعتمادا على على كمية النحاس، ويصاحب هذه العملية انبعاث رائحة نفاذه جدا ليس باستطاعة الإنسان الوقوف بقربها وهي عبارة عن أبخرة النيتريك وهي بشكل رئيس "اول اكسيد النيتروجين وثاني اكسيد النيتروجين وحامض النيتروز HNO2 "

وهي عبارة عن غازات خطره وسامة تؤثر بشكل كبير على صحة الانسان، و تتمثل بظهور اعراض مرضية متعددة منها تهيج العيون وبطانة الجيوب الانفيه والجهاز التنفسي والتهاب القصبات الهوائية ،

ويرجع تأثير هذه الغازات الى تحولها الى حامض نيتريك مخفف يهاجم هذه الأغشية مسببا تهيجها او تلفها ووقوع التهاب رؤي حاد عند التعرض لها ،وهي تتساقط على شكل رذاذ بعد اتحادها مع بخار الماء كما ان هذه الغازات تدمر النباتات ،وان السوائل الحامضية المتبقية بعد عملية تذويب النحاس تحدث أضار بالغة بالبيئة والمياه الجوفية اذا لم يتم التخلص منها بشكل سليم .

غياب الحل

أي صناعة تستخدم المواد الكيماوية حتما ستعود بالضرر على الانسان والبيئة في حال عدم الالتزام بشروط السلامة العامة بهذه الكلمات بدا التاجر هشام السيد احد اصحاب مشاغل الذهب في الخليل حديثة "لمضمون جديد"، مؤكدا ان الاضرار التي كانت تحدثها مشاغل الذهب بدأت بالتلاشي سيما بعد التطوير الذي ادخل على هذه الصناعة و قيام اصحاب المشاغل بتركيب فلاتر خاصة تعمل على التقليل من انبعاث الغازات السامة .

اضافة الى انخفاض التخلص من النفايات السائلة المكونة من الأحماض الخطرة وذلك لقيام المشاغل بتكرير هذه المواد عدت مرات لاحتوائها على بقايا الذهب ،مما يجعل الكميات التي تلقي في شبكات الصرف الصحي قليلة تكاد لا تذكر ، ويعتبر السيد ان السبب وراء وجود هذه الصناعة وسط السكان هو عدم توفر مناطق صناعية مناسبة ومؤهلة لهذه الحرفة خاصة "توفير الامن والحماية "وفي ظل غياب هذه الظروف فان افضل مكان لوجودها هي الاحياء السكنية .

ويرى ان حماية المواطنين من خطر هذه المشاغل ان وجد ؟؟؟!!!يتمثل بالضغط على الجهات المختصة لتوفير منطقة صناعية بعيدة عن السكان يتوفر فيها كل متطلبات هذه الصناعة من وحدات معالجة وفلاتر وحراسة ،فيما يرفض صاحب المشغل الذي يقع بجوار منزل المواطن عبد القادر مطرية ان تكون الامراض المصاب بها مطرية ناتجة عن مصنعه ، متسائلا لماذا لم يصاب باقي افراد اسرته بالامراض رغم وجودهم في نفس البيت ؟؟؟؟!!! .

من الجدير ذكره ان الاحتلال يمنع دخول المواد الكيماوية المستخدمة في صناعة الذهب خاصة حامض النيتريك لأسباب امنية ، مما يدفع اصحاب المشاغل الى شراء هذه المواد من السوق السوداء بطرق عشوائية وتكون هذه المواد بمواصفات سيئة وفاسدة، مما يزيد الطين بله ويساهم في مزيدا من التلوث وانتشار الأمراض بين المواطنين والعاملين في هذه المهنة .

ضحايا في تزايد

لم تقتصر المعانات من مشاغل الذهب على المواطنين القاطنين بالقرب من هذه الورش ، بل هناك عدد من العاملين بهذه الصناعة أصيبوا بالأمراض المزمنة مثل السرطان والتسمم بالرصاص حيث يفيد قسم الشكاوي في مكتب العمل في الخليل ان هناك مجموعة من العمال تقدموا بشكاوي ضد اصحاب بعض مشاغل الذهب لعدم اعترافهم بان الأمراض التي أصابتهم ناتجة عن تعرضهم للغازات السامة والمواد الكيماوية المستخدمة في مشاغلهم وتنكروا للحقوق العلاجية للعمال المصابين .

المواطن (حميدات) الذي يعمل في احدى مشاغل الذهب في الخليل يقول "لمضمون جديد " بان صاحب العمل لم يلتزم بشروط السلامة العامة سيما تركيب فلتر لامتصاص المواد السامة ، وبعد بضعة أشهر من العمل بدا يظهر على جسمه بقع سوداء وتشوهات في الجلد وبعد مراجعة الطبيب تبين انه يعاني من التسمم بالرصاص .

وان هذه الأعراض ناتجه عن استنشاق غازات سامة ومادة الرصاص ،وعند قيام" حميدات "بمواجهة صاحب العمل بالتقارير الطبية شكك في صحتها ،وقام بوقف العامل المصاب عن العمل، تاركه يصارع المرض ويتكلف بمصاريف العلاج المرتفعة .

وهنا لا بد من القول:بالرغم من ان صياغة الذهب من الصناعات الفلسطينية المهمة التي تساهم في التنوع الاقتصادي وفي رفع مؤشراته ، الا انها مازالت بحاجة الى تنظيم ،إضافة الى ضرورة نقلها من وسط السكان الى مناطق صناعية والالتزام بشروط السلامة العامة من اجل الحد من أثارها السلبية على المواطن والبيئة .

أضف تعليقك