مزارعو غزة يحصدون قمحهم .. بصمت وحذر

خان يونس - محمد منصور - مضمون جديد

يتوجه الحاج السبعيني حماد قديح بعد أن يصلى الفجر في أحد المساجد التي تتوسط قريته "خزاعة" شرق مدينة خان يونس إلى حقله المزروع بالقمح والذي تبلغ مساحته الـ"30" دونمًا، والقريب من الحدود الشرقية للأراضي المحتلة عام 1948.

وفي طريق الذهاب إلى الحقل يتخذ قديح أساليب التفافية وشاقه عليه وعلى أسرته المكونة من عشرة أبناء وزوجاتهم، وذلك للوصول بسلامة إلى حقله وبدون أن يمس أي منهم مكروه بسبب منع الاحتلال الإسرائيلي لهم من الوصول إلى الحقل وحصد قمحهم وإطلاق النار على كل من يتقرب منه.

ومع وصول العائلة إلى الحقل الكبير تبدأ معاناة من شكل آخر وهي العمل والحصاد بصمت ودون إصدار أي من الحركات أو الأصوات التي قد تشعر الجنود الإسرائيليين بوجودهم داخل الحقل، لأن في حالة تأكد هؤلاء الجنود من وجودهم فسيكون مصير الحقل الحرق، وهم القتل.

وتعد فلسطين من البلدان الزراعية التي تميزت بإنتاج العديد من المحاصيل الزراعية كحقول القمح، والخضروات والزيتون والحمضيات والكروم واللوزيات وغيرها بفعل تنوع تضاريسها ومناخها.

ويقول قديح "لمضمون جديد" بعد يوم متعب :"إنه محروم من زراعة حقله طيلة العام من أي مزروعات أو ثمار تجني له الأموال المربحة لتسد حاجيات عائلته المتراكمة يوميًا بسبب متاعب الحياة، وذلك بسبب منع الاحتلال لزراعة في الحقل لتخوفاتهم الأمنية".

ويضيف قديح الذي استضافنا في كوخ صغير يبعد عن حقله مئات الأمتار إن السبب زراعته القمح يعود إلى سهولة الزراعة والحصاد وعدم احتياجه للمياه طيلة فترة زراعته واعتماده الأساسي على مياه الأمطار.

ويذكر أن زراعته للقمح لا تجلب لعائلته أي فائدة مالية وذلك بسبب الأموال التي يتم صرفها على آلة الحصادة التي تستنزف 50 دولار على الطن الواحد، ولكن يتم الاستفادة من القمح في تخزينه طيلة العام وأكله وتوزيع بعض منه على بعض الجيران والمحتاجين.

وعن مواقف واجهته أثناء حصاده للقمح يشير المزارع الفلسطيني إلى أن، الأبراج العسكرية الإسرائيلية المنتشرة على طول الحدود الشرقية لمدينة خان يونس لا "ترحم" أي أحد في حال اقترب من أرضه سواء كان مزارع أو مواطن يريد تفقد أرضه، موضحًا أن كثير من المزارعين تركوا أرضهم فارغة طلبًا للآمن وخوفًَا على حياتهم.

أما المزارع فضل أبو طير فلم يكن حاله بالأفضل من سابقه فالاحتلال الإسرائيلي قام بحرق حقله البالغ مساحته الـ"20" دونمًا بعد شهور من زراعته للقمح ورعايته المتواصل له ودوامه الشبه يومي.

ويقول أبو طير "لمضمون جديد"، :"إن الإسرائيليين يتعمدوا حرق قمحي وذلك لإرساء حالة من الإحباط بداخلي وجعلي أترك أرضي ولا أزرعها نهائيًا حتى يحققوا مرادهم ويحطموا حياتنا النفسية".

ويضيف أبو طير بنبرة تحدي إنه لن يترك حقله الذي ورثه عن جده، وسيستمر في زراعته كل عام حتى لو كان على حساب حياته، وذلك لأن "ترك الأرض يعني التخلي عن العرض" حسب أبو طير.

أما المزارع أحمد أبو طعيمة فحاله أفضل بقليل عن أهل قريته السابقين، فهو استطاع أن يحصد جميع قمحه من حقله قبل أن تصله النيرات الإسرائيلية وتلتهم حبوب قمحهم وذلك لذكاء المزارع وتحصينه للحقل.

وعن ذلك يقول أبو طعيمة، :"إن الطريقة التي اتبعها في خداع الجنود الإسرائيليين المتواجدين بالقرب من حقله تتمثل في، زراعة نصف حقله البالغ 50 دونمًا وترك المساحات المتبقية فارغة ووضع بين المناطق المزروعة والفارغة أكوام من الرمل فتتحجب الرؤية عنهم.

ويعبر أبو طعيمة عن سعادته بسبب نجاحه في حصاد القمح هذا العام دون حدوث أي خسائر سواء في أرواح عائلته أو العمال المشاركين في الحصاد، أو في القمح نفسه وسلامته من الحرق.

تنديد فلسطيني

وزارة الزراعة في غزة نددت بإقدام قوات الاحتلال الإسرائيلي على إشعال النيران في العشرات من الدونمات المزروعة بالقمح في قرى محافظة خان يونس الشرقية جنوب قطاع غزة.

وأوضحت الوزارة في بيان لها أن قوات الاحتلال صعدت من إجراءاتها التعسفية ضد المزارعين على طول الشريط الحدودي الشرقي والشمالي لقطاع غزة، حيث تطلق كل صباح عدة قذائف باتجاه أراضي المزارعين، الأمر الذي أدي إلا اشتعال النيران في الحقول والتهامها عشرات الدونمات المزروعة القمح.

وأضافت أن تلك القوات تواصل إطلاق النار على المزارعين لمنعهم من فلاحة أراضيهم، التي تشكل مصدر الرزق الوحيد لأسرهم في ظل سياسة الحصار والإغلاق المفروضة على القطاع.

وبينت الوزارة أن قوات الاحتلال لا تزال تمنع المزارعين من الوصول إلى أراضيهم الزراعية بحجة ما تسمى "المنطقة العازلة" المزعومة، مشددة أن الممارسات التي تمارسها قوات الاحتلال (الإسرائيلي) بحق المزارعين الفلسطينيين الذين تقع حدود أراضيهم الزراعية بالقرب من السياج

الحدودي لقطاع غزة "تمثل انتهاكاً لجميع القوانين والأعراف الدولية ولقواعد القانون الدولي الإنساني ومعايير حقوق الإنسان، وتمثل جزءاً من العقوبات الجماعية التي تحظرها قواعد القانون الدولي الإنساني".

أما نائب مدير عام الإدارة العامة للإرشاد يؤكد فتحي أبو شمالة، أن المساحات المزروعة في القمح في قطاع غزة لا تحقق الاكتفاء الذاتي للمواطنين المحليين، وهي مساحات قليلة جدًا، ولكن مع حرق الاحتلال لبعض الحقول يزيد من نسبة العجز في القمح.

ويذكر أبو شمالة لـ"مضمون جديد "، أن موسم القمح لهذا العام يعتبر الأفضل من أعوام مضت، وذلك يرجع إلى كميات الأمطار الذي سقطت في فصل الشتاء والتي قدرت بالكبيرة، الأمر الذي تسبب في الحصول على موسم جيد.

وعن دعم وزارته لمزارعي القمح يشير أبو شمالة أن مردود القمح المالي بشكل عام ضعيف وفي حالة تم دعم المزارع بإمداد خراطيم المياه له، وإمداده بالسماد فلن يحقق ذلك تكلفة هذه الأموال التي صرفت، خصوصًا أن جميع المزارعين يعتمدون على مياه الأمطار في روي حقولهم.

أضف تعليقك