لعنة "أزمة الكهرباء" تلاحق الفارين إلى بحر غزة

غزة - عبد الله يونس - مضمون جديد

يفر سكان قطاع غزة من حر الصيف الذي يأتي مصحوباً بأزمة انقطاع التيار الكهربائي بصورة متكررة، إلى بحر غزة الذي يعد الملاذ الحاضن لآلاف الأسر الفلسطينية، إلا أن المواطنين يصطدمون بمشكلة أخرى تواجههم وهي مشكلة تلوث مياه البحر بمياه الصرف الصحي التي تضخها مضخات البلدية لعدم مقدرتها على تحويلها إلى محطات المعالجة بسبب توقفها عن العمل لنقص الوقود اللازم لتشغيل محطة توليد الكهرباء.

ويعاني قطاع غزة من مشكلتين معقدتين، الأولى عدم كفاية الكهرباء الناتجة من محطة توليد التيار الكهربائي، والثانية تكمن في النقص الحاد للوقود اللازم لتشغيل هذه المحطات وهو الأمر الذي يجعل أيضاً المولدات الخاصة بالمواطنين والمؤسسات موقوفة عن العمل.

ويعتمد القطاع في توليد الكهرباء على ثلاثة مصادر وهي: 120 ميجا وات مستمدة من الشركة الإسرائيلية، و60 ميجا وات من محطة التوليد المحلية التي تعتمد على تشغيل مولدين فقط (وهو المتاح حالياً)، بالإضافة إلى 18 ميجا وات فقط من الشركة المصرية، فيما يبلغ حجم الاحتياج 290-300 ميجا وات.

استياء المواطنين

ويقول المواطن خليل فروانة (42 عاماً) الذي اصطحب عائلته إلى شاطئ البحر هرباً من انقطاع التيار الكهربائي في منطقة سكناه: "عادةً ما نلجأ إلى البحر لنتخلص من شده الحر داخل المنزل"، مشيراً إلى أن مشكلة الكهرباء في غزة تثير غضب المواطنين بشده.
وأوضح لـ"مضمون جديد" أن مضخات الصرف الصحي التي تصب مياهها في مياه بحر غزة، تشكل مشكلة كبيرة وتلوث بيئي خطير وتهدد حياة المواطنين المستجمين على الشاطئ خاصة الأطفال منهم.

وأضاف: "أمنع أطفالي من السباحة بسبب تلوث المياه، فهناك على بعد أمتار قليلة تقع مضخة (الشاليهات) التي تحول زرقة البحر إلى لون بني داكن"، مطالباً بلدية غزة بإيجاد حل سريع لهذه الظاهرة البيئية الخطيرة".

أما المواطن عبد الله المجدلاوي (38 عاماً) قال وعلامات الغضب بادية على وجهه: "(اجت الحزينة تفرح ما لقت مطرح)" في إشارة إلى أن الأزمات والمشاكل تحيط بهم من كل جانب حتى وصلت إلى المكان الترفيهي الوحيد الذي يؤمه الهاربين من الحر وأزمة الكهرباء.

وأوضح المجدلاوي ولديه 4 أبناء، أن ضخ مياه الصرف الصحي في بحر غزة، "أمر مستهجن لدى جميع المواطنين، وخاصة عندما يتعلق الأمر بإحداث التلوث في بحر غزة الذي يعد المكان الترفيهي المفضل لدى السكان".

وحمل المجدلاوي الحكومة المقالة وبلدية غزة مسئولية التلوث البيئي الحاصل في مياه البحر، مطالباً هنية بوقف عمل هذه المضخات وتحويل مياه الصرف الصحي إلى تجمعاتها ومحطاتها المركزية لمعالجته واستخدامها لأغراض الزراعة وما شابه.

وأضاف: "هذا الصيف جاء مصحوباً بالأزمات الكبيرة، ابتداء بأزمة الكهرباء، مروراً بأزمة نقص الوقود، وصولاً إلى التلوث البيئي الخطير الذي يلحق ببحر غزة".
كارثة بيئية

من ناحيته، أكد مدير عام الصحة والبيئة في بلدية غزة عبد الرحيم أبو القمبز، أن بلديته استطاعت التغلب على مشكلة القاء مياه الصرف الصحي في مياه بحر غزة على أرض الواقع، إلا أن انقطاع التيار الكهربائي يعيق إنهاء هذه المشكلة، ويتسبب بكارثة بيئية خطيرة.

وأوضح أبو القمبز لـ"مضمون جديد" أن انقطاع التيار الكهربائي أثر على كافة خدمات البلدية،
وأربك عملها، وقال: "هذه الأزمة فرضت على البلدية تشغيل مولدات كهربائية، ولكن من كثر تشغيلها أصابتها أضرار جسيمة، فضلاً عن استهلاكها كميات كبيرة من السولار.

وأوضح أن بوجود التيار الكهربائي فإن البلدية تستهلك من السولار نحو 50-60 ألف لتر، ولكن في ظل انقطاع التيار الكهربائي فإن الاستهلاك من الوقود يصل إلى 300 ألف لتر في الشهر وهو الأمر الذي يرهق ميزانية البلدية.

وبيّن أن هناك 8 محطات معالجة لمياه الصرف الصحي في مدينة غزة، تحتاج لوقود أثناء انقطاع التيار الكهربائي، وفي حال لم يتوفر التيار فإن أجزاء من المدينة تغرق بمياه الصرف الصحي.

وذكر أن محطة 7 بي الواقعة جنوب حي الزيتون تضخ نحو 35 ألف لتر مكعب من مياه الصرف الصحي يومياً في الحوض المركزي في منطقة الشيخ عجلين، وعندما ينقطع التيار الكهربائي عنها فإن الجزء الجنوبي من حي الزيتون يغرق في ساعات معدودة- وفق أبو القمبز.

ولفت النظر إلى أن بلديته تعاني عجزاً كبيراً في كميات السولار والوقود الخاص بتشغيل مولدات الكهرباء، وأضاف: "سيكون هناك كارثة في حال فقدنا السيطرة، حيث سيستأنف ضخ المياه العادمة في البحر ستغرق مناطق واسعة من المدينة".

وقال: "هناك 3 مضخات في مدينة غزة كانت لسنوات تضخ مياه الصرف الصحي في بحر غزة، وهي مضخة 1 الواقعة مقابل منطقة الشاليهات، ومضخة 2 الواقعة مقابل حوض الميناء، ومضخة 3 الواقعة مقابل معسكر الشاطئ، وهناك بعض التسريبات تصل مياه الشاطئ في منطقة الشيخ عجلين".

وأوضح أن بلديته عندما طورت شارع الرشيد وشارع البحر، عملت على تجميع هذه الترسيبات ومن ثم ضخها بمحطة المعالجة في منطقة الشيخ عجلين، مؤكداً أن بلديته قامت بتجديد مضخة 1، حتى باتت تضخ في محطة المعالجة المركزية، فيما لم تصل أي تسريبات من مضخة 2 إلى مياه البحر، فيما لم يتم حل مشكلة المضخة رقم 3 بشكل نهائي.

وقال: "فيما يتعلق بمضخة معسكر الشاطئ، ينساب جزء من مياه الصرف الصحي في البحر، ولكن البلدية وضعت إشارات تحذيرية تحذر المواطنين من السباحة في هذا المكان"، مشيراً إلى أن طبيعة المنطقة لا تصلح للسباحة.

ونوه إلى أن عدد من الجهات المانحة أوقفت مساعداتها للبلدية في التغلب على مشكلة انقطاع التيار الكهربائي وعدم توفر الوقود، بسبب ذريعة قلة الدعم، "ولكن الواضح أنها أسباب سياسية للضغط على الحكومة".

أسباب أخرى

من جانبه، أكد رئيس سلطة جودة البيئة د. يوسف إبراهيم، أن انقطاع التيار الكهربائي ونقص كميات الوقود اللازمة لتشغيل محطات الصرف الصحي، زاد من حجم الضرر البيئي المرتبط بإلقاء مياه الصرف في بحر غزة، ما زاد الضرر على المواطنين والمصطافين.

وقال إبراهيم لـ"مضمون جديد": "يعد انقطاع التيار الكهربائي من الأسباب الرئيسية التي جعلت المحطات غير قادرة على معالجة المياه الواردة إليها"، إلا أنه أكد أن حل مشكلة الكهرباء والوقود، لا يعني أن القاء هذه المياه في البحر سيتوقف.

وعزا ذلك إلى عدة أسباب منها زيادة الكثافة السكانية التي جعلت كمية المياه الخارجة من البيوت والمؤسسات وغيرها، تفيض على قدرة وطاقة محطات المعالجة على استيعاب هذه الكميات، مضيفاً: "لا يمكن لمحطة أقيمت قبل 30 عاماً أن تستوعب الكميات الكبيرة من مياه الصرف الصحي الواردة من منازل المواطنين هذه الأيام".

وبيّن أن هذه المحطات ذات كفاءة ضعيفة بسبب الحصار الإسرائيلي على القطاع الذي عرضها للهلاك دون تجديد، وأضاف: "أصبحت المحطات المعالجة غير قادرة على معالجة كميات المياه الواصلة إليها وبالتالي أصبح هناك زيادة على كفاءتها".

وأضاف: "حتى لو لم ينقطع التيار الكهربائي، فإن البلديات ستستمر في ضخ مياه الصرف الصحي في البحر للأسباب السابقة، ولكن الفرق هو أن وجود التيار يعالج جزء كبير من هذه المياه ليجعلها قابلة للاستخدام الزراعي".

وأوضح أن مسئولية تدنى المستوى البيئي في بحر غزة هي مسئولية الاحتلال الإسرائيلي بالدرجة الأولى، ومن ثم هي مسئولية مشتركة بين البلديات والمواطنين بسبب الكثافة السكانية العالية.

ولفت النظر إلى الاحتلال الإسرائيلي يعيق دخول الأجهزة والمعدات اللازمة لتطوير محطات الصرف الصحي وجعلها قادرة على استيعاب الكميات الزائدة، كما نوه إلى أن البلديات في قطاع غزة تعاني من عجز كبير في الميزانية وهذا لا يسمح لها بتطوير شبكات الصرف الصحي ومحطات المعالجة.

وبيّن أن البلديات بحاجة لميزانيات كبيرة جداً لإنشاء محطة معالجة واحدة، حيث تبلغ تكلفة إقامتها من 40-70 مليون دولار، فضلاً عن أنها بحاجة لمتسع كبير من الوقت للإنشاء قد تصل إلى 3-4 سنوات.

الأكثر خطورة

ولفت النظر إلى أن المحافظة الوسطى (وسط)، ومدينة خانيونس (جنوباً)، هما من أكثر المناطق التي تحتاج لمحطات معالجة الصرف الصحي، مشيراً إلى أن عدم وجود هذه المحطات يجعل البلديات تلقي مياه الصرف إلى البحر.

كما نبه إلى أن منطقة وادي غزة تعد من أكثر المناطق التي يتم القاء مياه الصرف الصحي فيها في بحر غزة، "فهي بؤرة ساخنة كما نسميها، لأنها تقع بيت منطقة غزة والمنطقة الوسطى".

وأشار إلى أن الوادي الممزوج بمياه الصرف الصحي يصب في بحر غزة، وتنتشر أضراره على مساحة 300-500 متر مربع من مياه البحر، وتزداد مخاطر انتشار المياه الملوثة مع ازدياد سرعة الرياح وشدة حركة الأمواج.

وعن دور سلطة جودة البيئة، قال إنه "دور رقابي"، يقف على متابعة النشاط البيئي وتقييمه بالتعاون مع البلديات، مشيراً إلى أن السلطة تحذر البلديات في حال وجدت مخالفات بيئية خطيرة.

وأوضح أن سلطة جودة البيئة تنظم برامج تنموية في الشأن البيئي ومشاريع تنفيذية على الأرض للمساهمة مع المؤسسات لخلق واقع بيئي أفضل.

أضف تعليقك