باحثون عن لقمة العيش وسط تلال النفايات في مكب يطا

الخليل - مهند العدم - مضمون جديد

في مكب يطا جنوب الخليل، تختلط قمامة الفلسطينيين بنفايات المصانع والمستوطنات، ولكن عشرات النابشين البؤساء الذين يعتاشون من المكب، لا يرون في هذه الخلطة مضامين سياسية بقدر ما يجدون فيها تنويعا يثري مصدر رزقهم.

والمكب الذي يقع على بعد تسعة كيلومترات الى الشرق من مدينة يطا، هو واحد من عشرات المكبات العشوائية المماثلة والمتناثرة في انحاء الضفة الغربية.

وتستخدم معظم بلديات الخليل اضافة الى بلديات في محافظة بيت لحم، هذا المكب للتخلص من نفاياتها مقابل رسوم تدفعها للمجلس المشترك لمشروع ادارة النفايات الصلبة في هاتين المحافظتين.

ويؤكد مسؤولون محليون ان المستوطنات المحيطة بمدينة يطا والمصانع الموجودة فيها تستخدم المكب ايضا، لكن مسؤولين اخرين ينفون ذلك.

مخاطر محدقة

ولعل التباس المعلومة بشأن استخدام المستوطنات لهذا المكب هو ما جعل من الصعب تحديد الجهة المسؤولة عن حادث التسمم الذي تعرض له تسعة من النابشين والمواطنين داخل المكب الشهر الماضي، وتسبب لهم بحالات اغماء واختناق.

وفي الوقت الذي اكدت مصادر الشرطة ان التسمم ناجم عن "غازات سامة من مواد كيماوية من مخلفات احد المصانع في مكب النفايات"، الا ان ياسر الدويك المدير التنفيذي لمشروع ادارة النفايات الصلبة المشترك ناقض هذه النتيجة.

وقال الدويك لمضمون جديد، ان الحادث نجم عن "ممارسات خاطئة وليس نتيجة وجود مواد سامة، حيث لا يوجد ضبط لنوعية المواد والنفايات التي تلقى في المكب، وهو ما يعرض حياة هؤلاء الفقراء (النابشين) الى الخطر.

وبمعزل عن السبب الحقيقي، فان حادث التسمم هذا ابرز المخاطر التي تحيق بنحو 80 شخصا بعضهم اطفال، ممن يشكل المكب مصدر رزقهم في ظل قلة فرص العمل.

ومن هؤلاء "س ع" الذي قال لمضمون جديد بينما يداه منشغلتان يتفحص قطعة معدنية بلا معالم استخرجها للتو من وسط تلال النفايات "احنا مضطرين نشتغل بالزبالة حتى نطعم اولادنا".

واضاف الرجل الذي كانت جبهته المعروقة تلتمع تحت اشعة الشمس "انا اعمل في هذا المكب منذ سنة. استخرج من وسط النفايات الحديد والنحاس وأي شئ استطيع بيعه واوفر بثمنه لقمة لأولادي".

وتابع وهو يجول ببصره في ارجاء المكب حيث انهمك بقية النابشين في تقليب نفايات القت بها للتو سيارة قادمة من احدى البلدات القريبة "لا يوجد عمل، ونحن مضطرون للعمل في الزبالة. هذا ليس عدلا، ولا احد يساعدنا على ايجاد عمل محترم”.

ولا يشكل المكب مكان عمل فقط، بل هو ايضا مكان اقامة بالنسبة للعديد من النابشين الذين ينامون بين اكوام النفايات ويتناولون طعامهم وسطها غير عابئين بالروائح الكريهة التي تزكم الانوف.

يقول “س ع” موضحا سبب اقامته في المكب "”عملنا يعتمد على وصول شاحنات المحملة بالنفايات، وبعضها بصل في الصباح الباكر او خلال ساعات الليل، خصوصا شاحنات المستوطنات التي تحتوي نفاياتها على مواد نستفيد منها اكثر من نفايات البلدات الفلسطينية".

مكب مؤقت

كما يؤكد المسؤولون، فان مكب يطا مؤقت وسيغلق عند الانتهاء من انشاء مجمع جديد لمنطقة جنوب الضفة وفق معايير صحية وبيئية عالمية، وهو الامر المتوقع انجازه خلال 18 شهرا من الان.

وسيكون من شأن اغلاق مكب يطا ان يهدد مصدر رزق النابشين، لكن المدير التنفيذي لمشروع ادارة النفايات الصلبة المشترك يؤكد ان هؤلاء قد تم وضعهم في الاعتبار.

ويوضح أن "هؤلاء النباشين سيتم تحويل 27 منهم الى عمال رسميين لدى المجلس المشترك في المكب الجديد وسيخضعون للمعاير الصحية والبيئية لشروط العمل ".

ويضيف ان "الأشخاص غير المؤهلين للعمل (في المكب الجديد) سوف يتم تعويضهم ومنحهم مشاريع مدرة للدخل من خلال مشاريع زراعية او مشاريع تربية حيوانية".

وقال الدويك ان "الظروف غير الإنسانية والصحية التي يعشها هؤلاء ناتجة عن عدم قدرة المجلس المشترك على السيطرة على المكب وطريقة إدارته، وكذلك عدم قدرة الوزارات الفلسطينية المختلفة على التدخل المباشر لمساعدتهم".

واضاف "قمنا بتحسين شروط العمل من خلال مدهم في بعض الأحذية والألبسة الخاصة وتقديم التطعيم ضد الأمراض. وكذلك قمنا بعمل مخيمات صيفية لمنع الأطفال من الذهاب الى المكب إلا أننا لم ننجح في الحد من هذه المشكلة نتيجة الفقر وغياب التوعية".

وبحسب ما يؤكده رئيس قسم الصحة في بلدية يطا محمد زين فان "النفايات تلقى بشكل عشوائي في المكب وتبقى معرضة لفترات طويلة للهواء وأشعة الشمس، مسببة روائح كريهة وانتشارا للحشرات والإمراض في المنطقة، وكذلك مأوى للكلاب الضالة التي تهدد المناطق المجاورة".

وقال انه “يتم التخلص من النفايات بطريق غير صحيحة من خلال حرقها، ما يتسبب بانبعاث الدخان لمسافات طويلة مسببا المزيد من التلوث للهواء وانتشار الامراض التنفسية للمقيمين في المناطق القريبة، وكذلك طمرها دون مراعاة وجود بطانة تمنع تسرب هذه المخلفات للمياه الجوفية والتربة”..

عقدة المستوطنات

من جانبه، اكد رئيس بلدية يطا زهران أبو قبيطة أن المكب لا يخضع لإدارة البلدية رغم وجوده داخل أراضي المدينة.

وقال ان "بلدية الخليل تمتلك الجزء الأكبر من أراضي المكب، وهو خاضع لإدارة مجلس الخدمات المشترك لإدارة النفايات الصلبة".

وقال في اشارة الى النابشين “نحن لا نستطيع منع هؤلاء من العمل داخل المكب"، مطالبا بالعمل من اجل تحسين ظروف الصحية والإنسانية حتى إيجاد حل دائم لهم.

وتحدث أبو قبيطة عن ان المكب يقع تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة في مناطق “ج” بحسب تصنيفات اتفاقات اوسلو بين اسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية.

وبين أن "المستوطنين يدفعون تسعيرة ورسوما اكبر من التي تدفعها البلديات الفلسطينية مقابل القاء المخلفات داخل المكب، ومن الصعب منعهم من استخدامه".

لكن الدويك نفى أن تكون هناك اتفاقية بين المجلس المشترك للنفايات الصلبة او أي جهة فلسطينية وبين المستوطنات على تقاضي رسوم مقابل السماح للمستوطنين بالتخلص من نفايتهم في الأراضي الفلسطينية .

وقال " لا وجود لأي اتفاقية مع المستوطنات، كما ان مجلس النفايات لا يتقاضى أية رسوم من المستوطنات مقابل استخدام المكب".

واضاف "قمنا بمنع المستوطنين من التخلص من نفاياتهم داخل ا لمكب، فقاموا بالقائها على مدخله، ولم نستطيع فعل شئ نتيجة وقوع المنطقة تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة” .

وشدد الدويك على انهم في المجلس المشترك “ممنوعون من أي عقد او أجراء اي اتفاق مع المستوطنات، فهي غير شرعية ومخلفاتها غير شرعية، وما تفعله المستوطنات غير قانوني”.

الى ذلك، فقد اكد الدويك ان المكب سيتم إغلاقه بعد افتتاح المكب الجديد في نيسان 2013 .

وقال ان المكب الحالي أصبح يتسع ويتسبب في المزيد من المشاكل البيئية والتلوث للمناطق الزراعية المحيطة وكذلك أصبح لا يبعد اكثر من كيلو متر عن السكان نتيجة الامتداد العمراني لمدينة يطا.

واشار الى ان المكب الجديد سيعمل ضمن مواصفات بيئية عالمية، وعلى اسس ربحية تعتمد على إعادة تدوير النفايات بطرق صحية وبيئية.

أضف تعليقك