الشمس تضيء "وادي النار" ليلا

الضفة الغربية - هبة لاما

أعد هذا التقرير لصالح مشروع "مضمون جديد" باشراف الصحافي لقمان اسكندر

للاستماع للتقرير الصوتي للتقرير، اضغطوا هنا:

لم يكن العامل نشأت منصور يتوقع حين شارك في أعمال مشروع إضاءة شارع "وادي النار" أنه سيتعلق به، ويخاف عليه، ويحميه كما يحمي طفله، على حد قوله.

"نحن نشيّد البنى التحتية في بلادنا بسواعدنا، ولكن عندما يتطلب الامر نحميها برمش العين" يقول العامل الذي تعرض مشروعه الى عمليات تخريب متكررة من قبل جهات مجهولة الهوية، ويعلم هو ويعلم الفلسطينيون معه إنهم اسرائيليون.

نجحت الجمعية الفلسطينية للطاقة الشمسية أخيرا في تشغيل مشروع هو الأجرأ والأضخم في الشرق الأوسط لإنارة شارع "وادي النار" الواصل بين شمال الضفة وجنوبها، ولكن دور الجمعية لم ينته بعد، كما لم ينته دور العمال بانتهاء انجازهم المشروع.

وادي النار .. شارع له من اسمه نصيب، ملتو ومحاط بالجبال العالية. ويعتبر أحد أخطر شوارع الضفة. تكمن أهميته في كونه الشارع البديل للفلسطينيين عن القدس، الحلقة الواصلة بين جميع المدن الفلسطينية. أما إذا أغلق فإن ما يفهمه الفلسطينيون من هذا الإغلاق عدم تمكنهم من التنقل من مدينة إلى أخرى. وحتى يكتمل مشهد اسم "وادي النار" اعتاد الاسرائيليون على وضع حاجز في نهايته يعرف بـ "الكونتينير".

واخيرا لمعت عين منصور

كما لمعت الأضواء في الشارع لأول مرة، لمعت عيني نشأت منصور. ها هي الشمس تضيء شارع وادي النار ليلا.

"رغم الاسى ابتسم .. أنت في فلسطين". بالنسبة الى عمال العالم، فإن المطلوب منهم انجاز المشاريع التي كلفوا بها، وعندما يتم ذلك ينتهي الامر. ولكن العامل الفلسطيني منصور لم يتردد في ان يكون الحارس المتطوع، لحماية "الضوء" من خفافيش الليل.

فلسطين لحقت أخيرا بالدول التي حولت الطاقة الشمسية الى كهربائية تنير الشوارع والمساحات الواسعة، كخطوة أولى في طريق الاستغناء عن المحوّلات الكهربائية ومشاكلها.

يقول العامل منصور في تصريح لمشروع "مضمون جديد": "هناك على الدوام محتل يريد النيل منك ويزعجه أن يرى الشعب الفلسطيني رغم الاحتلال يواصل حياته، بل ويبدع أيضا".

المشروع الذي مولته جمعية قطر الخيرية، بطول 3.5 كيلو متر، يمتد لخمسة وتسعين عمودَ إنارةٍ شمسية. وله - وفق محمد الحلو مدير "الجمعية الفلسطينية للطاقة الشمسية" الجهة المسؤولة عن المشروع - عدة فوائد بيئية، تجعل منه مشروع الحياة المستقبلية النظيفة، والخالية من التلوث والأضرار البيئية، فيما لو عمم نموذجٍه على شوارع فلسطين باسرها.

يقول الحلو: "الطاقة الشمسية مصدراً نظيفاً وصحياً ومتجدداً للطاقة، لا تسبب أي تلوث أو أضرار صحية، نظراً لعدم احتوائه على مخرجات مضرة كثاني أكسيد الكربون مثلاً، الناتج من المولدات الكهربائية المستخدمة حالياً".

إن السؤال عن الهدر المستمر لضوء الشمس رغم قدرة البشرية على الاستفادة منه من دون كلفة تشغيلية تذكر، بات مطروحا اليوم على مستوى العالم كما لم يطرح من قبل.

"الانسان يستخدم طاقة الشمس منذ القديم في تجفيف غسيله، فلماذا لا يحولها لإنارة طريقه، وإدارة سياراته ومصانعه" بكل هذه العفوية يقول العامل منصور: "أنا عملت في المشروع وأنا فخور بذلك".

وخلال الاسبوع الماضي جُربت أضواء المشروع للوقوف على النواقص أو أية مشاكل غير متوقعة من أجل حلها خلال أيام ليتم البدء رسمياً بمشروع الإضاءة الشمسية قريبا.

أضواء شمسية

تتكون هذه الأضواء الشمسية من ثلاثة أقسام أساسية - كما يشرح المهندس المنفذ للمشروع علاء عرار - إذ يتمثل القسم الأول في شرائح الخلايا الشمسية التي تستقبل أشعة الشمس وتلتقطها بهدف تخزينها، أما القسم الثاني فيتمثل في صندوق صغير مثبت تحت الخلايا يقوم بتحويل الأشعة الشمسية إلى طاقة كهربائية وتخزينها إلى حين الاستفادة منها، بينما يتمثل القسم الثالث في المصباح الذي يصدر الإنارة النهائية.

حين تشرق الشمس تبدأ هذه الخلايا بالتقاط الأشعة وتخزينها في الصندوق - يقول المهندس عرار- تكفيه لمدة 48 ساعة متكاملة أو ثلاث ليالٍ متواصلة، في حال لم تسطع الشمس نهائياً خاصة في أيام الشتاء.

ويكفي شعاع بسيط لتخزين الطاقة وتشغيل هذه الأضواء التي تصل مدى إنارتها إلى 17 ألف لومن وهي الطاقة اللازمة والمستخدمة في الطرق السريعة، نظراً لكونها إنارة عالية جداً.

ويضيف المهندس عرار: "يوجد عين صغيرة على الخلية تميز الضوء؛ فعندما تغيب الشمس فإن المصابيح تضيء مباشرة في حين تتوقف عن الإنارة بطريقة (أتوماتيكية) عندما تشرق الشمس، من دون الحاجة إلى من يعمل على تشغيلها، وهذا ما يميزها ويسهل عملية الاستخدام".

ولنا فيها منافع أخرى

إضافة إلى كون هذا المشروع الأنسب لاستغلال الطاقة الشمسية النظيفة بدلاً من ضياعها؛ فإن كلفته التشغيلية هي صفر - يؤكد محمد الحلو- وذلك لأن أشعة الشمس هي مجانية ولا تنضب، كما أن عملية التشغيل لا تحتاج لمولدات أو محولات أو ما شابه ذلك؛ فجل ما قد ينفقه المنفّذ لهكذا مشروع هو الاستثمار الأولي المتمثل في الأعمدة ومكوناتها من اللوحات الشمسية والبطاريات (صندوق التخزين) والأضواء، علما بان العمر الافتراضي لكل خلية من دون صيانة يصل لعشر سنوات كحد أدنى.

لهذا، فإن تنفيذ مثل هذا المشروع يعد مربحاً بيئياً واقتصادياً على حد سواء؛ رغم أن كلفته تصل إلى 280 ألف يورو، إلا أن التكاليف ستكون أكبر فيما لو قورنت بمدى كلفة التشغيل المعتمد على الكهرباء الاعتيادية المستخدمة حالياً، لهذا فإن تعميم مثل هذا المشروع والبدء بتطبيقه في الدول العربية الأخرى سيكون مفيداً للبيئة والإنسان أولاً ومربحاً اقتصادياً على المدى البعيد ثانياً.

أخيرا حظيت فلسطين بأول مشروع بيئي كهربائي يعمل على الطاقة النظيفة، والمأمول منه تعميم التجربة على الدول العربية الأخرى.

تقول مهى سلامة وهي إحدى الفتيات من مدينة بيت لحم وتعمل في رام الله: "هذا ما يحدث في العادة، هم يعتبرون أن لهم الحق في فعل أي شيء من دون مساءلة".

ومها سعيدة بالمنجز. تقول: فوجئت بالأضواء ليلة أمس عندما كنت متجهة إلى بيت لحم عبر وادي النار، فلطالما كنت أخوض في عتمة الطريق الخطر، لكن الآن حلت المشكلة، بل اصبحنا نحظى بأضواء صديقة للبيئة.

عمليات التخريب هذه قد تكررت أكثر من مرة دون أي يتم ضبط دليل على هوية المخرب، ولكن المواطنين رأوا فيها محاولة لثني الجهات الممولة عن استمرارية التمويل.

أما المواطن أسامة عواد فيقول: الفكرة رائعة، وانا سعيد بها لأننا سنستغل الطاقة الشمسية في إضاءة هذا الطريق المظلم، فبعد الآن لن يكون هناك أي صعوبات أثناء التنقل ليلاً وسيتم الحد من الحوادث الكثيرة التي تحدث جراء عتمة هذا الطريق.

هناك خفافيش الليل

رغم أن عملية تنفيذ مثل هكذا مشاريع تكون سهلة وسلسة في العادة إلا أن لفلسطين وضعاً مختلفاً نوعاً ما؛ فتشديدات الاحتلال والمعيقات التي تمارسها السلطات الإسرائيلية تشكل دائماً حجر عثرة أمام المشاريع التي تنمي فلسطين وتطورها؛ فقد تعرض هذا المشروع للإعاقة من قبل القوات الإسرائيلية أكثر من مرة، كما تعرض لعمليات تخريب متكررة مجهولة الهوية، إلا أن الأجهزة الأمنية تعمل حالياً على مراقبة الأضواء حتى يتم الانتهاء منها وتشغيلها في فترة لن تتجاوز الشهر.

عندما باشر العمال بمشروع الاضواء الشمسية بدأت علامات بان الاسرائيليين غير سعداء بالمشروع. هذا مفهوم، من هنا وقعت عدة عمليات تخريب فيه لثني الجهات الممولة عن استمرارية التمويل.

ويشعر المواطنون بالارتياح بأن الممولين اصروا على مواصلة تمويلهم، فباءت عمليات التخريب بالفشل. ولكن هل سينتهي التخريب عند هذا الحد؟ المواطنون، كما الجهات الممولة، يأملون أن يتوقف الموضوع عند هذا الحد، وألا يتم استهداف الشارع مجددا، لكن كالعادة الاسرائيليون لا يقدمون ضمانات لعدم العبث بمنجز فلسطيني كبر أم صغر.

لقد سبق لـ "جيبات إسرائيلية عسكرية" وأن "زارت" موقع المشروع يوم كان قيد الانشاء أكثر من مرة، وأجبرت العاملين فيه على ايقاف العمل، ومن دون أي مبررات.

يقول المهندس المشرف على المشروع علاء عرار: حسب المخطط هناك عمودان على بعد 50 متراً من الحاجز الإسرائيلي المسمى بالكونتير، ومنه بدأت المشكلة عندما بدأ العمال ببناء قواعد للعامودين، فقد أوقف الجيش الإسرائيلي كافة الأعمال وتم إلغاء بناء العامودين بحجة أنها تعطل على قاعدة الجيش مع العلم أنها بعيدة عنها ولا تؤثر عليها بشيء.

أما عن عمليات التخريب فيؤكد عرار: "نحن لا نعلم ولسنا متأكدين من الجهة المسؤولة عن هذه التخريبات لكنها لم تأت بهدف السرقة لأن الأضواء والعامود المستهدف قد انتزع من مكانه ووضع على الأرض من دون أن يؤخذ مع العلم أن البطارية تركت أيضاً وهي تساوي مبلغاً كبيراً.

ويتوقع عرار أن تكون هذه العمليات التخريبية مصدرها الاحتلال لأنها حصلت على مسافة قريبة من الكاميرات الإسرائيلية بجانب الحاجز ولم يتم منعها وبالتالي فإن لم يكن مصدرها الاحتلال فإنه متواطؤ مع تلك التخريبات".

وادي النار اليوم عاد مبصرا، كما يجب أن يكون، والمواطنون فخورون بما انجزت الجمعية وسواعد الوطن. وفي أية حال.. رغم الحزن والألم... عليك ان تبتسم فأنت في فلسطين.

 

أضف تعليقك