الزراعة العضوية بغزة تراوح مكانها بعد عقدين على انطلاقها

غزة- رامي رمانة - مضمون جديد

رغم مرور عقدين على انطلاقها كتجربة طموحة في مواجهة الزراعة الحديثة التي انهكت الرقعة الزراعية المحدودة في قطاع غزة، الا ان الزراعة العضوية لم تتمكن من التمدد سوى على 0,5 % من مساحة هذه الرقعة.

والزراعة العضوية هي عبارة عن منتجات غذائية نباتية وحيوانية لا تستخدم معها أي مواد كيماوية ضارة سواء كانت أسمدة أو مبيدات أو هرمونات أو مواد حافظة.

وتقدر المساحة التي تشغلها الزراعة العضوية التي تعود بداياتها الى عام 1993 في قطاع غزة بنحو 100 دونم من اجمالي مساحة الاراضي الزراعية البالغة 200 ألف دونم.

وشهدت الاراضي الزراعية في قطاع غزة تراجعا حادا متواليا في مساحتها لاسباب اهمها الحرب الاخيرة التي شنتها اسرائيل على القطاع ودمرت نحو 30% منها، وسبق ذلك عمليات التجريف للاراضي الحدودية على مدى سنوات الاحتلال.

كما لعب الزحف العمراني دورا كبيرا ايضا، حيث تتوسع الرقعة السكنية على حساب الزراعية باستمرار لتلبية حاجات سكان القطاع الذي يؤؤي مليونا ونصف مليون انسان داخل مساحة لا تتجاوز 360 كيلومترا مربعا.

وكما يرى صالح بخيت مدير عام الإرشاد في وزارة الزراعة في غزة، فان سبب مراوحة الزراعة العضوية لمكانها وعدم رواجها كما كان مؤملا هو "ثقافة المزارع المبنية على تحقيق ربح أكثر".

ويستغرق نضوج المحاصيل العضوية وقتا اطول نسبيا من ذلك الذي تتطلبه مثيلاتها في الزراعة الحديثة، حيث ان الاسمدة والمبيدات والهرمونات التي تستخدمها الاخيرة تسرع من انضاج المحاصيل ما يتيح زراعة الارض مرات اكثر والاستفادة بالتالي من محاصيل اكثر.

على ان استخدام هذه المواد الكيماوية قد بلغ حد "الافراط" وفق تقرير لمؤسسة الضمير لحقوق الانسان في قطاع غزة، والذي رصد تداعيات خطرة لذلك منها تزايد “السرطانات..وإصابة الأجنة بتشوهات خلقية.. وتقليل الخصوبة لدى السيدات والرجال”.

وأشار التقرير كذلك إلى زيادة نسب تلوث التربة وخزان المياه الجوفي الساحلي الذي يعد المصدر الوحيد لتلبية الاحتياجات المائية لسكان القطاع.

مواقف متباينة

وخلال السنوات الماضية سعت وزارة الزراعة وكذلك منظمات اهلية وغير حكومية عبر حوافز وبرامج ومشاريع متتالية، الى الترويج للزراعة العضوية للحد من مخاطر الزراعة الحديثة، لكن ذلك لم يسفر عن نجاحات تذكر.

ولعل ابرز العوامل التي لعبت دورا في الحد من نجاح الزراعة العضوية هي عدم قناعة المزارعين انفسهم بجدواها من الناحية الاقتصادية، فضلا عن ان المستهلكين يعزفون عنها لارتفاع اثمانها.
فكما يؤكد المزارع كمال أبو العجين ( 47) عاماً، فانه من ناحية المبدأ يرحب بفكرة الزراعة العضوية، إلا أنه لا يحبذ تطبيقها في أرضه، بسبب قلة الإنتاج الذي يحصل عليه من ورائها.

ويضرب أبو العجين مثالاً قائلا "القطف الأسبوعي لمحصول الباذنجان المزورع على مساحة دونم وفق الزراعة الكيماوية يقدر بــ40-50 بكسة، بينما القطف للمحصول المزروع وفق الزراعة العضوية يقدر بــ 20-25 بكسة".
ويضيف ان "صغر مساحة ارضي تدفعني لاستخدام الأسمدة الكيمياوية كي ازرعها أكثر من مرة".

وفي المقابل، فان المزارع ابراهيم سعيد (30 عاماً)، الذي يمتلك قطعة أرض تقدر بدونم زراعي وسط قطاع غزة –مزروع الآن بمحصول الخيار-، يعتبر نفسه من الداعمين للزراعة العضوية لعناصرها الغذائية المتزنة التى تخلو من المواد السامة الناتجة عن تراكم المبيدات الكيمياوية، والمساعدة في خصوبة التربة على حد قوله.

ويبرر سعيد دعمه للزراعة العضوية قائلا ان الأسمدة الكيمياوية التي يستخدمها المزارعون ذات تكلفة اقتصادية كبيرة للمزارع الفلسطيني وتتحكم اسرائيل بإدخالها, كما أن ضررها يلحق بالبيئة والصحة العامة.

ويشير سعيد إلى ان مفهوم الزراعة العضوية تبلور لديه بشكل أوسع نتيجة تلقيه عدة دورات تدريبية تشرف عليها وزارة الزراعة في غزة ومؤسسات وجمعيات زراعية في اطار تشجيع الزراعة العضوية لدى المزراعين.

ولفت إلى أنه يبيع منتجه من الخيار، والذي زرعه قبل شهر رمضان بأسبوع في الأسواق المحلية دون أن يشير إلى المستهلك بأن منتجه عضوي، مبرراً ذلك بالثقافة "الضحلة" لدى عامة الناس في المنطقة التي يبيع فيها.

ويبلغ ثمن "البكسة" من الخيار التي يبيعها المزارع ابراهيم ما يعادل نحو 5 دولارات ، فيما الخيار المزروع وفق الزراعة الكيمياوية فيباع بما يعادل 4 دولارات تقريبا .و"البكسة" تحتوي على 7-10 كيلوغرام.

سعر مرتفع

ورغم اجماع المستهلكين في القطاع على أهمية المنتج الزراعي العضوي، الا أن ارتفاع اسعاره مقارنة بنظيره في الزراعة الحديثة تجعل قلة تقبل عليه.

فهذه مثلا ربة المنزل أم جمال مصطفى (48) عاماً من شمال قطاع غزة، تواظب على شراء احتياجاتها من الخضروات من جمعية "الزراعات الآمنة" المختصة في بيع المنتجات العضوية.

وتقول ام جمال انها أنها قرات عبر الأنترنت واستمعت لعدة تقارير تنبه من الأسمدة الكيماوية وخطورتها على صحة الانسان، وبالتالي فقد قررت ان تقصر مشترياتها على المنتجات العضوية.

بيد أن المواطن محمود نمر لا يجد فرقاً من وجهة نظره بين المنتج العضوي والكيماوي ما دام السعر هو الفيصل، لافتاً إلى أن الاوضاع الاقتصادية في قطاع غزة واعالته لأسرة من 8 افراد تدفعه الى اقناء احتياجات ومنتجات باسعار ارخص.

وتخضع جميع مراحل انتاج المزروعات العضوية الى رقابة صارمة من قبل وزارة الزراعة قبل ان تمنحها شهادة تؤكد انها عضوية وتتيح بيعها على هذا الاساس.

وبحسب ما توضح وزارة الزراعة، فان ابرز المنتجات العضوية الموجودة حاليا في قطاع غزة هي البندورة، الفلفل، الخيار، والزهرة والملفوف وبعض النباتات الطبية والعطرية.

وقد تخصصت بعض المحلات التجارية في غزة ببيع الانتاج الزراعي العضوي، الا انها لا تزال محدودة العدد نظرا لمحدودية المنتج.
ويشهد الحجم المعروض من المنتج العضوي تذبذبا بين سنة واخرى، بسبب مراوحة بعض المزارعين الذين يمتهنونها تارة بين الزراعة العضوية وتارة الحديثة.

ومعظم هؤلاء المزارعين يقبلون على الزراعة العضوية ضمن المشاريع التي تطلقها وزارة الزراعة والمنظمات الاهلية وغير الحكومية، وذلك للافادة من التمويل والحوافز التي تقدمها هذه الجهات من اجل تشجيعهم.

ولكن عضو جمعية الزراعة الآمنة المهندس.مجدي دبور، الذي تنشط جمعيته في دعم مثل هذه المشاريع والمبادرات يقول ان "المشكلة تكمن في المزارعين الذين يحولون وجهتم صوب الزراعة الكيمياوية (الحديثة) فور انتهاء المشروع أو في حال عدم حصولهم على تمويل".

وقال أن جمعيته أغلقت محلها التجاري المخصص لبيع منتجات المزارعين العضوية، لانخفاض حجم المبيعات.

ولفت دبور الى عدد من المشاكل التي تعترض طريق نمو الزراعة العضوية في القطاع ومنها محدودية الرقعة الزراعية والنقص في الكوادر البشرية المتخصصة والتنمية الثقافية، مشيراً إلى أن "عدد مهندسي الزارعة العضوية في القطاع لا يتجاوزون العشرة".

وفي عام 2011، افتتحت جمعية الرحمة للإغاثة والتنمية بالتعاون مع وزارة الزراعة بغزة محطة "القسطل" لإنتاج الأسمدة والزراعة العضوية، في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة.

واقيمت المحطة بهدف توفير الاسمدة العضوية للمزارعين وكذلك تدريبهم على انتاج هذا النوع من هذه الاسمدة.

وقد قامت الوزارة بتزويد المزارعين بالاسمدة العضوية المنتجة في المحطة بهدف تشجيعهم على استخدامها في الزراعة.

وجاءت اقامة المحطة ضمن خطة طموحة لوزارة الزراعة تهدف اضافة الى عدد من المبادرات والمشاريع الاخرى الى زيادة المساحة المزروعة بالمنتجات العضوية الى 1000 دونم خلال عام 2012.
لكن خبراء يشككون بامكانية الوصول الى هذا الرقم نظرا للعقبات التي تعترض طريق هذا الطموح.

أضف تعليقك