عمالة الأطفال السوريين في الأردن..أنامل صغيرة تحفر بالحجر

أبو شحادة  (فواز شحادة) أب سوري لأربعة أطفال يعيلونه هو أسرة أخيهم الأكبر والبالغين جميعهم من العمر تحت سن ال15 ذكور وإناث.

 يستيقظ الأطفال يومياً للعمل في مزارع بلاستيكية لزراعة الفراولة والبندورة، يجنون الثمار منها ويبيعونها ليطعموا أسرهم ويعيلونها هذه الأنامل الصغيرة تتحمل تعب ومشقة العمل تحت أشعة الشمس لساعات طويلة ويعاني أحد الأطفال العاملين منهم في أوجاع متكررة في الظهر وشد العضل نتيجة صغر سنه وعدم تحملهم لمشقة العمل في هذا السن الصغير.

 

يقول أبو شحادة والد الأطفال الأربعة بأنه "يضطر  لجعل أطفاله يعملون في هذه الظروف بالرغم من رغبتهم في التعلم، لكن ظروف الحياة الصعبة والوضع الاقتصادي والديون المتراكمة عليه  وصعوبة تحصيلها لتصريح عمل وغلاء الأسعار هي تحديات لا تسمح له في العمل لوحده بل هو بحاجة لمساندة هذا الأنامل الصغيرة  التي تحمل الكثير من التعب والمشقة معه".

الأردن  إصدار 62 ألف تصريح عمل للسوريين وفقاً للأرقام التي نشرتها المفوضية السامية لشؤون اللاجئين عام 2021، وسمح لهم في العمل بمختف القطاعات منذ عام ، يستضيف الأردن 760،000 لاجئ وطالب لجوء مسجلين لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ومن بين هؤلاء، هناك حوالي 670.000 من سوريا، مما يجعل الأردن ثاني دولة مضيفة للاجئين السوريين على مستوى العالم بعد لبنان 2016.

 

وبالرغم من هذه الأرقام التي توضح عمل اللاجئين السوريين في الأردن، لكن هناك جوانب تترتب على عائلات اللجوء السوري جراء ظروف المعيشة السيئة والوضع الاقتصادي المتدني والتي في أغلب الأحيان تكون ضحيتها الأطفال  حيث تشكل هذه الظروف عامل رئيسي لديهم للعمل في ظروف غير ملائمة لهم، تشكل نسبة الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6-17 عاماً، فتشكل عمالة الأطفال والعنف التحدي الأكبر لهم، و38%من الأطفال غير ملتحقين أو انقطعوا عن المدارس، لأسباب تتعلق ببعد المسافة والتكلفة والافتقار إلى أماكن لهم للالتحاق بالمدارس وتعرضهم للتنمر؛ و 45 % من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين 0-5 سنوات،  لا يحصلون على الخدمات الصحية المناسبة بما في ذلك المطاعيم والخدمات التي يحتاجها ذوي الإعاقة حسب دراسة أجرتها اليونيسف في الأردن.

 

وزارة العمل الأردنية بينت على لسان الناطق الرسمي باسم وزارة العمل محمد زيود، أنه يتم إصدار تصاريح العمل للاجئين السوريين وفقا لتعليمات شروط وإجراءات استخدام العمال غير الأردنيين من الجنسية السورية والتي وتتضمن آلية اصدار تصاريح العمل للاجئين السوريين فمنها ما يصدر عن مديريات العمل ومنها ما يصدر من خلال الاتحاد العام لنقابات الأردن بحسب نوع التصريح، واللاجئ السوري معفى من رسوم تصاريح العمل بموجب قرارات مجلس الوزراء ويتم استيفاء مبلغ 10 دنانير فقط، وذلك وفقاً لوثيقة العهد الأردني التي يلتزم به الأردن تجاه المجتمع الدولي واللاجئين وفق مخرجات مؤتمر لندن، والمهن المتاحة للعمالة غير الأردنية هي متاحة للعمالة من اللاجئين السوريين.

 

وأضاف الزيود أن وزارة العمل أنشأت قسما متخصصا للتعامل مع قضايا عمل الأطفال منذ عام 1999 حيث جاء قانون العمل الأردني منسجما مع الاتفاقيات الدولية في مجال مكافحة عمل الأطفال، فمنع تشغيل الحدث إذا لم يكمل السادسة عشرة من عمره بأي صورة من الصور، ومنع تشغيله في الأعمال الخطرة أو المرهقة أو المضرة بالصحة قبل بلوغ الثامنة عشرة من عمره، على ألا تزيد ساعات عمله عن ست ساعات، وألا يتم تشغيله ليلا وفي الأعياد والعطل الرسمية والأسبوعية.

 

تكاتف جهود الجهات المعنية الحكومية وغير الحكومية هي ما نحتاجه للحد من عمالة الأطفال

 وأكد الزيود أن الحد من عمل الأطفال يحتاج إلى تكاتف جهود الجهات المعنية الحكومية وغير الحكومية، بالإضافة إلى دور المجتمع والأسرة ومؤسسات المجتمع المدني وكذلك أصحاب العمل في الالتزام وتطبيق التشريعات كافة ذات العلاقة التي تحفظ حقوق الطفل جميعها، خاصة حقه في التعليم ومحاولة سحبه من سوق العمل وتأهيله لإرجاعه إلى مقاعد الدراسة.

 

وتنفذ الوزارة جولات تفتيشية دائمة لضبط حالات عمل الأطفال في سوق العمل ويتم تحويل الطفل الذي تم ضبطه يعمل إلى وزارة التنمية الاجتماعية ليحصل على جميع الخدمات الاجتماعية لحماية الطفل وتقديم برامج التمكين لأسرته، إضافة إلى التأكد أن هذا الطفل غير متسرب من المدرسة بالتنسيق مع وزارة التربية والتعليم، كما تنفذ الوزارة بين الحين والآخر حملات توعوية لنشر الوعي بين أصحاب العمل والأطفال أنفسهم حول التشريعات الوطنية والمخاطر المهنية التي قد يتعرض لها الطفل في بيئة العمل.

 

بدوره  قال مستشار حقوق الإنسان في الأمم المتحدة الأستاذ رياض الصبح إن "عمالة الأطفال السوريين هي  ظاهرة خطيرة جداً تواجه جميع الأطفال سواء السوريين والأردنيين،  عدة مسببات منها أنهم غير ممتهني لهذا العمل بالإضافة للانتهاكات التي يتعرضون لها، ومنها التسرب المدرسي وضيق الوقت الذي نتج عن العمل وأدى إلى إكمال دراسته بالإضافة الى خطر الاستغلال من قبل أصحاب العمل أو بيئة العمل وتعرضهم للضرب والتعنيف الجسدي، النفسي أو التحرش وخاصة الفتيات العاملات، لذا ان هذه الانتهاكات جسيمة بشكل كبير على الأطفال، وأن التفكك الأسري وظروف العيش السيئة هي ما أدت بهم لهذا السبيل" .

 

أضاف الصبح بأن الأمم المتحدة والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين تقدم العديد من المساعدات لكنها غير ثابته في كل الظروف، انما تعتمد على حجم الدعم الدولي والتبرعات الموجودة لذا لا تكون متاحة وبتالي الوضع لدى الكثير منهم يكون سيء بعد استقرار العائلة بفترة من اللجوء، وبالرغم من تسهيل الأردن لعمل السوريين بطريقة جيدة لكن التحديات  اكبر من هذه التسهيلات.

 

المشكلة ليست في القانون انما في الرقابة في تنفيذ القانون

و أكد الأستاذ رياض الصبح ان الذي  يقوم  بآلية الرقابة في الأردن على العمال هي وزارة العمل ووزارة التنمية الاجتماعية (فيما يتعلق بالتسول)  وبالمجمل أن الرقابة غير كافية لأن أعداد مفتشي العمل قليل وهو غير كافي على عدد العمال المتوزعين في محافظات الأردن وقطاعات العمل مختلفة.

 

أهم الاتفاقيات الدولية التي تحمي العمالة الأطفال السوريين

 وأضاف الصبح أن الأردن صادق على العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واتفاقية حقوق الطفل والتي تضمن حماية الطفل وشروط العمل اللائق ، و بروتوكول باليرمو المتعلق بمكافحة الاتجار بالبشر والعديد من الاتفاقيات الصادرة عن منظمة العمل الدولية وكل هذه تعتبر ضمانات لهم ، أما بالنسبة للاتفاقيات التي لم يصادق الأردن عليها هي اتفاقية اللاجئين واتفاقية حقوق العمال المهاجرين وأفراد أسرهم، لأسباب سياسية أهمها الخوف من تعارضها مع حق الشعب الفلسطيني، وتجنيس اللاجئين.

 

أفكار اجتماعية ومحددات لمستقبله وشخصيته تهدد الأطفال العاملين 

 وقال الاخصائي النفسي الدكتور موسى مطارنة أن عمالة الأطفال هو موضوع مهم وكبير وهو استغلال الأطفال في أعمال لا تتناسب مع مرحلتهم العمرية ولا احتياجاتهم النمائية مما يشكل نتائج سلبية على حياتهم النفسية والمجتمعية مما يؤدي الى نتائج سيئة جداً منها وضعهم في صفوف المجرمين وصفوف من يعانون من مشاكل واضطرابات نفسية.

 

وأضاف المطارنة أن البيئة التي يعملون بها أغلب الأطفال غير مناسبة خاصة للأطفال في هذه المرحلة لأنه يتلقى تربية وتنشئة وتجربة ومفاهيم وأفكار اجتماعية ومحددات مستقبله وشخصيته وفي حال وجوده في هذه الأماكن وحرمانه من التعليم واحتياجاته الاجتماعية والإنسانية، يلتقط الطفل ما حوله ليكون مقومات سلوكه وبتالي وضعه في هذه الموضع وهذا يشكل خطر عليه، وأن أكثر الجوانب التي تؤثر على الطفل من هذه الظاهرة المنتشرة هي الجانب الاجتماعي والتكيف والتفاعل مع الآخرين.

 

وأكد المطارنة أن الطفل في هذه المرحلة يختلط في أشخاص مختلفين كلياً عنه واكبر منه سناً وقد يتعرض منه للتحرش، للإساءة، أو المخدرات او العديد من المخاطر التي  قد يواجها منها إحساسه بالألم لأنه لا يمارس طفولته او انطواء واكتئاب والتصرف جانب عدواني للتعبير عن نفسه وبتالي نحن هكذا نعدم حياة ومستقبل الطفل عندما وجدناه في الشارع بدون رعاية وعناية.

 

أضف تعليقك