هل تنال العمالة المهاجرة تعويض إصابات العمل؟

تتعرض العمالة المهاجرة العاملة في الأردن في مختلف المجالات مثل البناء الزراعة والنجارة وغيرها، إلى العديد من إصابات العمل؛ أكانت إصابات جزئية أو كلية، إذ ينتج عن تلك الإصابات فقدان أحد أجزاء الجسم، أو فقدان العمل وتقليل الأجر.

بعض هؤلاء العمّال لديهم اشتراك في الضمان الاجتماعي، ويحصلون على تعويض عن تلك الإصابات، وإن كانت قيمته متدنية، وبعضهم الآخر لا يحصلون على أي تعويض عن الضرر المادي والجسدي الذي يلحق بهم، ويدفعون كلف العلاج من حسابهم الخاص.

يقول الناطق باسم وزارة العمل جميل القاضي، في حديثه إلى "المرصد العمّالي الأردني"، إن عدد العمال المهاجرين الحاصلين على تصاريح عمل حتى تشرين الثاني الماضي، وصل إلى (279377) عامل وعاملة. 

ووفق التقرير السنوي الأخير الصادر عن مؤسسة الضمان الاجتماعي، فإن عدد إصابات العمل والأمراض المهنية للعمالة المهاجرة من المؤمّن عليهم، بلغ (1552) إصابة في عام 2021

 في حين، يقول موسى الصبيحي الخبير في التأمينات الاجتماعية والناطق السابق باسم مؤسسة الضمان الاجتماعي، في حديثه إلى "المرصد العمّالي الأردني"، إن نسبة العمالة المشمولة بالضمان الاجتماعي لا تجاوز (13 بالمئة).

ويوضح أن نسبة الإصابات للعمالة المهاجرة سنوياً، تُقدر بـ (20 بالمئة) من إجمالي العمالة المهاجرة، "نسبة وتناسب، إذا أجرينا مقارنة لهذه النسبة مع نسبة الإصابات التي تتعرض لها العمالة الأردنية، نجد أن نسبة الإصابات للعمالة المهاجرة أكبر".

بينما يقول عاملون مهاجرون في أحاديثهم إلى "المرصد العمّالي الأردني"، إن الضرر الذي يلحق بهم نتيجة تعرضهم لإصابات "كبير"ويقلل من عملهم وأجرهم، والتعويض وإن حصّلوه، فهو قليل لا يجدي نفعاً ولا يعوضهم خسائرهم.

 

فقد أصابع يده الخمسة

يسرد (ج. أ) قصة تعرضه لإصابات أثناء عمله في منجرة. إذ هاجر في عام 1979، من محافظة الفيوم بمصر إلى الأردن، متنقلاً بين المحافظات، ليستقر في مدينة عجلون، ويحترف مهنة النجارة التي ورثها عن والده وجدّه. 

يقول (ج.أ) لـ"المرصد العمّالي الأردني"، إنه في عام (2018) فقد أحد أصابع يده اليسرى، حينها كان يمسك بآلة المنشار ليقص لوح الخشب، وحدث عطل مفاجئ لها، ولم يكن يعي أنها ستعمل مرة أخرى، وعلى غفلة منه جارت عليه آلة المنشار وقطعت إصبعه، وجرح إصبعه الآخر. 

ويشير إلى أنه تعرض بعدها إلى عدة إصابات، أفقدته بقية أصابع يده، ولم يحصل سوى على مبلغ 440 دينارا، تعويضاً عن فقدانه أصابع يده، "لديّ اشتراك ضمان منذ 11 سنة، وبقيت شهرين بلا عمل، والتعويض الذي حصلته قليل".

وينبه (ج. أ) إلى أن هناك آلات حديثة يمكن استخدامها لمهنة النجارة، ولكنها تتطلب إمكانات مادية كبيرة، "المنجرة أتضمّنها سنوياً باتفاق مع صاحب المنجرة، ولا أستطيع شراء آلات حديثة.. علاوةً على ذلك، العمل في هذه المهنة غير مجد". 

 

أصيب بمرض تنفسي

أما (إ. م) فهو عامل مهاجر من مصر يسكن في محافظة إربد، ويعمل في قطاع الإنشاءات منذ 42 عاماً، ويحصل حاليا على أجر أقل مما كان يحصل عليه منذ سنوات.

وهو أصيب بمرض في الجهاز التنفسي، بسبب تعرضه بشكل مستمر لغبار الإسمنت وفق تشخيص الطبيب، وعدم توافر أدوات السلامة والصحة المهنية.

ولأن (إ. م) يعمل بنظام المياومة، أصبح لا يستطيع العمل إلا ساعات قليلة لا تُجاوز ست ساعات يومياً، الأمر الذي أدى إلى انخفاض الأجر اليومي الذي يحصّله، ولم يحصل على أي تعويض، "كنت أحصّل 30 دينارا يومياً، والآن قلّ الأجر إلى النصف، وفوق ذلك فإنني أتعالج على حسابي الخاص".

ويذهب إلى أن ظروفه المعيشية صعبة، ولديه أسرة مكونة من سبعة أفراد، وهو لا يستطيع دفع كلف الأدوية الشهرية التي يشتريها، "أشتري أدوية بقيمة 60 ديناراً شهريا، ولا أملك أي حماية اجتماعية. العمل لا يستحق كل هذه المعاناة!".

 

فقد رجله ولم يعمل حتى اليوم

أما "هانا" التي انتقلت من الفلبين إلى الأردن منذ سنوات، للعمل في أحد المنازل في العاصمة عمّان، فتعرضت لإصابات بسيطة لا تستدعي حتى الذهاب إلى المستشفى، غير أنها، في أثناء حديثها إلى "المرصد العمّالي الأردني"، تستذكر إصابة تعرض لها صديقها في عام 2017، أفقدته ساقه وعمله، ولأنه لا يملك تصريح عمل قاموا بتسفيره.

تقول إن صديقها وفي أثناء عمله على  آلة للتصليح في أحد المولات التجارية بعمان، وبعد أن حاول مرارا تشغيل الآلة لم تعمل، وفجأه دارت وجارت على ساقه وقطعتها.

وتوضح أن صاحب المول حينها نقله إلى المستشفى، وبعد شهرين من علاجه، وتحسن حالته الصحية، قام صاحب العمل بتسفيره إلى بلده الفلبين، ومنذ ذلك اليوم لا يستطيع العمل، ولم يحصل على أي تعويض عن تلك الإصابة التي أفقدته ساقه وعمله.

وتبيّن بأنها تعرف الكثير من العمّال يتم تسفيرهم إلى بلادهم بعد تعرضهم لإصابات أثناء العمل ولا يحصلون على أي تعويض، وبخاصة الذين يعملون بلا تصاريح عمل. 

 

تعرض لضربة شمس ولدغة أفعى

 

أما (أ. أ) الذي انتقل من صعيد مصر إلى الأردن، منذ عشرة أعوام، للعمل في مزارع الأغوار الشمالية، فتعرض إلى لدغة أفعى وضربة شمس، ولم يحصل على أي تعويض، وبقي على أثر لدغة الأفعى ما يُقارب شهرا بدون عمل.

يقول (أ.أ) لـ"المرصد العمّالي الأردني" إنه يعمل بنظام المياومة وليس لديه اشتراك في الضمان الاجتماعي ولا حتى تأمين صحي، "عندما لدغتني الأفعى، نقلني زملائي العمّال إلى المستشفى، ودفعت حينها 1500 دينار تكلفة العلاج".

ويوضح أن العمّال وصاحب العمل ساعدوه في تغطية تكاليف العلاج، إلى جانب مصاريفه الشهرية في تلك الفترة، "خلال الشهر كانوا يقدمون لي الطعام والشراب وأجرة السكن وساعدوني في تخطي الأزمة".

ويبين بأن عند تعرضه لضربة شمس ذهب إلى المستشفى وأخبره الطبيب بتعرضه لضربة شمس، بسبب عمله تحت حرارة الشمس لساعات طويلة، "حينها تلقيت العلاج مجاناً في المستشفى ولم أدفع شيئاً".

ويشير إلى أنه لم يكن يعلم أنه يحصل على تعويض، "دائماً أبقى متخوفا من الذهاب إلى الجهات الرسمية لأن صاحب العمل بكلمة واحدة يجعلني بلا عمل، وأنا جئت إلى الأردن للعمل".

ويكشف أن العمّال يعزمون على عمل صندوق خاص لتغطية تكاليف إصابات العمل التي يتعرضون لها خلال العمل، "لا أحد يهتم بمعاناتنا والخطر الذي يواجهنا، وهذا الصندوق سيساعدنا على تخطي الإصابات بدون أننبقى على قلق".

 

الوضع القانوني

عرّف قانون العمل الأردني إصابة العمل بأنّها: كل إصابة تحدث للعامل بسبب وقوع حادث له أثناء تأديته للعمل أو بسببه". كما اعتبر إصابة عمل أيضاً "الحادث الذي يقع للعامل أثناء ذهابه أو إيابه من وإلى مكان العمل، وفقاً للطريق المعتاد".

بينما عرّفت النشرة التوعوية الصادرة عن المركز الإعلامي لمؤسسة الضمان الاجتماعي "إصابة العمل" بأنها "الإصابة بأحد أمراض المهنة الواردة بقانون الضمان الاجتماعي، وأية أمراض أخرى يقرر مجلس إدارة مؤسسة الضمان إضافتها". 

وعلى ضوء ذلك، يوضح الصبيحي، أن تعريف إصابة العمل في قانون الضمان، لا يختلف عنه في قانون العمل، ولا يؤثر على تقدير إصابات العمل.

وبالعودة إلى الحالات التي أجرى "المرصد العمّالي الأردني" معها مقابلات، يعلق الصبيحي بأن العامل الذي فقد أصابع يده الخمسة، من المفترض أن يحصل على راتب عجز، أما الذي أصيب بمرض تنفسي، فالمسؤولية تقع على صاحب العمل، وحتى وإن كان غير مشترك في الضمان الاجتماعي فيمكن إشراكه بأثر رجعي، ويحصل على تعويض في حال أثبت إصابته خلال عمله.

أما العامل الذي فقد ساقه، وإن كان لا يملك تصريح عمل وليس لديه ضمان اجتماعي، فيحصل على تعويض راتب عجز جزئي، والمسؤولية تقع على صاحب العمل، "يجب شموله في الضمان بأثر رجعي وتعويضه، وينبه الصبيحي إلى أن "الضمان لا يسأل إذا كان العامل لديه تصريح عمل أم لا، إلا في حالة التعويض دفعة واحدة، فلا يحصل عليه إلا عند التأكد من أن لديه تصريح عمل".

بينما العامل الذي تعرض إلى لدغة أفعى وضربة شمس، فيعتمد حصوله على تعويض على التحقق من الإصابة ومكان حدوثها والمضاعفات الطبية للحالة، واللجان الطبية تقرر نسبة التأثر بالإصابة ونسبة العجز.

 

المهن الخطرة

أغلب الأعمال التي تعمل فيها العمالة المهاجرة، بما فيها الحالتان المذكورتان، تصنف من "المهن الخطرة"، وفق ما أفادته نشرة المهن الخطرة الصادرة عن المركز الإعلامي لمؤسسة الضمان الاجتماعي عام 2021

وعرّفت النشرة "المهن الخطرة" بأنها: "المهن التي تؤدي إلى الإضرار بصحة أو حياة المؤمّن عليه نتيجة تعرضه لعوامل أو ظروف خطرة في بيئة العمل على الرغم من تطبيق شروط ومعايير السلامة والصحة المهنية".

وعلى ضوء ذلك، يوضح الصبيحي أن تصنيف العمل بأنه من المهن الخطرة ليس له قيمة، إلا في حالة التقاعد المبكر، وأنّ إصابات العمل أكانت في مهن خطرة أو غير خطرة، فللمصاب أن يحصل على التعويض ذاته.

أضف تعليقك