نصيحة قانونية مجانية للحكومة الأردنية

أنصحكم نصيحة صادقة بالعدول عن التوجه للتحكيم بمواجهة شركة العطارات للصخر الزيتي، إذ أنه سيستحيل إثبات الغبن الفاحش الذي تزعمه وزارة الطاقة لتعديل أو فسخ العقد أمام غرفة التجارة في باريس...

سأوجز لكم الشرح باختصار...

الغبن حسب القانون المدني الأردني هو أحد عيوب الإرادة التي تشوب العقد، وعيوب الإرادة هي كل ما يعتري إرادة المتعاقد من عوامل أو تأثيرات تنتقص من سلامة اختياره...

والغبن (اليسير أو الفاحش) مقترن دائماً بالتغرير، أي الاحتيال والتدليس من قبل أحد المتعاقدين لإيهام الطرف الآخر بأمرٍ أو واقعة أو وصف معين لو كان يعلم هذا الطرف انتفاءها أو عدم صحتها لما قام بإبرام العقد، فالقانون المدني الأردني اشترط لجواز فسخ العقد بسبب وقوع الغبن الفاحش أن يصاحبه التغرير، وإلا كان العقد صحيحاً بالرغم من هذا الغبن...

واستثنى القانون المدني الأردني من هذا الشرط مال الدولة كما في حالة عقد الصخر الزيتي، أي أن وزارة الطاقة غير ملزمة بإثبات التغرير في هذه الحالة، ويكفي لفسخ العقد هنا أن تثبت الحكومة وقوع الغبن الفاحش لوحده...

الغبن الفاحش إذاً هو الظلم الكبير الذي يقع على المتعاقد بإبرامه عقداً يرتب عليه التزامات تفوق بشكل هائل و"فاحش" تلك المنافع التي حصل عليها من هذا العقد، كمن يقوم بشراء قطعة أثرية تعود للعصر العباسي بمليون دينار ليكتشف أن البائع قد غشه وأن هذه القطعة مزورة وثمنها لا يتجاوز العشرين دينار، فيلجأ للقضاء لفسخ عقد البيع بسبب الغبن الفاحش المصاحب للتغرير...

إذاً الأصل كما قلنا هو أن يكون هذا الخطأ الفادح في إبرام العقد جاء نتيجة لوسائل احتيالية قولية أو فعلية من قبل الطرف الآخر حملته على الرضا بما لم يكن ليرضى به لولا هذا الاحتيال، إلا أن المشرع أزال هذا الشرط عندما يتعلق الأمر بمال الدولة وذلك كحماية إضافية للمال العام...

بينما في حالة عقد شركة العطارات، وعلى الرغم من عدم اشتراط التغرير لجواز فسخ العقد، إلا إنه من المستحيل فعلياً وواقعياً أن نثبت وجود غبن فاحش كما عرفه القانون...

فالدولة لم توقع على هذا العقد سهواً أو خطأً، ولم تغفل عن شروطه وعن بنوده المالية، بل أمضت أشهراً طويلة في المفاوضات المضنية والتمحيص والمراجعة والتدقيق لكافة النصوص والملاحق بمعاونة الخبراء القانونيين والفنيين والتقنيين والماليين، ثم وقعت على هذا العقد بكامل علمها ورضاها وأهليتها القانونية...

فالغبن الفاحش لا يعني مجرد أن تكون غير مرتاحاً لمركزك المالي في الصفقة المعنية، بل يجب أن يكون هنالك تفاوت هائل في الموازين لا يمكن أن يرضى به الشخص الاعتيادي لو كان يعلم بهذا التفاوت، وهذه ليست الحالة هنا إطلاقاً...

في حالتنا، المستثمر الذي أنفق المليارات على إنشاء هذا المشروع لم يخدعك ولم يدلس عليك، بل أفصح لك بكل شفافية ووضوح أنه سيفرض سعراً فلانياً للكهرباء كمردود لاستثماره وأنت وافقت بكامل رضاك، ولا يحق لك بعد سنوات عديدة من المشروع أن تدعي أنك دخلت في صفقة خاسرة، وإلا فإن ذلك سينسف مبدأ التعاقد القانوني من أساسه إذا كان كل طرف لم يعجبه موقعه المالي بعد سنوات سيلجأ للقضاء ليدعي أنه أخطأ في حساباته وندم على ما فعله...

نصيحة مني لوجه الله لهذه الحكومة، التحكيم في فرنسا مكلف جداً، وسيسخر منا المحكمون، فلا تهدروا المزيد من المال على دعوى ضعيفة ومتهالكة، في رأيي القانوني المتواضع أنها خاسرة كلياً قبل أن تبدأ...

أضف تعليقك