نحو رعاية عربية دولية لأهالي أسرى فلسطين وشهدائها

يلاحظ المتابع للشأن الفلسطيني الإسرائيلي أن من أسوأ الروايات الإسرائيلية المتكرّرة ادّعاء أن المقاومة الفلسطينية بأشكالها كافة "إرهاب"، وأن ذلك "الإرهاب" منفذ من أقلية من الشعب الفلسطيني، وأن ما يغذّيه ويدعم استمراره هو الوعود السخية من السلطة الفلسطينية بالدعم المالي لأهالي الأسرى والشهداء. ويستغل بعض كبار المدافعين عن تلك الرواية الإسرائيلية الخاطئة أقوال أسير تحت التحقيق هنا أو هناك إنه مطمئن إلى أن القيادة الفلسطينية تهتم بعائلته مهما جرى له من اعتقال أو استشهاد. وحسب هذه الرواية، (جديدها أخيرا تغريدات عبر "تويتر" للناطق باسم الوكالة اليهودية أفي ماير، وهو ناطق باسم جيش الاحتلال سابقًا) ادّعى أن قرار الكنيست أخيرا سحب الجنسية الإسرائيلية (والإقامة في القدس) من "الإرهابيين" ممن يتلقون مساعدات من السلطة الفلسطينية، وإبعادهم إلى مناطق السلطة الفلسطينية، ليس موجّها ضد العرب أو الفلسطينيين، بل ضد أي شخصٍ يُدان بأعمال إرهابية، ويتلقّى مساعداتٍ من السلطة الفلسطينية، والمطلوب لمنع الإبعاد عن القدس رفض استلام هذه المساعدات.

 

هناك مجلدات تُمكن كتابتها عن التوصيف الإسرائيلي لما هو إرهاب، حيث تعتبر إسرائيل أن العمل السياسي في الأمم المتحدة إرهاب دبلوماسي، وأن الهجوم على جنود أو مستوطنين في الأراضي المحتلة، بما فيها القدس، أو في إسرائيل، ذلك كله يندرج تحت بند الإرهاب، حسب التفسير القانوني الإسرائيلي.

وقد جاء هذا القانون بعد سن قانون للكنيست الإسرائيلي عام 2018 يأمر الحكومة بإقصاء ما يوازي ما يدفعه صندوق الشهداء والأسرى الفلسطينيين من أموال الشعب الفلسطيني لأهالي السجناء والشهداء مما تجبيه إسرائيل لصالح الخزينة الفلسطينية، فاتفاق المبادئ الإسرائيلي الفلسطيني (اتفاق أوسلو) يقضي بنقل إدارة الأمور الحياتية للشعب الفلسطيني تحت الاحتلال (ما عدا القدس) إلى السلطة الفلسطينية، مقابل جباية إسرائيل الضرائب والجمارك على الحدود لغاية انتهاء الفترة الانتقالية، على أن يُسمح لإسرائيل بخصم مصاريف إدارية فقط من تلك الأموال. ولذلك، يُعدّ ما تقوم به إسرائيل قرصنة من أموال الشعب الفلسطيني، في حين أن القانون يعدّ مخالفة لمعاهدة جنيف الرابعة، التي تعتبر إبعاد القوى المحتلة الشعب تحت الاحتلال بمثابة جريمة حرب.

إلا أن إسرائيل ماضية في قوانينها الجائرة، ولكن، فلسطينيًا، قد يسبب القانون مشكلة كبيرة للصمود الفلسطيني في القدس المحتلة، الأمر الذي يتطلب تدخلا على مستوى دولي. وحيث إن الدول المؤثرة، ومنها أميركا، ليست لديها الجرأة والرغبة (لأسباب انتخابية داخلية) بوضع ضغوط كبيرة على إسرائيل، فإن الحاجة ماسّة للعمل الدؤوب للخروج من مأزقٍ قد يشكّل كارثة وطنية كبيرة، إما من خلال جوع عائلات الشهداء والأسرى المقدسيين، أو من خلال التطهير العرقي وإفراغ القدس من أبنائها وبناتها، وخصوصا من قدّموا الغالي والنفيس لصالح القضية الفلسطينية.

ولكنّ هناك خياراً ثالثاً يمكن العمل عليه لتجنّب الجوع أو الإبعاد، وفي الوقت نفسه، بعث رسالة واضحة للمحتل أن قضية الشهداء والأسرى الفلسطينيين لها دعم حقيقي، ليس فقط على المستوى المحلي، ولكن أيضا على المستويين العربي والعالمي، فلو جرى تشكيل صندوق عربي دولي، يموّله كل من يؤيد الجانب الإنساني الفلسطيني، وخصوصا أوضاع أهالي الشهداء والأسرى، والذين فقدوا دخل أبنائهم الشهداء والأسرى. ولا بأس من أن يتشكّل الصندوق من مساعداتٍ مالية من دول عربية تؤيد القضية الفلسطينية، ومنها من يعتبر أن قرار التطبيع جاء لدعم القضية الفلسطينية. كما لا بد من تشكيل مجلس أمناء لهذا الصندوق مشكّل من شخصيات فلسطينية وعربية وعالمية ذات موقع ومصداقية عالية، قد يكون من بينهم يهود مؤيدون لقضية الشعب الفلسطيني، وحاصلون على جوائز نوبل، وأعضاء في نادي الحكماء ووزراء خارجية سابقون ورجال دين ونشطاء اجتماعيين وفنانون ونجوم رياضة وغيرهم، ما سيصعّب على دولة الاحتلال وصمهم باللاسامية وغيرها من الوصمات المتوقع استخدامها بصورة روتينية لكل من تعتبره إسرائيل معاديا لها.

قد يكون تشكيل صندوق دعم الشعب الفلسطيني أوسع من مجرّد دعم أهالي الشهداء والسجناء، بل قد يشمل أيضا دعم من تضرّر من الاحتلال، أمثال من تُهدم منازلهم أو صيادي الأسماك في غزة الذين يتم تحديد عملهم، والمؤسسات التجارية مثلاً في البلدة القديمة من الخليل التي تتعرّض لخسارة كبيرة بسبب إجراءات الاحتلال.

قد يحتاج القائمون على هذا الصندوق التمييز القانوني بين الاعتداء على مدنيين أبرياء (غير المستوطنين المخالفين للقانون الدولي) وعسكريين، حتى تكون للصندوق قدرة على الدفاع عن نفسه بأنه لا يؤيد الإرهاب بمفهومها العالمي، رغم أن ذلك لن يكون مقنعا للإسرائيليين.

سيوفر صندوق دعم الشعب الفلسطيني، إذا جرت إقامته وإدارته بشفافية عالية، فرصا لعديدين من مؤيدي الشعب الفلسطيني للتعبير عن تضامنهم الحقيقي من خلال التبرّع لهذا الصندوق. وقد تكون الأهمية الأكبر لإقامة مثل هذا الصندوق الرسالة السياسية التي سيعكسها، وهي شرعية وجود، وحتى مقاومة الشعب الفلسطيني المحتل.

آن الأوان لإخراج الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من النطاق الجغرافي الضيق لدولة الاحتلال والمناطق المحتلة، وإعطائه الصبغة الدولية التي يحتاجها، لبعث رسالة واضحة إلى المحتل الإسرائيلي أن ما يقوم به من الاستمرار في الاحتلال والاستيطان الاستعماري مرفوض، ليس فقط فلسطينياً أو عربياً، بل وعالمياً أيضاً.

 

 

عن العربي الجديد

 

أضف تعليقك