عاملات منازل يتعرضن لظروف عمل صعبة وسط قصور في نظامهن الخاص

لم تكن تدرك اللاجئة السورية مها، وهو اسم مستعار اختارته، أن لجوءها إلى الأردن قبل نحو 10 سنوات، سيدفعها إلى أن تعمل كعاملة منزل، إلى جانب العديد من الأردنيات اللواتي يعملن في نفس المهنة، لتوفير أبسط احتياجاتهن الأساسية، في وقت لا يحصلن فيه على أبسط حقوقهن في العمل، في ظل الظروف الصعبة التي يواجهنها.

في حديث لـ "عمان نت"، تقول الثلاثينية مها، وهي أم لطفلين أكبرهم 8 سنوات، إن بعد وفاة زوجها تمكنت من الحصول على هذه المهنة عن طريق شركة خاصة لتوظيف عاملات المنازل، كي تستطيع توفير احتياجات أطفالها دون الانتظار المساعدة والشفقة من أحد، أو الحصول على المعونات المالية المقدمة من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والتي من المتوقع أن تتوقف في أي لحظة. 

مع تراجع فرص العمل بسبب العديد من العوامل الاقتصادية، وجدت مها التي تقطن في أحد الأحياء الشعبية بالعاصمة عمان نفسها تعمل كعاملة منزل، دون أن تدرك مدى تضحياتها ومواجهتها في سبيل الحصول على حقوقها، مع ذلك تضطر للعمل لأكثر من 8 ساعات يوميا، وغياب الراحة والإجازات، في ظل ظروف عمل صعبة، وما يدفعها لمواصلة ذلك ضيق أوضاعها الاقتصادية، على الرغم من التجاوزات التي تتعرض لها حقوقها، إلا أنها تواصل من أجل البقاء وتأمين مستقبل أطفالها. 

ولا يختلف حال الأردنية أم ورد والتي لديها ثلاثة أبناء ولا يوجد معيل لها عن مها، حيث تعمل هي الأخرى في إحدى شركات توظيف العاملات، حيث تضطر لقبول أجر أقل مما يستحق دون  حصولها على إجازات عمل، وما يزيد من ظروفها الصعبة هو عدم تقدير أصحاب المنازل لجهودها المبذولة، علاوة على ذلك، تعاني أم ورد من غياب أي نوع من الحماية من قبل شركة التنظيف التي تعمل لديها في حال تعرضها لأي انتهاكات أثناء أداء عملها.

 

شركات توظيف غير مرخصة


 

خاصة بعد انتشار العديد من شركات التوظيف الخاصة "غير المرخصة" خلال السنوات الماضية والتي تروج لنفسها عبر شبكات التواصل الاجتماعي المختلفة، تقدم فرص عمل لعاملات المنازل، حيث يقع على عاتق  أصحاب هذه الشركات مسؤولية توفير عمل للعاملات بنظام العمل اليومي وتحديد ساعات محددة مسبقا بالاتفاق مع العاملة على قيمة الأجر، والذي يصل ما بين 25 إلى 30 دينارا خلال 6 ساعات عمل يومية، فيما تأخذ الشركة  أكثر من نصف المبلغ الذي تتقاضاه العاملة، مما تضطر العاملات على العمل لساعات أطول دون حصولهن على إجازة  لضمان توفير احتياجاتهن.

بالنسبة  لأصحاب هذه الشركات ممن استطلعنا اراءهم لغايات إعداد هذا التقرير، فإن دوافع تفعيل هذه المهنة تتمثل في تحسين ظروفهم الاقتصادية وزيادة العدد الملحوظ للعاملات الأردنيات والسوريات في مجال عاملات المنازل، حيث يتم توظيف العاملات بسهولة ضمن دخل معين، ولكنهم لا يحصلون على عقود شهرية بسبب  طبيعة عملهم اليومي،  بخلاف الشركات الكبيرة المرخصة لنفس المهنة.

وفيما يتعلق بالانتهاكات التي  قد يتعرض لها السيدات، فإن الشركة لا تستطيع التدخل في هذه الأمور، نظرا لعدم وجود عقد يلزم الطرفين لاتخاذ أي إجراء تجاه في حال وقوع أي انتهاكات.

تجارب مها وأم ورد تكشف الحقيقة المرة للكثير من عاملات المنازل، تحديدا الأجنبيات منهن، مما يتطلب العمل على تحسين الوضع وتوفير بيئة عمل أكثر عدالة وإنسانية، من حيث حماية حقوق هذه النساء وتوفير فرص متساوية وتشريعات تضمن لهن الحماية والاحترام اللائق.

 

حقوق في مهب الريح

 

تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش كشف عن الانتهاكات التي قد تتعرض لها عاملات المنازل، ومن بين هذه الانتهاكات عدم دفع الأجور بشكل كامل، ظروف عمل غير آمنة، ساعات عمل طويلة، مصادرة وثائق، والاعتداء اللفظي والبدني والجنسي، مطالبا الجهات المعنية على التعامل مع هذه التجاوزات والعمل على معالجتها بشكل فعال.

في الأردن، يسمح  للسوريين  بممارسة مهنة النظافة مثل الأردنيين، ويعتبر هذا القطاع من القطاعات التي يمثلها النقابة العاملة للعاملين في الخدمات العامة والمهن الحرة بموجب قرار التصنيف المهني الذي صدر مؤخرا عن وزير العمل، تمنح النقابة العاملات في هذا القطاع حماية وتمثيل نقابي يدافع عن حقوقهن ويسعى لتوفير بيئة عمل آمنة ولائقة، وفقا للتشريعات النافذة.

رئيس النقابة خالد أبو مرجوب، يشدد على ضرورة تطوير نظام التفتيش على العمالة المنزلية لتناسب طبيعة المخالفات والشكاوى التي ترد من العاملات في هذا القطاع.

ويوضح أبو مرجوب أن هناك ضعفا في توعية العاملات بأهمية ممارسة حقوقهن النقابية  للحماية من أي انتهاكات قد تتعرض لها، معتبرا أن هذا النوع من العمل  يجبر العاملات على عدم  مطالبة حقوقهن بسبب التحديات التي تواجههن داخل المنازل والمتطلبات الرسمية اللازمة للتعامل مع هذا القطاع.

تشير تقديرات النقابة إلى أن هناك آلاف  العاملات في المملكة يعملن في القطاع المنزلي، وأن 95 % من العمالة قادمات من الخارج، خاصة الدول الآسيوية، وبعض الدول الأفريقية، ولهذا السبب أقرت الحكومة قوانين تهدف إلى حماية حقوق العاملات في هذا القطاع، منها حق الحصول على إجازة، بما في ذلك الإجازة المرضية،  وتحديد عدد ساعات العمل  إلى ثماني ساعات، وتوفير تأمين اجتماعي لهن، بالإضافة إلى منحهن الحق في السفر.

أصدرت الحكومة نظاما يسمى "نظام العاملات في المنازل وطهاتها وبساتينها ومن في حكمهم" في عام 2009، المعني بالعاملات الأجانب، و يتعلق بالمهام المنزلية، ويخضع هذا النظام لأحكام نظام تنظيم المكاتب التي تقوم باستقدام العمالة الأجنبية للعمل في المنازل.

تشمل مهام العاملات المنزلية تنظيف المنزل وطهي الطعام وكوي الملابس وتجهيز الطعام ورعاية أفراد الأسرة وشراء احتياجات المنزل ورعاية المرضى وذوي الإعاقة والعمل في الحدائق ومهام أخرى ذات صلة. 

فيما يتعلق بالنساء الأردنيات والسوريات، لا يشملهن هذا النظام، حيث ينطبق عليهن أحكام قانون العمل، إذا تقدمن بشكوى بسبب أي انتهاك قد يحدث أثناء عملهن في المنازل أو مع أصحاب الشركات غير المرخصة، يمكن لوزارة العمل التحقق من الشكوى واتخاذ إجراءاتها وفقا للناطق باسم الوزارة محمد الزيود. 

ويوضح الزيود أن العلاقة بين صاحب العمل والعامل تعتبر علاقة تشريعية حتى إذا كانت شفهية، وبالتالي تنطبق عليهما أحكام قانون العمل.

 

قوانين مهملة

 

ومع ذلك تؤكد المتخصصة بالقضايا العمالية والاتجار بالبشر من مركز تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان المحامية أسماء عميرة، أن نظام العاملات لا يمنح  كافة الحقوق للعاملات، وحتى الان لم يصدر اي تعليمات تنظم حقوقهن بموجب هذا النظام.

وتوضح عميرة أن قانون العمل لا يميز بين العاملات الأردنيات وغير الأردنيات، معتبرة أن هذا النظام يسبب تمييزا واضحا في حقوق العاملات من مختلف الجنسيات.

كما أن هناك مذكرات تفاهم قد صادق عليها الاردن، تلزم بضرورة انتساب عاملات المنازل الى الضمان الاجتماعي، ولكن هذه  النصوص القانونية لم تطبق على أرض الواقع حتى الآن، بحسب عميرة.

من جانبه، يؤكد مدير مديرية العاملين في المنازل في وزارة العمل فايز الجبور أن الوزارة تضمن الحماية القانونية لكافة عاملات المنازل من خلال أنظمة وقوانين خاصة بها، إذا تلقت الوزارة شكوى من أي عاملة تتعرض لانتهاك حقوقها عبر منصة حماية عاملات المنازل المتخصصة، فإن قسم التفتيش في الوزارة ستواصل مع صاحب المنزل أو الشركة المشغلة لاتخاذ الإجراءات المناسبة.

أما فيما يتعلق بالشركات المرخصة قانونيا التي تشغل العمالة المنزلية، يشير الجبور الى أن على تلك الشركة الالتزام بالأنظمة والقوانين، من حيث شمول العاملات تحت مظلة الضمان الاجتماعي، وحصولهن على الحد الأدنى للأجور والإجازات، وغير ذلك تكون مخالفة وتتخذ الإجراءات القانونية وفق القانون.

من جانبها، دعت "هيومن رايتس ووتش" ومركز تمكين للمساعدة القانونية في تقرير مشترك  لهما، إلى ضرورة تطبيق تدابير الحماية القانونية المكفولة لعاملات المنازل الوافدات والمعمول بها على مدار السنوات الثلاث الماضية، وقالت المنظمتان إن القوانين والأنظمة الجديدة الصادرة منذ عام 2008 تمنح عاملات المنازل الحق في ساعات عمل محددة وأيام عطلة أسبوعية، وتجرم الإتجار بالبشر، إلا أن التطبيق ما زال مهملا.

 

 

أضف تعليقك