بعد كورونا.. هل تلاشى حلم العمل المرن وتقليص أيام وساعات الدوام؟

لسنوات طويلة كان الاعتقاد السائد أن العلاقة بين ساعات العمل والإنتاجية هي علاقة طردية، إلا أنه وبعد أزمة كوفيد-19 أدرك العالم أهمية العمل المرن وإمكانية العمل عن بعد وتقليل عدد ساعات العمل التي تعود بفوائد عدة على الإنتاجية وخفض الكلف وتوفير الوقت.

لكن، هل تلاشى ما تعلمناه بعد انتهاء الجائحة وعدنا لعدّ الساعات وأيام العمل؟ 



إذ، رغم ما وفرته التجربة من نتائج إيجابية، لوحظ بوضوح رجوع الغالبية العظمى من المؤسسات في القطاعين العام والخاص عن المضي فيها واعتمادها وتطويرها لتصبح أساسا للعمل، وبخاصة الأعمال والوظائف التي يمكن أن تعتمد هذا النمط بشكل كبير.

مطلع كانون الثاني الماضي أطلقت منظمة الصحة العالمية تقريرا بعنوان "التوازن بين العمل والحياة حول العالم". تناول هذا التقرير جانبين رئيسين من وقت العمل: ساعات العمل وترتيبات وقت العمل، وأثر كليهما على الإنتاجية. 

وجد التقرير أن منح العمال مرونة في العمل في: كيف وأين ومتى يعملون، يمكن أن يكون إيجابيا بالنسبة إليهم ولمصلحة العمل، ويساهم في تحسين الإنتاجية. 

وأكد التقرير في استنتاجاته أن تعزيز التوازن الصحي بين العمل والحياة يعد مكسبا للطرفين: أصحاب العمل والعاملين، ويقدم فوائد كبيرة للاقتصاد وصحة المجتمع ورفاهه على المدى الطويل. 

العمل المرن يحقق معايير العمل اللائق
 



أسامة (25 عاما) يعمل فني كهرباء في شركة للطاقة في سحاب، تحدث إلى المرصد العمالي الأردني عن ظروف عمله قائلا إن ساعات العمل الطويلة، التي قد تزيد عن 10 ساعات يوميا بالإضافة إلى استلامه الحد الأدنى للأجور (260 دينارا)، يمنعانه من حقه في حياة صحية من ناحية اجتماعية واقتصادية. 



يقول أسامة إنه حتى عند تفكيره بالبحث عن عمل إضافي، تمنعه ساعات عمله الطويلة من ذلك. 

ويشير إلى أن أي ساعات إضافية يعملها يعوَّض عنها بأيام عطل بدل تقاضي مبلغ مالي إضافي.

ويبين أن ذلك أيضا يحد من إمكانية زيادة دخله ولو بالقليل. 



ويعتقد ناشر موقع "الراصد النقابي" لعمال الأردن حاتم قطيش أن الجهد المضاعف الذي يبذله بعض العاملين الذين يضطرون للّجوء للعمل بعمل إضافي في محاولة لتحسين أوضاعهم الاقتصادية يضعف إنتاجيتهم في العملين. 

وفي حديثه إلى "المرصد العمالي الأردني"، يؤكد قطيش أنه لا يوجد عامل يكفيه راتبه المستحق ويؤمن له متطلبات الحياة كاملة يسعى للبحث عن عمل إضافي، وبالتالي يجب تحسين مستويات الأجور لمواءمتها مع الظروف الاقتصادية. 

ويشدد قطيش على أهمية التوازن بين حياة العامل وضرورة هذا التوازن في تحقيق شروط عمل لائق بالإضافة إلى الوصول لإنتاجية أعلى بالعمل.

العمل المرن والتشريعات الأردنية 
 

يعرّف عقد العمل المرن في نظام رقم 22 لسنة 2017 بمقتضى المادة 140 من قانون العمل رقم 8 لسنة 1996، بأنه: "اتفاق كتابي يتعهد العامل بمقتضاه أن يعمل لدى صاحب العمل وتحت إشرافه وإدارته مقابل أجر ويكون العقد محدد المدة أو غير محدد المدة أو لعمل معين أو غير معين وفقا لأشكال العمل المرن المحددة في هذا النظام". 

وبالرغم من وجود القانون إلا أنه يشوبه العديد من التشوهات، وفق خبراء قانونيين، مثل تحديد الفئات للعمال الذين يشملهم نظام العمل المرن، حيث شمل فقط العامل الذي أمضى ثلاث سنوات متصلة بالعمل، أو العامل الذي لديه مسؤوليات عائلية، أو الطلاب المنتظمين في الجامعة أو العامل ذي الإعاقة. 

وفي خطوة سباقة لوزارة الزراعة، أعلنت بداية أيار الماضي بدءها بالعمل بنظام العمل المرن لموظفي المركز الرئيسي بالعاصمة عمان لتكون أول وزارة تقوم بذلك. 

وقال وزير الزراعة المهندس خالد الحنيفات في تصريح له لإحدى وسائل الإعلام المحلية إن النظام الذي صدر في عام 2017 للعمل المرن تم تطبيقه لأول مرة خلال جائحة كورونا التي كانت تمرينا جيدا عليه، وأفاد بأنه لوحظ خلال تلك الفترة عدم التراخي أو انخفاض مستوى أداء الموظفين بعد تحول 30 بالمئة منهم للعمل عن بعد. 

وبين أن تطبيق نظام العمل المرن قد خفف الازدحام داخل الوزارة بدون التأثير على معاملات الموظفين، كما قلل الكلف التشغيلية كالماء والكهرباء والتكييف.  

يقول حاتم قطيش إن "تأثُّرنا بجائحة كورونا عام 2020 أدخلنا قسرا في حيز تنفيذ نظام العمل المرن الذي كشف العديد من العيوب في التشريعات".

ونبه قطيش إلى أنه كان الأجدر الاستفادة من الجائحة في تنفيذ بعض التعديلات على القانون لتسهيل إمكانية تطبيقه بعد ذلك، "إلا أن هذا لم يحصل". 

ولاحظ قطيش أن مستقبل العمل يبتعد عن الوظائف التقليدية التي يعتقد أنها في طريقها إلى الانقراض. لذلك؛ يحض على البحث عن آليات انتقال آمن إلى أشكال وظيفية جديدة مرنة، وهو، بتقديره، ما يتطلب "إعادة دراسة التشريعات الناظمة ومخاطبة عقليات أصحاب الأعمال عن أهمية العمل المرن وفوائده التي تعود إيجابا على الإنتاجية". 

 

المرأة والعمل المرن 
 



لا يكاد يخفى تردي نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل الأردني، حيث لا يزيد معدل نشاطها الاقتصادي الـ13.7 بالمئة وفق أرقام دائرة الإحصاءات العامة للربع الأول من عام 2023

كما لا يزال معدل المشاركة هذا ثابتا منذ نحو عشر سنوات، على الرغم من الجهود المحلية المبذولة في تحسين أوضاع المرأة.

وقد يعود ذلك إلى ساعات العمل الطويلة مقارنة بالأجر الممنوح الذي يحد من منح المرأة أي مكسب من عملها.

من هنا تأتي أهمية نظام العمل المرن في تمكين المرأة من اختيار ساعات العمل التي تناسبها وفقا لظروفها وبما يتناسب مع حياتها. 

بعد عقود من تأثرنا بعقلية الوظيفة المكتبية التي تنتهي بالتقاعد ولا تتناسب مع متطلبات العصر الحديث، آن الأوان للنظر إلى أهمية صحة حياة العاملين والعاملات وأثرها على الاقتصاد والإنتاجية للانتقال من عصر تحول العامل إلى آلة إلى دخول الآلة للعمل لمساعدة العامل.

أضف تعليقك