الضغط الشعبي يضع لجنة التحديث الملكية في الأردن على المحك

بقبول استقالة الدكتورة وفاء الخضراء، الجمعة، من عضوية اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية المشكّلة مؤخرا بالأردن؛ يرتفع عدد المستقيلين من اللجنة إلى اثنين، فقد سبق وأن استقال الكاتب عريب الرنتاوي بعد نشره مقالة أثارت جدلا واسعا، اتهم على إثرها بالإساءة للجيش الأردني وتجاهل دوره في معركة الكرامة.



استقالة الخضراء جاءت بعد منشور لها عبر حسابها في موقع "فيسبوك"، اعتبرت فيه ذبح الأضاحي "طقوساً تفتقر للرحمة والرأفة"، الأمر الذي أثار ردود فعل غاضبة في أوساط الأردنيين الذين طالبوا بإقالتها وإحالتها للقضاء بتهمة ازدراء الأديان.



وما إن انتشر خبر استقالة الخضراء؛ حتى تداول نشطاء أردنيون منشورا سابقا لعضو اللجنة الملكية زيد النابلسي انتقد خلالها رفع أذان الفجر مرتين عبر مكبرات الصوت بحجة أن ذلك يتسبب بالإزعاج، ومنشورات أخرى عُدت مسيئة للإسلام، مطالبين بإقالته هو الآخر.



واستذكر النشطاء أن الناطق الإعلامي باسم اللجنة مهند مبيضين حوكم وأدين في مطلع عام 2003 بتهمة الإساءة للنبي محمد عليه الصلاة والسلام، بسبب مقالة تعرضت للعلاقة الخاصة بين النبي وزوجته السيدة عائشة رضي الله عنها.



هذه الأحداث والمنشورات أثارت تساؤلات حول شهود اللجنة مزيدا من الاستقالات، وما إذا كان عدم وجود تناغم ثقافي وأيديولوجي بين أعضائها سيؤدي إلى فشلها؟ وهل الضغط الشعبي سيعيق عملها؟ أم إنه سيساعد في تحقيق مطالب إصلاحية تتبناها المعارضة ويحملها عدد لا بأس به من أعضاء اللجنة؟



"هجوم غير مبرر"



ورأى عضو اللجنة الملكية، أمين عام وزارة الداخلية السابق رائد العدوان، أن الاستقالات التي حصلت غير مبرمجة، مستبعداً أن تشهد اللجنة المزيد منها، "لأن أعضاءها يدركون أن وجودهم فيها تكليف ملكي وليس تشريفا".



وأوضح أن استقالتَي الرنتاوي والخضراء كانتا بسبب ما يمكن تسميته بالهفوات، "فقد يخونك التعبير أحيانا، فيؤدي ذلك إلى تفسير كلامك بشكل خاطئ"، مستهجنا الهجوم "غير المبرر" الذي شنه ناشطون في مواقع التواصل على اللجنة "التي تحترم منظومة القيم الأردنية، والنظام الاجتماعي والديني والإسلامي".



وقال العدوان لـ"عربي21" إن "اللجنة فيها قامات وطنية، وأصحاب فكر وخبرة، وشخصيات محترمة من الإسلاميين والمحافظين واليساريين، وجميعهم حازوا على ثقة الملك"، منتقدا "المحاكم الشعبية الجاهزة، والإسقاطات التي طالت رئيس اللجنة وأعضاءها بسبب تصريحات فردية لبعضهم".



وأضاف أن هناك من يسعى لإفشال اللجنة من خلال محاولة التأثير على الرأي العام، مشيرا إلى أن بعض هؤلاء "الساعين" ممن كانوا يتوقعون أن يكونوا أعضاء في اللجنة ولكن لم يحالفهم الحظ، ومنهم من يتمتع بحقوق مكتسبة، ومصالح اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية، ويرى في مقترحات اللجنة ما يقض مضجعه.



وحول تأثير عدم وجود تناغم ثقافي وأيديولوجي بين أعضاء اللجنة على مخرجاتها؛ رأى العدوان أن ذلك يشكل مصدر قوة لها، "فأجمل باقات الورود هي التي تحتوي على عدة ألوان"، مؤكدا أن "هذا التنوع يصب في مصلحة الوطن والمواطن، ويحقق منعة في الطرح بحيث يكون ملائما لجميع الأطراف السياسية".



وقال إن عمل اللجان المنبثقة عن اللجنة الملكية يشمل المنظومة السياسية برمتها، وليس مقتصرا على قانون الانتخاب كما يروج البعض، مؤكدا أن مخرجات اللجنة سترد على جميع المشككين والمتقولين.



وأوضح العدوان أن الإسلاميين حظوا بعضوية لجان هامة، كالانتخاب والأحزاب والإدارة المحلية واللجنة الدستورية، مشددا على أن اللجنة الملكية ليس أمامها خيار آخر سوى النجاح، "فالملك أراد أن يُحدث تغييرا في النظام السياسي الأردني، وضَمِنَ لنا المخرجات، فماذا نريد أكثر من ذلك؟".



وتعرضت اللجنة الملكية لهجوم شديد من قبل نشطاء وشخصيات سياسية عديدة على خلفية منشور الخضراء الذي اعتبر مسيئا للإسلام، ما دفع رئيسها العين سمير الرفاعي إلى الإعراب عن أسفه من "تجاوزات وخروقات" عدد من أعضائها، على حد تعبيره.



وقال الرفاعي في رسالة موجهة لأعضاء اللجنة الجمعة، إن "من الضروري أن يدرك الجميع أن استثارة مشاعر الناس عبر الإساءة لنواميس المجتمع والمعتقدات والعادات والتقاليد والقيم، حتى ولو عبر الخوض في مواطن الشبهات والمناطق الرمادية، ليس أمرا مقبولا من أي شخصية في الموقع العام، لا في وطننا ولا في أي مكان من العالم، وقد تم الطلب وحتى الرجاء المتكرر منكم بعدم التدخل وإثارة ما من شأنه الإساءة لمشاعر الناس ولصورة وعمل اللجنة".



وكانت تسريبات من داخل اللجنة قد تحدثت عن مطالبة بعض أعضائها بشطب المادة الثانية من الدستور التي تقرر أن الإسلام هو دين الدولة، ما اضطر الرفاعي إلى نفي ذلك جملة وتفصيلا.



"التيار النيوليبرالي"



ويؤكد الناشط الحراكي محمد الكساسبة أن "40 بالمئة من أعضاء اللجنة هم من التيار النيوليبرالي الذي يحمل فكرا متطرفا، ويضغط داخل اللجنة لتحقيق أهدافه"، مرجحا أن تؤدي هذه الضغوطات إلى مزيد من الاستقالات.



وقال الكساسبة لـ"عربي21"  إن ثمة تنافراً ومنافسة تطفو على العلن بين أعضاء اللجنة الملكية، وهناك من يحاول منهم إمساك العصا من الوسط، "ولكن بعيدا عن كل ذلك؛ فإن الشعب الأردني يدرك أنها لن تنجح في تحقيق مطالب الشعب الأردني، ولن يتمخض عنها سوى قانون انتخاب، وسيتم تأجيل القضايا الأخرى المتعلقة بالمنظومة السياسية".



ورأى أن قانون الانتخاب لن يكون مرضيا للشارع، لأن التعديلات التي ستجرى عليه ستكون عبارة عن ترضية للعشائر والشرق أردنيين بحيث تكون نسبة تمثيلهم أكبر في مجلس النواب، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية.



وحول تأثير الضغط الشعبي على سير اللجنة ومخرجاتها؛ أكد الكساسبة أن هذا الضغط يتوجه في الأساس برفض اللجنة بالكلية، وذلك بسبب الإحباطات المتتالية إزاء اللجان السابقة، مشيرا إلى أن أعضاء اللجنة من المعارضين أو الإصلاحيين لن يكون لهم أي تأثير في قراراتها.



وكانت "اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية" قد تشكلت في 10 حزيران/ يونيو الماضي، بأمر من الملك الأردني عبدالله الثاني، بهدف وضع مشروعي قانون جديدين للانتخاب والأحزاب، والنظر في التعديلات الدستورية المتصلة حكما بالقانونين وآليات العمل النيابي، وتقديم التوصيات المتعلقة بتطوير التشريعات الناظمة للإدارة المحلية، وتوسيع قاعدة المشاركة في صنع القرار.

أضف تعليقك