الزراعة وحقوق الإنسان في الأردن

لم تعتد أدبيات حقوق الإنسان عموما، وفي الأردن خصوصا، على الربط بين الزراعة وحقوق الإنسان إلا نادرا وبشكل هامشي، فيما أن العهد الدولي للحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية قد إدراجه ضمن الحق في مستوى معيشي كاف وملائم، من باب التحرر من الجوع وهو ما يتطلب من الدولة من " تحسين طرق إنتاج وحفظ وتوزيع المواد الغذائية، عن طريق الاستفادة الكلية من المعارف التقنية والعلمية، ونشر المعرفة بمبادئ التغذية، واستحداث أو إصلاح نظم توزيع الأراضي الزراعية بطريقة تكفل أفضل إنماء للموارد الطبيعية وانتفاع بها."

فصحيح أن الدولة حسب تفسيرات العهدين الدوليين لحقوق الإنسان حرة في إختيار النظام الإقتصادي الذي تريده من باب الحق في تقرير المصير، إلا أن ذلك لا يجعلها متحررة من الإلتزام برفع سوية إنتاج المواد الغذائية والتي ترتبط بشكل أساسي بالإنتاج الزراعي مستفيدة من التقدم العلمي. وهنا يثور لدينا تساؤل الى أي مدى إستطاع الأردن أن يولي قطاع الزراعة الأهمية اللازمة، مقارنة مع الجهد المقدر للأردن من إيلائه العناية اللازمة لتوفير المواد الغذائية وضمان سلامتها عموما.

أعتقد أن قطاع الزراعة في الأردن مهمل، ولأسباب متعددة منها ما يشكل تحدي موضوعي كقلة المياه واتساع رقعة الأراضي الصحراوية، إلا أن هنالك عوامل أخرى مهمة لدى الأردن تساعده على إيلاء الزراعة الأهمية الكبيرة، منها وجود أيدي عاملة سواء وطنية أو أجنبية ماهرة يمكنها من العمل في قطاع الزراعة، وأن مساحة الأراضي القابلة للزراعة أو للإستصلاح ليست قليلة عموما، والوجود في إقليم عربي يستوعب الاستيراد من الأردن المنتجات الزراعية، وهي بالمناسبة مرغوبة لهم لأن المنتجات الزراعية الأردنية ذات نوعية جيدة ، وانفتاح الأردن على التكنولوجيا المتطورة عموما، هي إذن كلها عوامل مساعدة على ان يجعل من الأردن بلدا زراعيا الى جانب أشكال الإنتاج الأخرى.

إلا أنه في المقابل يجابه هذا القطاع تحدي كبير يتمثل عدم إيلاء الحكومة لهذا القطاع الأهمية اللازمة، ظنا منها انه قطاع متخلف وبالي، فملاك الأراضي الزراعية يملكون تلك الأرض ولا يحصل منتجهم الزراعي على القيمة الإنتاجية الكافية بسبب سوء تقييم الأولويات الزراعية ورفع كلفة مدخلات الإنتاج وهروب الأيدي العاملة خاصة الوطنية من هذا القطاع بسبب عدم توفر ظروف العمل اللائق، حيث لا يتمتع العاملون بالزراعة بالحق في التنظيم النقابي وعدم إحترام الحد الأدنى للأجور وناهيك عن عدم تمتعهم بالضمان الاجتماعي والتأمين الصحي والتأهيل المهني وغيره. حيث إن قانون العمل الأردني يستثني العاملين بالزراعة من الشمول بالحقوق والالتزامات الواردة فيه، وهذا يدل على النظرة الدونية والسلبية الى هؤلاء العاملين والى أهمية دورهم الإنتاجي، إذن فالمطلوب ابتداءا هو إصدار نظام للعاملين بالزراعة يضمن حماية فعالة للعاملين بالزراعة لجميع حقوقهم العمالية ويجب أن يتم التشاور مع العاملين أنفسهم والمنظمات الحقوقية المعنية عند إعداد هذا النظام، حتى يمكن القول حينها ان الأردن قد بدأ التفكير جديا بأهمية هذا القطاع وأهمية دوره الإنتاجي.

يضاف الى ذلك ضعف سياسة التشجيع الكافية، فينبغي الا يكتفى بسياسة منح القروض، بل ينبغي تخفيف بل إلغاء جزء كبير من الضرائب عنها بل دعمها من خلال وجود سياسة تسويقية فاعلة تديرها الدولة الى جانب القطاع الخاص على المستوى الوطني وعلى مستوى التصدير.

لم يعد مقبولا النظر الى الزراعة على أنها من أدوات الإنتاج المتخلف أو التقليدي، فها هي أعتى الدول المتقدمة تشكل الزراعة في اقتصادياتها حصة أساسية لأنها تعد من أساسيات الأمن القومي على المستوى الإجتماعي والإقتصادي ومن ثم السياسي لأنها تجعل الدولة أكثر استقلالا وأقل انكشافا من الناحية الإقتصادية والسياسية، ثم لا ننسى أن التكنولوجيا الزراعية أصبحت عالميا جد متطورة بحيث لم يعد الإنتاج الزراعي في الطريقة التقليدية بل إن إدخال التكنولوجيا يعد وسيلة جدا فعالة في العملية الإنتاجية ويمكن من خلالها إدخال الدولة والمجتمع إلى النظام التكنولوجي من خلال الزراعة.

وهنا يقودنا الأمر الى نقاش التعليم والتأهيل المهني وعلاقته بالزراعة، فيكفي أن نشير أن التعليم الزراعي سواء المدرسي والجامعي في الأردن لا يعد من التخصصات المرغوبة بسبب هذه السياسات السلبية تجاه الزراعة، حيث أن عدد التخصصات والدارسين فيها محدودة ويجابه خريجيها ظروفا صعبة وغير مشجعة في العمل ويعانون من البطالة.

أدى كل ذلك الى خلل في السياسة التنموية الوطنية بل والديمغرافية في الأردن ، حيث نلاحظ الهجرة المتواتر من الريف والبادية إلى المدينة حتى تضخمت العاصمة عمان بشكل غير مسبوق، فسكان عمان يناهزون 40% من مجموع السكان، وأصبح حلم " الريفي" الى الإنتقال الى المدينة للعمل بأي شكل من الأشكال في أي وظيفة حكومية حتى تضخم القطاع العام، أو الإلتحاق بوظيفة في القطاع الخاص الذي هو الآخر يعاني من زيادة حجم الطلب من تلك القوى التي تطلب العمل، فيما تفرض ميكانيزمات السوق شروطها على هؤلاء طالبي العمل مما يجعلهم يرضخون الى شروط عمل غير لائقة أو يبقون في قائمة العاطلين عن العمل.

ان الإنتاج الزراعي عبر استصلاح الأراضي الزراعية يزيد من رقعة الأرض الزراعية المنتجة، مذكرين أن التكنولوجيا ستكون معين لنا في ذلك، ونذكر بوجود تجارب وطنية علمية وإن كانت غير تجارية كجهود الجامعة الهاشمية مثلا التي استطاعت بجهود طلبتها انتاج بعض المنتجات الزراعية في الأرض الصحراوية،  الأمر الذي يتطلب تضافر الجهود الوطنية والعلمية لتحويل هذه الأبحاث والتجارب الى بحوث حقيقة ليتم تعميمها وطنيا.

يضاف إلى ذلك أن نمو الناتج الزراعي يضيف الى الناتج القومي الإجمالي مما يساعد على التنمية الفعلية من خلال زيادة التصدير وتخفيف الإستيراد، ويزيد من فرص العمل، ويضمن سلامة الغذاء لأنها سيكون تحت إشراف الدولة بعيدا عن "شبهات" الاستيراد لتلك الأغذية من دول أخرى لم تتم أصلا عملية انتاجها تحت عيون الدولة الأردنية، لاسيما مع زيادة الأوبئة والأمراض سواء التي تصيب البشر والحيوانات بالإضافة الى إدخال الكيماويات والهرمونات غير الآمنة عليها، ولا ننسى أن تنامي الرقعة الزراعية سواء المثمرة أم الحرجية سوف يساهم في جلب الاستثمار والسياحة الى البلاد.

خلاصة ما نود قوله خاصة ما تعلمناه من تجربة كورونا أن القطاع الزراعي مهم جدا على صعيد الإنتاج وهو ما يؤثر بشكل كبير على حقوق الإنسان من حيث ضمان الإنتاج الغذائي وضمان سلامته صحيا وضمان حقوق العاملين فيه، وهو يساعد الدولة على حفظ الأمن الوطني من جهة ويدخل المجتمع الى عصر التكنولوجيا الحديثة، إن الزراعة هي أحد المداخل الرئيسة لضمان حقوق الإنسان والأمن الوطني، وجاز لنا ان ندعو الى الحق في الزراعة إن جاز التعبير لأن حقوق الإنسان كل متكامل، وتعد الزراعة عاملا هاما ومفصليا في التأثير على الكثير من حقوق الإنسان.

 

أضف تعليقك