الانفجار مرة أخرى من القدس

قرّر الرئيس الأميركي، جو بايدن، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينت، أن القضية الفلسطينية غير ذات أهمية لهما، وأنه حتى فكرة المفاوضات المباشرة العقيمة ليست ضرورية، لأن الوضع (بعد نصف قرن) لا يزال غير ناضج لحل!

الطرفان، الأميركي والإسرائيلي، مخطئان في تحليلهما، واعتمادهما على أنّ فتات المساعدات الإنسانية، يمكن أن تكون بديلا لحل جذري يعالج أصل المشكلة لا يتعامل مع القشور. ويعرف أي طالب في النزاعات العالمية أن ممكنات الانفجار العنيف، في غياب بصيص الأمل، تكون أكبر بكثير. وعلى الرغم من أن السياسيين يوفرون إبر المورفين لتهدئة الشعوب وإعطائهم أملا ولو مزيفا، فإننا الآن في مرحلة وصلت فيها غطرسة القائمين على القرار في كل من واشنطن وتل أبيب إلى أنه لا حاجة للدبلوماسية المزيفة، وأنهم على رؤوس الأشهاد ينكرون على الشعب الفلسطيني حقه في حلٍّ سياسي مشرف. وكما قال رئيس الوزراء الفلسطيني، محمد اشتية: "انتقلنا من لاءات مؤتمر الخرطوم إلى لاءت بينت" في رفضه لقاء الرئيس محمود عباس والمفاوضات والدولة الفلسطينية. وقد اعترف بينت بلاءات ثلاث إضافية، قالها بعنجهية للرئيس الأميركي، بايدن، ويتباهى بها أمام مؤسسات يهودية أميركية: لا لقنصلية أميركية في القدس، ولا لوقف الاستيطان، ولا لاتفاق نووي مع إيران!

القدس المحرّك الأكبر للمقاومة والرفض الفلسطيني لمحاولات إبقاء الاحتلال إلى ما لا نهاية

مؤكد أن حدود الدولة الفلسطينية وعودة اللاجئين الفلسطينيين من أصعب العقد لحل الصراع، وقد أشار الرئيس عباس في خطابه أمام الأمم المتحدة، إلى قضية اللاجئين، في الحديث عن منزله في صفد. ولكن موضوع القدس هو العقدة التي يجب أن تتم معالجتها، من أجل إيجاد الحل الجذري المرغوب، وقد رأينا مرارا، في السنوات الأخيرة، أن القدس هي المحرّك الأكبر للمقاومة والرفض الفلسطيني لمحاولات إبقاء الاحتلال إلى ما لا نهاية. وقد جرت، أخيرا، تطورات كبيرة في موضوع القدس، قد تتسبب في انفجار كبير، فقد زاد التمادي المتطرّف لدى الإسرائيليين المقتحمين يوميا باحات المسجد الأقصى. لقد رفعوا فيها العلم الإسرائيلي، في تحدٍّ سافر للوصاية الهاشمية والقانون الدولي الذي يعتبر القدس الشرقية، بما فيها البلدة القديمة، مناطق فلسطينية محتلة. كما زادت تحرّكات المتطرّفين ومحاولاتهم لإدخال الموضوع الديني في الصراع، بتأدية المقتحمين الصلوات التلمودية، والعمل وكأن المكان موقع يهودي، على الرغم من أن الحكومة الإسرائيلية متمسّكة رسميا بالتفاهم الأميركي الإسرائيلي الأردني لعام 2014، أن الأقصى حقّ للمسلمين الصلاة فيه، وللآخرين حق زيارته. تحويل الزيارة اليهودية للصلاة إذا ما استمرت ولم يتم لجمها سيفجر الأمور، وتحول الخلاف السياسي إلى حرب دينية.

المتغير الجديد في القدس تمادي بطريرك الطائفة الأرمنية، وتصرّفه بأراضي حارة الأرمن، في مخالفة للقانون الدولي والتعهدات المتفق عليها مع الجالية الأرمنية الفلسطينية التي تسكن في القدس منذ القرن الخامس، فقد اعترف مدير دائرة العقارات في البطريركية، بارات يريتزيان، أنه تم توقيع عقد طويل الأمد (99 عاما) لتأجير جانب كبير من أراضي حارة الأرمن لمستثمر يهودي نمساوي، لإقامة فندق فاخر في القدس القديمة في المنطقة المحاذية لحارة اليهود، ما سيغيّر الطابعين، القانوني والإداري، للمدينة المحتلة. وقد وقع أرمن مقدسيون رسالة شديدة اللهجة يطالبون بوقف العملية التي لم تقرّها أخوية مار يعقوب، والتي تعتبر أعلى سلطة في البطريركية. كما خاطب رئيس اللجنة الرئاسة الفلسطينية للكنائس، رمزي خوري، المسؤولين الدينيين والسياسيين في أرمينيا، وحثّهم على الضغط لوقف هذه المخالفة. وقد أعلن الأردن أيضا أن وزير خارجيتها، أيمن الصفدي، التقى مع نظيره الأرمني في نيويورك، وحثه على العمل على عدم تغيير الطابع القانوني والإداري للقدس القديمة.

كل ما يجري في باحة المسجد الأقصى والشيخ جرّاح وسلوان، وحاليا في حارة الأرمن، يأتي ضمن المسلسل الإسرائيلي لتهويد القدس التي وقف أهلنا فيها بقوة ضد هذه المحاولات، على الرغم من الصمت العربي والإسلامي، والذي أصبح يفكر في التطبيع، بدلا من مقاومة المحتل الإسرائيلي.

غياب بارقة الأمل وازدياد أشكال القمع والتهويد يعتبران عوامل قد تتسبب في انفجار كبير في القدس، وقد يمتد إلى باقي الأراضي المحتلة، فقد أعذر من أنذر.

*العربي الجديد

أضف تعليقك