أريج: أحكام قضائية لا تنصف قاصرات بالأردن

تخفيف الحكم عن جناة في قضايا اعتداءات جنسية

يكشف هذا التحقيق عن استخدام "إسقاط الحق الشخصي" في جرائم اعتداءات جنسية ضد قاصرات في محاكم أردنية على نحو يتعارض مع القانون الأردني (المادة 308 مكّررة)، الذي يمنع تخفيف الحكم عن الجاني، الذي تجاوز الثامنة عشرة في قضايا الاعتداء على العرض، حتى في حال قيام ذوي الضحية بإسقاط الحق الشخصي.

"بدل ما يحطوه بالسجن حبسوني أنا بغرفتي"، قالتها هناء محمود (اسم مستعار) وهي تتذكر محاولة اغتصابها على يد ابن عمها المتزوج، عندما كانت في سن الثالثة عشرة.

تعرضت الفتاة القاصر للاعتداء، عندما طلب منها ابن عمها الحضور إلى منزله لأخذ بعض الأغراض الخاصة بأسرتها، في حين أرسل أطفاله إلى خارج المنزل؛ ليرتكب جريمته بعد مغادرة زوجته المكان. تقول الفتاة، التي تسكن مع أسرتها في إحدى القرى، إنها لم تكن تعلم بغياب أسرته عن المنزل في ذلك الوقت. 

أصدرت المحكمة قرارها بحبس الجاني سبع سنوات، بتهمة ارتكاب جناية هتك عرض، ثمّ جرى تخفيف الحكم إلى النصف، بعد إسقاط والد الفتاة الحق الشخصي. خرج ابن عمها بعد انتهاء المدة، ليعود إلى حياته بشكل طبيعي، بحسب قول الفتاة.

تُجسد تلك الواقعة، التي حدثت قبل نحو عشرين عاماً، استخدام الحق الشخصي لتخفيف العقوبة عن الجناة، في جرائم الاعتداء على العرض بحق قاصرات، قبل تعديل قانون العقوبات الأردني؛ ليمنع تخفيف العقوبة عن الجناة الذين تجاوزوا سن الثامنة عشرة في جرائم الاعتداء على العرض بحق القُصر.

 

مخالفة نص قانوني

في العام 2011، منع المُشرّع الأردني تخفيف العقوبة عن الجناة الذين أكملوا الثامنة عشرة في جرائم الاعتداء على العرض، الواقعة على القاصرين؛ حتى وإن وافق ولي الأمر على ذلك، وفق المادة 308 مكّررة من قانون العقوبات الأردني المعدل لعام 2011.

لم يكن صدور التعديل كافياً، لإيقاع العقوبة الكاملة بشاب هتك عرض فتاة، لم تكمل الثامنة عشرة؛ إذ أصدرت محكمة أردنية قراراً عام 2014 بتخفيف العقوبة عن الجاني إلى النصف، بعد إسقاط الحق الشخصي من المشتكي، مع وجود مادة تمنع استخدام ذلك سبباً لتخفيف العقوبة.

تقدم محامي الجاني بطعن إلى محكمة التمييز الأردنية. اكتفت المحكمة في قرارها، الذي تضمن رد الطعن، بالتنويه إلى وجود مخالفة قانونية؛ إذ لم تقدّم النيابة العامة طعناً في الحكم الصادر.

لم تكن تلك الحالة الوحيدة، التي لجأت فيها محاكم أردنية إلى تخفيف الحكم، في قضايا اعتداء على العرض بحق قاصرات، بعد إقرار المادة 308 مكّررة التي تمنع ذلك. رصد فريق التحقيق عدداً من القضايا في محاكم ابتدائية ومحكمة استئناف، جرى فيها تخفيف العقوبة عن جناة بالغين، ارتكبوا جرائم اعتداء على العرض بحق قاصرات. شمل الرصد قضايا في محكمة الجنايات الكبرى، التي قامت هي أيضاً بتخفيف العقوبة عن الجاني في تلك الحالات.

وبحسب ما رصدناه، فإن محكمة التمييز ومحاكم الاستئناف نقضت القرارات في القضايا التي تقدّمت فيها النيابة العامة بطعون، للمطالبة بنقض القرار المخالف للقانون.

تشكل الأحكام، التي تصدر عن محاكم الدرجة الأولى، غالبية الأحكام المُنفّذَة في الأردن؛ إذ تشير بيانات المجلس القضائي الأردني للعام 2022، إلى أن عدداً محدوداً من الدعاوى يرد إلى محكمة التمييز الأردنية. لا تتجاوز نسبة الطعون المُقدّمة إلى المحكمة 3.1 في المئة من إجمالي الدعاوى المنظورة في المحاكم الأردنية؛ في حين لا تزيد نسبة الطعون الواردة إلى المحاكم الأخرى على 17.5 في المئة، من إجمالي الدعاوى الواردة إلى المحاكم في الأردن.

يتيح القانون الأردني للمشتكي أو المجني عليه أو ورثته في القضايا الجزائية إسقاط الحق الشخصي، بما يفيد عدم الرغبة في مجازاة الجاني، ويمكن للمحكمة إصدار حكم مخفف إلى النصف أو الثلث كحد أقصى. ولا يشمل ذلك ضحايا الاعتداءات الجنسية من القاصرين.

 

شملت القضايا التي رصدها فريق التحقيق حالتين قامت فيهما محكمة التمييز برد الطعن المُقدّم من المتهم، انطلاقاً من القاعدة القانونية لا يضار الطاعن بطعنه، في ظل غياب الطعن من النيابة العامة، واكتفت بالتنويه إلى مخالفة القرار نصوص القانون. كما قبلت محكمة الجنايات الكبرى إسقاط قاصر حقها الشخصي، على نحو مخالف للقانون، الذي يشترط قيام ولي الأمر صاحب الشكوى بذلك. في حين غفلت المحكمة ذاتها في دعوى أخرى، بتطبيقها نصاً قانونياً مُلغى في تخفيف عقوبة الجاني، بعد إبراز عقد زواجه بالضحية. 

تقول المحامية رضية العمايرة، إن ارتكاب جريمة بحق قاصر يُعدّ من الأسباب التي قد تدفع القاضي إلى تشديد العقوبة.

في عام 2019، تعرضت طفلة لتحرش جنسي -في ساحة لعب- من رجل يبلغ 52 عاماً. أصدرت محكمة أردنية قرارها بحبس الجاني ثلث المدة المنصوص عليها قانوناً، بعد إسقاط الحق الشخصي؛ ما دفع النيابة العامة إلى التقدم بطلب إلى وزير العدل -في مسار غير اعتيادي- لنقض قرار الحكم الذي اكتسب الدرجة القطعية، ليُنظر القرار في محكمة التمييز، التي نقضت القرار بصفته مخالفاً للقانون.

أشار قرار محكمة التمييز إلى أن قرار المحكمة فيه "مخالفة لقانون العقوبات باستعمال الأسباب المخففة بحق المشتكى عليه، الذي تجاوز الثامنة عشرة من عمره وقت الحادثة، وكانت المشتكية أقل من ثمانية عشر عاماً، وذلك بمخالفة المادة (308 مكّررة) من قانون العقوبات". 

في مقابلة تلفزيونية أجريت قبل سنوات، مع رئيس محكمة الجنايات الكبرى عبدالرحمن توفيق، أكد القاضي السابق أن القانون ألزم المحكمة، في حال أخذها بالأسباب المخففة، أن يكون "قرارها معللاً لتتمكن المحكمة الأعلى من تحديد ما إذا كان منح هذا السبب قانونياً ومقبولاً أم لا". 

 


ترغيب وترهيب

وبحسب توفيق، فإنه يتمّ اللجوء إلى عدة أساليب للحصول على إسقاط الحق الشخصي؛ ومنها الترهيب من جانب الجاني أو ذويه واستخدام القوة، أو الترغيب بدفع المال.

تقول الاختصاصية النفسية بجمعية معهد تضامن للنساء الأردني د. ملك السعودي، إنه غالباً ما تنتهي القضايا، التي تتعرض فيها الفتاة المُعتدَى عليها وأهلها لضغوط بإسقاط الحق الشخصي.

وبحسب السعودي، وهي مسؤولة قسم الخدمات الإرشادية النفسية والاجتماعية،  تتعرض الفتاة وأسرتها لضغوط من جانب أهل الجاني؛ لدفعهم إلى التنازل عن حقها بزعم أنها السبب فيما أقدم عليه المتهم من أفعال. وقد تقوم أسرة الفتاة بالضغط عليها وتهديدها، والتوقف عن دعمها، وفق السعودي.

تستذكر هناء ما قاله عمها، والد الجاني، لأبيها بعد الحادثة: "خلينا نلم الفضيحة اللي صارت من ورا بنتك… حرام تخرب حياته وتسجنه، ولاده لساتهم صغار". وتضيف هناء: "صار كل ما يجي عنا، يجيب أغراض ويحط مصاري بإيد أبوي"، تقصد عمها.

كادت العائلة أن تفرض على هناء الزواج بأحد أولاد عمومتها، لولا رفض والدتها. تقول الفتاة: "كانوا أهلي بدهم يزوجوني لواحد من أولاد أعمامي، قد ما ضغطوا على أبوي، لولا أمي منعته".

تكشف دراسة أجرتها جمعية معهد تضامن النساء الأردني عام 2015، عن أن الخوف من الفضيحة والعار، هو السبب الرئيس في عدم تقديم ضحايا الجرائم الجنسية في الأردن، بلاغاً وشكوى رسمية.

تلاحق الوصمة النساء من ضحايا الجرائم الجنسية في الأردن، بحجة أنهن "جلبن العار والخزي لأسرهن وعائلاتهن". بالإضافة إلى أنهن يواجهن ضغوطاً لتغيير أقوالهن على نحو قد ينتهي بتجريمهن.

 عام 2017، ألغى مجلس النواب المادة 308 من قانون العقوبات، التي توقف تنفيذ العقوبة بحق الجاني في جرائم الاعتداء على العرض، في حال زواجه من الضحية؛ يشمل ذلك جرائم الاغتصاب وهتك العرض ومواقعة القاصرات، وإقامة علاقة جنسية بدعوى الوعد بالزواج وغيرها.

ومع ذلك، تؤكد الاختصاصية ملك السعودي استمرار حدوث حالات زواج المغتصب بالضحية، مقابل إسقاط الحق الشخصي وبشكل غير ظاهر. "أُوقف القانون، لكن ما زال هناك زواج للمغتصب"، تقول السعودي.

توضح الاختصاصية، التي تتعامل مع معنفات جنسياً، أن الضحية عند زواجها بالمغتصب، تخرج من دائرة عنف إلى أخرى أسوأ؛ تتعرض فيها للتعنيف الجسدي والنفسي، وتنجب أطفالاً قد لا يَعترف بهم "الزوج" الجاني. بل ويستمر في تذكيرها بالحادثة التي تسبب بها، وفق الحالات التي تعاملت معها.

 تقول السعودي: "يتزوجها ويدفع لها مبلغاً، ويبدأ سلسلة من العنف الموجه لها"، مؤكدة أنها تعاملت مع إناث ممن تزوجن مغتصبيهن، وعدن إلى دور الإيواء بعد تعرضهن لعنف أسوأ من الاعتداء الجنسي، الذي وقع لهن في البداية، بحسب وصف السعودي.

 

الحرية مقابل الحقوق

تُودَعُ الفتيات من ضحايا الاعتداءات الجنسية، المهدّدات بالخطر في دور إيواء لحمايتهن. يُناط بالدار تقديم برامج التعافي الجسدي والتأهيل النفسي، والتوعية والمساعدة القانونية وغيرها من خدمات، وفق نظام دور إيواء المُعرّضات للخطر.

تشترط التعليمات الخاصة بتلك المنشآت، أن تكون حياة الأنثى مهدّدة بالقتل من أحد أفراد الأسرة، مع عدم وجود شخص قادر على حمايتها.

لا تُحتجز الفتيات في الدار من دون إرادتهن؛ إلا أن مبنى الدار يخضع لحماية أمنية مشدّدة في الداخل والخارج، عن طريق كوادر تتبع مديرية الأمن العام، وتُغطى تحركات النزيلات خارج الدار بواسطة "مفرزة أمنية".

تتولى كوادر من الشرطة النسائية بلباس مدني، متابعة الوضع الأمني داخل الدار، ومرافقة النزيلات في حال خروجهن إلى المستشفى، أو الجهات الإدارية أو إجراء الزيارات.

تقول المحامية رضية العمايرة، المختصة في القانون الجنائي، إن ضحايا الاعتداءات المهدّدات بالخطر، يُنقلن بعد مدة إلى السجون بقرار من الحاكم الإداري؛ ليقضين أيامهن خلف أسوار السجن، لحين زوال الخطر عنهن.   

تقدّم فريق التحقيق بطلب إلى وزارة التنمية الاجتماعية، للحصول على موافقة لمقابلة نزيلات من دور الإيواء؛ إلا أن الطلب قوبل بالرفض.

تقضي سعاد (اسم مستعار) الفتاة العشرينية أيامها في إحدى دور الإيواء في الأردن، بعد تعرضها للاغتصاب قبل بلوغها سن الثامنة عشرة، بحسب الاختصاصية الاجتماعية نهى أحمد (اسم مستعار)، التي تتعامل مع ضحايا الاعتداءات في دور الإيواء.

أُودعت الفتاة الدار بهدف حمايتها من الخطر. وواجهت العنف مرتين؛ فبعد اغتصابها باتت تتلقى تهديداً من أسرتها، ولا يبدو لها أملاً حتى الآن في مواصلة حياتها خارج "الدار" المحصنة.

 

إسقاط الحق الشخصي منحة للجناة 

لا يُلغي إسقاط الحق الشخصي الحق العام؛ وهو حق المجتمع بمعاقبة الجاني لتحقيق الردع العام، الأمر الذي لا يتمّ التنازل عنه، ولكن قد يصدر بشأنه عفو عام أو عفو خاص.

ومع ذلك، يُعدّ إسقاط الحق الشخصي من أهم الأسباب المخففة، التي تُعتمد في المحاكم، وفق تصريحات رئيس محكمة الجنايات الكبرى سابقاً عبد الرحمن توفيق، خلال حديث تلفزيوني.

تقول المحامية العمايرة إن النيابة العامة هي المختصة بمقاضاة الجناة في الجرائم المرتكبة ضد القاصرين، منعاً لاستخدام الولي أو الوصي إسقاط الحق الشخصي بشكل جائر.

وبحسب ما أشارت إليه العمايرة، فإن النيابة العامة هي المنوط بها حماية الضحايا، وإيقاع أشد العقوبات بالجناة. 

لا تتوفر بيانات متاحة حول طبيعة القضايا التي استفاد منها الجناة، من إسقاط الحق الشخصي، وعلاقة ذلك بنوع الجريمة وجنس المجني عليه. ومع ذلك، تشير ورقة تحليلية أصدرتها اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة، إلى أن 77 في المئة من الجناة في جرائم قتل النساء داخل نطاق الأسرة، استفادوا من إسقاط الحق الشخصي.

تقدّم فريق التحقيق بطلب إلى محكمة الجنايات الكبرى في الأردن؛ للحصول على بيانات حول أنواع القضايا، التي تضمنت إسقاط الحق الشخصي، وفق جنس مرتكبيها؛ إلا أن المحكمة اعتذرت بسبب "عدم توفر البيانات". 

رصد فريق التحقيق عينة من نحو 128 قضية اعتداء على إناث، سُجّلت في المحاكم الأردنية؛ جميعها تضمّن إسقاط الحق الشخصي عن الجاني. شكّلت قضايا الاعتداء على العرض، الغالبية العظمى من العينة.

بلغت نسبة القضايا التي أيّدت فيها محكمة التمييز القرار الصادر عن المحكمة الابتدائية، نحو 62 في المئة من العينة. كشف التحليل عن أن العقوبة خُفّفت إلى النصف في نحو 60 في المئة من تلك القضايا.

 


القاصرات: ضحايا مرتين

شكّلت قضايا الاعتداء الجنسي 67 في المئة، من إجمالي قضايا الاعتداءات الجسدية والجنسية على الأطفال في الأردن، عام 2020. وتشير إحصائيات رسمية إلى أن الإناث في الأردن كن الأكثر عرضة لجرائم الاعتداء الجنسي، مقارنة مع الذكور، وفق القضايا المُسجّلة لدى إدارة حماية الأسرة والأحداث، التابعة لمديرية الأمن العام، والتي تتولى التعامل مع حالات الاعتداء الجنسي.

وبحسب الإحصائيات، فإن كل ثماني حالات اعتداء جنسية على الإناث من الأطفال، يقابلها أربع حالات اعتداء جسدية رُصدت بحقهن؛ في حين انخفض هذا العدد إلى ست حالات اعتداء جنسي، مقابل أربع حالات جسدية تعرض لها الذكور.


راعى القانون الأردني أن الإناث من ضحايا الاعتداءات، قد يتعرضن للتهديد من أسرهن؛ خاصة ضحايا الاعتداءات الجنسية. إذ خصّ المُشرِّع الإناث المُعرّضات للخطر بنظام وتعليمات، تمنحهن حق الحماية في دور إيواء أُنشئت للمُهدّدات بالقتل من أحد أفراد الأسرة، مع عدم وجود أشخاص يوفرون لهن الحماية.

كما خُصّت الأنثى في الماضي بمادة أثارت الجدل قبل إلغائها عام 2017، والتي تقضي بوقف ملاحقة الجاني في جرائم الاعتداء على العرض، في حال زواجه من الضحية.

لا يشكّل البقاء في دور الإيواء أسوأ النهايات؛ إذ تُفضي بعض قضايا الاعتداء على العرض بحبس الضحايا. 

توضح المحامية رضية العمايرة أن الضغوط التي تتعرض لها الفتاة من ضحايا الاعتداءات الجنسية؛ قد تدفعها إلى تغيير أقوالها أمام القاضي، بعد إدلائها بأقوال مختلفة أمام المدّعي العام. قد يدفع ذلك النيابة العامة إلى توجيه تهمة شهادة الزور إلى الفتاة وحبسها، في حين تسقط قضية الاعتداء عن الجاني ليعود حراً طليقاً. "لدينا حالات لفتيات حُبسن بسبب تغيير أقوالهن". تقول المحامية، لا يشكل تغيير أقوال الفتاة السبب الوحيد لحبس الضحية. 

تذكر الاختصاصية الاجتماعية نهى أحمد (اسم مستعار) أنها تعاملت مع ضحية اغتصاب، لفتاة من الفئات المهمشة؛ انتهت الواقعة بحملها.

حكم على الفتاة بالسجن خمس سنوات ونصف، بعد أن أجهضت جنينها؛ في حين لم يكن بالإمكان إثبات واقعة الاغتصاب، بسبب عدم وجود بلاغ بالجريمة. لا تملك الفتاة أوراقاً ثبوتية، ولم يسبق لها الالتحاق بالمدرسة. 

 

مشهد متكّرر 

يتكّرر مشهد إسقاط الضحايا حقوقهن لصالح الجناة في دول عربية أخرى، إثر تعرضهن لضغوط مجتمعية.

يشير تقرير صادر عن مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي في فلسطين للعام 2021، إلى أن النساء يواجهن ضغوطاً اجتماعية؛ لإسقاط الشكاوى ضد من يسيئون معاملتهن. 

وفي الوقت الذي تتاح لهن إمكانية اتهامات جديدة بموجب هذا القانون، تواجه النساء ضغوطاً اجتماعية من جانب المعتدين وأسرهن؛ للعفو عنهم طوال العملية القانونية، وحتى عند الإدانة، وفق التقرير.

يوثق التقرير قضية شروع في الاغتصاب، تعرّضت لها فتاة على يد والدها، حكم فيها على الجاني بالأشغال الشاقة المؤقتة، مدة سنة واحدة؛ إلا أن المحكمة أصدرت قراراً بوقف تنفيذ العقوبة، بعد أن أسقطت الأم "الحق الشخصي" عن الفتاة، وتصالحت مع الجاني الذي وعد بعدم تكرار الفعل؛ ليعود إلى البيت مع ابنته الضحية من دون عقاب.

 

الأردن مقارنة بدول أخرى

أظهرت دراسة نشرت في لبنان عام 2022، شملت 1800 امرأة، أن أكثر من نصف من تعرضن للاعتداء الجنسي لم يُبلغن عن تلك الوقائع. كانت الخشية على السمعة والرفض من المجتمع، السبب الأبرز لعدم التبليغ.

وفي المغرب، يقول حقوقيون إن هناك توسعاً في التنازل عن قضايا اعتداءات جنسية ضد النساء والفتيات، في حال تقديم المتهمين عقود زواج بالضحايا، وتنازل الضحايا عن الشكاوى، بحسب تقرير صادر عام 2023، عن "المجلس الوطني لحقوق الإنسان".

أما في تونس، فتشير دراسة للجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، صدرت عام 2021، إلى أن الأحكام الصادرة بحق المُغتصِبين، تُعدّ لينة مقارنة بفظاعة الأفعال المرتكبة وآثارها في الضحايا؛ إذ تطبق أحكام الفصل 53 م ج، الخاصة بظروف التخفيف، بشكل شبه آلي؛ نظراً "لنقاوة سوابقهم العدلية والظروف الشخصية والاجتماعية".

تقول الاختصاصية النفسية في الأردن ملك السعودي، إن الثقافة المجتمعية تتعامل مع الأنثى من ضحايا الاعتداء الجنسي على أنها "جانية": "دائماً ما تلام النساء أكثر من الجناة"، تقول السعودي.

لم تتمكن هناء من مواصلة حياتها بشكل طبيعي، تقول إنها بقيت تعاني آثار التجربة المريرة التي تعرضت لها. تقول هناء: "تركت مدرستي مع إني شاطرة وبحب الدراسة… وبعدها كملت للتوجيهي بس رسبت".

تتعرض الفتاة لنظرات الازدراء من رجال العائلة، الذين يلومون والدها لاصطحابها معه خلال الزيارات التي تُجريها الأسرة، بعبارات مثل: "مش خايف تعملك فضيحة".

تقدم فريق التحقيق بطلب إلى المجلس القضائي الأردني لإجراء مقابلة مع رئيس محكمة الجنايات الكبرى؛ بهدف الحصول على توضيح بشأن القضايا الواردة في التحقيق، ولم يتلقَ رداً حتى تاريخ نشر هذا التحقيق.

أضف تعليقك