إهانة الشعور الديني.. مادة قانونية فضفاضة بلا ضوابط

ما هي الانعكاسات الواقعة على المجتمع الأردني بعد تغليظ العوقبات على إهانة الشعور والمعتقد الديني للآخر؟ بالرغم من عدم تحديد قانون العقوبات ما هي الأفعال التي من شأنها إهانة الشعور الآخرين.

أقر مجلس النواب تغليظ العقوبات على إهانة الشعور الديني  في المادة 278 من قانون العقوبات لتصبح حبس مدة لا تقل عن 4 أشهر، ولا تزيد على سنتين، مع غرامة لا تزيد على 500 دينار بعد أن كانت مدة الحبس مدة لا تزيد على 3 أشهر، أو بغرامة لا تزيد على 20 ديناراً.

تقول المديرة التنفيذية لمركز عدل للمساعدة القانونية هديل عبدالعزيز لـ ملح الأرض  ” لدينا مشكلة بهذه المادة، بأنها غير منبضطة، فنحن لا نعرف ما هو المفهوم الذي من شأنه أن يؤدي إلى إهانة الشعور الديني  حسب نص القانون.

المديرة التنفيذية لمركز عدل للمساعدة القانونية هديل عبدالعزيز

مضيفة هديل عبدالعزيز لـ ملح الأرض أنه لا يوجد بالنص ما هي طبيعة إهانة الشعور الديني، فتم ربطها بشعور الشخص، وليس بفعل واضح المعالم، منتقدة ذلك بأن المُشرع بدلاً من أن يُحسّن النص ويُوضّح الغموض فيه، جاء لرفع العقوبة.

الموضوع بحد ذاته، لا يستدع القيام بهذه الخطوة، يقول الدكتور عامر الحافي أستاذ الأديان في جماعة آل البيت لـ ملح الأرض، موضحا أن تغليظ العقوبة لن يحُل المشكلة، ويمكن قراءته قراءة سياسية كنوع من التقييد على حرية الرأي والتعبير.

الدكتور عامر الحافي أستاذ الأديان في جامعة آل البيت

ويلفت الحافيفي حديثه لـ ملح الأرض إلى أن هناك مساحة رمادية ضخمة متعلقة بموضوع ازدراء الأديان، “هناك من يظن أن كل تعليق أو كل وجهة نظر في قضية دينية في الدين، قد تمثل مشكلة أو ازدراء”، مؤكدا أن هذا بإمكانه أن يكمم الأفواه ويكون مثالا على تراجع حرية الرأي والتعبير.

وتشير المادة 278من قانون العقوبات يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثالثة أشهر أو بغرامة لا تزيد على عشرين ديناراً كل من نشر شيئاً مطبوعاً أو مخطوطاً أو صورة أو رسماً أو رمزاً من شأنه أن يؤدي الى إهانة الشعور الديني ألشخاص آخرين ، إهانة معتقدهم الديني ، أو تفوه في مكان عام وعلى مسمع من شخص آخر بكلمة او بصوت من شأنه ان يؤدي الى إهانة الشعور او المعتقد  الديني لذلك الشخص الآخر.

فلسفة القانون

بدوره يختلف أستاذ القانون الدستوري في الجامعة الأردنية، ليث نصراوين مع الحافي وعبدالعزيز ويقول لـ ملح الأرض إن فلسفة التجريم في القانون تكون عند وجود ظاهرة أو مشكلة في المجتمع، تدفع المشرع للتدخل في القانون، إما لتخفيف العقوبة، إذا كان السلوك لم يعد موجود، أو تغليظها عند تزايد المشاكل بسبب ذلك السلوك.

“الهدف من العقوبة هو تحقيق الردع العام والخاص، وحماية الأمن والسلم المجتمعي” يبين نصراوين لـ ملح الأرض ويضيف أن تغليظ عقوبة الإهانة بالشعور الديني، “جاءت نتيجة للأحداث والظروف السابقة التي كان نوع من المس بالمعتقدات بالأردن”.

أستاذ القانون الدستوري في الجامعة الأردنية، ليث نصراوين

وحول رفع العقوبة من 3 أشهر بالحد الأعلى إلى 4 شهور بالحد الأدنى، يقول لـ ملح الأرض” طالما أن الفرق بين العقوبة الحالية والمقترحة شهر، يبدو أن المشرع هدفه إيقاع عقوبة الحبس على ذلك الشخص المسبب بالإهانة، خاصة أن عقوبة الـ3 أشهر السابقة يمكن استبدالها بغرامة مالية”.

في الوقت نفسه يوضح نصراوين  أنه ليس بالضرورة أن تُستبدل  عقوبة  الحبس بأشهر بغرامة مالية ” أحيانا قد تشترط المحكمة أو القاضي بالمصالحة، أو اسقاط الحق الشخصي، بالتالي لا يمكن القول إن التعديل انتقل من استبدال الحبس بغرامة، إلى عدم استبدال الحبس بغرامة”.

تقول المحامية الكنسية ندى الور لـ ملح الأرض إن موضوع إهانة الشعور الديني ، وإثارة الفتن والنعرات الطائفية، بدأنا نراها قبل 5 أو 6 سنوات فقط، أما ما قبل ذلك لم يكن المجتمع الأردني يتطرق لهذا الموضوع ” كان عيب إذا الواحد جاره عنده حالة وفاة ويفتح تلفزيون، هذا على مستوى الشعور الاجتماعي، فما بالك بالشعور الديني وهو الأسمى”.

المحامية الكنسية ندى الور

تؤكد الورلـ ملح الأرض أنها مع تغليظ العقوبات، إن كان عن طريق الكتابة، أو التلميح أو أي كانت الطريقة”  لأنه هناك الأشخاص، يتبادلون الإهانات بين بعضهم البعض، فمجرد قراءة كيفية تبادل الإهانات، بين الأشخاص من الأطراف المختلفة تؤذي مشاعر الآخرين، حتى لو لم يشاركوا في الكتابة”.

فيما يتعلق بارتباط إهانة الشعور الديني عند الأفراد بإهانة المعتقدات بشكل مباشر يرى أستاذ الأديان عامر الحافي في حديثه لـ ملح الأرض أن ” المساس بالشعور هو مرتبط بالمعتقدات عند الإنسان، مثلا عندما يتحدث شخص، أنه لا يؤمن بديانة معينة، قد تفهم أنه مساس بالأديان”، لافتا إلى أنه من الأفضل زيادة الوعي الديني، وإيجاد تشريعات تعزز الحريات.

إن تجرأ أي شخص على إهانة الشعور الديني، سيعاقب وفق أحكام هذا القانون يقول نصراوين لـ ملح الأرض“إن إهانة الشعور الديني، مرتبط ارتباطا وثيقا، بالمبادئ الدينية التي يعتنقها الإنسان، فعندما نتكلم عن الشعور الديني نتكلم عن مجموعة من المبادئ والعقائد المعتنقة من قبل شخص معين”.

تؤكد المحامية الكنسية ندى الور لـ ملح الأرض أن “هناك ارتباط ا وثيقا بين شعور الشخص والمساس بالمعتقدات، فمجرد إهانة شعور الشخص، أنت مسست معتقداته”.

وعن الإشكايات التي ستتبع تعديل المادة يقول الحافي لـ ملح الأرض ” أثناء النقاش والجدل الديني عبر مواقع التواصل الاجتماعي،  قد يلجأ البعض لاتهام الآخر بازدراء الأديان،  نحن نعلم جيدا مضاره وسلبياته”،  مشيرا أن إزدراء الأديان، لا يتعلق فقط بإهانة الدين الإسلامي، بل متعلق بكل الديانات،” فهل هذه يعتبر داخل بهذا التشريع؟.

من جهتها تقول الور لـ ملح الأرض إن الانعكاسات السلبية  تفتح المجال للدعاوى الكيدية، بتبلي أشخاص لم يهينوا أي معتقد ” من خلال شهود، “بلا ذمة ولا ضمير، فإثبات البينة إما خطيا أو شخصيا”.

وتؤكد هديل عبدالعزيزلـ ملح الأرض ما جاء به الحافي والور بقولها أن ” لدينا إشكالية في النصوص، وعقلية المشرع ستخلق إشكالات في التطبيق العملي كبيرجدا، مؤدية إلى إغراق المحاكم في دعاوى كيدية، وربما تكون غير منبضطة، لأن النص غير منضبط”.

يشار إلى أن التعديلات المقرة من قبل مجلس النواب على المادة 278 من قانون العقوبات، تنتظر الموافقة من قبل مجلس الأعيان والمصادقه عليها من قبل الملك ثم تُنشر في الجريدة الرسمية لتصبح نافذة، وفي حال نفاذها ، فإنها لن تطبق على الجرائم المنظروة اليوم، فهي سيطبق عليها المادة التي كانت وقت وقوع الجريمة، أما عن الجرائم التي ستقع بعد نفاذ القانون هي من سيطبق عليها النص الجديد.

في حين تؤكد الور ونصراوين أن إهانة  لشعور أو المعتقد  الديني هي عادة دخيلة على المجتمع الأردني، فهل ستكون التعديلات على المادة سببا في ضبط هذه العادات الدخيلة، وتغير المجتمع للأفضل؟ أم ستفتح بابا جديدا للدعوات الكيدية وتوسع هذه العادة الدخيلة؟

مزيد من الاخبار والمقالات ملح الارض

أضف تعليقك