ماذا تبقى من الطبقة الوسطى؟

ماذا تبقى من الطبقة الوسطى؟

مفتاح "البرنامج الوطني للإصلاح المالي والاقتصادي والاجتماعي"، الذي أعلنته الحكومة أول من أمس، يكمن في نقل الحرائق في الموازنة العامة إلى جيوب المواطنين، وتحميلهم أعباء إضافية، وتكبيل قدراتهم على التكيف مع الضغوط الاقتصادية.

أمّا الفقرات، التي تضمّنها البرنامج عن دعم الطبقة الوسطى والفقيرة، فكلها صياغات ليس لها مردود واقعي حقيقي، وليست أكثر من محاولة لتجميل "حُزمة الضرائب" والسياسات الجديدة، وتمريرها!

الرفع الكبير للضرائب (على البنزين والاتصالات الخلوية والسجائر والمشروبات الكحولية، وإلغاء إعفاء القهوة) سيؤثر بالضرورة على أسعار أغلب السلع والخدمات، وسيطاول الطبقة الفقيرة، فيما يطرح سؤال: ماذا سيتبقى من الطبقة الوسطى؟!

كان تقييم كثير من المراقبين للفريق الاقتصادي الحالي بأنه ينتمي إلى "الليبرالية الاجتماعية"، وقد أعلن عن تحفظات (ضمنية) على السياسات الاقتصادية السابقة، التي لا تراعي الجانب الاجتماعي، وإذا به يسير في الطريق نفسها، ويقوم بما لم يقم به دعاة "الليبرالية المتوحشة".

ذلك أنّ النِسب الجديدة من الضرائب تستبطن "مدرسة اقتصادية"، لا توجد إلا في دول متقدمة، يتمتع مواطنها بدخل مرتفع وعال، وخدمات متميّزة، وفي المقابل تتوافر له فرص عمل وخيارات واسعة ومنظومة قوانين حاسمة، وهي ظروف (بالضرورة) مفقودة هنا.

معضلة المعادلة الاقتصادية الجديدة أنّ الشريحة الاجتماعية العريضة غير مؤهلة لها، وليست قادرة على التكيف الفجائي معها، وتحتاج إلى مراحل تمهّد الطريق عبر إعادة هيكلة في التعليم وسوق العمل ومنظومة القوانين، وإلاّ فإنّها (أي المعادلة الاقتصادية) ستخلق تشوّهات وشروخا اجتماعية واقتصادية واسعة وكبيرة.

القرارات الاقتصادية الجديدة تقطع خطوات واسعة في تخلي الدولة عن مسؤوليتها الاجتماعية، والحدّ من نفقاتها ودعمها للسلع، واختزال التفكير فقط في الحدّ من النفقات العامة، وكذلك الجارية، وما قد يحمله ذلك لاحقاً من الاستغناء عن أعداد من الموظفين في القطاع العام.

الجانب المسكوت عنه في التحولات الاقتصادية البنيوية أنّها تطرح مدى صلاحية "المعادلة السياسية" الحالية، التي قامت على "العلاقة الزبونية" بين الدولة والمواطنين، و"مقايضة" الولاء بتوفير فرص عمل وتعليم وخدمات ودخول شهرية جيّدة، ما كان يكفل "تسكين" شريحة واسعة من المجتمع.

إذن، تسير هذه السياسات "شوطاً" جديداً في التحول الاقتصادي، الذي يستبطن تغيّراً في نمط العلاقة بين الدولة والمواطن، تذوب وتذوي معه الصيغة السابقة، وتنتج مقايضة جديدة معكوسة، يدفع المواطن للدولة، ويوفر القطاع الخاص الفرص، وفي المقابل تقدّم الدولة الأمن والخدمات الأساسية.

سيكون الخيار السياسي مستقبلا، إمّا إبقاء ماكينة "شراء الوقت" وبيع الكلام وسياسة "طحن الهواء"، ما يُنتج مزيداً من الأزمات والمشكلات، كما هي الحال في الإضرابات والعنف الاجتماعي وأزمات المعلمين والمتقاعدين وسؤال الوحدة الوطنية، أو إصلاحا سياسيا بنيويا، لا شكليا، ولا دوراناً حول الذات، يضمن توسيع قاعدة المشاركة في صنع القرار وتمثيل الشرائح المختلفة.

 

أضف تعليقك