لكن من "أشعل الحرائق"!

لكن من "أشعل الحرائق"!

تبدو مهمة وزير المالية د. محمد أبو حمور أقرب إلى "رجل الإطفاء"، الذي يسعى إلى إخماد "الحرائق" في الموازنة العامة، قبل أن تلتهم الديون والعجز الاقتصاد الوطني، وتصل الاستحقاقات إلى مرحلة أخطر وأكثر قلقاً!

 الفريق الاقتصادي يؤكد أنه لا بديل من القيام بجراحات قاسية للخروج من الأزمة المالية، ويقارن ذلك بالإجراءات الأكثر قساوة المتبعة اليوم في العديد من الدول، كبريطانيا، واليونان وإسبانيا، التي وصلت إلى تخفيض رواتب العاملين في القطاع العام والاستغناء عن عدد من الموظفين، وتقليص هائل في النفقات الجارية.

 رغم عدم جواز المقارنة بين ما يحدث في الدول الأوروبية من إجراءات، إذ تتوافر هنالك بدائل وفرص اقتصادية وأوضاع مالية أفضل بكثير، وبين الحال هنا التي تعاني أصلاً من عدم قدرة شريحة واسعة على التكيف مع التحولات الاقتصادية، فإنّ قابلية المواطن الأردني لتقبل إجراءات تقشفية وقاسية كبيرة جداً، لكن إذا تقبّلت الحكومة الاستماع إليه، وهو يدفع ثمناً باهظاً من الكلفة المالية لعجز الموازنة والمديونية المرتفعة.

 أليس من حق المواطن، وهو يعاني من الظروف الاقتصادية القاسية، أن يتساءل عن مسؤولية من أشعل الحرائق في الموازنة العامة، وخلق هذه المعاناة لدى شريحة واسعة من الناس؟ وعن الأسباب التي حرفت برنامج التصحيح الاقتصادي عن مساره، فعاد العجز إلى مستويات مرعبة ومقلقة تهدد الأمن الوطني؟!

 بلغة الأرقام، فإنّ هنالك قفزة غير مبررة ولا منطقية حدثت في عجز الموازنة بعد العام 2004، أي منذ تخرّج الأردن من برنامج صندوق النقد الدولي، وتخلّصه من الآثار المريرة للأزمة الاقتصادية في العام 1989. فقد حافظت الموازنة على عجز يصل في أسوأ أحواله إلى 200 مليون دينار، في الأعوام 2000 إلى 2004، وفجأة قفز العجز في العام 2005 إلى ما يزيد على 400 مليون دينار، واستمر الارتفاع إلى أن وصل إلى قرابة بليون وأربعمائة مليون دينار في العام 2009، وهو أكبر عجز في تاريخ المملكة، ما عزز من سياسات الاقتراض مرة أخرى، وراكم مديونية كبيرة على الاقتصاد الوطني!

 بلا شك، هنالك دور كبير للأزمة المالية العالمية، لكن أرقام الموازنات تكشف أيضاً مسؤولية أخطر تقع على عاتق الفريق الاقتصادي، الذي قاد البلاد خلال الأعوام السابقة، وبالغ كثيراً في النفقات والأوهام الاقتصادية، ما رفع معدل التضخم وضاعف من الشروط الاقتصادية للحياة في الأردن، وبدت الأمور وكأننا دولة نفطية، لا دولة محدودة الموارد، تعتمد على المساعدات الخارجية.

 رغم كل الإجراءات القاسية الحالية، فإنّ الحد من النفقات الجارية يبدو مسألة صعبة ومعقدة، وسنبقى نعاني من ارتفاع المديونية والعجز في الموازنة. لذلك المطلوب ألا يغرق الفريق الاقتصادي بسياسة إطفاء الحرائق، عن المهمة الرئيسة وهي إعادة هيكلة المشروع الاقتصادي، والتفكير مرة أخرى بالمسارات التي تتناسب مع موارد الدولة والرهانات التنموية الواقعية، لا الوهمية التي أدت بنا إلى "موازنات وهمية"!

أضف تعليقك