الصلاة عند المسيحيّين: تسبيح للربّ واستجابة لأشواق القلب

كان المسيح يؤمن بالصلاة إيمانا راسخا ويعتبرها القوة الفعالة في حياة المؤمن، فكان يصلي في البراري والجبال والأماكن المنعزلة، ويصلى من أجل البشر، ويصلي من أجل الأطفال، ويصلى من أجل المحزونين، وكانت حياته كلها صلاة. ومع ذلك، لا يوجد في المسيحية نص من الكتاب المقدس يحدد عددا معينا من الصلوات في اليوم، أو يحدد مواقيت لها، بل إن كل ذلك يعود إلى نشاط المصلين ورغبتهم في العبادة. فعلام اعتمد المسيحيون في تخصيص أوقات معينة للصلاة، وما هي أوقاتها؟

ylliX - Online Advertising Network

يقول بول شو: "الله يستطيع أن يتكلم إلينا دائما لكننا ينبغي أن نعرف توقيته ومعرفة توقيت الله يحتاج منا إلى تدريب وصبر، فينبغي أن تسمع في الوقت الذي يريد الله فيه أن يتكلم إلينا ليس قبله ولا بعده، وهذا يستلزم منا أن نكون يقظين تماما ومستعدين في كل وقت للسمع والطاعة"[1]. ويقول الدكتور جاك إسحاق: "مال المسيحيون الأوائل إلى عدم حصر الصلاة في أوقات محددة وساعات معينة تمسكا بالقاعدة الإنجيلية[2] التي أوصت بالصلاة المستمرة"[3]. وحسب قاموس الكتاب المقدس، فإنه لا نبغي أن تنحصر الصلاة في زمن معين لكن من اللائق تعيين أوقات معينة للصلاة[4].

ويقول إسكندر جديد "أما من جهة عدد الصلوات وأوقاتها، فإن الكتاب المقدس لم يحددها. ولكن تجد فيه أمثلة عديدة من رجال الله المصلين كدانيال الذي كان يصلي صبحا وظهرا ومساء وداود، حيث قال[5]: "سَبْعَ مَرَّاتٍ فِي النَّهَارِ سَبَّحْتُكَ عَلَى أَحْكَامِ عَدْلِكَ""[6]. وطبقا لهذا النص المزموري جعل الأورثوذكس من الصلاة سبعا، بدلا من ثلاث التي عرف بها اليهود، وفيها كذلك مخالفة لهم، وهم يفضلون الإكثار من الصلاة وهذا أهم مبدأ عندهم.

واستنتج رجال الدين المسيحيون عن طريق التأمل بعمق في حياة رجال الصلاة عبر الكتاب المقدس أن أكثر الأوقات ملاءمة للصلاة هي صلاة الصباح الأولى؛ أي قبل القيام بأي عمل.

ويخبرنا الإنجيل أنّ يسوع ينهض في الصباح باكرا جدا، ويذهب إلى موضع صلاة ليصلي[7]، ويرون أن الصباح الباكر هو أحسن وقت للصلاة الروحية، لأن الأرواح في الصباح الباكر تكون نشيطه ومنتعشة، وإنه لحسن جدا أن يلتمسوا من الله بركات بقية يومهم كله بالصلاة الصباحية.

إن الديانة المسيحية لم تحدد الصلاة بأوقات معينة، بل تركتها لأشواق القلب؛ فالذي تعلق قلبه بالرب يصلي ولا يمل لكن لا يكفي أن تكون صلاته كلاما يسبح لله به فحسب، بل أعمالا يمجده الله بها.

يقول محمد عزت الطهطاوي: "لا يوجد لدى المسيحيين نص عن عدد معين من الصلوات كل يوم أو مواقيت لها (...) وكلما خطر على البال ذكر الله ومحبته يتجهون إليه سواء أكان بالقول أم بالتوجيهات القلبية بدون كلام لأن الله يعلم ما في القلوب"[8]، ويستند أصحاب هذا الرأي إلى بعض النصوص الواردة في العهد الجديد مثل ما ورد في إنجيل يوحنا: "اَللهُ رُوحٌ. وَالَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَالْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا"[9]، وجاء في رسالة بولس إلى أهل تسالونيك: "صَلُّوا بِلَا انْقِطَاعٍ"[10].

وقد دعا بولس المسيحيين إلى الصلاة في كل وقت فقال: "صَلُّوا بِلَا انْقِطَاعٍ"[11]. وقد اتخذوا من هذه الدعوة إلى تحديد محطات للصلاة تجعلهم على اتصال دائم مع خالقهم، فاعتمدوا في تنظيم صلواتهم على التقسيم المدني للنهار الذي يقسم إلى 12 ساعة.

ويقول عبد الرزاق رحيم صلال: "ويجب التمييز بين صلاة المسيحي المتفرع للعمل والراهب المتفرع للعبادة؛ فالأول يعمل طوال النهار ويتمسك بصلاة الصباح والمساء. أما الرهبان الذين يعيشون في الأديرة منعزلين، فيقيمون الصلوات السبع وربما يزيدون عليها".[12]

وعلى الرغم من أن الأوقات الشرعية للصلاة ثلاثة في الصباح والظهر والمساء، إلا أنهم عمدوا إلى ربط مواقيت صلاتهم بأحداث دينية يحبونها ويعظمونها. فبعد أن تقام صلاة الصباح تقام صلاة الساعة الثالثة (التاسعة صباحا)، ومن ثم صلاة السادسة (الثانية عشرة ظهرا) وصلاة الساعة التاسعة (الثالثة ظهرا) وصلاة المساء وأضافوا إليها صلاة قبل النوم التي تقابل صلاة العشاء عندنا وصلاة منتصف الليل[13].

وحول صلاة الظهر، يضيف الأب جاك إسحاق[14] "أضيفت صلاة الظهر زمن المسيح عليه السلام، إذ وجد الناس في الوقت متسعا لشد النفس بصورة أقوى مع الله جل شأنه وتطبيقا لمبدأ فرض العهد الجديد بقول المسيح "يَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّي كُلَّ حِينٍ وَلا يَمَلُّ"[15].

إن تعيين أوقات الصلاة قد توافقت عليه كل الكنائس المسيحية، حتى البروتستانت أنفسهم عينوا أوقاتا خصوصية للصلاة العامة والانفرادية، إذ جاء في كتاب كشف الظلام: "تعين أوقات مرتبة خصوصية كما تعين أوقات الأكل وارتأوا أن تكون على أقل مرة أو مرتين في النهار واعتبروا الصلاة ثلاث مرات أنفع"[16]. وبحسب الطقس الأرثوذكسي الذي يبدأ بالمساء، تكون صلاة المساء هي أول الصلوات اليومية عند الكنيسة الأرثوذكسية.

أوقات الصلاة التي عينها رجال الدين المسيحيون:

اعتمدت الكنيسة في هذه المواقيت على نص في المزمور[17] جاء فيه: "سَبْعَ مَرَّاتٍ فِي النَّهَارِ سَبَّحْتُكَ عَلَى أَحْكَامِ عَدْلِكَ"[18]. فهي إذن سبع صلوات بين اليوم والليلة، وهي: صلاة باكر وصلاة الساعة الثالثة والسادسة والتاسعة ومنتصف الليل وصلاة اليوم وهذه الصلوات ليس لها ترتيب خاص، وإنما هي أدعية تختلف من مكان لمكان وغاية ما يلزم أن تحويه أن تكون على نسق الصلاة الربانية التي قدمها المسيح[19].

وهذا تفصيل لأوقات الصلاة والنصوص المتلوة فيها ودلالاتها حسب عقيدتهم:

1- صلاة المساء (السادسة مساء):

صلاة المساء أو صلاة الساعة السادسة هي صلاة لشكر الرب الذي أعطى الليل، ليكون سكنا وراحة من أتعاب النهار. وتقام أحيانا ساعة الغروب وهي الساعة التي توافق نزول المسيح من على الصليب[20] بحسب زعمهم.

ويقرأ المسيحيون المزامير الآتية ذكرها في صلاة الساعة السادسة:

"مَا أَحْلَى مَسَاكِنَكَ يَا رَبَّ الْجُنُودِ! تَشْتَاقُ بَلْ تَتُوقُ نَفْسِي إِلَى دِيَارِ الرَّبِّ. قَلْبِي وَلَحْمِي يَهْتِفَانِ بِالإِلهِ الْحَيِّ. الْعُصْفُورُ أَيْضًا وَجَدَ بَيْتًا، وَالسُّنُونَةُ عُشًّا لِنَفْسِهَا حَيْثُ تَضَعُ أَفْرَاخَهَا، مَذَابِحَكَ يَا رَبَّ الْجُنُودِ، مَلِكِي وَإِلهِي. طُوبَى لِلسَّاكِنِينَ فِي بَيْتِكَ، أَبَدًا يُسَبِّحُونَكَ. سِلاَهْ. طُوبَى لأُنَاسٍ عِزُّهُمْ بِكَ. طُرُقُ بَيْتِكَ فِي قُلُوبِهِمْ. عَابِرِينَ فِي وَادِي الْبُكَاءِ، يُصَيِّرُونَهُ يَنْبُوعًا. أَيْضًا بِبَرَكَاتٍ يُغَطُّونَ مُورَةَ. يَذْهَبُونَ مِنْ قُوَّةٍ إِلَى قُوَّةٍ. يُرَوْنَ قُدَّامَ اللهِ فِي صِهْيَوْنَ. يَا رَبُّ إِلهَ الْجُنُودِ، اسْمَعْ صَلاَتِي، وَاصْغَ يَا إِلهَ يَعْقُوبَ. سِلاَهْ. يَا مِجَنَّنَا انْظُرْ يَا اَللهُ، وَالْتَفِتْ إِلَى وَجْهِ مَسِيحِكَ. لأَنَّ يَوْمًا وَاحِدًا فِي دِيَارِكَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفٍ. اخْتَرْتُ الْوُقُوفَ عَلَى الْعَتَبَةِ فِي بَيْتِ إِلهِي عَلَى السَّكَنِ فِي خِيَامِ الأَشْرَارِ. لأَنَّ الرَّبَّ، اللهَ، شَمْسٌ وَمِجَنٌّ. الرَّبُّ يُعْطِي رَحْمَةً وَمَجْدًا. لاَ يَمْنَعُ خَيْرًا عَنِ السَّالِكِينَ بِالْكَمَالِ. يَا رَبَّ الْجُنُودِ، طُوبَى لِلإِنْسَانِ الْمُتَّكِلِ عَلَيْكَ"[21]. ويرتلون كذلك: "أَسَاسُهُ فِي الْجِبَالِ الْمُقَدَّسَةِ. الرَّبُّ أَحَبَّ أَبْوَابَ صِهْيَوْنَ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ مَسَاكِنِ يَعْقُوبَ. قَدْ قِيلَ بِكِ أَمْجَادٌ يَا مَدِينَةَ اللهِ: سِلاَهْ"[22]. ويدعون قائلين: "لأَسْكُنَنَّ فِي مَسْكَنِكَ إِلَى الدُّهُورِ. أَحْتَمِي بِسِتْرِ جَنَاحَيْكَ. سِلاَهْ"[23].

2- صلاة الستار أو النوم (التاسعة ليلا):

تعتبر صلاة النوم وقاية من أخطار الليل ولربما رقد المرء واستيقظ ليجد نفسه في عالم الأبدية. وفي هذه الساعة وضع يسوع في القبر، وفيها إشارة حسب اللاهوتيين إلى آخر ساعة من عمر الإنسان، وبما أن النوم يذكر الإنسان بالموت فينبغي أن يظهر الإنسان التوبة والندامة في هذه الصلاة، ويطلب الرحمة والغفران بما أن الوقت الذي تتم فيه هذه الصلاة هو ساعة النوم[24]. كما تعتبره الكنسية وقت نزول المسيح للجحيم وتخليص أنفس الصديقين المنتظرين محبي المخلص الذي تألم لكي يقربهم إلى الله[25]، فقد ورد في خطبة لبطرس قوله: "سَبَقَ فَرَأَى وَتَكَلَّمَ عَنْ قِيَامَةِ الْمَسِيحِ، أَنَّهُ لَمْ تُتْرَكْ نَفْسُهُ فِي الْهَاوِيَةِ وَلاَ رَأَى جَسَدُهُ فَسَادًا"[26]. لأجل هذا تضمنت هذه الصلوات من المزامير أقوالا عن نزول المسيح إلى السجن وتخليص أنفس الصديقين كما في مزمور149: "هَلِّلُويَا. غَنُّوا لِلرَّبِّ تَرْنِيمَةً جَدِيدَةً، تَسْبِيحَتَهُ فِي جَمَاعَةِ الأَتْقِيَاءِ. لِيَفْرَحْ إِسْرَائِيلُ بِخَالِقِهِ. لِيَبْتَهِجْ بَنُو صِهْيَوْنَ بِمَلِكِهِمْ. لِيُسَبِّحُوا اسْمَهُ بِرَقْصٍ. بِدُفّ وَعُودٍ لِيُرَنِّمُوا لَهُ. لأَنَّ الرَّبَّ رَاضٍ عَنْ شَعْبِهِ. يُجَمِّلُ الْوُدَعَاءَ بِالْخَلاَصِ. لِيَبْتَهِجِ الأَتْقِيَاءُ بِمَجْدٍ. لِيُرَنِّمُوا عَلَى مَضَاجِعِهِمْ. تَنْوِيهَاتُ اللهِ فِي أَفْوَاهِهِمْ، وَسَيْفٌ ذُو حَدَّيْنِ فِي يَدِهِمْ. لِيَصْنَعُوا نَقْمَةً فِي الأُمَمِ، وَتَأْدِيبَاتٍ فِي الشُّعُوبِ. لأَسْرِ مُلُوكِهِمْ بِقُيُودٍ، وَشُرَفَائِهِمْ بِكُبُول مِنْ حَدِيدٍ. لِيُجْرُوا بِهِمْ الْحُكْمَ الْمَكْتُوبَ. كَرَامَةٌ هذَا لِجَمِيعِ أَتْقِيَائِهِ. هَلِّلُويَا"، وهم يصلونها ذكرى لدفن المسيح طالبين أن يمكث معهم كل الليل كما في لوقا، حيث ورد فيه: "وَفَأَلْزَمَاهُ قَائِلَيْنِ: «امْكُثْ مَعَنَا، لأَنَّهُ نَحْوُ الْمَسَاءِ وَقَدْ مَالَ النَّهَارُ». فَدَخَلَ لِيَمْكُثَ مَعَهُمَا"[27].

ويقرأ في صلاة النوم أو الستار على الساعة التاسعة ليلا: "اُذْكُرْ يَا رَبُّ دَاوُدَ، كُلَّ ذُلِّهِ. كَيْفَ حَلَفَ لِلرَّبِّ، نَذَرَ لِعَزِيزِ يَعْقُوبَ: «لاَ أَدْخُلُ خَيْمَةَ بَيْتِي. لاَ أَصْعَدُ عَلَى سَرِيرِ فِرَاشِي. لاَ أُعْطِي وَسَنًا لِعَيْنَيَّ، وَلاَ نَوْمًا لأَجْفَانِي، أَوْ أَجِدَ مَقَامًا لِلرَّبِّ، مَسْكَنًا لِعَزِيزِ يَعْقُوبَ»[28]. ونص: "هوذا مَا أَحْسَنَ وَمَا أَجْمَلَ أَنْ يَسْكُنَ الإِخْوَةُ مَعًا!"[29]. وكذلك نص[30]: "يَا رَبُّ، إِلَيْكَ صَرَخْتُ. أَسْرِعْ إِلَيَّ. أَصْغِ إِلَى صَوْتِي عِنْدَ مَا أَصْرُخُ إِلَيْكَ. لِتَسْتَقِمْ صَلاَتِي كَالْبَخُورِ قُدَّامَكَ. لِيَكُنْ رَفْعُ يَدَيَّ كَذَبِيحَةٍ مَسَائِيَّةٍ"[31].

3- صلاة نصف الليل (الثانية عشرة منتصف الليل):

يقوم المسيحيون بالصلاة في منتصف الليل تخليدا لليلة آلام المسيح الذي أكثر من الصلاة ليلتها، ويقوم بها المؤمنون طلبا للنجاة من الشرير (الشيطان) وجنوده. كما أن المسيح حذرهم من مجيء الرب المباغت ورغب إليهم الصلاة الليلية[32]، وأمر المسيح يوافق ما جاء في سفر المزامير: "فِي مُنْتَصَفِ اللَّيْلِ أَقُومُ لأَحْمَدَكَ عَلَى أَحْكَامِ بِرِّكَ"[33]. كما يصلون صلاة نصف الليل طالبين من يسوع أن ينبه قلوبهم ويوقظ نفوسهم من نوم الغفلة وأن ينظر إليهم بعين الرحمة والنفس[34].

لقد كان داود عليه السلام معتادا أن يقضي طوال الليل في الصلاة ففي مزمور يسمى صلاته أثناء الليل "السهد" "إِذَا ذَكَرْتُكَ عَلَى فِرَاشِي، فِي السُّهْدِ أَلْهَجُ بِكَ"[35].

والصلاة المسائية تتألف من العناصر الآتية:

- ذبيحة المساء التي تقوم قبل الساعة الثالثة بعد الظهر.

- تلاوة الوصايا العشر.

- دعاءان يمجدان الرب ويصفان حكمته وعظمته.

- تلاوة الصلاة المركزة "اِسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ: الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ. فَتُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ وَمِنْ كُلِّ قُوَّتِكَ"[36].

- تلاوة دعاء يعقوب الذي يتضمن اعترافا بقدرة الله وتضرعا لرفع الخطر عن بنيه.

- ويقرؤون بعدها البركات وقراءات من التوراة خاصة أيام السبت والاثنين والخميس والأعياد، يسبقها ترنيم بقراءة من سفر العدد[37]: «قُمْ يَا رَبُّ، فَلْتَتَبَدَّدْ أَعْدَاؤُكَ وَيَهْرُبْ مُبْغِضُوكَ مِنْ أَمَامِكَ» و«ارْجِعْ يَا رَبُّ إِلَى رِبَوَاتِ أُلُوفِ إِسْرَائِيلَ». وكذلك تقرأ آيات من أشعياء مثل[38]: "لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْنًا، وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيبًا، مُشِيرًا، إِلهًا قَدِيرًا، أَبًا أَبَدِيًّا، رَئِيسَ السَّلاَمِ. لِنُمُوِّ رِيَاسَتِهِ، وَلِلسَّلاَمِ لاَ نِهَايَةَ عَلَى كُرْسِيِّ دَاوُدَ وَعَلَى مَمْلَكَتِهِ، لِيُثَبِّتَهَا وَيَعْضُدَهَا بِالْحَقِّ وَالْبِرِّ، مِنَ الآنَ إِلَى الأَبَدِ"[39].

4- صلاة باكر أو الصباح (السادسة صباحا):

تصلى صلاة باكر في السادسة صباحا شكرا لله الذي أجاز الليل بسلام، ولأنه أعطى النهار. وتستلهم عناصر الصلاة الصباحية من المراسيم والأدعية التي كانت ترفع في الهيكل والمجامع وتحتوي على الطقوس التالية:

- الاستعداد للصلاة نفسيا وإيمانيا وإقامة صلاة صامتة تسبق صلاة الجماعة يتأملون فيها الانفراد بمعاني الكلمات التي يقرؤونها جميعا.

- التبخير الصباحي: وهي رتبة تعد من مكملات الصلاة خاصة في الأوقات الرئيسة للصلاة، مثل طقس يوم الأحد، فقد جاء في المزمور: "لِتَسْتَقِمْ صَلاَتِي كَالْبَخُورِ قُدَّامَكَ"[40].

- الذبيحة الدائمة: وتقدم قبل طلوع الشمس وتنتهي عند الساعة التاسعة صباحا وأصلها تعليمات الكتاب المقدس حيث ورد في المزمور: "اسْتَمِعْ صَوْتَ تَضَرُّعِي إِذْ أَسْتَغِيثُ بِكَ وَأَرْفَعُ يَدَيَّ إِلَى مِحْرَابِ قُدْسِكَ. لاَ تَجْذِبْنِي مَعَ الأَشْرَارِ، وَمَعَ فَعَلَةِ الإِثْمِ الْمُخَاطِبِينَ أَصْحَابَهُمْ بِالسَّلاَمِ وَالشَّرُّ فِي قُلُوبِهِمْ. أَعْطِهِمْ حَسَبَ فِعْلِهِمْ وَحَسَبَ شَرِّ أَعْمَالِهِمْ. حَسَبَ صُنْعِ أَيْدِيهِمْ أَعْطِهِمْ. رُدَّ عَلَيْهِمْ مُعَامَلَتَهُمْ. لأَنَّهُمْ لَمْ يَنْتَبِهُوا إِلَى أَفْعَالِ الرَّبِّ، وَلاَ إِلَى أَعْمَالِ يَدَيْهِ، يَهْدِمُهُمْ وَلاَ يَبْنِيهِمْ. مُبَارَكٌ الرَّبُّ، لأَنَّهُ سَمِعَ صَوْتَ تَضَرُّعِي. الرَّبُّ عِزِّي وَتُرْسِي. عَلَيْهِ اتَّكَلَ قَلْبِي، فَانْتَصَرْتُ. وَيَبْتَهِجُ قَلْبِي وَبِأُغْنِيَتِي أَحْمَدُهُ. الرَّبُّ عِزٌّ لَهُمْ، وَحِصْنُ خَلاَصِ مَسِيحِهِ هُوَ. خَلِّصْ شَعْبَكَ، وَبَارِكْ مِيرَاثَكَ، وَارْعَهُم وَاحْمِلْهُم إِلَى الأَبَدِ".[41]

- قراءة المزامير الصباحية.

- تلاوة الوصايا العشر.

- قراءة الصلاة المسمى (اسمع) والتي ورد فيها "اِسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ: الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ. فَتُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ وَمِنْ كُلِّ قُوَّتِكَ. وَلْتَكُنْ هذِهِ الْكَلِمَاتُ الَّتِي أَنَا أُوصِيكَ بِهَا الْيَوْمَ عَلَى قَلْبِكَ، وَقُصَّهَا عَلَى أَوْلاَدِكَ، وَتَكَلَّمْ بِهَا حِينَ تَجْلِسُ فِي بَيْتِكَ، وَحِينَ تَمْشِي فِي الطَّرِيقِ، وَحِينَ تَنَامُ وَحِينَ تَقُومُ، وَارْبُطْهَا عَلاَمَةً عَلَى يَدِكَ، وَلْتَكُنْ عَصَائِبَ بَيْنَ عَيْنَيْكَ، وَاكْتُبْهَا عَلَى قَوَائِمِ أَبْوَابِ بَيْتِكَ وَعَلَى أَبْوَابِكَ"[42]، مصحوبة بأدعية وقراءات مختارة من التوراة والإنجيل وتتميز الصلاة الأسبوعية في يوم الأحد بخطبة يقدمها القس. ويعقب الصلاة العشاء الرباني[43].

- تقدم الكنيسة في بدء صلاة الصبح قطعة وعظية عبارة عن فصل من رسالة بولس، وهي قوله: فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ، أَنَا الأَسِيرَ فِي الرَّبِّ: أَنْ تَسْلُكُوا كَمَا يَحِقُّ لِلدَّعْوَةِ الَّتِي دُعِيتُمْ بِهَا. بِكُلِّ تَوَاضُعٍ، وَوَدَاعَةٍ، وَبِطُولِ أَنَاةٍ، مُحْتَمِلِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فِي الْمَحَبَّةِ[44].

5- صلاة الساعة الثالثة الإنجيلية[45] (التاسعة صباحا):

هذه الصلاة تتزامن مع الوقت الذي حكم فيه على يسوع بالموت بعد جلده، ولذلك يتأمل المسيحيون في آلامه ويشكرونه لاحتماله ذلك عنهم لينجوا من يوم الدينونة الرهيب. كما يتزامن وقت هذه الصلاة مع حلول الروح القدس على التلاميذ في علية صهيون، ولذلك يسمونها صلاة رجال الله القديسين. ويقرأ المصلي في صلاة الساعة الثالثة ما يلي: "أَغْسِلُ يَدَيَّ فِي النَّقَاوَةِ، فَأَطُوفُ بِمَذْبَحِكَ يَا رَبُّ، لأُسَمِّعَ بِصَوْتِ الْحَمْدِ، وَأُحَدِّثَ بِجَمِيعِ عَجَائِبِكَ. يَا رَبُّ، أَحْبَبْتُ مَحَلَّ بَيْتِكَ وَمَوْضِعَ مَسْكَنِ مَجْدِكَ"[46]. ويقرأ أيضا: "أَرْسِلْ نُورَكَ وَحَقَّكَ، هُمَا يَهْدِيَانِنِي وَيَأْتِيَانِ بِي إِلَى جَبَلِ قُدْسِكَ وَإِلَى مَسَاكِنِكَ. 4فَآتِي إِلَى مَذْبَحِ اللهِ، إِلَى اللهِ بَهْجَةِ فَرَحِي، وَأَحْمَدُكَ بِالْعُودِ يَا اَللهُ إِلهِي"[47].

ويركز الأرثوذكس على وعود الله في صلاة الساعة الثالثة، حيث يقول البابا شنودة[48]: "نجد مزامير كثيرة مملوءة بالوعود الإلهية كلها تشبع رجاء ومعونة واستجابة ومنها المزمور حيث يقول: "لِيَسْتَجِبْ لَكَ الرَّبُّ فِي يَوْمِ الضِّيقِ. لِيَرْفَعْكَ اسْمُ إِلهِ يَعْقُوبَ. لِيُرْسِلْ لَكَ عَوْنًا مِنْ قُدْسِهِ، وَمِنْ صِهْيَوْنَ لِيَعْضُدْكَ. لِيَذْكُرْ كُلَّ تَقْدِمَاتِكَ، وَيَسْتَسْمِنْ مُحْرَقَاتِكَ. سِلاَهْ. لِيُعْطِكَ حَسَبَ قَلْبِكَ، وَيُتَمِّمْ كُلَّ رَأْيِكَ. نَتَرَنَّمُ بِخَلاَصِكَ، وَبِاسْمِ إِلهِنَا نَرْفَعُ رَايَتَنَا. لِيُكَمِّلِ الرَّبُّ كُلَّ سُؤْلِكَ. اَلآنَ عَرَفْتُ أَنَّ الرَّبَّ مُخَلِّصُ مَسِيحِهِ، يَسْتَجِيبُهُ مِنْ سَمَاءِ قُدْسِهِ، بِجَبَرُوتِ خَلاَصِ يَمِينِهِ. هؤُلاَءِ بِالْمَرْكَبَاتِ وَهؤُلاَءِ بِالْخَيْلِ، أَمَّا نَحْنُ فَاسْمَ الرَّبِّ إِلهِنَا نَذْكُرُ. هُمْ جَثَوْا وَسَقَطُوا، أَمَّا نَحْنُ فَقُمْنَا وَانْتَصَبْنَا. يَا رَبُّ خَلِّصْ! لِيَسْتَجِبْ لَنَا الْمَلِكُ فِي يَوْمِ دُعَائِنَا!"[49]، إني أنصح كل من يصلي أن يتلو هذا المزمور وأنصح كل أب كاهن أن يتلوه على رؤوس أبنائه في ضيافتهم. كما أن المزمور 33-34 حافل بكثير من وعود الله مما يطمئن المصلي"[50].

وفي سياق شرح يوحنا سلامة نص إنجيل يوحنا الذي يحمل وعود عودة المسيح، والذي ورد فيه: "سَلاَمًا أَتْرُكُ لَكُمْ. سَلاَمِي أُعْطِيكُمْ ... "[51]، يقول: "إن صلاة الساعة الثالثة تذكر المصلي:

- بقضاء ببلاطس على يسوع وتقديمه لليهود وصلبه.

- تذكر بحلول الروح القدس على التلاميذ من العلية.

- وفيها الطلبات التي تتلوها الكنيسة (...) أننا نصلي لذكر تلك الأعجوبة التي باركت العالم وقدست المسكونة، وإنجيل يوحنا يتضمن وعد المسيح بإرسال الروح القدس من عند الأب باسمه ليعلمهم كل شيء.

- وفيها نطلب من الله الذي وهب تلاميذه الأطهار الروح القدس في الساعة الثالثة أن يعطينا إياه ويجدده في أعشائنا روحا مستقيما وقلبا نقيا وأن لا يطرحنا من قدام وجهه وروحه االقدوس لا ينزعه منا"[52].

6- صلاة الظهر (الثانية عشرة ظهرا):

تعتبر هذه الصلاة تخليدا لساعة صلب المسيح، فيتأملون في ذلك ويحمدونه لأن فيه رمزية لمحبة الله والمسيح لهم، حيث أرسل هذا الأخير ليفتديهم من خطاياهم بزعمهم. وقد ورد أن بطرس أتاه حلم أثناء صلاته في هذا التوقيت[53].

7- صلاة الساعة التاسعة الإنجيلية[54] (الثالثة بعد الظهر):

تصلى هذه الصلاة في الساعة الثالثة ظهرا وتوافق الساعة التاسعة حسب التوقيت اليهودي في الإنجيل، لأنها ساعة ما بعد موت يسوع، فيها اضطربت المسكونة بأسرها وارتعدت الخلائق، فيتأملون ذلك ويشكرونه لمحبته العظيمة نحوهم ويسألونه أن يخلصهم من الموت الأبدي. وقد ثبت حسب سفر أعمال الرسل أن بطرس ويوحنا صليا في هذا التوقيت بالهيكل[55]. وتتضمن صلاة الساعة التاسعة العبارات الآتية: "فَلَكَ أَذْبَحُ ذَبِيحَةَ حَمْدٍ، وَبِاسْمِ الرَّبِّ أَدْعُو. أُوفِي نُذُورِي لِلرَّبِّ مُقَابِلَ شَعْبِهِ، فِي دِيَارِ بَيْتِ الرَّبِّ، فِي وَسَطِكِ يَا أُورُشَلِيمُ. هَلِّلُويَا"[56]. وكذلك: "هَلِّلُويَا. طُوبَى لِلرَّجُلِ الْمُتَّقِي الرَّبَّ، الْمَسْرُورِ جِدًّا بِوَصَايَاهُ. نَسْلُهُ يَكُونُ قَوِيًّا فِي الأَرْضِ. جِيلُ الْمُسْتَقِيمِينَ يُبَارَكُ. رَغْدٌ وَغِنًى فِي بَيْتِهِ، وَبِرُّهُ قَائِمٌ إِلَى الأَبَدِ. نُورٌ أَشْرَقَ فِي الظُّلْمَةِ لِلْمُسْتَقِيمِينَ. هُوَ حَنَّانٌ وَرَحِيمٌ وَصِدِّيقٌ"[57]. وأيضا: "مَنْ مِثْلُ الرَّبِّ إِلهِنَا السَّاكِنِ فِي الأَعَالِي؟ النَّاظِرِ الأَسَافِلَ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ"[58]. ونصوص مثل: "لَيْسَ لَنَا يَا رَبُّ لَيْسَ لَنَا، لكِنْ لاسْمِكَ أَعْطِ مَجْدًا، مِنْ أَجْلِ رَحْمَتِكَ مِنْ أَجْلِ أَمَانَتِكَ. لِمَاذَا يَقُولُ الأُمَمُ: «أَيْنَ هُوَ إِلهُهُمْ؟ ». إِنَّ إِلهَنَا فِي السَّمَاءِ. كُلَّمَا شَاءَ صَنَعَ. أَصْنَامُهُمْ فِضَّةٌ وَذَهَبٌ، عَمَلُ أَيْدِي النَّاسِ. لَهَا أَفْوَاهٌ وَلاَ تَتَكَلَّمُ. لَهَا أَعْيُنٌ وَلاَ تُبْصِرُ. لَهَا آذَانٌ وَلاَ تَسْمَعُ. لَهَا مَنَاخِرُ وَلاَ تَشُمُّ. لَهَا أَيْدٍ وَلاَ تَلْمِسُ. لَهَا أَرْجُلٌ وَلاَ تَمْشِي، وَلاَ تَنْطِقُ بِحَنَاجِرِهَا. مِثْلَهَا يَكُونُ صَانِعُوهَا، بَلْ كُلُّ مَنْ يَتَّكِلُ عَلَيْهَا. يَا إِسْرَائِيلُ، اتَّكِلْ عَلَى الرَّبِّ. هُوَ مُعِينُهُمْ وَمِجَنُّهُمْ. يَا بَيْتَ هَارُونَ، اتَّكِلُوا عَلَى الرَّبِّ. هُوَ مُعِينُهُمْ وَمِجَنُّهُمْ. يَا مُتَّقِي الرَّبِّ، اتَّكِلُوا عَلَى الرَّبِّ. هُوَ مُعِينُهُمْ وَمِجَنُّهُمْ. الرَّبُّ قَدْ ذَكَرَنَا فَيُبَارِكُ. يُبَارِكُ بَيْتَ إِسْرَائِيلَ. يُبَارِكُ بَيْتَ هَارُونَ. يُبَارِكُ مُتَّقِي الرَّبِّ، الصِّغَارَ مَعَ الْكِبَارِ. لِيَزِدِ الرَّبُّ عَلَيْكُمْ، عَلَيْكُمْ وَعَلَى أَبْنَائِكُمْ. أَنْتُمْ مُبَارَكُونَ لِلرَّبِّ الصَّانِعِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ. السَّمَاوَاتُ سَمَاوَاتٌ لِلرَّبِّ، أَمَّا الأَرْضُ فَأَعْطَاهَا لِبَنِي آدَمَ. لَيْسَ الأَمْوَاتُ يُسَبِّحُونَ الرَّبَّ، وَلاَ مَنْ يَنْحَدِرُ إِلَى أَرْضِ السُّكُوتِ. أَمَّا نَحْنُ فَنُبَارِكُ الرَّبَّ مِنَ الآنَ وَإِلَى الدَّهْرِ. هَلِّلُويَا"[59]. ولا يتسع المقام لكل النصوص، لذلك يمكن العودة لكتاب روحانية الصلاة الأجنبية[60].

ويزعم المسيحيون أنه في هذه الساعة ذاق عيسى الموت بالجسد على الصليب وأسلم الروح في يدي الأب، حيث ينسب إليه متى هذه الحادثة: "وَنَحْوَ السَّاعَةِ التَّاسِعَةِ صَرَخَ يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلاً: «إِيلِي، إِيلِي، لِمَا شَبَقْتَنِي؟» أَيْ: إِلهِي، إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟ (...) فَصَرَخَ يَسُوعُ أَيْضًا بِصَوْتٍ عَظِيمٍ، وَأَسْلَمَ الرُّوحَ"[61]. فهي بالنسبة لهم (أي ساعة موت عيسى) تعتبر خلاصا لهم، وفي ذلك السياق يطلبون من الرب الذي "مات" لأجلهم بزعمهم أن يميت فيهم الميولات الشريرة وأن يبعدهم عن الخطايا[62].

ساعات أخرى للصلاة عند الكاثوليك والبروتيستانت:

من عادات الكاثوليك والبروتستانت أنهم يصلون قبل أن يتناولوا الطعام[63] عملا بما أوصى به بولس: "مَانِعِينَ عَنِ الزِّوَاجِ، وَآمِرِينَ أَنْ يُمْتَنَعَ عَنْ أَطْعِمَةٍ قَدْ خَلَقَهَا اللهُ لِتُتَنَاوَلَ بِالشُّكْرِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَعَارِفِي الْحَقِّ. لأَنَّ كُلَّ خَلِيقَةِ اللهِ جَيِّدَةٌ، وَلاَ يُرْفَضُ شَيْءٌ إِذَا أُخِذَ مَعَ الشُّكْرِ، لأَنَّهُ يُقَدَّسُ بِكَلِمَةِ اللهِ وَالصَّلاَةِ"[64]. لكن هذه تعتبر مثل الأدعية أكثر من كونها صلاة. وعلى كل حال، فلا يعرف البروتستانت عددا معينا للصلاة وهم يفضلون ترك الأمر اختياريا للمصلي. وفي هذا الصدد يقول اسكندر جديد: "فديانة الإنجيل لم تحد الصلاة بأوقات معينة، بل تركتها لأشواق القلب. فالذي قلبه علق بالرب يصلي ولا يمل. فإن لم تكن صلاته كلاما يسبح به، فليس ما يمنع أن تكون أعمالا يمجد الله بها"[65].

والغرض من هذا التكثيف الذي عرفه الأرثوذكس والكاثوليك أن لا تمر عليهم ثلاث ساعات بين صلاة وصلاة إلا ويعودون للصلاة مرة أخرى، وهكذا يرفعون قلوبهم إلى الله بالصلاة خلال فترات النهار والليل.

وأما البروتستانت، فقوانينهم كالآتي:

- لا يلتزم البروتستانت بالصلاة الربانية ويجيزون الصلاة بأية لغة وليس لها مقدار محدد.

- ولا يؤمنون بالصلوات السبع ولا محتوياتها، وهم يختارون ما يشاؤون من الأدعية وتفتتح صلاتهم بالتصليب بلا طهارة أو غسل من الجنابة.

- كما رفضوا الصلاة بلغة غير مفهومة وقد نهى البروتستانت عن اتخاذ الصور والتماثيل في الكنائس والسجود لها. مع العلم أنه قد ظهر في كنيسة كورنثوس أن البعض أثناء الصلاة كان يتلفظ بكلمات غير مفهومة تحتاج إلى ترجمة وهي تعبر عن استغراقهم في التأمل والصلاة وقد ورد هذا في رسالة كورنثوس: "لأَنَّ مَنْ يَتَكَلَّمُ بِلِسَانٍ لاَ يُكَلِّمُ النَّاسَ بَلِ اللهَ، لأَنْ لَيْسَ أَحَدٌ يَسْمَعُ، وَلكِنَّهُ بِالرُّوحِ يَتَكَلَّمُ بِأَسْرَارٍ"[66]. وكان بولس لا يمنع هؤلاء البسطاء من التعبير عن إيمانهم إلا أنه لم يشجع على هذا الأمر وكان يقول: "إِنْ كُنْتُ أَتَكَلَّمُ بِأَلْسِنَةِ النَّاسِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَلكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ، فَقَدْ صِرْتُ نُحَاسًا يَطِنُّ أَوْ صَنْجًا يَرِنُّ"[67].

خلاصة:

يتبين من خلال ما سبق أن الصلاة في المسيحية هي التوجه للرب بالدعاء وطلب المغفرة، وهي تجسيد للمحبة المتبادلة بين الرب والمؤمن. كما أن هذه الصلاة تهتم بالجانب الروحي في العبادة بتوجه قلبي في كل زمان ومكان باعتبار أنها ذات طبيعة سماوية تختلف عن صلوات اليهود التي يعدونها ذات طبيعة أرضية أو مادية مع أن صلاة المسيحيين تعتمد بالأساس على مزامير داود.

وتركز المسيحية في الطهارة والاغتسال على التعميد فقط، أما الطهارة والوضوء قبل الصلاة، فلا يوجد لها ذكر في المسيحية لاعتقادهم أن التطهير يتمثل في طهارة القلب من الأهواء والشهوات، وأن كلمة الله التي يقعون تحت تأثيرها تنقيهم وتطهرهم من كل الشرور، وهو ما يخالف ما تدين به المسيح من أهمية الطهارة.

وتعد صلاة المسيح التي مارسها وأمر أتباعه هي الصلاة الربانية، التي تحتوي على دعوة خالصة للأب وحده لمغفرة خطاياهم ورزقهم. وكان المسيح يعلم تلاميذه كيفية التوجه لله بالصلاة بصدق وإخلاص وتقرب إلى الله بالروح والحق. وتمتاز صلاة السيد المسيح باعتمادها على قوة الإيمان بالله وإعلان التوبة الحقيقية عن كل الخطايا والصفح والمغفرة حتى للأعداء وارتباط الصلاة بالصيام، كما ركز السيد المسيح على الاهتمام بالصلاة في الخلاء وفي الجبال بعيدا عن المظاهر والمراءاة والنفاق.

وتركز المسيحية على ضرورة التوجه للصلاة باسم المسيح، إذ يعتقد أنه يقف في الصلاة ويوقع بالموافقة عليها. وتعتبر الصلاة باسم يسوع شرطا لقبول الصلاة إلى جانب الإيمان بالدين المسيحي. أما بخصوص القبلة، فالكنائس المسيحية في مجملها تتجه جهة المشرق، وهناك طوائف أخرى كالبروتستانت لا يحددون قبلة ويعتبرون قبلتهم في السماء في أي اتجاه.

وكانت أوضاع الصلاة طبقا للصلاة التي صلاها المسيح تشتمل على قيام وسجود وانحناء وجثو على الركبتين، وكان السيد المسيح يؤدي هذه الأوضاع في صلاته خلال حياته، ثم قامت الكنيسة بتغيير هذه الأوضاع وخاصة السجود، وأصبحت صلواتهم تؤدى جلوسا أو وقوفا وفي بعض الأحيان دون سجود. فتم تهميش أغلب الحركات التي كان يؤديها السيد المسيح. وكلما اختلفت الصلاة عند المسيحيين عن صلاة المسيح التي قام بها قل تشابهها مع الصلاة في الإسلام.

ونظرا لانقسام المسيحية إلى مذاهب من كاثوليك وبروتستانت وأرثوذكس أصبح لكل طائفة طقوس معينة في الصلاة؛ فالكاثوليك يهتمون بابتداع أشكال متعددة للصلاة. أما البروتستانت، فيفتحون باب الاجتهاد على مصراعيه. وبينما يركز الكاثوليك والأرثوذكس على الصلاة باللغات المقدسة كاللاتينية، يمنع البروتستانت الصلاة بكلمات غير مفهومة.

وتؤدى الصلاة في المسيحية حسب الكاثوليك والأورثوذكس سبع مرات في اليوم والليلة، ومنها صلاة البكور وصلاة الساعة الثالثة التي تذكرهم بمحاكمة المسيح، وصلاة الساعة السادسة التي صلب فيها المسيح، وصلاة الحادية عشرة التي يقولون أنها ساعة إنزال جسد المسيح من على الصليب، ثم صلاة النوم التي تذكرهم بدفن السيد المسيح، وصلاة منتصف الليل التي تذكرهم بالمجيء الثاني للسيد المسيح. ويعتمد المسيحيون بشكل كبير على مزامير داود في الصلاة، ويركزون على ما يشتبهون في كونه يرمز للسيد المسيح والأحداث التي وقعت معه من صلب وغيره.

  

[1] الصلاة مفتاح النهضة، بول شو، تعريب فخري كرم يوسف، لجنة خلاص النفوس للنشر، الطبعة الرابعة 2000، ص: 83

[2] إنجيل لوقا 18: 1

[3] العبادات في الأديان السماوية اليهودية والنصرانية والإسلام، عبد الرازق عبد الحليم صلاح الموحي، ط الأوائل 2001، ص: 156

[4] قاموس الكتاب المقدس، نخبة من الأساتذة ذوي الاختصاص واللاهوتيين، تحرير بطرس عبد الملك وجون الكساندر طمسن وإبراهيم مطر، دار مكتبة العائلة، الطبعة الرابعة عشر، بيروت 2001، ص: 549

[5] سفر مزمور 119:

[6] كيف نصلي، اسكندر جديد، دار الهداية، الطبعة الثانية، ، استوتنغارت، 1995، ص: 34

[7] إنجيل مرقس 1: 35

[8] النصرانية والإسلام، محمد عزت الطهطاوي، مكتبة النور، الطبعة الثانية، القاهرة 1986، ص ص: 87-88

[9] إنجيل يوحنا 4: 24

[10] رسالة تسالونيك الأولى 5: 17

[11] تسالونيك الأولى 5: 17

[12] العبادات في الأديان السماوية اليهودية والنصرانية والإسلام، عبد الرازق عبد الحليم صلاح الموحي، ط الأوائل 2001، ص: 154

[13] نفسه، ص: 153

[14] نفسه، ص: 155

[15] إنجيل لوقا 18: 1

[16] اللآلئ النفسية، يوحنا سلامة، مكتبة ماري جرجس بشيكولاني، شبرا، الطبعة الثالثة، 1965، : 1/ 147

[17] سفر مزمور 119: 164

[18] علم اللاهوت بحسب معتقد الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، ميخائيل مينا، مكتبة المحبة، الطبعة الثانية، القاهرة، 1948م: 2/ 193-194

[19] المسيحية، أحمد شلبي، مكتبة النهضة المصرية، الطبعة العاشرة، القاهرة، 1998، ص: 236

[20] اللآلئ النفيسة، يوحنا سلامة: 1/ 152

[21] سفر مزمور 84: 1-12

[22] سفر مزمور 87: 1-3

[23] سفر مزمور 61: 4

[24] اللآلئ النفيسة، يوحنا سلامة، : 1/ 154

[25] اللآلئ النفيسة، يوحنا سلامة، : 1/ 155

[26] سفر أعمال الرسل 2: 31. وقد ورد في نسخة قديمة قوله: "لَمْ يُتْرَكْ فِي الجَحِيمِ". ينظر: الكتاب المقدس، كتاب العهد الجديد الإنجيل المقدس لربنا يسوع المسيح، طبعة ويليم واتس، لندن، 1848، ص: 154

[27] إنجيل لوقا 24: 24

[28] سفر مزمور 132: 1-5

[29] سفر مزمور 133: 1

[30] سفر مزمور 141

[31] مثالية وروحانية الصلاة بالأجنبية، شنودة الثالث، الكلية الإكليريكية بالقاهرة، الطبعة الأولى، القاهرة، 1998، ص: 66

[32] إنجيل متى 24: 42-44

[33] سفر مزامير 119: 62

[34] اللآلئ النفيسة، يوحنا سلامة، : 1/ 155

[35] سفر مزمور 63: 6

[36] سفر التثنية 6: 4-9

[37] سفر العدد 10: 35-36

[38] سفر إشعياء 9: 6-7

[39] العبادات في الأديان، يوحنا سلامة، ص: 160

[40] سفر مزمور 141: 2

[41] سفر مزمور 28: 2-8

[42] سفر التثنية 6: 4-9

[43] العبادات في الأديان، عبد الرزاق الموحى، ص: 162

[44] رسالة أفسس 4: 1-2

[45] الصلاة الإنجيلية كما في مرقس 15: 25. هذا ليس كتابا، بل إشارة إلى مكانها في الإنجيل.

[46] سفر مزمور 26: 6-8

[47] سفر مزمور 43: 3

[48] مثالية وروحانية الصلاة بالأجنبية. شنودة الثالث، الكلية الإكليريكية بالقاهرة، الطبعة الأولى، القاهرة 1998 ص: 86-90

[49] سفر مزمور 20: 19-20

[50] مثالية الصلاة، شنودة الثالث، ص: 64

[51] إنجيل يوحنا 14: 29-31

[52] اللآلئ النفيسة، يوحنا سلامة، : 1/ 151

[53] سفر أعمال الرسل 10: 9

[54] الصلاة الإنجيلية كما في متى 27: 46. هذا ليس كتابا، بل إشارة إلى مكانها في الإنجيل.

[55] سفر أعمال الرسل 3: 1

[56] سفر مزمور 116: 17-19

[57] سفر مزمور 112: 1-3

[58] سفر مزمور 113: 4-6

[59] سفر مزمور 115

[60] مثالية الصلاة، شنودة الثالث، ص: 65

[61] إنجيل متى 27: 46-50

[62] اللالئ النفيسة، يوحنا سلامة، : 1/ 153.م.س

[63] قاموس الكتاب المقدس، نخبة من الأساتذة ذوي الاختصاص واللاهوتيين، ص: 5549. والمسيحية، أحمد شبلي، ص: 197

[64] رسالة بولس إلى تيموثاوس الأولى 4: 3-5

[65] كيف نصلي، إسكندر جديد، ص: 35

[66] رسالة كورنثوس الأولى 14: 2

[67] رسالة كورنثوس الأولى 13: 1

*مؤمنون بلا حدود

أضف تعليقك
باحث موريتاني متخصص في مقارنة الأديان وحوار الحضارات، يشغل منصب أستاذ متعاون في المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية. من بين منشوراته، نذكر: " نفي ألوهية المسيح من خلال الإنجيل"، و"الإنجيل وتاريخ كتابته".