الجامعات العربية بحاجة إلى إصلاح حقيقي

الجامعات العربية بحاجة إلى إصلاح حقيقي

دعيت هذا الصيف لحضور المؤتمر العالمي لدراسات الشرق الأوسط في برشلونة في اسبانيا، والذي يعقد مرة كل ثلاث سنوات، وشارك فيه أكثر من 2500 شخص من الباحثين الذين اشتركوا في 500 ورشة عمل وحضروا عشرات الأفلام والحفلات الموسيقية وأكشاك الناشرين والاحتفالات الثقافية.

ومما أثار الاهتمام، أو بالأحرى الحزن، بشأن هذا الحدث العالمي هو أنني لم أكن قادرا على إيجاد موقع لأي باحث يمثل جامعة عربية من بين الآلاف من الباحثين الحاضرين، فلم يكن هناك وجود لأي ناشر عربي ولا لأية جامعة أو مركز أبحاث؛ ولكي نكون منصفين فقد التقيت العديد من الباحثين العرب واستمعت إلى عدد من الطلاب العرب، إلا أن جميعهم كانوا أعضاء في جامعات أجنبية، ولم يكن هناك أي حضور لأية جامعة عربية في مؤتمر عالمي كهذا حول دراسات تخص الشرق الأوسط.

التقيت الدكتورة "آن ليش"، وهي نائب رئيس الجامعة الأميركية في القاهرة، تذكرت جملة لا تُنتسى ذكرتها "ليش" قبل عشرين عاماً عندما كانت في كلية فيلانوفا إذ قالت آنذاك: "إن مكتب منظمة التحرير في واشنطن هو آخر مكان أحتاج أن أذهب إليه إذا أردت الحصول على معلومات عن منظمة التحرير الفلسطينية".

لا يسعني إلا أن أدلي بتعليق مماثل على أساس ما رأيته في برشلونة وأقول: "إن الجامعات العربية هي آخر مكان يمكن للمرء أن يذهب إليه إذا رغب  في أن يجد معلومات حول العالم العربي".

لماذا لا تملك جامعاتنا أية معلومات حول منطقتنا تقدمها لهذا الحدث الأكاديمي العالمي؟ فلو كان هذا المؤتمر مؤتمراً علمياً لكنت قد وجدت لهذه الظاهرة مبرراً.  ومع ذلك، فإن البحث العلمي يتطلب كثيراً من المال؛  فأنت تحتاج إلى مختبرات ومعدات تقنية لإجراء الأبحاث العلمية. ولكن لم يكن هذا الحدث منتدى للبحث العلمي فحسب، بل كان معظمه حول العلوم الاجتماعية. لماذا لا يستخدم طلاب الجامعات العربية على الأقل مناسبات مثل منتدى برشلونة هذا لعرض أبحاثهم؟  هل لأنهم لا يقدرون على شراء تذكرة سفر إلى اسبانيا أو أنهم لا يقدرون على دفع رسوم التسجيل في مؤتمرات دولية كهذه؟  أشك أن هذا هو السبب إلى حد ما.  والجواب على الأرجح هو أن الأبحاث ليست من أولويات الجامعات العربية.  إن المقولة التي تقول "انشر أو اندثر" لا يبدو أن لها وزنا كبيرا في الجامعات القائمة في العالم العربي.

تلقيت هذا الأسبوع مكالمة من صديقة صحفية قديمة تريد مني أن أعثر على شخص لمساعدة ابنها في أطروحته؛ وهو طالب ماجستير في جامعة في انكلترا وتريد أن تتأكد من أن ورقة أطروحته ستسير على ما يرام، اعتقدت في البداية أنها تريد مجرد مدقق لغوي لتصحيح الأخطاء النحوية أو الإملائية.. نعم، إنها أرادت ذلك، ولكنها كانت تريد شيئا أكثر من ذلك بكثير، كانت تريد أن يراجع أحدهم الأطروحة من حيث الهيكل والمحتوى والمنطق العام.  رفضت طلبها وأخبرتها أن هذا الأمر يتعارض مع كل ما أؤمن به، علما أنه يوجد لدى أحد أقاربي في محيط الجامعة في عمان مكتب يقوم أسبوعياً بالإضافة إلى تصوير الكتب وغيرها من الوثائق بكتابة أوراق الأطروحة لكل أنواع الطلاب وذلك لقاء أجور. 

عندما تكون الجامعات على استعداد لقبول الطلاب ذوي العلامات المتدنية مقابل رسوم عالية فإن هناك أمراً غير صحيح بشكل جذري في نظام التعليم العالي.

إن لدى شعب الأردن وفلسطين والشرق الأوسط احترام كبير للتعليم العالي، وهذا شيء عظيم بشكل عام، ولكن للأسف، فإن الشغف بشأن الحصول على شهادة جامعية قد تم إساءة استخدامه من قبل الجامعات التي خفّضت مستواها بهدف تلبية الطلب المرتفع للحصول على درجة جامعية مما يخفّض القيمة الحقيقية لهذه الشهادات بسرعة في سوق شديدة التنافس.

دلت دراسة استقصائية لأفضل 500 جامعة عالمية أنه لم يصل ولا معهد عربي واحد للتعليم العالي إلى هذه المجموعة المرموقة، وفي حين تهدف كل جهودنا إلى الحصول على شهادات جامعية، فإن الكليات المجتمعية والمهنية تُعطى اهتماماً لا يذكر بينما العديد من الدول الأخرى توفرها لخريجي الدرجة الثانية.

يقول المثل إن كل طبيب أو مهندس يحتاج إلى أربعة أو خمسة أشخاص يقدمون له/لها المساعدة، وغياب الخريجين الجيدين من الدرجة الثانية يعني أن الأردن يحتاج إلى استيراد اليد العاملة (الممرضات على سبيل المثال) أو أن كثيراً من الأطباء أو المهندسين يستوردون من يساعدونهم في عملهم.

وبينما تنشر الجامعات قوائم لعشرات الآلاف من الطلاب المقبولين للفصل الدراسي في الخريف، فإن الوقت قد حان حتى يلقي المسؤولون الحكوميون والتربويون والمخططون الإستراتيجيون نظرة طويلة وعميقة على وجهة التعليم العالي عندنا وأين نحن ذاهبون. وكلما أسرعنا في أن يحصل هذا القطاع على الهزة التي يحتاجها كلما عادت البلاد إلى المسار الصحيح للتنمية والازدهار.

أضف تعليقك