استاذ شريعة اردني: صيام الصغار من باب التعليم وليس واجبا

 يتجدد الجدل مع قدوم شهر رمضان كل عام حول صيام الاطفال غير المكلفين شرعا، فبين من يصر على اجبار اطفاله على الصيام من باب تعويدهم وجعلهم يلتزمون بهذه الفريضة منذ الصغر وبين من يعتبر ذلك يحمل الطفل اكبر من طاقته وربما يجعله يدعي الصيام ومن ثم تنمية سلوكيات سلبية لديه مثل الكذب.

وردا على سؤال حول الاثار النفسية والاجتماعية التي يتركها اجبار بعض الاهالي للاطفال دون العاشرة على الصيام رغم عدم قدرتهم على ذلك اكدت استاذة الارشاد والصحة النفسية والباحثة في قضايا الاسرة الدكتورة سعاد غيث، انه في البداية على الاباء ان يعوا أن الطفل غير البالغ ليس مكلفا من ناحية شرعية، وينحصر دور الاباء تربويا على ان يبدأوا بتدريبهم على فكرة الصيام ومعنى الصيام ومضمونه وجزء منه فقط هو الامتناع عن الطعام والشراب امتثالا لاوامر الله تعالى، والجزء الاكبر منه هو تهذيب النفس والتركيز على ضبطها والترفع عن الصغائر ، بحسب الرأي.

واضافت غيث ان جزءا كبيرا من الصيام هو التدريب على ضبط النفس وتقديم هذه القيم لتكون جزءا من شخصية الطفل والتركيز عليها، والبدء بدمجها مع فكرة الامتناع عن الطعام والشراب بالتدريج حسب عمر الطفل، على ان الاهل يجب ان يكونوا القدوة بهذه الممارسات.

واوضحت غيث ان الاجبار والاكراه مؤذ للطفل ومضاره من المتوقع ان تكون كبيرة، وربما يجبر الطفل على القيام بما يسمى اقتران او اشتراط ما بين الصيام وما بين التعب والجوع وما بين الاجبار، فالنفس الانسانية لا تحب الاجبار والاكراه على شيء وبالتالي تصبح مشاعرهم وافكارهم عن الصيام موسومة بالسلبية، وربما يمتثلوا امام الاهل ويلتزموا بالصيام لكن داخليا لم تتحقق الغاية المرجوة من الصيام وفهم معناه ومغزاه.

وبينت غيث ان الاطفال قد يلجؤا الى بعض الاساليب الاخرى في حال اجبارهم على الصيام مثل ادعاء الصيام رغم انه في الحقيقة غير صائم، فيصبح يختبىء عن الاعين ليأكل ويشرب، معتبرة ان وصول الاطفال لهذه الافعال رغم حسن نية الاهل هو امر سيء للغاية، ويؤدي الى ان ينشىء الطفل على الخداع والتزييف والادعاء، كما أنه سيكون نظرة سلبية لذاته باعتباره كاذب ومخادع، ولن يكون سعيدا بهذه النتائج التي سيحصل عليها الاهل في حال اجبروا اطفالهم على الصيام دون التدرج والتعليم والحصول على قبولهم لهذا الامر.

ودعت غيث الى مراعاة الفروق بين الاطفال فليس الاطفال جميعهم يمتلكون طاقة جسدية وامكانيات تساعدهم على الصيام في اعمار صغيرة

وهذه نقطة في غاية الاهمية يجب على الاهل ان ينتبهوا لها، فهناك اطفال قادرين على تحمل الصيام بل ربما يصرون للسماح لهم بالصيام، وبهذه الحالة يجب تعزيزهم والثناء عليهم مع تذكيرهم انهم يستطيعوا ان يفطروا متى ارادوا او شعروا بأنهم غير قادرين على الاستمرار، ولكن ما يجب الانتباه له جيدا هو ان يقوم الاهل بمقارنة بقية الاطفال في المحيط العائلي بالطفل الذي يتطوع من ذاته للصيام ولديه القدرة الجسدية على ذلك وان يعتبروه مثالا يجب الاقتداء به، مطالبة الاهل بالتوقف عن المقارنات بين الاطفال، وان يتم مقارنة الطفل بنفسه فقط ?ثل الطلب منه صيام 3 ساعات في اليوم الاول وفي اليوم التالي زيادة المدة بفارق بسيط وتكرار ذلك، وطريقة اخرى ممكن ان تكون جيدة بحيث يقوم بمحاولة الامتناع عن الطعام لفترة طويلة نسبيا بعد وجبة الافطار لمساعدته على محاولة الصيام في السنوات التالية وهذه الفكرة تساعد ايضا بتعزيز فكرة امتناعه عن الطعام والشراب لفترة محددة في محاولة لجعله يسمو بنفسه والتعامل مع الامر بشكل روحاني بعيدا عن طبيعته البشرية التي ترغب الطعام والشراب.

من جانبه اكد استاذ الشريعة الاسلامية في جامعة البلقاء التطبيقية الدكتور محمد علي الهواري ان تربية الاولاد على الالتزام بأحكام الدين عقيدة وشريعة وخلقا واجب شرعي على الوالدين وهي مسؤوليتهما، وهذه المسؤولية تستلزم قيام الوالدين ببناء الجانب العبادي لدى الاولاد متمثلا بأركان الاسلام، وهذا التعليم يقربهم الى الله تعالى وتعليمهم العبادات في الصغر ادعى الى ثبات التعليم في نفوسهم وعقولهم

واضاف الهواري ان تربية الاولاد وتعليمهم يحتاجان الى ذكاء وحكمة في التعامل وصدق في الاداء وصبر على التعليم للوصول الى الغاية المنشودة المتمثلة في التزام المتعلم بما تعلم، ومع قدوم شهر رمضان يجب علينا تعليم اولادنا الصغار وتدريبهم على صيام هذا الشهر طاعة لله ورسوله والتزاما بأحكام ديننا القويم

واوضح الهواري انه ونحن نقوم بهذا الواجب يجب مراعاة العديد من الامور اهمها ان تكون نية الوالدين في تعليم اولادهم الصيام خالصة لوجه الله تعالى، والتأكيد على ان صيام رمضان طاعة لله ورسوله وعبادة نتقرب بها الى الله عز وجل، وان الصيام ليس عادة الفها المسلمون ويقومون بها على هذا الاساس، وان صيام الصغار من باب التدريب والتعليم والتمرين عليه لانه ليس واجبا عليهم كونهم لم يصلوا سن التكليف الشرعي (البلوغ)، وتدريبهم وتمرينهم انما هو تقوية لإرادتهم وقدرتهم على التحمل طاعة لله ورسوله، والتدرج في تعليم الاولاد الصيام حس? اعمارهم والفترة الزمنية التي يمكن للصغير ان يتحملها دون طعام او شراب.

وبين الهواري انه يفضل ان يبدأ بتعلم الصغار الصيام من سن سبع سنوات اذا اطاقوا الصيام، واشغال الاولاد بما يعود عليهم بالنفع حتى يحين موعد الافطار في رمضان، على ان يتزامن محاولة صيامهم مع تعليمهم احكام الصيام واركانه وشروطه وسننه ومبطلاته وتعليمهم تلاوة القران الكريم، ومكافأة الصغار على قيامهم بالصوم ايا كانت الفترة الزمنية التي يصومونها تبيينا لهم حسن عملهم.

ودعا الهواري الوالدين ان يكونا القدوة الحسنة لصغارهم في الصيام واحكامه ليكون التعليم علما وسلوكا وعملا، وان يعيش الوالدان وصغارهم السعادة والفرح ان قدر لهم الله عز وجل صيام هذا الشهر المبارك.