مسلسل 1899..مراجعة سريعة

كان الجميع يترقب مسلسل 1899 من اللحظة التي أعلنت فيها نتفليكس عن قدومه من مبدعي المسلسل الألماني الشهير Dark باران بو أودار (Baran bo Odar) ويانتجي فريزي (Jantje Friese). لكن هذا الترقب الشديد جعل العديد من المشاهدين يتوقعون رؤية نسخة أخرى من مسلسل Dark، لكن الأمر ليس كذلك تماماً.

 

يبحر 1899 في بحره الخاص فيه، وبالرغم من أنه يتضمن لغزاً معقداً آخراً سيجتذب محبي مسلسلات الغموض والألغاز بالإضافة إلى الكثير من عناصر التلاعب الذهني، إلا أنها ليست بنفس تعقيد Dark. يمتاز المسلسل بأجواء كئيبة وسوداوية ويسير بوتيرة بطيئة ويطرح أسئلة أكثر بكثير مما يجيب عليها، وخاصة في الحلقات الست الأولى، ولا تبدأ الإجابات بالتكشف فعلياً حتى آخر حلقتين تقريباً. لو كنتم من الأشخاص الذين لا يحبون المسلسلات التي تترككم مع أسئلة أكثر من الأجوبة، فهذا المسلسل ليس لكم. لكن لو كنتم من عشاق هذا النوع فأمامكم رحلة مميزة تتطلب قدراً كبيراً من الصبر والتحليل.

يروي 1899 قصة مجموعة من الشخصيات المتنوعة من بلدان مختلفة من أنحاء أوروبا، الذين يجدون أنفسهم على متن السفينة البخارية "كيربيروس" التي تبحر بهم نحو العالم الجديد. ومن بين الركاب الذين يتجاوز عددهم 1500 راكب، يسلط المسلسل الضوء على حفنة من الشخصيات المختلفة التي تتكلم كل مجموعة منها بلغة مختلفة.

تدعى بطلة المسلسل الرئيسية مورا فرانكلين (إيميلي بيتشام)، وهي طبيبة نوعاً ما، والتي تستيقظ في غرفتها على متن السفينة بعد ما يبدو بأنه كابوس ما، ولا يتردد المسلسل في الكشف عن التفاصيل المهمة من المشاهد الأولى، حيث نرى بوضوح أن هناك علامات وثاق على رسغيها، قبل أن تلتقط تلك الصحيفة عن الأرض والتي تكشف عن وجود سفينة أخرى مفقودة، ثم نلحظ ظرفاً باسم "هنري" مع ملاحظة تقول "ما ضاع سيظهر".

تخرج مورا من حجرتها إلى متن السفينة التي تغطيها أجواء تلك الحقبة، وسرعان ما يستحضر المشهد أجواء التايتانيك والشعور بأن هناك شيء مشؤوم يلوح بالأفق. حيث تنقسم السفينة بشكل مشابه إلى طبقتين، الثرية التي تجلس في القسم العلوي الفاره، والفقراء الذين يتجمعون في القسم السفلي في ردهة واحدة، وفي أسفل الجميع هناك العمال الذين يعملون على تغذية مرجل السفينة بالفحم دون توقف.

وسرعان ما نتعرف على بقية الشخصيات الهامة بالمسلسل، بداية من الأخوين الإسبانيين الغامضين أنخل وشقيقه رجل الدين راميرو (أم هل هما كذلك)، إلى الغايشا الصامتة والحزينة لينغ يي ووالدتها، والزوجان الفرنسيان في شهر عسلهما غير السعيد كليمانس ولوسيان، والعائلة الدانماركية المتدينة وابنهم كريستر وابنتهم توف، وحتى أحد المتسللين الذي يدعى جيروم. والأهم بالطبع القبطان آيك لارسين (آندرياس بيتشمان الذي يعرفه الجميع لبطولته في مسلسل Dark) المسؤول عن السفينة العملاقة ومساعده.

إنها مجموعة شديدة التنوع من الشخصيات، لا تجمعهم معرفة مسبقة أو أي شيء آخر سوى أنهم على متن نفس السفينة، وحقيقة أنهم جميعهم يهربون من ماضيهم ويبحثون عن بداية جديدة في أمريكا. وحتى عندما يتكلمون فيما بينهم فإن كل شخصية تتكلم بلغتها، الأمر الذي لا يشكل أي مشكلة في الواقع بشكل مثير للاستغراب نظراً لأنهم لا يفهمون دائماً ما يقوله الأفراد الآخرون، مما يعطي شعوراً بأن الحوار نفسه ليس مهماً بقدر أهمية ما يجري من حولهم والذي يجمعهم في مجموعات غير متوقعة.

تبدأ كل حلقة مع ما يمكن اعتباره لقطة فلاشباك بالواقع الافتراضي لإحدى الشخصيات، حيث أنها ذكرى وفي نفس الوقت تجري في الوقت الحالي بالنسبة لكل شخصية. ويعطي هذا المشهد لكل شخصية مزيداً من العمق والقصة الخلفية لنفهم دوافعها لاحقاً. فيبتعد المسلسل عن فخ الشخصيات السطحية بالرغم من عدد حلقاته القصيرة وشخصياته الكثيرة.

تجتمع هذه الشخصيات على متن سفينة "كيربيروس" التي تمتاز بأجواء مظلمة مع الكثير من الممرات التي تتوزع عبرها الغرف في ردهات شبيهة بالمتاهة، إلى جانب أبواب سرية غريبة. مع موسيقى تصويرية تضفي المزيد من الغموض. مما يجعل السفينة إطاراً مثيراً للفضول.

لسوء حظ الركاب، تنحرف رحلتهم عن مسارها عندما تتلقى سفينتهم رسالة متكررة تحمل إحداثيات تبتعد عنهم مسافة 7 ساعات فقط. يشك القبطان أن هذه الرسالة قادمة من السفينة المفقودة "بروميثيوس" التابعة لنفس الشركة، والتي كانت قد اختفت قبل 4 أشهر من دون أي أثر. فيقرر الانحراف عن المسار والذهاب للتأكد من تلك الإحداثيات، مما يؤدي إلى سلسلة من الأحداث الغامضة.

تبدأ الأحداث بالتسارع عندما يبدأ الناس بالموت بشكل غامض على متن السفينة، فيحدث الإنقلاب الذي يغير الانتماءات والولاءات بين الركاب المختلفين. لكن بالرغم من كل الغموض المحيط، إلا أن هناك حشرة خنفساء خضراء تستمر بتذكيرنا أن ليس كل شيء كما يبدو عليه بالحقيقة. وهنا حيث تبدأ عناصر تداخل الزمان بالمكان بالتكشف أكثر.

تعاني القصة أحياناً من كثرة الشخصيات والتفاصيل التي تحاول إيصالها خلال الحلقات الثمانية، مما يجعلنا نهتم بما يجري على متن السفينة أكثر مما نهتم بماضي الشخصيات نفسها. كما أن وتيرة المسلسل البطيئة أحياناً والأسئلة التي تطول الإجابة عليها قد تجعل بعض المشاهدين غير الصبورين يشعرون بإرهاق الانتظار. ويمكن القول أن المشهد الأخير بالمسلسل هو في الواقع ذروته، حيث ينتهي بنهاية معلقة جداً تجيب على القسم الأول من الأسئلة التي طرحها المشاهدون على مدار الموسم، لكن في نفس الوقت تبقى هناك الكثير من الأسئلة التي لم نحصل على إجابات عليها مثل: ما هو الهدف من شعار المثلث الغريب هذا؟ ولماذا اضطربت البوصلة هكذا؟ وهل لأرقام الغرف دور أكبر أم أنها مجرد أرقام؟ وهل جميع من كان على متن السفينة جزء من المسألة أم فقط أفراد معينين؟ من الواضح أن الموسم الثاني سيأخذنا في رحلة مختلفة بعدما عرفنا الآن النصف الأول من الإجابات، لكن السؤال الأهم الآن هو: هل سيحافظ المسلسل على نفس أجواء الغموض الذي امتاز بها الموسم الأول بعدما عرفنا الإجابة الآن؟

أقول باختصار: قد لا يكون مسلسل 1899 مناسباً للجميع، حيث أن وتيرته البطيئة في البداية وأجوائه المظلمة والغموض الشديد فيه مع طرح أسئلة أكثر من تلك التي يجيب عليها قد تتسبب بإبعاد بعض المشاهدين. لكن بالنسبة لمحبي أعمال الغموض مثلي، فلقد استمتعت بالمسلسل للغاية، أحببت أجواءه وشخصياته، وخاصة محاولة تحليل ما يحدث، وبالرغم من أني أتمنى لو أنه امتد لحلقة إضافية للإجابة عن المزيد من الأسئلة (وخاصة في المشهد المعلّق الأخير)، إلا أنني أترقب بحماس لمعرفة إلى أين ستأخذنا رحلة الركاب في الأجواء الجديدة القادمة.

الخلاصة

يمتاز مسلسل 1899 بأجواء كئيبة وسوداوية وشخصيات متنوعة جداً ويسير بوتيرة بطيئة نوعاً ما في القسم الأول منه. لو كنتم من الأشخاص الذين لا يحبون المسلسلات التي تترككم مع أسئلة أكثر من الأجوبة، فقد لا يعجبكم هذا المسلسل. لكن لو كنتم من عشاق هذا النوع فأمامكم رحلة مميزة تتطلب قدراً كبيراً من الصبر والتحليل، وستترككم النهاية المعلقة مع ترقب للموسم القادم.

أضف تعليقك