الزواج من عائلة أحد أفرادها "ذوي إعاقة" عاراً أم ثقافة متجذّرة

تواجه عوائل الأشخاص ذوي الإعاقة رفضا للارتباط او الزواج من أحد أفرادها خوفا من معتقدات وأحكام متوارثة تفتقد الأساس العلمي تبدأ " الولاد رح يطلعوا معوقين" وتنتهي "شو رح يحكوا الناس عنا".

تعبّر نهاية عطيات عن واقع ابنتها بيأس قائلة "يتقدم لزواج ابنتي أشخاص ولا يعودون، لإنه أخوها مصاب توحد"، وتقول "جيناً واحداً" عند ابني محمود كان له دوراً كبيراً في تنميط عائلة بأسرها، والحكم على رفض الزواج منها للأبد.

يصرخ محمود بصوت مُرتفع عند رؤية أُناس جدد قادمين إلى بيته لطلب يد اخته للزواج، دون دراية عمّا يقترفه من تصرف بريء كردود فعل أي طفل من ذوي الإعاقة العقلية عند رؤيته "لأغراب للمرة الأولى".

أسئلة يرافقها فضول 

تؤكد عطيات أنه في كل مرة تقدم شاباً لزواج ابنتها أخبرتهم قبل المجيء عن إصابة أخوها باضطراب "طيف التوحد"، ومع ذلك تتعرض ابنتها دوماً للرفض بعد مجيء الناس لزيارتها والتي كما تخبر "عمان.نت"، يرمون على مسامع ابنتها أسئلة كثيرة وبطابع فضولي غريب "هل هذا الاضطراب وراثي؟، وهل أنتِ حاملة لأي جين وراثي للإصابة بأي اضطراب".

وبحسب موقع "ويب.طب" المختص بالأمراض، فإن مرض التوحد قد يكن وراثياً، وقد يظهر بفعل عوامل بيئية محيطة تزداد حدّتها مع الوقت، لكن كيفية توارثه لا تعد واضحة ومعروفة إلى الآن.

أما عن متلازمة "داون" والتي يبلغ عدد مصابيها في الأردن حسب وزارة الصحة لأكثر من 10 الآف، والتي يعتبرها المجتمع جل الإعاقات الواضحة وراثية الانتقال، فإن أغلب الدراسات العلمية أشارت إلى أن متلازمة داون في كثير من الحالات ليست وراثية، بل تحدث عن طريق الصدفة نتيجة خطأ في عملية الانقسام الخلوي أثناء المراحل الأولية لتكوّن الجنين، في المقابل ثلث حالات الإصابة بمتلازمة داون من نوع الانتقال الصبغي فقط، وتنتقل للأطفال عن طريق أحد الوالدين الحامل لهذا الخلل دون الإصابة بهذه المتلازمة، وتزداد احتمالية تكرار الإصابة بمتلازمة داون بنسبة 10% - 15% في حال كانت الأم هي الحامل للانتقال الصبغي، أمّا إذا كان الأب هو الحامل للخلل فتكون نسبة الاحتمالية 3%. 

 

حوادث تؤدي للإعاقة 

أحد أمهات الشباب الباحثين عن الزواج أم أحمد حسونة، تروي قصتها مع عائلات كثيرة دخلت بيتهم لطلب "فتاة" لابنها وبعد الاتفاق على كل شيء يخص المهر والزواج، ترفض العائلة ابنها لأن "اخته" تعرضت لنقص أكسجين أثناء الولادة.

تضيف حسونة "إصابة ابنتي "نقص الأكسجين" معرّض لها أي طفل حديث الولادة"، مؤكدة أن أثر ذاك النقص أضعف حركتها من طفولتها، وأن ابنتها حافظة لكتاب الله، مكتملة العقل، ومع ذلك يتعرض أخيها المُقبل على الزواج بسبب أحكام المجتمع وقيوده للرفض دوماً.

ترى المستشارة الاجتماعية فاديا إبراهيم أن نظرة المجتمعات تختلف بما يخص زواج ذوي الإعاقة أو أفراد أسرتهم، مرجعة ذلك لأن النفس البشرية تعتبر كل ما هو مختلف "مدعاة للقلق والخوف وفيه صورة من النقص".

وتضيف أن العائلات نفسها التي تنجب طفل من ذوي الإعاقة ما تزال تواجه الفكرة "بالرفض أو الخجل" وإن لم تعبر فقد ترفضه داخلياً بمنأى عن ناظر المجتمع، فالقضية من وجهة نظر إبراهيم ثقافة متأصلة في وعي المجتمع الحقوقي.

وتخصص معاناة ذوي الإعاقة وعائلاتهم في قضية الزواج، لأن الناس يشغلها قضية انتقال الإعاقة وراثياً، وتؤكد أنه من ناحية عقلانية فمن حق أي شخص عند الارتباط "الحذر والدراسة الجيّدة لتاريخ الأمراض الوراثية للعائلة" و من حقه أن يعرف إذا كان في عائلة شخص من ذوي الإعاقة أم لا.

فحوصات تسبق الزواج ..مرحلة مفصلية

وتلفت إلى أهمية الصحة الإنجابية وتفادي إنجاب أطفال حاملين لأمراض وراثية، وأن الخطوة المهمة في تقدم طلب فتاة أو قبول شاب للزواج أحد أفراد أسرته من ذوي الإعاقة " فحص ما قبل الزواج، والفحص المبكر للحمل" التي من شأنها أن تفلل احتمال إنجاب أشخاص من ذوي الإعاقة.

لا يوجد إشكال في رفض فتاة أو شاب للزواج، فهذا يحصل في كل المجتمعات، لكن تختلف طريقة الرفض وتوجيه الأسباب، وتقول إبراهيم إنه العائلات التي أحد أفرادها من ذوي الإعاقة يجب أن تكن أكثر حرصاً على أنفسهم ومستقبل أطفالهم أكثر من المتقدم للزواج نفسه.

مؤسسة جمعية "أنا إنسان" لحقوق الأشخاص من ذوي الإعاقة آسيا ياغي، تقول المشكلة تكمن إنه حتى الأشخاص الذي أتت إعاقتهم بفعل حادث قد يرفضون، مما يعني أنها ظاهرة تسيء الناس تقبلها رغم أنها خفّت حدتها بالآون الأخيرة بحسب ياغي.

الرفض خجلاً 

"الرفض سببه خجل وثقافة المجتمع"، وترى أن هذه النظرة الرعائية والشفقة تتجذر في عمق المجتمع الأردني وثقافته، وأن بعض الأشخاص يخفون أحد أفراد العائلة إذا كان من ذوي الإعاقة لإتمام مرحلة كتب الكتاب، مما يظهر الفجوة الحقوقية في مجتمعنا وممفهوم "العيب" في المجتمع. 

وبأسف تعبّر ياغي قائلة "تعرضت مرة لأن يغيّر كثير من الأشخاص مجلسهم عن طاولتي ظناً منهم أن الإعاقة الحركية معدية" مما يدل على غياب الوعي بقضية الأشخاص من ذوي الإعاقة.

وتؤكد أن الرفض أو البعد عن مناسبة عائلات أفرادها لديهم إعاقات، هو تصرف سلوكي غير مقصود، يبدر من المجتمع بسبب ما لديه من أفكار ومعتقدات حول الإعاقة.

 
أضف تعليقك