يدٌ على الكتف.. أمريكا والأردن بعد تموز

من المؤكد ان الصورة التي أظهرت الرئيس الأمريكي جو بايدن وهو يضع يده اليمنى على كتف ولي العهد الأمير الحسين وعيون الملك الأب عبد الله الثاني وهي ترقب المشهد بكامل الرضا لن تغيب عن رحلة العائلة الملكية لواشنطن كأول رحلة لزعيم عربي يزور البيت الأبيض بعد مرور نحو سبعة أشهر على انتقال بايدن الى البيت الأبيض.

تظهر الصورة حجم الحميمية التي تجمع الملك عبد الله الثاني بالرئيس بايدن الذي استذكر أكثر من مرة علاقة الصداقة التي تجمعه بالملك الراحل الحسين بن طلال وبالملك عبد الله حين كان أميرا، ولم يتوانى في تذكير ولي العهد الأمير الحسين بتلك العلاقة التي تجمعه بالجد وبالأب.

وتقول الصورة كل شيء، وتشي بالكثير الذي يمكن البناء عليه تأويلا وتفسيرا، فمنذ البداية كان الأردن يراهن على فوز بايدن باعتباره الطريق الوحيد لدفن حالة الحصار والتآمر التي فرضها الرئيس السابق دونالد ترامب على الملك عبد الله من جهة وعلى الأردن من جهة اخرى، فقد كان ترامب يقوم بدور فوهة البندقية الإسرائيلية التي يحملها بنيامين نتنياهو ضدنا محاصرة وتهديدا وعبثا بالأردن اقتصاديا وسياسيا وأمنيا.

كان الأردن ينتظر الخلاص من عدوين متوجين، الأول في واشنطن والثاني في تل ابيب، وبسياسة الصبر والتوازن والتكيف البطيء نجح القصر في امتصاص كل ضغوط ادارة ترامب، وهذا ما دفع بالملك عبد الله ليكون أول المهنئين لبايدن قبل ان يكون أول الزائرين له.

وفي تلك الصورة التي تبدو وكأنها عائلية تماما، فقد أظهرت كما من العواطف والعلاقات الحسنة بين الزعيمين، ثمة تفاصيل فيها تقول بالحرف الواحد إنها أهم صورة يمكن الحصول عليها الآن ولاحقا، وربما كانت أهم صورة للملك ولولي العهد خلال السنوات الأربع الماضيات.

سألت العديد من الزملاء الصحفيين وعدد محدود جدا من السياسيين الأردنيين عن أهم ما شاهدوه ورصدوه في الزيارة الملكية لواشنطن، ولم أشعر بالمفاجأة أبدا من إجماعهم على تلك الصورة، كل واحد منهم كان ينظر للصورة بعين الرضا، بل إن رئيس وزراء أسبق قال لي بالحرف الواحد"إنها اهم ما نتج عن تلك الزيارة"، والغريب أن زميلا صحفيا قال لي هو الآخر" إنها أهم ما ظهر في تلك الزيارة "، لقد توافقت التقييمات على بعد كل منها، وكأن الجميع وبدون علم أحد منهم استخدموا نفس المنظار الذي رأيته فيها، دعم لا محدود لولي العهد، ودعم لا يحد للملك عبد الله الثاني، فيما قالت الصورة أشياء أخرى عن اولئك الذين قتلتهم طموحاتهم في المنطقة والإقليم فتورطوا فيما لا يتقنون صنعه، فتكشفت نواياهم قبل أن تتقصف مخالبهم.

وتقول الصورة ما لم تقله حكايات الكواليس، وأسئلة المستقبل عن الدور المقبل للأردن الذي يتقن القيام بدور الوسيط النقي، ويتقن القيام بدور المدافع الأمين عن القدس ومقدساتها، ويتقن أكثر العودة الى المشهد باعتباره العائد للجلوس فوق الطاولة هذه المرة بعد أن حاول ترامب وحلفائه في المنطقة والإقليم إبقاء الأردن جالسا خلف الأبواب متلقيا لا مرسلا.

هناك في الصورة الكثير مما يمكن استقراءه فيها، ويكفي القول فقط إن اليد التي على الكتف كانت هذه المرة تفتح الأبواب التي أوصدت أمام الأردن كوسيلة ضغط على الملك عبد الله الثاني ليوقع على أوهام ترامب ونتنياهو، فتدحرجا خارج التاريخ خاسران يلوذان بالصمت فيما عاد الأردن ليجدد لاءاته لأية سيناريوهات تريد النيل من القدس ومن القضية الفلسطينية.

وما بعد الصورة ليس ما قبلها، هناك تغير وتكيف في الإقليم وفي العالم، وعلى الأردن ان يتكيف ويتغير، لقد بدأنا الخطوة الأولى من رحلة الآلف ميل باللجنة الملكية لتحديث الحياة السياسية، والأهم ان لا نتوقف عندها، وان لا نترك الحبل على غاربه، وبالمزيد من التحديث الجاد مشفوعا بارادة سياسية يمكننا إنجاز ما يطمح الأردنيون له لبناء مستقبلنا السياسي بعد ان يضع كل منا يده على كتف الآخر لنتكيء جميعا على كتف الملك..

أضف تعليقك